المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في الذكرى (21) لقرار ضم الجولان



SHARIEF FATTOUH
03-20-2010, 09:59 PM
1388

في الذكرى الحادية والعشرين لقرار ضم الجولان

بقلم: أيمن ابو جبل


سنوات عدة مضت على الإضراب التاريخي الذي نفذته جماهير شعبنا في الجولان العربي السوري المحتل، رفضاً لقرار الضم والإلحاق التعسفي الى دولة الكيان الصهيوني، في الرابع عشر من كانون الاول عام 1981، ورفضاً لكافة الممارسات الاحتلالية، وتأكيدا على انتماء الجولان أرضا وشعبا وهوية الى الوطن الأم سوريا. سنوات متتالية وكان الرابع عشر من شباط من كل عام شاهداً على عظمة هذا الشعب ومجد أيامه البطولية، التي كانت للعالم أجمع عنوان صمود وتحدي وتأكيد على أن عرب الجولان كانوا وما زالوا وسيبقون الى الأبد عرباً سوريين يفخرون بانتمائهم وعنه لن يرضوا بديلاً. واليوم وبعد مضي كل تلك السنوات، نقف بالنقد والتحليل والتقييم لهذه التجربة، علنا نستطيع من خلالها ان نرصد بعض المهام لمستقبلنا الغامض في ظل تواصل عنجهية الاحتلال ورفضه الانسحاب من أرضنا كما تنص عليه الأعراف الدولية وقوانين الفعل المقاوم .

مقدمات ضم الجولان الى الدولة العبرية :

مع ضمان سيطرتها على كامل الأراضي العربية السورية في الجولان المحتل، بدأت دولة الاحتلال العمل على محو الآثار العربية في الجولان وتغيير معالمها الجغرافية والتاريخية، فباشرت في عمليات هدم القرى العربية بعد طرد أصحابها الشرعيين أثناء الحرب العدوانية عام 1967، وأقامت مكانها المستوطنات اليهودية واستبدلت أسمائها العربية بأخرى عبرية، وأعلنت عن عثورها على اكتشافات أثرية مزعومة تؤكد ملكية اليهود للأراضي العربية السورية في الجولان، تعود الى عهود توراتية قديمة. وباشرت فور استتاب الأمن في استبدال مناهج التدريس السورية، وفصل المعلمين والمدراء وإقالتهم من سلك التدريس، وأعلنت عن كل مناطق الجولان المحتل مناطق تحت وصاية الحكم العسكري، الذي طارد ولاحق الوطنيين، وصادر المياه والأراضي والمرافق الاقتصادية الصغيرة التي يملكها السكان، بحجة إنها أملاك للغائبين "الذين طردتهم بقوة السلاح عن ديارهم"، وفرض مجالس محلية عميلة ومحاكم مذهبية دينية، ومنع قيام جمعيات خيرية ونواد محلية، وبالمقابل فرض نوادي للهستدروت في محاولة لتنظيم السكان، ودمجهم في المؤسسات الإسرائيلية.

وفي غضون ذلك كانت الدولة العبرية تعد العدة لتنفيذ مشروعها السياسي في ضم الجولان من خلال وسائل إعلامها، التي استخدمت ذرائع شتى وأكاذيب لإعطاء خطواتها الصبغة القانونية والأخلاقية للإعلان عن ضم الجولان، من خلال حث العملاء الذين رهنوا مصيرهم مع مصير الدولة العبرية على المطالبة في ضم الجولان بحجة أن السكان العرب السورين يرغبون في ذلك للعيش مع إخوانهم من عرب فلسطين "الدروز". ولإيهام الرأي العام المحلي والدولي برغبة السكان هذه، أصدرت الكنيست الإسرائيلية قانون يخول وزير الداخلية بمنح هويات مدنية مقرونة بالجنسية الإسرائيلية لمواطني الجولان المحتل قبيل إعلان قانون ضم الجولان وبدء تطبيق القوانين القانونية والإدارية على مناطق الجولان المحتل. وقد سبق قانون ضم الجولان رسمياً الى الدولة العبرية خطوات عملية عديدة كان أبرزها: الضغط على المواطنين لتعبئة نماذج يتم من خلالها حصولهم على الجنسية الإسرائيلية، والإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وإجبار كل من يتقدم بأي طلب الى سلطات الحكم العسكري لحاجة معينة صحية، معيشية، تعليمية، أو أي حاجة أخرى، على التقدم بطلب لمنحه الجنسية الإسرائيلية قبل الموافقة أو الرد على طلبه، وتجلى ذلك بوضوح من خلال رفض السلطات الإسرائيلية تسجيل الولادات والوفيات إلا لمن تقدم وطلب الجنسية الإسرائيلية.

المقاومة الشعبية:

أدرك مواطنو الجولان خطورة السياسة الإسرائيلية الرامية الى سلخهم عن انتمائهم الوطني والقومي وتجريدهم من جنسيتهم العربية السورية الموروثة من الآباء والأجداد، وأعلنوا رفضهم القاطع استلام الجنسية الإسرائيلية مهما كلفهم ذلك من تضحيات. ومن أجل ذلك دعت الهيئات الوطنية إلى اجتماع عام تقرر فيه مقاومة المشروع الإسرائيلي وأدواته المأجورين من العملاء الذين حملوا السلاح إلى جانب قوات الأمن الإسرائيلية أثناء مداهمة البيوت وحملات الاعتقال والتفتيش وعلى الحواجز العسكرية، وساهموا في تشويه إرادة مواطني الجولان إعلامياً. وقرر المجتمعون بالإجماع الإعلان عن الحرمان والمقاطعة الاجتماعية والاقتصادية الكاملة لكل من تسول له نفسه استلام الجنسية الإسرائيلية، ومقاطعة العملاء ومحلاتهم التجارية، ومنع التزواج منهم، وحظر المشاركة في أفراحهم وأحزانهم، وعدم التحدث معهم، ورفض أي تعامل معهم. وقرر المجتمعون الذين عبروا عن الإرادة الشعبية لمواطني الجولان إصدار الوثيقة الوطنية لمواطني الجولان، التي تضمنت قرارات تدعو الى مقاومة محاولات تطبيق القانون الإسرائيلي على الجولان أرضا وشعباً. وقد تحولت الوثيقة الوطنية الى قانون مقدس ينظم ويسير العلاقات الداخلية لمواطني الجولان، لصون الوحدة الوطنية أولاً، وركيزة للعمل المقاوم ضد المحتل ثانياً. وأصبحت كل المناسبات الجولانية مناسبات يجددون فيها انتمائهم للوطن الأم سوريا، ورفضهم كل شكل من أشكال الاحتلال، ومناسبة لتصعيد الحملة على العملاء وطردهم من كافة المناسبات. وقد برز التلاحم الوطني حداً لم تشهده الساحة الجولانية من قبل في ان يمنع قريب لمتوفى أو لعريس متزوج من المشاركة في المناسبة مهما كانت درجة القربى معه. وقد ردت السلطات الإسرائيلية على خطوات المواطنين بالقوة، وتسليح العملاء، وحثهم على إثبات وجودهم ومشاركتهم بتهديد أسلحتهم، والتعرض الى الأماكن الدينية المقدسة التي كانت مراكز للقرارات والاجتماعات الشعبية الوطنية، والتعرض الى ممتلكات المواطنين بالحرق والتخريب والإيذاء الجسدي الشديد. وترافقت ردود فعل السلطات الإسرائيلية في تحويل الجولان بأكمله الى سجن مغلق، ونقل أعداد كبيرة من أبنائه الى داخل السجون الإسرائيلية وإصدار أحكام جائرة بحقهم بتهمة التحريض ضد الأمن وتهديد العملاء.

لقد لاقى قانون ضم الجولان تأييدا واسعا من المستوطنين في أرض الجولان، الذين رحبوا به وأعلنوا عن استيائهم من مقاومة مواطني الجولان العرب السورين للقرار وطالبوا بطرد كل من يقاوم القانون من الجولان وضرب أي مقاومة بيد من حديد. وفي المقابل كان التضامن القومي الواسع والشامل من عرب فلسطين مع نضال مواطني الجولان قد بلغ أرقى أشكاله من خلال الزيارات الشعبية والوفود الرسمية التي رفضت القرار جملة وتفصيلاً، ومن خلال الدعم المعنوي والمادي والعلاجي الذي وصل إلى الجولان من فلسطين رداً على حصار السلطات الإسرائيلية الذي فرضته على الجولان. وقد كان لموقف الحكومة السورية الرسمي الدور الأبرز في معارضة القرار وفضح الممارسات الإسرائيلية ضد المواطنين العزل في الجولان، مما أعطى لنضال مواطني الجولان دعماً أخلاقياً ووطنياً وشرعياً في المقاومة للمشروع الصهيوني. وبناء على طلب الحكومة السورية رفض مجلس الأمن الدولي القرار الإسرائيلي، واعتبره باطلاً لاغياً، لا يتمتع بأي مصداقية قانونية دولية معتبرا الجولان أرضاً عربية سورية محتلة.

إعلان الإضراب العام والمفتوح في الجولان السوري المحتل :

بعد رفض إسرائيل لقرارات الشرعية الدولية، ورفضها للمطالب الشعبية، واستمرارها في القمع والاعتقال والتهويد لأرض الجولان، وإعلان حالة الطوارئ في قرى الجولان، دعا مواطني الجولان الى اجتماع عام يطالب حكومة الاحتلال باحترام مشاعر السكان الوطنية والقومية والكف عن الممارسات الإرهابية والإجرامية التي تطال أبناء الجولان والإفراج عن كافة المعتقلين السورين في سجون الاحتلال، وإلغاء قرار الضم والإلحاق، والكف عن محاولات تطبيق القانون الإسرائيلي وفرض الجنسية الإسرائيلية. إلا أن السلطات الإسرائيلية رفضت مطالب مواطني الجولان وردت عليها بالمزيد من الاعتقالات، وبتشديد القبضة الحديدية على الوطنيين. وبعد أن اتضح للسكان عدم جدوى الحوار والمفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية، تقرر في اجتماع شعبي عام في تاريخ 13/2/1982، حضره الآلاف من مواطني الجولان، الإعلان عن إضراب مفتوح يشمل كافة المرافق الاقتصادية والتعليمية والتجارية، ويمنع أي تعاون مع سلطات الحكم الإسرائيلي، احتجاجاً على الممارسات التعسفية الرامية الى تطبيق القانون الإسرائيلي على أبناء الجولان بخلاف رغباتهم وأحلامهم ومطالبهم، وبخلاف المواثيق القرارات الدولية التي تضمن حقوق شعب يرزح تحت نير المحتل،

ويمكن إجمال مطالب السكان بالنقاط التالية :

1. إلغاء قانون ضم الجولان ، واعتبار الجولان منطقة محتلة من قبل جيش المحتل الإسرائيلي

2.إطلاق سراح كافة المعتقلين

3. الكف عن مضايقة السكان وعدم المس بالمصالح والممتلكات التي يملكها السكان،

4.عدم تبديل الهوية العسكرية بأي هوية مدنية أخرى.

5. إعادة الأراضي والأملاك المصادرة

6. السماح لسكان الجولان من استخدام مياههم

7. معاملة سكان الجولان حسب المواثيق الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية.

SHARIEF FATTOUH
03-20-2010, 10:05 PM
يتبع..


إفرازات الانتفاضة الجولانية :

استمر الإضراب العام والمفتوح ستة اشهر متواصلة، عانى فيها السكان من النقص الشديد للدواء والعلاج والغذاء وخاصة الأطفال منهم، بعد أن احرق العملاء مخازن علف المواشي. كان الجولان خلالها منطقة محاصرة ومعزولة تماماً عن العالم، وقد كان غزو إسرائيل الى لبنان أحد أسباب إنهاء الإضراب في العشرين من تموز عام 1982، إضافة الى رغبة إسرائيل في تهدئة الأوضاع الداخلية التي عانت منها بعد غزوها لبنان، والنقص الهائل التي عانى منه مواطنو الجولان خلال فترة الإضراب حيث ساءت الأوضاع المعيشية إلى حد لم تشهده الساحة الجولانية من قبل، واهتمام الرأي العام المحلي والدولي بما يحدث على الساحة اللبنانية بعد أن كان الاهتمام على الساحة الجولانية بحكم خطورة الحرب العدوانية على مستقبل المنطقة العربية عامة.

لقد كان قرار إنهاء الإضراب شعبياً أيضاً في اجتماع عام حضره الآلاف من المواطنين، استعرضت فيه النتائج التي أفرزتها المفاوضات مع السلطات الإسرائيلية وأهمها: الامتناع عن فرض الجنسية الاسرائيلية على السكان إلا لمن يطلبها دون ضغوطات، منع التجنيد الإجباري في جيش الاحتلال، إطلاق سراح كل المعتقلين السورين وإعادتهم الى ديارهم دون شروط، إبراز اسم هضبة الجولان في بطاقة الهوية محل اسم إسرائيل، الكف عن المضايقات التي تعرض لها السكان في أماكن عملهم قبل الإضراب في المرافق الإسرائيلية.

ورغم مرور إحدى وعشرين عاما على إعلان القرار الإسرائيلي بضم الجولان، لم تتوقف المقاومة الشعبية، وإن ضعفت وتراجعت في مواقع عدة، إلا أن الثوابت الوطنية والقومية ما زالت ثابتة تنير درب الجولان ين على طريق العودة الى حضن الوطن الأم سوريا والتحرير الكامل. ومن أجل إعطاء تجربتنا النضالية بعضاً من حقها علينا لا بد أن نستعرض القليل من عثراتنا وكبواتنا، لتكون درسا للمناضلين من بعدنا.

الرابع عشر من شباط بين الأعوام 1983-1985

إن المظاهر التي تم من خلالها إحياء ذكرى هذه المناسبة تميزت بطابعها التقليدي، الغير عنفي بشكله العام. وإذا عدنا الى الوراء لوجدنا أن المظاهر التي تجلى بها الرابع عشر من شباط اقتصرت على إعلان الإضراب العام، والدعوة الى مسيرة جماهيرية، تترافق مع مهرجان خطابي يتم إحيائه على خط وقف إطلاق النار، بمشاركة قطاعات مختلفة من أنحاء القطر والأقطار العربية الأخرى، وبمشاركة من كافة قرى الجولان المحتل، وبعض الوفود من فلسطين المحتلة. وغالباً ما كان يمضي هذا اليوم دون أي احتكاك مع قوات المحتل التي كانت تحافظ على عدم تدخلها على الرغم من المشاركة الجماهيرية الواسعة، ومرافقة هذه المظاهر برفع الأعلام السورية، وترديد الهتافات الوطنية المناهضة للاحتلال وأدواته.

أمام ذلك يتبادر مباشرة إلى الذهن التساؤلات: لماذا لم تتدخل قوات الاحتلال؟ ولماذا لم تبادر الجماهير الى تصعيد موقفها بحيث تتصادم وتشتبك مع قوات الشرطة، ونزوعها العام للمحافظة على بعد عن أي مظهر تصعيدي؟ واذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية هذه الذكرى التاريخية والسياسية وفق المنظور الثوري التقدمي المقاوم لجماهير شعبنا وقضيتها، وفي ذات الوقت خطورة هذه الذكرى على المحتل ورجالاته وأدواته وسياسته التهويدية التصفوية؟

حتى تأخذ الإجابة على هذه التساؤلات بعدها الشمولي والعام، لا بد من استعراض جملة من العوامل المحركة والمسببة لسيادة هذا الطابع السلمي على مجمل الفعاليات التي أفرزتها أحداث ما بعد العام 1982:

أولاً: على صعيد الحركة الوطنية الجماهيرية: إن مرحلة الإضراب بكل ما رافقه من نمو واضح في الشعور الوطني والقومي، وتبلوره في بوتقة الكفاح ضد الاحتلال الصهيوني، كان له الأثر على نزوع الجماهير الجولانية وعلى وجه الخصوص قواها التقدمية الواعية والمثقفة لتركيز هذه الجهود والنضالات في بوتقة العمل المنظم بأشكاله البدائية البسيطة قياساً مع المراحل العليا التي تتجلى بها عادة أي حركة وطنية، حيث الأحزاب والقوى السياسية الناضجة والنقابات ...الخ. هذا "التململ" إن صح التعبير والذي كان يتماوج بين القوة الكبيرة التي كانت تفرضها القيادات التقليدية، وبين الطموح في التقدم، كان له الإسهام الكبير في تبلور نمط مميز من المواجهة والتعبير عن الطموحات الوطنية. ومرحلة ما بعد الإضراب شهدت تحول بطئ على النوادي الرياضية باتجاه قيامها بجملة من التعديلات على بنيتها ومهامها ووظائفها الاجتماعية والنضالية، وكان لجملة هذه المعطيات التي بدأت تشق طريقها الأثر على كيفية إحياء المناسبات الوطنية عموماً وذكرى 14 شباط خاصة.

ثانياً: على صعيد الزعامات التقليدية: لا أحد يخفى حقيقة الدور الذي لعبته هذه القوى في مساهمتها بصياغة الموقف الوطني الرافض لقرار الضم، ولا أحد ينكر تأثيرها الكبير على حركة الجماهير وخطواتها أثناء الإضراب، إلا انه ومن باب التقييم والنقد لا نستطيع إنكار محدودية فعلها على كافة الصعد، أكان ذلك في الطبيعة التي اكتسبها الإضراب ونواقصه على الرغم مما حققه، أم على طبيعة المرحلة الممتدة من العام 83-85. ولأن الحديث يدور عن الرابع عشر من شباط كتجربة، فإن التأكيد على أن طابع هذه القيادة المشكل من وجهاء العائلات عادة، وطابع رؤيتها لآلية الكفاح ضد المحتلين، قد انعكسا بشكل مباشر على كيفية إحياء هذه المناسبة وعلى طابعها التقليدي الذي استمر الى سنوات متقدمة، فالمسيرة والمهرجان يتوافقان مع الرؤية الكلاسيكية لهذه القيادات، استنادا الى فكرة الاكتفاء بالتعبير عن الرفض بمسيرة ومهرجان. ولعل فكرة الاكتفاء بالمناسبات للتعبير عن رفض الاحتلال بينما أيام السنة الأخرى أيام عادية تدلل بالملموس على قصر وجهة النظر هذه.

ثالثاً : على صعيد سياسة الاحتلال وطابعها: إن عملية الترويض التي عمدت السلطة الى تطبيقها وتجربتها على جماهير الجولان ابتداءً من اليوم الأول للاحتلال وعلى مجمل الصعد، جعلت العدو أسير اعتقاده بأن ضم الجولان وفرض القوانين الصهيونية على سكانه لن يواجه بالرفض، لهذا اعتقدت السلطات في محاولة تمرير سياستها وسائل مباشرة وعلنية في بداية اكتشافها لفشل مشروعها، إضافة الى إنها كانت وفي أحايين عديدة تتجنب الاشتباك مع الجماهير وتعزف عن محاولات منعها من إحياء مناسباتها. وهذا الأسلوب الهادئ نسبياً في ظاهره، ساهم في دوره بالإبقاء على حالة التصعيد الجماهيري ضمن مستوى محدود، انطلاقا من فهم القانون القائل بأن العنف لا يولد إلا العنف، وهذا بالضبط ما حدث حيث أن عدم تدخل رجال الشرطة لتفريق تظاهرة أو مهرجان في القوة أدى إلى بقاء هذه المظاهرة في حدود مستوى معين من التصعيد، وخصوصاً في ظل ظروف البدايات في نمو المؤسسات والقوى الوطنية المنافسة للزعامات التقليدية في برامجها وطرحها ومشاريعها.

إجمالا فإننا نستطيع تلخيص مرحلة الأعوام الأولى من الإضراب بأنها كانت بمثابة المخاض لنشوء ونمو ظروف نضالية وقوى اكثر جذرية بمستويات اكثر حدة مما سبقها.

الرابع عشر من شباط من الأعوام 1986-1990 :

إن جملة العوامل والظروف التي ذكرت أعلاه والتي لعبت دورا هاما في مجمل الأحداث وفي كيفية إحياء 14/2 لم تنته انتهاءً تاماً وإنما طرأ عليها جملة من التطورات التي تلاءمت بالضرورة مع الظروف الجديدة، فالقيادات التقليدية ضعف دورها وتلاشى إلى حدود التأثير الطفيف على مجريات الأمور، بينما المؤسسات ازدادت تطوراً وزخماً في مجمل نشاطاتها وفعالياتها، والنوادي الرياضية التي كان نشاطها ينحصر في العمل الرياضي أصبحت مقرات للندوات ومنطلقا للعمل المؤسساتي الجماهيري، جنباً الى جنب مع رابطة الجامعيين التي انطلقت ببرنامج اجتماعي سياسي تثقيفي بمبادرة عدد من الجامعيين، لعبت دوراً مهماً وحاسماً في مجمل نواحي العملية النضالية والاجتماعية والثقافية. إضافة إلى ذلك فإن سياسة الاحتلال تبدلت وأخذت شكلا تعسفياً أكثر من خلال تحرك أجهزة الاستخبارات الصهيونية، وبالطرق السرية، لضرب الصف الوطني وتشتيته، ولإسقاط وتحييد أكبر عدد ممكن من الشباب الوطني الصاعد، العمود الفقري للعملية النضالية، إضافة الى إقدام السلطات وبشكل سافر لمنع أي تحرك جماهيري عبر التدخل العنيف.

إن مجمل هذه التطورات ما كانت لتحدث لولا التغيرات العميقة التي حدثت على صعيد الجبهة الوطنية الداخلية لجماهيرنا، ولولا الوعي الذي ازداد زخماً يوما بعد يوم، ولولا اقتناع العديد من الشباب المتحمس للعمل الوطني بالكفاح المسلح كوسيلة لضرب المحتلين ومقاومتهم عسكريا (مثال: حركة المقاومة السرية). عموما فإن أهم وأبرز مفاصل هذه المرحلة يتلخص بالنقاط التالية:

1- ازدياد الوعي الوطني والقومي وتجذره لدى قطاعات واسعة من جماهيرنا وتحديداً الشباب، وهذا أدى بالتالي إلى ازدياد العمل الوطني وإلى اتساع شموليته وتنوع أشكاله. وكانت حركة المقاومة السرية التنظيم العسكري السري المنظم وفق هيكلية تنظيمية الأول الذي أثبت نزوح الكثير من شبابنا للعمل ضد الاحتلال وبكافة الوسائل والمجموعات المسلحة التي تم الكشف عنها فيما بعد تؤكد ذلك.

2- ازدياد النضج لدى المؤسسات في حدود ليست بقليلة واتساع جماهيريتها، حيث استقطبت قطاعات شبابية واسعة من المثقفين والوطنيين الشباب.

3- ازدياد الشعور لدى الناس بالخطر الذي تشكله أجهزة المخابرات التي تنشر مظاهر الفساد والمخدرات والخلاعة وبث اليأس واللامبالاة بين الشبيبة الجولانية، إضافة الى المضايقات الاقتصادية والملاحقات القضائية، وضرب المنتوج المحلي الزراعي ومصادرة الأراضي وسرقة المياه... إلخ.

4- تفجر الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وما أحدثته من تأثير بالغ على جماهيرنا وشبابنا وعلى آلية إحياء مناسباتنا الوطنية ونضالنا ضد المحتل. إن ذلك كله أثر على الروح المعنوية والنضالية لدى شبابنا باتجاه الأفضل، وهذا ما لمسناه في بعض الأحداث المتفرقة في ذكرى الرابع عشر من شباط.

إجمالا فإن العملية النضالية في الجولان تطورت خلال سني ما بعد الإضراب حتى العام 1990. وهنا لا بد من الإشارة الى الاخفاقات التي رافقت المسيرة النضالية والتي انعكست على الحياة السياسية في الجولان:

- بروز بعض الخلافات السياسية والفكرية بين المؤسسات الوطنية وانعكاسها على جماهيرنا وبقائها دون حلول لفترة طويلة، وهذا أدى بالتالي إلى انخفاض مستوى العمل الوطني ومستوى النضال، نتيجة للابتعاد عن روح العمل الوحدوي الجماعي القائم على التنسيق والتشاور وصياغة البرنامج.

- إقدام العدو وعبر عملائه بزرع الدسائس والمكائد في صفوف الوطنيين، والتأثير على فاعليتهم، ونشر الخلافات وتعزيزها بينهم. ولعل الخلافات التي تحدث قبيل المخيم الصيفي مع أطراف اجتماعية ضيقة الأفق والتفكير، ومرحلة الفاكسات والوشايات وتأسيس الجمعية العربية للتطوير بعد السماح للبعض من زيارة الوطن، خير مثال على ذلك.

- استمرار بعض الفئات اللاوطنية (والمحايدة ظاهرياً) في لعب دور الوسيط والمهادن بين جماهيرنا وسلطة الاحتلال، واستمرارها في تأدية دور المهدئ في أي مواجهة ومعارضتها للتصعيد في العلن والسر على السواء.

خلاصة القول ان الحركة الوطنية الجماهيرية في الجولان استمرت في عطائها، رغماً عن الخلافات التي تتلاشى، ورغم العراقيل التي وضعها البعض عن قصد أو دون قصد. ولا بد من جماهير شعبنا أن تتدارك الواقع الذي آلت إليه الأمور في الجولان من انفلات وفوضى بسبب انعدام السلطة الوطنية المركزية والتوجيه وانعدام وجود القوة الرادعة لأي متسيب ومتهور لقضايا مجتمعنا، خاصة وأن البدائل التي من المفروض عليها ان تقوم بهذه الوظائف الاجتماعية عاجزة عن تقديم البرنامج والحلول، فالمؤسسة الدينية التي دفعها الشباب الوطني الواعي فيما مضى إلى أن يكون لها الدور الأكبر في صنع المواجهات مع المحتل اهتمت بعدها بالجوانب الاجتماعية السطحية والأمور الشخصية، متجاهلة حجم الأعباء وحجم الخطر الكبير الذي يتهدد أبناء مجتمعنا سياسياً وتربوياً واجتماعياً. والمؤسسات الوطنية اهتمت بمشاكلها وصراعاتها الداخلية وأهمل وتناسى أعضاؤها حجم وأهمية الدور والواجب الملقى على كواهلهم، خاصة في ظل ظروف محلية وعربية ودولية تستوجب منها الوقوف بحزم أمام محاولة السلطة الإسرائيلية ووسائل إعلامها الترويج لقيم الغرب والعولمة، ووصم النضال والمقاومة بالإرهاب، وتغذية القيم الاستهلاكية لتحل محل القيم التربوية والإنسانية التي ميزت مجتمعاتنا الشرقية عامة، وفرض سياسة التجهيل التام في المدارس والمؤسسات التعليمية في تاريخ منطقتنا، وتجاهل الاشراقات الحضارية التي يملكها شعبنا منذ حضارات إيبلا وبابل وأوغاريت، مرورا بمجد العرب، وليس انتهاء بمستقبلهم الوضاء في وحدتهم وحريتهم واستقلالهم.

إن إحدى وعشرين عاما مضت كانت عبارة عن حرب إرادات يومية، وخمس وثلاثون عاماً كانت عبارة عن اجتثاث لانتماء وأصول شعب عريق، وأربع وخمسون عاماً من عمر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كانت عبارة عن محو وتدمير شعب أصيل الانتماء، ومائة وخمسون عاماً من احتلال فرنسا للجزائر، وأربعمائة عام من احتلال الأتراك لأرضنا، لم ولن ينهوا هذا الشعب الأصيل الانتماء والعريق الجذور، ولن تستطع قوة مهما بلغت ومها طالت بها سنون القتل والتدمير من محو وسلخ وتغيير هذا الشعب المتجذر بأرضه، وستشع نيران نوره من جديد لتضيء مستقبل أجياله.


* نشرت في مجلة المقاومة "منظمة الشهيد عزت ابو جبل"
** أيمن أبو جبل هو مواطن سوري من الجولان المحتل، وأسير سابق في سجون الاحتلال الإسرائيلي

سوسن
03-21-2010, 01:03 PM
:drive1::drive1:
:drive1:

SHARIEF FATTOUH
03-21-2010, 07:17 PM
مشكورة عالمشاركة الحلوة والفعالة