المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تكنولوجيا النانو ... العصر العلمي الجديد!



M-AraBi
01-14-2011, 11:31 PM
بقلم: عاصم زينو

منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين والدول الصناعية الكبرى تتنافس فيما بينها إلى اكتشاف أبعاد جديدة للمادة - لم تكن معروفةً من قبل – تساعد في التحكم والسيطرة عليها بشكل أكبر. ففي أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الحادي والعشرين توصل العلماء كنتيجة لتطوير المجاهر الإلكترونية إلى دقة في التعامل مع المادة تصل إلى 1 نانو متر.. أي ما يعادل ألف مليون جزء من المتر،

وبشكل ملموس أكثر، بدقة أصغر من قطر شعرة الإنسان بـثمانين ألف مرة. أدى هذا الأمر إلى قفزةٍ هائلةٍ في علم المواد والعلوم التطبيقية، مما انعكس بدوره على كافة التطبيقات التكنولوجية والطبية في الحياة البشرية، ابتداءً بالصناعات الإلكترونية الدقيقة وحتى الصناعات الثقيلة المتطورة، فظهرت بوادر ثورةٍ صناعيةٍ تلوح في الأفق لألفية جديدة تعدُ بظهور عصرٍ جديدٍ من العلوم له فيزياؤه وكيمياؤه الخاصة، وله قدرةٌ للتحكم بالمواد ذرّة ذرّة.. وجزيئًا جزيئًا؛ فهو يقوم بإعادة هيكلة الذرات والجزيئات داخل المادة للحصول على خواص نوعيةٍ مختلفة أدت إلى تطبيقات غير مسبوقةٍ في مجالاتٍ مختلفة؛ كالطب، والكيمياء، والاتصالات، والفضاء، والطاقة والبيولوجيا، والزراعة وغير ذلك. فظهرت أدويةٌ علاجية جديدة للسرطان، وعقاقير ذكية تعالج الأمراض المستعصية، ومواد إلكترونية فائقة المواصفات، ومستحضرات تجميل نانوية خاصة، وملابس مقاومة للبقع والبكتيريا تعمل على تنظيف نفسها بنفسها، وانتهاءً بالتطبيقات العسكرية الفريدة. كما ظهرت أيضًا في بادئ الأمر أنابيب الكربون النانوية (Carbon Nanotubes ) ذات التطبيقات الميكانيكية والضوئية والإلكترونية الواعدة، حتى بلغ مجموع ما تنفقه الحكومات في أبحاث النانو حوالي (4) مليارات دولار سنويًا.

لقد صار السباق اليوم بين الدول هو في التنافس على استحواذ مفاتيح هذا العلم النانوي، بعدما كان السباق في العقدين الماضيين للسيطرة على الفضاء وحرب النجوم وغير ذلك، حتى غدا الدخول لعصر النانو ضروريًا لأي دولةٍ تسعى إلى أن يكون لها تأثير في تاريخ البشرية الحديث، فهو بوابة الاقتصاديات الجديدة، والتطبيقات العسكرية المتطورة، والعلوم الإنسانية التجريبية الرفيعة. فقامت دولٌ كبرى بإطلاق مبادراتها الوطنية في هذا المجال، كتلك التي أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 م، وهي المبادرة الوطنية للنانوتكنولوجي، ومن ثم تلتها مبادرات أخرى في اليابان، والصين، وكوريا الجنوبية، وألمانيا. كما قامت الحكومة الروسية بالموافقة على البرنامج الفيدرالي لتطوير البنية التحتية للنانوتكنولوجي للفترة من 2008 – 2010 م من خلال تطوير المراكز المتخصصة في ذلك، حتى إن الحكومة الإسرائيلية قد أطلقت مبادرتها القومية لتكنولوجيا النانو عام 2001 م واستخدامها في التطبيقات العسكرية.

لذلك... ظهر هناك اهتمامٌ متزايد في العالم العربي للمشاركة في أبحاث وتطبيقات تكنولوجيا النانو للّحاق بالركب العالمي، والرمي ولو بقوس في هذا المجال. لكن ... لا يزال هناك المزيد من الجهود لابد أن تُبذل في توسيع ثقافة علوم النانو في شتى المجالات؛ فالتعليم يُعدّ بيئةً هامة لنشر هذه الثقافة في كافة مراحله، ومراكز البحوث لابد لها من إطلاق مشاريع خاصة تهدف إلى المشاركة في هذا العلم بما يتناسب مع حاجة كل قطر وموارده وإمكانياته، خصوصًا أن بعض مجالات تكنولوجيا النانو ليست مكلفةً بشكل أكبر من البحوث التقليدية المايكروية. بالإضافة إلى ذلك ... لا بد من وجود جهود عربية مشتركة لأبحاث وتطبيقات النانوتكنولوجي لنشر الوعي العلمي بين الطلاب والعلماء والصناع في هذا المجال.

أخيرًا ... حتى يكون للدول العربية دورٌ بارزٌ في العصر العلمي الجديد ... لابد من إطلاق مبادرة وطنية لأبحاث النانو من خلال تعزيز دور مراكز البحوث المنتشرة في كافة أرجاء دولنا العربية لتقوم بدورها الفعّال كحلقة وصل ... بين الداخل والخارج علميًا ... وبين الصناعة والعلماء والطلاب داخليًا.