الباب الأربعون
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في الذهب والفضة وألوان الحلى والجواهر
وسائر ما يستخرج من المعادن مثل الرصاص والنحاس والكحل والنفط والصفر والزجاج والحديد والقار وأشباهها
أما معادن الأرض
فتدل على الكنوز وعلى المال المحبوس وعلى العلم المكنوز وعلى الكسب المخزون، لأنّها ودائع الله في أرضه، أودعها لعباده لمصالحهم في دنياهم ودينهم، فمن وجد منها معدناً أو معدنين أو معادن مختلفة نظرت في حاله، فإن كان حراثاً زراعاً بشرته عن عامه بكثرة الكسب مما تظهر الأرض له من باطنها وأفلاذ كبدها من فوائدها وغلاتها، وإن كان طالباً للعلوم بشرته بنسلها ومطالعتها والظفر بها، فإن أباحها للناس في المنام وامتارها الأنام بسببه في الأحلام، دل ذلك على ما يظهر من علمه بالكلام وما ينشره من السنن والأعلام، فإن كان سلطاناً في بحر عدوه أو معروفاً بالجهاد، فتح على عددها مدناً من مدن الشرك وسبى المسلمون منها وغنموا، وإن كان كافراً بدعياً ورئيساً في الضلال داعياً، كانت تلك فتناً يفتحها على الناس وبلايا ينشرها في العباد، لأنّ الله سبحانه سمى أموالنا وأولادنا فتنة في كتابه، ومعادن الأرض أموال صامتة مرقوبة قارة كالعين المدفونة.
الذهب
لا يحمد في التأويل لكراهة لفظه وصفرة لونه، وتأويله حزن وغرم مال، والسوار منه إذا لبسه ميراث يقع في يده، فمن رأى أنّه لبس شيئاً من الذهب فإنه يصاهر قوماً غير أكفاء، ومن أصاب سبيكة ذهب، ذهب منه ماله أو أصابه هم بقدر ما أصاب من الذهب، أو غضب عليه سلطان وغرمه، فإن رأى أنّه يذهب الذهب خاصم في أمر مكروه ووقع في ألسنة الناس، ومن رأى بيته مذهب أو من ذهب وقع فيه الحريق.
ومن رأى عليه قلادة أو فضة أو خرز أو جوهر ولي ولاية وتقلد أمانة، ومن رأى عليه سوارين من ذهب أو فضة أصابه مكروه مما تملك يداه، والفضة خير من الذهب، ولا خير في السوار والدملج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت كأن في يدي سوارين من ذهب فنفختها فسقطا، فأولتهما مسيلمة الكذاب والعنسي صاحب صنعاء " .
ومن رأى أنّ عليه خلخالاً من ذهب أو فضة أصابه خوف أو حبس وقيد.
ويقال خلاخيل الرجال قيودها، وليس يصلح للرجال شيء من الحلي في المنام إلا القلادة والعقد والخاتم والقرط. والحلي كله للنساء زينة، وربما كان تأويل السوار والخلخال الزوج خاصة.
والذهب إذا لم يكن مصوغاً فهو غرم، وإذا كان مصوغاً فهو أضعف في الشر لدخول اسم آخر عليه. وقيل إنّ حلي النساء يدل للنساء على أولادهن، فذهبه ذكورهن، وفضته إناثهن، وقد يدل المذكر منه على الذكور، والمؤنث منه على الإناث.
وحكي أنّ امرأة أتت معبراً فقالت: رأيت كأنّ لي طستاً من ذهب إبريز فانكسرت واندفعت في الأرض فطلبتها فلم أجدها، فقال: ألك عبد مريض أو أمة؟ قالت نعم، قال: إنّه يموت.
ورأى إنسان كأنّ عينيه من ذهب فعرض له ذهاب بصره.
الفضة: غال مجموع، والنقرة منه جارية حسناء بيضاء ذات جمال، لأنّ الفضة من جوهر النساء. فمن رأىِ أنّه استخرج فضة نفرة من معدنها فإنّه يمكر بامرأة جميلة، فإن كانت كبيرة أصاب كنزاَ، فإن رأى أنّه يذيب فضة فإنّه يخاصم امرأته ويقع في ألسن الناس.
وأما الدنانير: فإنّ الدينار الأحمر العتيق الجيد دين حنيفي خالص، والدينار الواحد ولد حسن الوجه، والدنانير كنز وحكمة أو ولاية وأداء شهادة، فمن رأى أنّه ضيع ديناراً مات ولد أو ضيع صلاة فريضة. والدنانير الكثيرة إذا دفعت إليك أمانات وصلوات، ومن رأى أنّه ينقل إلى منزله أوقار دنانير فهو مال ينقلِ إليه، لقوله تعالى: " فالحامِلاتِ وِقْرا " . فإن رأى في يده ديناراً فإنّه قد ائتمن إنساناً على شيء فخانه.
والبهرج: دين فيه خلاف والمطلية قلة دين وكذب وزور. وقيل أن ابن سيرين كان يقول: الدنانير كتب تجيء، أو صكاك يأخذها. وإن كانت الدنانير خمسة فهي الصلوات الخمس. وربما كان الدينار الواحد المفرد ولداً.
وجميع لباس الحلى محمود للنساء وهو لهن زينة وأمور جميلة، وربما دل على ما تفتخر به النساء وربما دل على أولادهن المذكر منه ذكر والمؤنث منه أنثى، وجميعه للرجال مذموم مكروه إلا مالا ينكر لباسه عليهم.
الدراهم: الدراهم الجياد دين وعلم وقضاء حاجة أو صلاة، والنقية دنيا صاحب الرؤيا ومعاملته كل أحد على الوفاء وبقاء الكسب والأمانة. والصحاح ونثارها على رجل سماع كلام حسن صحيح. وعددها أعداد أعمال البر لأنّها مكتوب عليه لا إله إلا اللهّ محمد رسول اللهّ ولا تتم الأعمال إلا بذكر الله تعالى. فإن رآها إنسان فإنّه يتم له أمر الدين والدنيا فإن رأى معه صحاحاً واسعة حساناً فإنّه دين، فإن كان من أبناء الدنيا نال دنيا واسعة ورزقاً حسناً. وإن كانت امرأة حبلى ولدت غلاماً حسناً.
والدراهم الكثيرة إذا أصابها إفادة خير كثير من فرح وسرور، فإن رأى أنّ له على إنسان دراهم جياداً صحاحاً فإنه له عليه شهادة حق، وإن طالبه بها فهو مطالبته إياه بالشهادة فإن ردها كذلك فهو شهادة بالحق والصحة، فإن ردها مكسرة مال في الشهادة فإن ضيع درهماً حسناً فإنّه ينصح جاهلاً ولا يقبل منه.
الدراهم المزغلة غش وكذب وخلاف وخيانة في المعيشة، أو اجتراء على الكبائر والتي لا نقش فيها كلام ليس فيه ورع. والتي نقشها صور، بدعة في الدين وفسق والمقطعة خصومة لا ينقطع، وقيل بل ينقطع فيها المقال. وأخذها خير من دفعها لأن دفعها هم فإن سرق درهماً وتصدق به فإنه يروي مالا يسمعه. فإن رأى معه عشرة دراهم فصارت خمسة نقص ماله، فإن رأى خمسة صارت عشرة تضاعف ماله.
وقال بعضهم الدراهم في الرؤيا دليل شر وجميع ما ختم بالسكة، وقيل الدراهم تدل على كلام تواتر في الأشياء الجليلة، وقيل الدراهم كلام وخصومة إذا كانت بارزة، فإن أعطى دراهم في صرة أو كيس استودع سراً. وربما كان الدرهم الواحد ولداً والفلوس كلام رديء وصعب والدراهم الجياد كلام حسن، والدراهم الرديئة كلام سوء حكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأني في كمي دينارين فسقطا فكنت أطلبهما فقال: أنظر قد فقدت من كتبك شيئاً. قال فنظرت فإذا قد فقدت حجتين.
وحكي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت كأني أصبت أربعة وعشرين ديناراً معدودة فضيعتها كلها فلم أجد منها إلا أربعة. فقال: أنت تصلي وحدك وتضيع الجماعات.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّي أصبت درهماً كسروياً، فقال: تنال خيراً، فلم يمس حتى أفاده.
ثم أتى آخر فقال: رأيت كأنّي أصبت درهماً عربياً. فقال له إنك تضرب. فعرض له أنه ضرب مائة مقرعة. فقيل لابن سيرين كيف عرفت ذلك؟ فقال: إن الكسروي عليه ملك وتاج، والعربي عليه ضرب هذا الدرهم.
وأتاه آخر فقال: رأيت كأنّي أضرب الدراهم. فقال أشاعر أنت؟ فقال نعم.
ورأى رجل كأنّه وضع درهماً تحت قدمه، فقص رؤياه على معبر. فقال: إنك - سترتد عن الدين. فارتاع صاحب الرؤيا وقام فقصد الجهاد ليسلم دينه، فلما أن تراءي الجمعان أسرته الكفار وضرب بألوان العذاب إلى أن ارتد عن دينه، ودليل ارتداده وطؤه اسم الله تعالى.
وجاء رجل آخر فقال: كأني أطأ وجه النبي صلى الله عليه وسلم بقدمي، فقال له ابن سيرين: بت البارحة وخفك في رجلك؟ قال نعم. قال انزعه. فنزعه فسقط منه درهم عليه اسم الله واسم رسول الله.
ومن رأى كأنّه أصاب طستاً من ذهب أو إبريقاً أو كوزاً وله عروة فهو خادم يشتريه أو امرأة يتزوجها أو جارية فيها سوء خلق.
وقال بعضهم: من رأى كأنّه يستخدم أواني الذهب والفضة فإنّه يرتكب الآثام، وما رأى من ذلك للموتى أهل السنة، فهو بشارة، لقوله تعالى: " يُطافُ عَلَيْهِم بصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأكْواب " .
الكنز: يدل على حمل المرأة، لأنّ الذهب غلمان والفضة جواري. وربما دل على مال بكثرة، أو علم للعالم، ورزق للتاجر وولاية لأهلها في عدل. وقد قيل أنّ الكنز يدل على الاستشهاد، والكنوز أعمال ينالها الإنسان في بلاد كثيرة، وقال بعض: من رأى كأنّه وجد كنزاً فيه مال فيدل على شدة تصيبه.
وحكي أنّ امرأة رأت بنتاً لها ميتة، فقالت لها يا بنية أي الأعمال وجدت خيراً؟ فقالت عليك بالجوز فاقسميه في المساكين. فقصت رؤياها على ابن سيرين، فقال: لتخرج هذه المرأة الكنز الذي عندها فلتتصدق به، فقالت المرأة استغفر الله إنّ عندي كنزأ دفنته من أيام الطاعون.
ورأى رجل ثلات ليال متواليات كأنه أتاه آتٍ فقال له اذهب إلى البصرة فإن لك بها كنزاً فاحمله، فلم يتلفت إلى رؤياه حتى صرح له بالقول في الليلة الثالثة، فعزم على الذهاب إلى البصرة، وجمع أمتعته، فلما أن وردها جعل يطوف في نوِاحيها مقدار عشرة أيام فلم يظهر له شيء، وأيس ولام نفسه على ما تجشم، فدخل يوماً خربة فرأى فيها بيتاً مظلماً، ففتشه فوجد فيه دفتراً فأخرجه ونظر فيه، فلم يعلم منه شيئاً وقد كان مكتوباً بالعبرانية، ولم يجد أحداً بالبصرة يقرأه، فانطلق به إلى شاب في بغداد، فلما نظر فيه الشاب طلب منه أن يبيعه إياه فأبى وقال: ترجمه بالعبرانية لي لأدفعه من بعد إليك، فترجمه له وكان ذلك الكتاب في التعبير.
التاج: وأما التاج إذا رأته المرأة على رأسها فإنّها تتزوج برجل رفيع ذي سلطان أو غني، وإن كانت حاملاً ولدت غلاماً. وإن رآه رجل على رأسه فإنّه ينال سلطاناً أعجميَاً، فإن دخل عليه ما يصلحه سلم دينه، وإلا كان فيه ما يفسد الدين، لأنّ لبس الذهب مكروه في الشرع للرجال، وقد يكون أيضاً زوجة ينكحها رفيعة القدر غنية موسرة، وإن رأى ذلك من هو مسجون في سجن السلطان فإنّه يخرجه ويشرف أمره معه، كما شرف أمر يوسف عليه السلام مع الملك، إلاّ أن يكون له والد غائب فإنّه لا يموت حتى يراه فيكون هو تاجه، والتاج المرصع بالجوهر خير من التاج الذهب وحده. وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّ على رأسي تاجاً من ذهب، فقال له: إنّ أباك في عربة قد ذهب بصره، فورد عليه الكتاب بذلك، وقال إنّ التاج على رأس الرجل رئيسه الذي كان فوقه، وقد ذهب عنه شيء يعز عليه، وأعز ما عليه بصره.
والإكليل: يجري مجرى التاج، وقيل هو مال زائد وعلم وولد يرزقه، والإكليل للمرأة زوج أعجمي، وللرجال ذهاب ما ينسب إليه، لأنّ الذهب مكروه، فإن رأى تاجر وضع الإكليل عن رأسه أو سلبه فإنّه يذهب ماله، فإن وضعه ذو سلطان أصابه خطأ في دينه، وإذا رأى الملك أنّ إكليله أو تاجه وضع عن رأسه أو سلب زال ملكه.
القرط في الأذن: أما القرط للرجال فإنّه يعمل عملاً من السماع، ولذة الأذن لا تليق إلا بالنساء كالغناء وضرب البربط، وإلا فعل ما لا ينبغي له فيغني بالقرآن، فإن لمِ يكن في شيء من ذلك نظرت إلى الحامل من أهله، أما زوجته أو ابنته فإنّها تلد غلاماً إن كان القرط ذهباً، وإن كان القرط فضة ولدت أنثى.