وعشية، فيقضى بين الخصمين، ثم قال: والله إن لي فيما أزاول وأحاول لشغلا عن القضاء بين الناس، قال: فأجلس للناس شريحًا، وقضى بين الناس، ثم إنه خافهم فمارض، وكانوا يقولون: إنه عثماني، وإنه ممن شهد على حجر بن عدي، وإنه لم يبلغ عن هاني ابن عروة ما أرسله به - وقد كان علي بن أبي طالب عزله عن القضاء - فلماأن سمع بذلك ورآهم يذمونه ويسندون إليه مثل هذا القول تمارض، وجعلالمختار مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود. ثم إن عبد الله مرض، فجعل مكانهعبد الله بن مالك الطائي قاضيًا. قال مسلم بن عبد الله: وكان قبد الله بن همام سمع أبا عمرة يذكر الشيعة وينال من عثمان بن عفان، فقنعه بالسوط، فلما ظهر المختار كان معتزلًاحتى استأمن له عبد الله بن شداد، فجاء إلى المختار ذات يوم فقال: ألا انتسأت بالود عنك وأدبرت ** معالنةً بالهجر أم سريع
وحملها واش سعى غير مؤتل ** فابت بهم في الفؤاد جميع
فخفض عليك الشأن لايردك الهوى ** فليس انتقال خلة ببديع
وفي ليلة المختارما يذهل الفتى ** ويلهيه عن رؤد الشباب شموع
دعا يالثأرات الحسين فأقبلت ** كتائب من همدان بعد هزيع
ومن مذحج جاء الئيس ابن مالك ** يقود جموعًا عبيت بجموع
ومن أسد وافى يزيد لنصره ** بكل فتى حامي الذمار منيع
وجاء نعيم خير شيبان كلها ** بأمر لدى الهيجا أحد جميع
وما ابن شميط إذ يحرض قومه ** هناك بمخذول ولا بمضيع
ولا قيس نهد لا ولا ابن هوزان ** وكل أخو إخباتة وخشوع
وسار أبو النعمان لله سعيه ** إلى ابن إياس مصحرًا لوقوع
بخيل عليها يوم هيجا دروعها ** وأخرى حسورًا غير ذات دروع
فكر الخيول كرةً ثقفتهم ** وشد بأولاها على ابن مطيع
فولى بضرب يشدخ الهام وقعه ** وطعن غداة السكتين وجيع
فحوصر في دار الإمارة بائيًا ** بذل وإرغام له وخضوع
فمن وزير ابن الوصى عليهم ** وكان له في الناس خير شفيع
وآب الهدى حقًا إلى مستقره ** بخير إياب آبه ورجوع
إلى الهاشمي المهتدى به ** فنحن له من سامع ومطيع
قال: فلما أنشدها المختار قال المختار لأصحابه: قد أثنى عليكم كما تسمعون، وقد أحسن الثناء عليكم، فأحسنوا له الجزاء. ثم قام المختار، فدخل وقال لأصحابه: لا تبرحوا حتى أخرج إليكم؛ قال: وقال عبد الله ابن شداد الجشمي: يابن همام: إن لك عندي فرسًا ومطرفًا، وقال قيس بن طهفة النهدي - وكانت عنده الرباب بنت الأشعث: فإن لك عندي فرسًا ومطرفًا، واستحيا أن يعطيه صاحبه شيئًا لا سعطى مثله، فقال ليزيد بن أنس: فما تعطيه؟ فقال يزيد: إن كان ثواب الله أراد بقوله فما عندالله خير له، وإن كان إنما اعترى بهذا القول أموالنا، فو الله ما في أموالنا ما يسعه؛ قد كانت بقيت من عطائي يقية فقويت بها إخواني؛ فقال أحمر بن شميط مبادرًا لهم قبل أن يكلموه: يا بن همام، إن كنت أردت بهذا القول وجه الله فاطلب ثوابك من الله، وإن كنت إنما اعتريت به رضاالناس وطلب أموالهم، فاكدم الجندل؛ فو الله ما من قال قولا لغير الله وفي غير ذات الله بأهل أن ينحل، ولايوصل؛ فقال به: عضضت بأيرأبيك! فرفع يزيد بن أنس السوط وقلا لابن همام: تقول هذا القول يافاسق! وقال لابن شميط: اضربه بالسيف، فرفع ابن شميط عليه السيف ووثب ووثب أصحابهما يتفلتون على ابن همام. وأخذ بيده إبراهيم بن الأشتر فألقاه وراءه، وقال: أنا له جار، لم تأتون إليه ما أرى! فو الله إنه لواصل الولاية، راض بما نحن عليه، حسن الثناء، فإن أنتم لم تكافئوه بحسن ثنائه، فلا تشتموا عرضه، ولا تسفكوا دمه. ووثبت مذحج فحالت دونه، وقالوا: أجاره ابن الأشتر، لا والله لا يوصل إليه. قال: وسمع لغطهم المختار، فخرج إليهم، وأومأ بيده إليهم، أن اجلسوا، فجلسوا، فقال لهم: إذا قيل لكم خير فاقبلوه، وإن قدرتم على مكافأة فافعلوا، وإن لم تقدروا على مكافأة فتنصلوا، واتقوا لسان الشاعر. فإن شره حاضر، وقوله فاجر، وسعيه بائر. وهو بكم غدًا غادر. فقالوا: أفلا تقتله؟ قال: إنا قدآمناه وأجرناه، وقد أجاره أخوكم إبراهيم بن الاشتر، فجلس مع الناس. قال: ثم إن إبراهيم قام فانصرف إلى منزله فأعطاه ألفًا وفرسًا ومطرفًا فرجع بها وقال: لا والله، لا جاورت هؤلاء أبدًا وأقبلت هوازن وغضبت واجتمعت في المسجد غضبًا لابن همام. فبعث إليهم المختار فسألهم أن يصفحوا عما اجتمعوا له، ففعاوا، وقال ابن همام لابن الأشتر يمدحه:
أطفأ عني نار كلبين ألبا ** على الكلاب ذو الفعال ابن مالك
فتى حين يلقى الخيل يفرق بينها ** بطعن دراك أو بضرب مواشك