فألقاه في النهر حي فغرق، فقال طرخون: أبوهما قتلهما وغدره. فقال يزيد بن هزيل: لأقتلن يا بني كل خزاعي بالمدينة، فقال له عبد الله بن بديل بن عبد الله بن بديل بن ورقاء - وكان ممن أتى موسى من فل ابن الأشعث: لو رمت ذاك من خزاعة لا تصعب عليك. وعاش ثابت سبعة أيام ثم مات. وكان يزيد بن هزيل سخيًا شجاعًا شاعرًا، ولى أيام ابن زياد جزيرة ابن كاوان، فقال:
قد كنت أدعو الله في السر مخلصًا ** ليمكنني من جزية ورجال
فاترك فيها ذكرطلحة خاملًا ** ويحمد فيها نائلي وفعالي
قال: فقام بأمر العجل بعد موت ثابت طرخون، وقام ظهير بأمر أصحاب ثابت، فقاما قيامًا ضعيفًا، وانتشر أمرهم، فأجمع موسى على بياتهم، فجاء رجل فأخبر طرخون، فضحك وقال: موسى يعجز أن يدخل متوضأه، فكيف يبيتنا! لقد طار قلبك، لا يحرسن الليلة أحد العسكر.
فلما ذهب من الليل ثلثه خرج موسى في ثمانمائة قد عباهم من النهار، وصيرهم أرباعًا. قال: فصير على ربع رقبة بن الحرب وعلى ربع أخاه نوح بن عبد الله بن خازم، وعلى ربع يزيد بن هزيل، وصار هو في ربع، وقال لهم: إذا دخلتم عسكرهم فتفرقوا، ولا يمرن أحد منكم بشيء إلا ضربه، فدخلوا عسكره من أربع نواح لا يمرون بدابة ولا رجل ولا خباء ولا جوالق إلا ضربوه وسمع الوجبة نيزك فلبس سلاحه، ووقف في ليلة مظلمة، وقال لعلي بن المهاجر الخزاعي: انطلق إلى طرخون فأعلمه موقفي، وقال له: ما ترى أعمل به، فأتى طرخون، فإذا هو في فازة قاعد على كرسيه وشاكريته قد أوقدوا النيران بين يديه، فأبلغه رسالة نيزك، فقال: اجلس، وهو طامح ببصره نحو العسكر والصوت. إذا أقبل محمية السلمى وهو يقول: " حم لا ينصرون "، فتفرق في الشاكرية، ودخل محمية الفازة. وقام إليه طرخون فبدره فضربه، فلم يغني شيئًا، قال: وطعنه طرخون بذباب السيف في صدره وصرعه، ورجع إلى الكرسي فجلس عليه، وخرج محمية يعدو. قال: ورجعت الشاكرية، فقال لهم طرخون: فررتم من رجل! أرأيتم لو كان نارًا هل كانت تحرق منكم أكثر من واحد! فما فرغ من كلامه حتى دخل جواريه الفازة، وخرج الشاكرية هرابًا، فقال للجواري: اجلسن، وقال لعلي بن المهاجر: قم، قال: فخرجا فإذا نوح بن عبد الله ابن خازم في السرادق، فتجاولا ساعة، واختلفا ضربتين، فلم يصنعا شيئًا، وولى نوح وأتباعه طرخون، فطعن فرس نوح في خاصرته فشب فسقط نوح والفرس في نهر الصغانيان ورجع طرخون وسيفه يقطر دمًا، حتى دخل السرادق وعلي بن المهاجر معه، ثم دخلا الفازة. وقال طرخون للجواري: ارجعن، فرجعن إلى السرادق؛ وأرسل طرخون إلى موسى: كف أصحابك؟ فإذا نرتحل إذا أصبحنا، فرجع موسى إلى عسكره، فلما أصبحوا ارتحل طرخون والعجم جميعًا، فأتى كل قوم بلادهم، قال: وكان أهل خراسان يقولون: ما رأينا مثل موسى ابن عبد الله بن خازم، ولا سمعنا به، قاتل مع أبيه سنتين، ثم خرج يسير في بلاد خراسان حتى أتى ملكًا فغلبه على مدينته وأخرجه منها، ثم سارت إليه الجنود من العرب والترك فكان يقاتل العرب أول النهار والعجم آخر النهار، وأقام في حصنه خمس عشرة سنة، وصار ما وراء النهر لموسى، لا يعازه فيه أحد قال: وكان بقومس رجل يقال له عبد الله، يجتمع إليه فتيان يتنادمون عنده في مؤونته ونفقته، فلزمه دين، فأتى موسى بن عبد الله، فأعطاه أربعة آلاف، فأتى بها أصحابه، فقال الشاعر يعاتب رجلا يقال له موسى:
فما أنت موسى إذ يناجى إلهه ** ولا واهب القينات موسى بن خازم
قال: فلما عزل يزيد وولى المفضل خراسان أراد أن يحظى عند الحجاج بقتال موسى بن عبد الله، فأخرج عثمان بن مسعود - وكان يزيد حبسه - فقال: إني أريد أن أوجهك إلى موسى بن عبد الله، فقال: والله لقد وترني، وإني لثائر بابن عمتي ثابت وبالخزاعي، وما يد أبيك وأخيك عندي وعند أهل بيتي بالحسنة، لقد حبستموني وشردتم بني عمتي، واصطفيتم أموالهم، فقال له المفضل: دع هذا عنك، وسر فأدرك بثأرك فوجهه في ثلاثة آلاف، وقال له: مر مناديًا فليناد: من لحق بنا فله ديوان، فنادى بذلك في السوق، فسارع إليه الناس، وكتب المفضل إلى مدرك وهو ببلخ أن يسير معه، فخرج، فلما كان ببلخ خرج ليلة يطوف في العسكر، فسمع رجلا يقول: قتلته والله، فرجع إلى أصحابه، فقال: قتلت موسى ورب الكعبة! قال: فأصبح فسار من بلخ وخرج مدرك معه متثاقلًا، فقطع النهر فنزل جزيرة بالترمذ يقال لها اليوم جزيرة عثمان - لنزول عثمان بها في خمسة عشر ألفًا - وكتب إلى السبل وإلى طرخون فقدموا عليه، فحصروا موسى، فضيقوا عليه وعلى أصحابه، فخرج موسى ليلًا فأتى كفتان، فامتار منها، ثم رجع فمكث شهرين في ضيق، وقد خندق عثمان وحذر البيات، فلم يقدر موسى منه على غرة، فقال لأصحابه: حتى متى! اخرجوا بنا فاجعلوا يومكم؛ إما ظفرتم وإما قتلتم. وقال لهم: اقصدوا للصغد والترك، فخرج وخلف النضر بن سليمان بن عبد الله بن خازم في المدينة، وقال له: إن قتلت فلا تدفعن المدينة إلى عثمان، وادفعها إلى مدرك بن المهلب وخرج فصير ثلث أصحابه بإزاء عثمان وقال: لا تهايجوه إلا أن يقاتلكم، وقصد لطرخون وأصحابه، فصدقوهم، فانهزم طرخون والترك، وأخذوا عسكرهم فجعلوا ينقلونه، ونظر معاوية بن خالد بن أبي برزة إلى عثمان وهو على برذون لخالد بن أبي برزة الأسلمي، فقال: انزل أيها الأمير، فقال خالد: لا تنزل فإن معاوية مشئوم. وكرت الصغد والترك راجعة، فحالوا بين موسى وبين الحصن، فقاتلهم، فعقر به فسقط، فقال لمولى له: احملني، فقال: الموت كريه، ولكن ارتدف، فإن نجونا نجونا جميعًا، وإن هلكنا هلكنا جميعًا. قال: فارتدف، فنظر إليه عثمان حين وثب فقال: وثبة موسى ورب الكعبة! وعليه مغفر له موشى بخز أحمر في أعلاه ياقوتة اسما نجونية، فخرج من الخندق فكشفوا أصحاب موسى فقصد لموسى، وعثرت دابة موسى فسقط هو ومولاه، فابتدروه فانطووا عليه فقتلوه، ونادى منادي عثمان: لا تقتلوا أحدًا، من لقيتموه فخذوه أسيرًا. قال: فتفرق أصحاب موسى، وأسر منهم قوم، فعرضوا على عثمان، فكان إذا أتى بأسير من العرب قال: دماؤنا لكم حلال، ودماؤكم علينا حرام! يأمر بقتله، وإذا أتى بأسير من الموالي شتمه، وقال: هذه العرب تقاتلني، فهلا غضبت لي! فيأمر به فيشدخ، وكان فظًا غليظًا، فلم يسلم عليه يومئذ أسير إلا عبد الله بن بديل بن عبد الله بن بديل بن ورقاء؛ فإنه كان مولاه، فلما نظر إليه أعرض عنه وأشار بيده أن خلوا عنه، ورقبة بن الحر لما أتى به نظر إليه وقال: ما كان من هذا إلينا كبير ذنب وكان صديقًا لثابت، وكان مع قوم فرفى لهم، والعجب كيف أسرتموه! قالوا: طعن فرسه فسقط عنه في وهدة فأسر؛ فأطلقه وحمله، وقال لخالد بن أبي برزة: ليكن عندك. قال: وكان الذي أجهز على موسى ابن عبد الله واصل بن قيصلة العنبري.
ونظر يومئذ عثمان إلى زرعة بن علقمة السلمة والحجاج بن مروان وسنان الأعرابي ناحية فقال: لكم الأمان، فظن الناس أنه لم يؤمنهم حتى كاتبوه. قال: وبقيت المدينة في يدي النضر بن سليمان بن عبد الله بن خازم، فقال: لا أدفعها إلى عثمان، ولكني أدفعها إلى مدرك، فدفعها إليه وآمنه، فدفعها مدرك إلى عثمان. وكتب المفضل بالفتح إلى الحجاج، فقال الحجاج: العجب من ابن بهلة! أمره بقتل ابن سمرة فيكتب إلي أنه لمأبه ويكتب إلي إنه قتل موسى بن عبد الله بن خازم؛ قال: وقتل موسى سنة خمس وثمانين، فذكر البحتري أن مغراء بن المغيرة بن أبي صفرة قتل موسى فقال:
وقد عركت بالترمذ الخيل خازمًا ** ونوحًا وموسى عركةً بالكلاكل
قال: فضرب رجل من الجند ساق موسى، فلما ولى قتيبة أخبر عنه فقال: ما دعاك إلى ماصنعت بفتى العرب بعد موته! قال: كان قتل أخي، فأمر به قتيبة فقتل بين يديه.
عزم عبد الملك بن مروان على خلع أخيه عبد العزيز

وفي هذه السنة أراد عبد الملك بن مروان خلع أخيه عبد العزيز بن مروان.
ذكر الخبر عن ذلك وما كان من أمرهما فيه
ذكر الواقدي أن عبد الملك هم بذلك، فنهاه عنه قبيصة بن ذؤيب، وقال: لا تفعل هذا، فإنك باعث على نفسك صوت نعار، ولعل الموت يأتيه فتستريح منه! فكف عبد الملك عن ذلك ونفسه تنازعه إلى أن يخلعه. ودخل عليه روح بن زنباع الجذامي - وكان أجل الناس عند عبد الملك - فقال: يا أمير المؤمنين لو خلعته ما انتطح فيه عنزان، فقال: ترى ذلك يا أبا زرعة؟ قال: أي والله، وأنا من أول من يجيبك إلى ذلك؛ فقال: نصيح إن شاء الله. قال: فبينى هو على ذلك وقد نام عبد الملك وروح ابن زنباع إذ دخل عليهما قبيصة بن ذؤيب طروقًا، وكان عبد الملك قد تقدم إلى حجابة فقال: لا يحجب عني قبيصة أي ساعة جاء من ليل أو نهار، إذا كنت خاليًا أو عندي رجل واحد، وإن كنت عندي النساء أدخل المجلس وأعلمت بمكانه فدخل، وكان الخاتم إليه، وكان السكة إليه، تأتيه الأخبار قبل عبد الملك، ويقرأ الكتب قبله، ويأتي بالكتاب إلى عبد الملك منشورًا فيقرؤه، إعظامًا لقبيصة - فدخل عليه فسلم عليه وقال: أجرك الله يا أمير المؤمنين في أخيك عبد العزيز! قال: وهل توفي؟ قال: نعم، فاسترجع عبد الملك، ثم أقبل على روح فقال: كفانا الله أبازرعة ما كنا نريد وما أجمعنا عليه وكان ذلك مخالفًا لك يا أبا إسحاق، فقال: قبيصة: ماهو؟ فأخبره بما كان؛ فقال قبيصة: يا أمير المؤمنين، إن الرأي كله في الأناة والعجلة فيها ما فيها، فقال عبد الملك: ربما كان في العجلة خير كثير، رأيت أمر عمر بن سعيد، ألم تكن العجلة فيه خيرًا من التأني!
خبر موت عبد العزيز بن مروان

وفي هذه السنة توفي عبد العزيز بن مروان بمصر في جمادى الأولى، فضم عبد الملك عمله إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك، وولاه مصر. وأما المدائني فإنه قال في ذلك ما حدثنا به أبو زيد عنه، أن الحجاج كتب إلى عبد الملك يزين له بيعة الوليد، وأفد وفدًا في ذلك عليهم عمران ابن عصام العنزي، فقام عمران خطيبًا، فتكلم وتكلم الوفد وحثوا عبد الملك وسألوه ذلك فقال عمران بن عصام:
أمير المؤمنين إليك نهدي ** على نأي التحية والسلاما
أجبني في بنيك يكن جوابي ** لهم عادية ولنا قواما
فلو أن الوليد أطاع فيه ** جعلت له الخلافة والذماما
شبيهك حول قبته قريش ** به يستمطر الناس الغماما
ومثلك في التقى لم يصب يومًا ** لدن خلع القلائد والتماما
فإن تأثر أخاك بها فإن ** وجدك لا نطيق لها إتهاما
ولكنا نحاذر من بنيه ** بني العلات مأثرة سماما
ونخشى إن جعلت الملك فيهم ** سحابًا أن تعود لهم جهاما
فلا يك ما حلبت غدًا لقوم ** وبعد غد بنوك هم العياما
فأقسم لو تخطاني عصام ** بذلك ما عذرت به عصاما
ولو أني حبوت أخًا بفضل ** أريد به المقالة والمقاما
لعقب في بني على بنيه ** كذلك أو لرمت مراما
فمن يك في أقاربه صدوع ** فصدع الملك أبطؤه التئاما
فقال عبد الملك: يا عمران، إنه عبد العزيز، قال: احتل له يا أمير المؤمنين. قال علي: أراد عبد الملك بيعة الوليد قبل أمر الأشعث، لأن الحجاج بعث في ذلك عمران بن عصام، فلما أبى عبد العزيز أعرض عبد الملك عما أراد حتى مات عبد العزيز، ولما أراد أن يخلع أخاه عبد العزيز ويبايع لابنه الوليد كتب إلى أخيه: إن رأيت أن تصير هذا الأمر لابن أخيك! فأبى، فكتب إليه: فاجعلها له من بعدك، فإنه أعز الخلق على أمير المؤمنين. فكتب إليه عبد العزيز: إني أرى في أبي بكر بن عبد العزيز ما ترى في الوليد، فقال عبد الملك: اللهم إن عبد العزيز قطعني فاقطعه. فكتب إليه عبد الملك: احمل خراج مصر. فكتب إليه عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، إني وإياك قد بلغنا سنًا لم يبلغها أحد من أهل بيتك إلا كان بقاؤه قليلًا، وإني لا أدري ولا تدري أينا يأتيه الموت أولًا! فإن رأيت ألا تفنث على بقية عمري فافعل. فرق له عبد الملك وقال: لعمري لا أغثث عليه بقية عمره، وقال لابنيه: إن يرد الله أن يعطيكموها لا يقدر أحد من العباد على رد ذلك. وقال لابنيه: الوليد وسليمان: هل قارفتما حرامًا قط؟ قالا: لا والله قال: الله أكبر، نلتماها ورب الكعبة! قال: فلما أبى عبد العزيز أن يجيب عبد الملك إلى ما أراد، قال عبد الملك: اللهم قد قطعني فاقطعه، فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام: رد على أمير المؤمنين أمره، فدعا عليه، فاستجيب له. قال: وكتب الحجاج إلى عبد الملك يشير عليه أن يستكتب محمد بن يزيد الأنصاري، وكتب إليه: إن أردت رجلًا مأمونًا فاضلًا عاقلًا وديعًا مسلمًا كتومًا تتخذه لنفسك، وتضع عنده سرك، وما لا تحب أن يظهر، فاتخذ محمد بن يزيد. فكتب إليه عبد الملك: احمله إلي. فحمله، فاتخذه عبد الملك كاتبًا. قال محمد: فلم يكن يأتيه كتاب إلا دفعه إلي، ولا يستر شيئًا إلا أخبرني به وكتمه الناس، ولا يكتب إلى عامل من عماله إلا أعلمنيه، فإني لجالس يومًا نصف النهار إذا ببرد قد قدم من مصر، فقال: الأذن على أمير المؤمنين. قلت: ليست هذه ساعة إذن، فأعلمني ما قد قدمت له، قال: لا. قلت: فإن كان معك كتاب فادفعه إلي. قال: لا، قال: فأبلغ بعض من حضرني أمير المؤمنين، فخرج فقال: ما هذا؟ قلت: رسول قدم من مصر، قال: فخذ الكتاب، قلت: زعم أنه ليس معه كتاب، قال: فسله عما قدم له، قلت: قد سألته فلم يخبرني، قال أدخله، فأدخلته، فقال: آجرك الله يا أمير المؤمنين في عبد العزيز! فاسترجع وبكى ووجم ساعة ثم قال: يرحم الله عبد العزيز! مضى والله عبد العزيز لشأنه، وتركنا وما نحن فيه، ثم بكى النساء وأهل الدار، ثم دعاني من غد، فقال: إن عبد العزيز رحمه الله قد مضى لسبيله، ولا بد للناس من علم وقائم يقوم بالأمر من بعدي، فمن ترى؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سيد الناس وأرضاهم وأفضلهم الوليد بن عبد الملك، قال: صدقت وفقك الله! فمن ترى أن يكون بعده؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أين تعدلها عن سليمان فتى العرب! قال: وفقت، أما إنا لو تركنا الوليد وإياها لجعلها لبنيه، اكتب عهدًا للوليد وسليمان من بعده، فكتب بيعة الوليد ثم سليمان من بعده. فغضب علي الوليد فلم يولني شيئًا حين أشرت بسليمان من بعده. قال علي، عن أبي جعدية: كتب عبد الملك إلى هشام بن إسماعيل المخزومي أن يدعو الناس لبيعة الوليد وسليمان، فبايعوا غير سعيد بن المسيب، فإنه أبى، وقال: لا أبايع وعبد الملك حي؛ فضربه هشام ضربًا مبرحًا وألبسه المسوح، وسرحه إلى ذباب - ثنية بالمدينة كانوا يقتلون عندها ويصلبون فظن أنهم يريدون قتله، فلما انتهوا به إلى ذلك الموضع ردوه، فقال: لو ظننت أنهم لا يصلبوني ما لبست سراويل مسوح، ولكن قلت: يصلبوني فيسترني، وبلغ عبد الملك الخبر، فقال: قبح الله هشامًا! إنما كان ينبغي أن يدعوه إلى البيعة، فإن أبى يضرب عنقه، أو يكف عنه.