وأما ما فخرت به من فاطمة أمّ علي وأنّ هاشمًا ولده مرتين، ومن فاطمة أمّ حسن، وأن عبد المطلب ولده مرتين؛ وأن النبي ولدك مرتين؛ فخير الأوّلين والآخرين رسول الله ولم يلده هاشم إلّا مرةً ولا عبد المطلب إلا مرّة.
وزعمت أنك أوسط بني هاشم نسبًا، وأصرحهم أمًا وأبًا؛ وأنه لم تلدك العجم ولم تعرق فيك أمّهات الأولاد؛ فقد رأيتك فخرت على بني هاشم طرًا؛ فانظر ويحك أين أنت من الله غدًا! فإنك قد تعدّيت طورك، وفخرت على من هو خير منك نفسًا وأبًا وأولًا وآخرًا، إبراهيم بن رسول الله وعلى والد ولده؛ وما خيار بني أبيك خاصّة وأهل الفضل منهم إلّا بنو أمهات أولاد، وما ولد فيكم بعد وفاة رسول الله أفضل من علي ابن حسين؛ وهو لأمّ ولد؛ ولهو خير من جدّك حسن بن حسن؛ وما كان فيكم بعده مثل ابنه محمد بن علي، وجدّته أمّ ولد؛ ولهو خير من أبيك، ولا مثل ابنه جعفر وجدّته أمّ ولد؛ ولهو خير منك.
وأما قولك: إنكم بنو رسول الله ؛ فإن الله تعالى يقول في كتابه: " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم "، ولكنكم بنو ابنته؛ وإنها لقرابة قريبة؛ ولكنها لا تحوز الميراث، ولا ترث الولاية، ولا تجوز لها الإمامة؛ فكيف تورث بها! ولقد طلبها أبوك بكلّ وجه فأخرجها نهارًا، ومرّضها سرًا، ودفنها ليلًا؛ فأبى الناس إلا الشيخين وتفضيلهما؛ ولقد جاءت السنّة التي لا اختلاف فيها بين المسلمين أن الجدّ أبا الأم والخال والخالة لا يرثون.
وأما ما فخرت به من علي وسابقته، فقد حضرت رسول الله الوفاة، فأمر غيره بالصّلاة، ثم أخذ الناس رجلًا بعد رجل فلم يأخذوه؛ وكان في الستّة فتركوه كلهم دفعًا له عنها، ولم يروا له حقًا فيها؛ أما عبد الرحمن فقدّم عليه عثمان، وقتل عثمان وهو له متّهم، وقاتله طلحة والزبير، وأبى سعد بيعته، وأغلق دونه بابه، ثم بايع معاوية بعده. ثم طلبها بكلّ وجه وقاتل عليها، وتفرّق عنه أصحابه، وشكّ فيه شيعته قبل الحكومة، ثم حكّم حكمين رضي بهما، وأعطاهما عهده وميثاقه، فاجتمعا على خلعه. ثم كان حسن فباعها من معاوية بخرق ودراهم ولحق بالحجاز؛ وأسلم شيعته بيد معاوية ودفع الأمر إلى غير أهله؛ وأخذ مالًا من غير ولائه ولا حلّه؛ فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموه وأخذتم ثمنه. ثم خرج عمّك حسين بن علي على ابن مرجانة، فكان الناس معه عليه حتى قتلوه، وأتوا برأسه إليه، ثم خرجتم على بني أميّة، فقتلوكم وصلّبوكم على جذوع النخل، وأحرقوكم بالنيران، ونفوكم من البلدان؛ حتى قتل يحيى بن زيد بخراسان؛ وقتلوا رجالكم وأسروا الصبية والنساء، وحملوهم بلا وطاء في المحافل كالسبّي المجلوب إلى الشأم؛ حتى خرجنا عليهم فطلبنا بثأركم، وأدركنا بدمائكم وأورثناكم أرضهم وديارهم، وسنينا سلفكم وفضّلناه، فاتخذت ذلك علينا حجة.
وظننت أنا إنما ذكرنا أباك وفضّلناه للتقدمة منّا له على حمزة والعباس وجعفر؛ وليس ذلك كما ظننت؛ ولكن خرج هؤلاء من الدنيا سالمين، متسلّمًا منهم، مجتمعًا عليهم بالفضل، وابتُلي أبوك بالقتال والحرب؛ وكانت بنو أميّة تلعنه كما تلعن الكفرة في الصلاة المكتوبة، فاحتجبنا له، وذكّرناهم فضله، وعنّفناهم وظلّمناهم بما نالوا منه. ولقد علمت أن مكرمتنا في الجاهلية سقاية الحجيج الأعظم، وولاية زمزم؛ فصارت للعباس من بين إخوته؛ فنازعنا فيها أبوك، فقضى لنا عليه عمر، فلم نزل نليها في الجاهلية والإسلام؛ ولقد قحط أهل المدينة فلم يتوسل عمر إلى ربّه ولم يتقرّب إليه إلا بأبينا، حتى نعشهم الله وسقاهم الغيث، وأبوك حاضر لم يتوسّل به؛ ولقد علمت أنه لم يبق أحد من بني عبد المطلب بعد النبي غيره؛ فكان وراثه من عمومته، ثم طلب هذا الأمر غير واحد من بني هاشم فلم ينله إلا ولده؛ فالسقاية سقايته وميراث النبي له، والخلافة في ولده، فلم يبق شرف ولا فضل في جاهلية ولا إسلام في دنيا ولا آخرة إلّا والعباس وارثه ومورّثه.
وأما ما ذكرت من بدر؛ فإن الإسلام جاء والعباس يمون أبا طالب وعياله، وينفق عليهم للأزمة التي أصابته؛ ولولا أنّ العباس أخرج إلى بدر كارهًا لمات طالب وعقيل جوعًا، وللحساجفان عتبة وشيبة؛ ولكنه كان عقيلًا يوم بدر؛ فكيف تفخر علينا وقد علناكم في الكفر، وفديناكم من الأسر، وحزنا عليكم مكارم الآباء، وورثنا دونكم خاتم الأنبياء، وطلبنا بثأركم فأدركنا منه ما عجزتم عنه؛ ولم تدركوا لأنفسكم! والسلام عليك ورحمة الله.
قال عمر بن شبّة: حدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني الحارث بن إسحاق، قال: أجمع ابن القسري على الغدر بمحمد، فقال له: يا أمير المؤمنين، ابعث موسى بن عبد الله ومعه رزامًا مولايَ إلى الشأم يدعوان إليك. فبعثهما فخرج رزام بموسى إلى الشأم، وظهر محمد على أن القسري كتب إلى أبي جعفر في أمره، فحبسه في نفر ممن كان معه في دار ابن هشام التي في قبلة مصلى الجنائز - وهي اليوم لفرج الخصي - وورد رزام بموسى الشأم، ثم انسلّ منه، فذهب إلى أبي جعفر، فكتب موسى إلى محمد: إني أخبرك أني لقيت الشأم وأهله، فكان أحسنهم قولًا الذي قال: والله لقد مملنا البلاء، وضقنا به ذرعًا؛ حتى ما فينا لهذا الأمر موضع، ولا لنا به حاجة؛ ومنهم طائفة تحلف: لئن أصبحنا من ليلتنا أو مسّينا من غد ليرفعنّ أمرنا وليدلنّ علينا؛ فكتب إليك وقد غيبت وجهي، وخفت على نفسي. قال الحارث: ويقال إنّ موسى ورزامًا وعبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور توجهوا إلى الشأم في جماعة؛ فلما ساروا بتيماء، تخلّف رزام ليشتري لهم زادًا، فركب إلى العراق، ورجع موسى وأصحابه إلى المدينة.
قال: وحدثني عيسى، قال: حدثني موسى بن عبد الله ببغداد ورزام معنا، قال: بعثني محمد ورزامًا في رجال معنا إلى الشأم، لندعو له؛ فإنا لبدومة الجندل؛ إذ أصابنا حرّ شديد؛ فنزلنا عن رواحلنا نغتسل في غدير، فاستلّ رزام سيفه، ثم وقف على رأسي، وقال: يا موسى، أرأيت لو ضربت عنقك ثم مضيت برأسك إلى أبي جعفر؛ أيكون أحد عنده في منزلتي! قال: قلت: لا تدع هزلك يا أبا قيس! شم سيفك غفر الله لك. قال: فشام سيفه، فركبنا. قال عيسى: فرجع موسى قبل أن يصل إلى الشأم، فأتى البصرة هو وعثمان بن محمد، فدلّ عليهما، فأخذا.
قال: وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، قال: حدثني أخي عبد الله بن نافع الأكبر، قال: لما ظهر محمد لم يأته أبي نافع ابن ثابت، فأرسل إليه، فأتاه وهو في دار مروان، فقال: يا أبا عبد الله، لم أرك جئتنا! قال: ليس في ما تريد، فألحّ عليه محمد؛ حتى قال: البس السلاح يتأسّ بك غيرك، فقال: أيها الرجل؛ إني والله ما أراك في شيء؛ خرجت في بلد ليس فيه مال ولا رجال ولا كراع ولا سلاح؛ وما أنا بمهلك نفسي معك، ولا معين على دمي. قال: انصرف؛ فلا شيء فيك بعد هذا. قال: فمكث يختلف إلى المسجد إلى أن قتل محمد، فلم يصلّ في مسجد رسول الله يوم قتل إلا نافع وحده.
ووجّه محمد بن عبد الله لما ظهر - فيما ذكر عمر عن أزهر بن سعيد بن نافع - الحسن بن معاوية إلى مكة عاملًا عليها، ومعه العباس بن القاسم - رجل من آل أبي لهب - فلم يشعر بهم السري بن عبد الله حتى دنوا من مكة فخرج إليهم، فقال له مولاه: ما رأيك؟ قد دنونا منهم، قال: انهزموا على بركة الله، وموعدكم بئر ميمون. فانهزموا؛ ودخلها الحسن بن معاوية. وخرج الحسين بن صخر - رجل من آل أويس - من ليلته، فسار إلى أبي جعفر تسعًا فأخبره فقال: قد أنصف القارة من راماها، وأجازه بثلثمائة درهم.
قال: وحدثني أيوب بن عمر، قال: حدثني محمد بن صالح بن معاوية، قال: حدثني أبي، قال: كنت عند محمد حين عقد للحسن بن معاوية على مكة، فقال له الحسن: أرأيت إن التحم القتال بيننا وبينهم، ما ترى في السري؟ قال: يا حسن، إن السري لم يزل مجتنبًا لما كرهنا، كارهًا للذي صنع أبو جعفر؛ فإن ظفرت به فلا تقتله؛ ولا تحركنّ له أهلًا، ولا تأخذنّ له متاعًا، وإن تنحّى فلا تطلبنّ له أثرًا. قال: فقال له الحسن: يا أمير المؤمنين، ما كنت أحسبك تقول هذا في أحد من آل العباس، قال: بلى، إن السري لم يزل ساخطًا لما صنع أبو جعفر.
قال: وحدثني عمر بن راشد مولى عنج، قال: كنت بمكة، فبعث إلينا محمد حين ظهر الحسن بن معاوية والقاسم بن إسحاق ومحمد بن عبد الله ابن عنبسة يدعى أبا جبرة، أميرهم الحسن بن معاوية؛ فبعث إليهم السري بن عبد الله كاتبه مسكين بن هلال في ألف، ومولى له يدعى مسكين بن نافع في ألف، ورجلًا من أهل مكة يقال له ابن فرس - وكان شجاعًا - في سبعمائة، وأعطاه خمسمائة دينار، فالتقوا ببطن أذاخر بين الثنيّتين وهي الثنيّة التي تهبط على ذي طُوىً، منها هبط النبي وأصحابه إلى مكة، وهي داخلة في الحرم، فتراسلوا؛ فأرسل حسن إلى السري أن خلّ بيننا وبين مكة، ولا تهريقوا الدماء في حرم الله. وحلف الرسولان للسري: ما جئناك حتى مات أبو جعفر. فقال لهما السري: وعلي مثل ما حلفتما به؛ إن كانت مضت لي أربعة؛ منذ جاءني رسول من عند أمير المؤمنين، فأنظروني أربع ليال؛ فإني أنتظر رسولًا لي آخر، وعلي ما يصلحكم، ويصلح دوابكم، فإن يكن ما تقولونه حقًا سلّمتها إليكم؛ وإن يكن باطلًا أجاهدكم حتى تغلبوني أو أغلبكم؛ فأبى الحسن، وقال: لا نبرح حتى نناجزك، ومع الحسن سبعون رجلًا وسبعة من الخيل، فلما دنوا منه، قال لهم الحسن: لا يقدمنّ أحد منكم حتى ينفخ في البوق؛ فإذا نفخ فلتكن حملتكم حملة رجل واحد. فلما رهقناهم وخشي الحسن أن يغشاه وأصحابه، ناداه: انفخ ويحك في البوق! فنفخ ووثبوا وحملوا علينا حملة رجل واحد. فانهزم أصحاب السري، وقتل منهم سبعة نفسر. قال: واطلع عليهم بفرسان من أصحابه وهم من وراء الثنيّة في نفر من قريش قد خرج بهم، وأخذ عليهم لينصرنّه، فلمما رآهم القرشيوّن قالوا: هؤلاء أصحابك قد انهزموا، قال: لا تعجلوا، إلى أن طلعت الخيل والرجال في الجبال؛ فقيل له: ما بقي؟ فقال: انهزموا على بركة الله، فانهزموا حتى دخلوا دار الإمارة، وطرحوا أداة الحرب، وتسوّروا على رجل من الجند يكنى أبا الرزام. فدخلوا بيته فكانوا فيه. ودخل الحسن بن معاوية المسجد، فخطب الناس ونعى إليهم أبا جعفر ودعا لمحمد.
قال: وحدثني يعقوب بن القاسم، قال: حدثني الغمر بن حمزة بن أبي رملة، مولى العباس بن عبد المطلب، قال: لما أخذ الحسن بن معاوية مكة. وفرّ السري بلغ الخبر أبا جعفر، فقال: لهفي على ابن أبي العضل.
قال: وحدثني ابن أبي مساور بن عبد الله بن مساور مولى بني نائلة من بني عبد الله بن معيص، قال: كنت بمكة مع السري بن عبد الله، فقدم عليه الحسن بن معاوية قبل مخرج محمد - والسري يومئذ بالطائف وخليفته بمكة ابن سراقة من بني عدي بن كعب - قال: فاستعدى عتبة بن أبي خداش اللهبي على الحسن بن معاوية في دينٍ عليه فحبسه، فكتب له السري إلى ابن أبي خداش: أما بعد فقد أخطأت حظّك، وساء نظرك لنفسك حين تحبس ابن معاوية؛ وإنما أصبت المال من أخيه. وكتب إلى ابن سراقة يأمره بتخليته، وكتب إلى ابن معاوية يأمره بالمقام إلى أن يقدم فيقضي عنه. قال: فلم يلبث أن ظهر محمد، فشخص إليه الحسن بن معاوية عاملًا على مكة، فقيل للسري: هذا ابن معاوية قد أقبل إليك، قال: كلّا ما يفعل وبلائي عنده بلائي، وكيف يخرج إلي أهل المدينة! فوالله ما بها دار إلا وقد دخلها لي معروف، فقيل له: قد نزل فجاء. قال: فشخص إليه ابن جريج، فقال له: أيها الرجل، إنك والله ما أنت بواصل إلى مكة وقد اجتمع أهلها مع السري، أتراك قاهرًا قريشًا وغاصبها على دارها! قال: يا بن الحائك، أبأهل مكة تخوّفني! والله ما أبيت إلا بها أو أموت دونها. ثم وثب في أصحابه، وأقبل إليه السري، فلقيه بفخّ، فضرب رجل من أصحاب الحسن مسكين بن هلال كاتب السري على رأسه فشجّه، فانهزم السري وأصحابه، فدخلوا مكة، والتفّ أبو الرزام - رجل من بني عبد الدار ثم أحد آل شيبة - على السري، فواراه في بيته، ودخل الحسن مكة. ثم إن الحسن أقام بمكة يسيرًا، ثم ورد كتاب محمد عليه يأمره باللحاق به.
وذكر عمر عن عبد الله بن إسحاق بن القاسم، قال: سمعت من لا أحصي من أصحابنا يذكر أنّ الحسن والقاسم لما أخذا مكة، تجهّزا وجمعا جمعًا كثيرًا، ثم أقبلا يريدان محمدًا ونصرته على عيسى بن موسى؛ واستخلفا على مكة رجلًا من النصار؛ فلما كانا بقديد لقيهما قتل محمد، فتفرّق الناس عنهما، وأخذ الحسن على بسقة - وهي حرّة في الرمل تدعى بسقة قديد - فلحق بإبراهيم؛ فلم يزل مقيمًا بالبصرة حتى قتل إبراهيم. وخرج القاسم بن إسحاق يريد إبراهيم؛ فلما كان بيديع من أرض فدك، لقيه قتل إبراهيم، فرجع إلى المدينة، فلم يزل مختفيًا حتى أخذت ابنة عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر؛ زوجة عيسى بن موسى، له ولإخوته الأمان فظهر بنو معاوية، وظهر القاسم.
قال: وحدثني عمر بن راشد مولى عنج، قال: لما ظهر الحسن بن معاوية على السري أقام قليلًا حتى أتاه كتاب محمد يأمره بالشخوص إليه؛ ويخبره أن عيسى قد دنا من المدينة، ويستعجله بالقدوم. قال: فخرج من مكة يوم الاثنين في مطر شديد - زعموا أنه اليوم الذي قتل فيه محمد - فتلقاه بريد لعيسى بن موسى بأمج - وهو ماء لخزاعة بين عسفان وقديد - بقتل محمد، فهرب وهرب أصحابه.
قال عمر: وحدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت عن أبي سيار، قال: كنت حاجب محمد بن عبد الله، فجاءني راكب من الليل، قال: قدمت من البصرة، وقد خرج بها إبراهيم، فأخذها. قال: فجئت دار مروان، ثم جئت المنزل الذي فيه محمد، فدققت الباب، فصاح بأعلى صوته: من هذا؟ قلت: أبو سيّار، قال: لا حول ولا قوّة إلا بالله؛ اللهم إني أعوذ بك من شرّ طوارق الليل؛ إلا طارق يطرق منك بخير، قال: خير! قلت: خير، قال: ما وراءك؟ قلت: أخذ إبراهيم البصرة - قال: وكان محمد إذا صلى المغرب والصبح صاح صائح: ادعوا الله لإخوانكم من أهل البصرة، وللحسن بن معاوية واستنصروه على عدوّكم.
قال: وحدثني عيسى، قال: قدم علينا رجل من أهل الشأم، فنزل دارنا - وكان يكنى أبا عمرو - فكان أبي يقول له: كيف ترى هذا الرجل؟ فيقول: حتى ألقاه فأسبره ثم اخبرك. قال عيسى: فلقيه أبي بعد، فسأله فقال: هو والله الرجل كلّ الرجل؛ ولكن رأيت شحم ظهره ذراعًا، وليس هكذا يكون صاحب الحرب. قال: ثم بايعه بعد، وقاتل معه.
قال: وحدثني عبد الله بن محمد بن سلم - يدعى ابن البواب مولى المنصور - قال: كتب أبو جعفر إلى الأعمش كتابًا على لسان محمد، يدعوه إلى نصرته، فلما قرأه قال: قد خبرناكم يا بني هاشم؛ فإذا أنتم تحبّون الثريد. فلما رجع الرسول إلى أبي جعفر فأخبره، قال: أشهد أنّ هذا كلام الأعمش.
وحدثني الحارث، قال: حدثني ابن سعد، عن محمد بن عمر، قال: غلب محمد بن عبد الله على المدينة، فبلغنا ذلك، فخرجنا ونحن شباب؛ أنا يومئذ ابن خمس عشرة سنة، فانتهينا إليه؛ وهو قد اجتمع إليه الناس ينظرون إليه؛ ليس يصدّ عنه أحد؛ فدنوت حتى رأيته وتأملته؛ وهو على فرس، وعليه قميص أبيض محشوّ وعمامة بيضاء؛ وكان رجلًا أحزم؛ قد أثّر الجدري في وجهه، ثم وجّه إلى مكة فأخذت له، وبيّضوا؛ ووجّه أخاه إبراهيم بن عبد الله إلى البصرة، فأخذها وغلبها وبيّضوا معه.
رجع الحديث إلى حديث عمر. قال عمر: وحدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني الحارث بن إسحاق، قال: ندب أمير المؤمنين أبو جعفر عيسى بن موسى لقتال محمد، وقال: لا أبالي أيّهما قتل صاحبه؛ وضمّ إليه أربعة آلاف من الجند، وبعث معه محمد بن أبي العباس أمير المؤمنين.
قال: وحدثني عبد الملك بن شيبان. عن زيد مولى مسمع، قال: لما أمر أبو جعفر عيسى بن موسى بالشخوص، قال: شاور عمومتك، فقال له: امضِ أيها الرجل؛ فوالله ما يراد غيري وغيرك؛ وما هو إلّا أن تشخص أو أشخص؛ قال: فسار حتى قدم علينا ونحن بالمدينة.
قال: وحدثني عبد الملك بن شيبان، قال: دعا أبو جعفر بن حنظلة البهراني - وكان أبرص طوالا، أعلم الناس بالحرب، وقد شهد مع مروان حروبه - فقال: يا جعفر، قد ظهر محمد، فما عندك؟ قال: وأين ظهر؟ قال: بالمدينة، قال: فاحمد الله، ظهر حيث لا مال ولا رجال ولا سلاح ولا كراع؛ ابعث مولىً لك تثق به فليسر حتى ينزل بوادي القرى؛ فيمنعه ميرة الشأم، فيموت مكانه جوعًا، ففعل.
قال: وحدثني عبد الله بن راشد بن يزيد، قال: سمعت أصحابنا إسماعيل بن موسى وعيسى بن النضر وغيرهما يذكرون أنّ أبا جعفر قدّم كثير ابن حصين العبدّي، فعسكر بفيد، وخندق عليه خندقًا؛ حتى قدم عليه عيسى بن موى، فخرج به إلى المدينة. قال عبد الله: فأنا رأيت الخندق قائمًا دهرًا طويلًا، ثم عفا ودرس.
قال: وحدثني يعقوب بن القاسم، قال: حدثني علي بن أبي طالب - ولقيته بصنعاء - قال: قال أبو جعفر لعيسى حين بعثه إلى محمد: عليك بأبي العسكر مسمع بن محمد بن شيبان بن مالك بن مسمع، فسر به معك؛ فإني رأيته منع سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة من أهل البصرة؛ وهم محلبون عليه؛ وهو يدعو إلى مروان؛ وهو عند أبي العسكر يأكل المخّ بالطّبرزد، فخرج به عيسى؛ فلما كان ببطن نخل، تخلّف هو والمسعودي بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود حتى قتل محمد، فبلغ ذلك أبا جعفر، فقال لعيسى بن موسى: ألّا ضربت عنقه! وحدثني عيسى بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب، قال: أخبرني أبي، قال: قال أبو جعفر لعيسى بن موسى حين ودّعه: يا عيسى؛ إنّي أبعثك إلى ما بين هذين - وأشار إلى جنبيه - فإن ظفرت بالرجل فشم سيفك، وابذل الأمان؛ وإن تغيّب فضمنهم إياه حتى يأتوك به، فإنهم يعرفون مذاهبه. قال: فلما دخلها عيسى فعل ذلك.
فحدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: قال محمد بن عمر: وجّه أبو جعفر إلى محمد بن عبد الله بالمدينة عيسى بن موسى بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس، ووجّه معه محمد بن أبي العباس أمير المؤمنين وعدّة من قوّاد أهل خراسان وجندهم، وعلى مقدّمة عيسى بن موسى حميد بن قحطبة الطائي، وجهّزهم بالخيل والبغال والسلاح والميرة، فلم ينزل، ووجّه مع عيسى ابن موسى بن أبي الكرام الجعفري؛ وكان في صحابة أبي جعفر؛ وكان مائلًا إلى بني العباس، فوثق به أبو جعفر فوجّهه..