تعريف التخطيط وتحديد مفهومه:
اختلف تعريف التخطيط باختلاف المدارس الاقتصادية والأنظمة السياسية. وقد حصر معظم مفكري المدرسة البرجوازية مفهوم التخطيط بعده عملية فنية مستقلة عن طبيعة النظام السياسي، كما رأوا أن يكون تدخل الدولة بصورة غير مباشرة، أي أن يكون تدخلاً توجيهياً لنشاط القطاع الخاص ولصالحه.
أما المفهوم العام للتخطيط فهو القيام بعمليات وإجراءات منطقية لمواجهة موضوع مستقبلي، أو تحقيق أهداف مستقبلية وفق أولويات مسوَّغة وحسب الإمكانات المتاحة. ويناقش «جان تنبرغن» مفهوم التخطيط، فيرى أن التخطيط يصبح مرغوباً به كلما كانت آثاره مرغوباً بها، وستزيد هذه الآثار:
1ـ كلما زادت الحاجة إلى التنبؤ، 2ـ وكلما زادت الحاجة إلى التزام أهداف ما.3ـ وكلما زادت الحاجة إلى تنسيق العمل.
وتتوقف الحاجة إلى كل من العناصر الثلاثة على نوع البنيان الاقتصادي للدولة، وعلى ظروفها بشكل عام.
أما الاقتصادي السوفييتي «سميرنوف» فيعرف التخطيط الاقتصادي: بأنه العمل الطوعي للجماهير في قيادتها للحياة الاقتصادية والاجتماعية. أما مضمون التخطيط فيتمثل في إقامة التوازن المنطقي السليم في توزيع الموارد البشرية والمادية والمالية بين مختلف فروع الاقتصاد الوطني وقطاعاته، وذلك من أجل إقرار مهمات اقتصادية واجتماعية معينة، في ظروف لايكون فيها للسوق والمنافسة أثر أساسي وحاسم في تطور الإنتاج وفي توزيعه واستهلاكه. وهكذا فإن المدرسة الاشتراكية عكس المدرسة البرجوازية، تؤكد الارتباط المتين بين التخطيط الاقتصادي وطبيعة النظام الاقتصادي والسياسي. والخلاصة فإن مهمة التخطيط تتركز بالأساس على إقرار مهمات اقتصادية واجتماعية يرغب المجتمع في الوصول إليها والعمل على تنفيذها.
المنظور التاريخي
جرت أولى محاولات التخطيط الاقتصادي في الاتحاد السوفييتي منذ عام 1920 وكان هدفها البعيد هو إنجاز عملية التصنيع لاقتصاد زراعي بالدرجة الأولى في إطار نظام أوامري صارم بقيادة الاقتصاد الوطني.
وقد كان لنجاح الممارسة التخطيطية في الاتحاد السوفييتي أكبر الأثر في اعتبار التخطيط أداة وأسلوباً للتغلب على الصعوبات الاقتصادية من قبل العديد من الدول غير الشيوعية وخاصة الصعوبات التي كانت سائدة عقب أزمة الثلاثينات وفي فترة مابين الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولم يأت عقد الخمسينات من القرن الماضي إلا وكانت جميع الدول تأخذ بمقولة أن تسهم الدولة إسهاماً بارزاً في الشأن الاقتصادي وأن تمارس بعضها شكلاً من أشكال البرمجة والتخطيط وتوجيه النشاط الاقتصادي لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية مرغوبة. وتواصل هذا الاتجاه في الستينات والسبعينات مع اختلاف طرائق التخطيط والتوجيه باختلاف النظم الاقتصادية والسياسية.
ففي مجموعة البلدان الاشتراكية جرى تبني أسلوب التخطيط المركزي والتخطيط التفصيلي لجميع فروع الإنتاج المادي والخدمي في إطار الملكية العامة لوسائل الإنتاج والإدارة المركزية للموارد الوطنية، وكان الأمر يتطلب اتخاذ قرارات مركزية وتفصيلية بما يجب إنتاجه وبمستوى الأسعار والأجور ومستوى الاستثمار والتجارة الخارجية والداخلية وبالنسبة لجميع المتغيرات الاقتصادية. وكان التبرير النظري لذلك أن قوى السوق لا تقيم، بل ولا يمكنها أن تقيم اعتباراً للقيم والمبادئ الاجتماعية. وهي تخضع أساساً لمصلحة أصحاب النزوات وتؤمن مصالحهم بالدرجة الأولى، إضافة إلى أن قوى السوق هذه عاجزة عن إمكانية تحقيق التشغيل الكامل لعناصر الإنتاج واستخدامها بكفاءة وفعالية.
وحقيقة الأمر أنه لم يأت عقد السبعينات من القرن العشرين إلا وكانت جميع الدول العربية والنامية تمارس شكلاً من أشكال البرمجة والتخطيط ولديها وزارات أو إدارات للتخطيط.
وبانهيار الاتحاد السوفييتي ومجموعة البلدان الاشتراكية الأوربية انتهت الممارسة التخطيطية لهذه البلدان، وحلت محلها إجراءات للتحول بسرعة إلى آلية السوق ومحاولات لإبعاد الدولة عن التدخل في الحياة الاقتصادية.
وفي مواجهة هذه التبدلات على الساحة الدولية وتنامي الاتجاهات الليبرالية الجديدة شرعت الدول الاشتراكية الأخرى بمحاولة إعادة هيكلة اقتصادها على نحو تستطيع معه جذب رؤوس الأموال الأجنبية مع المحافظة على أثر الدولة في إدارة الاقتصاد الوطني وتوجيه أنشطته.
مستويات التخطيط
وهي التخطيط الشامل، والجزئي والقطاعي، والإقليمي.
ـ التخطيط الشامل: ويشمل كل الأنشطة الاقتصادية للبلاد، ويتطلب تحديداً دقيقاً للأهداف المطلوب تحقيقها في جميع مراحل عملية إعادة الإنتاح الموسع. ويرتبط نجاح هذا التخطيط بمدى تضمنه أهداف المجتمع وطموحاته وبمدى توفر أركانه الأساسية المتمثلة بالواقعية والشمولية وبالمرونة والاستمرارية.
ـ التخطيط القطاعي: ويمثل إحدى صور التخطيط الجزئي، ويهتم بتحقيق الشمول في جانب من جوانب النشاط الاقتصادي فيغطي الجوانب المختلفة لقطاع معين متضمناً تخطيط عمليات الإنتاج والعمالة ورأس المال والإنتاجية وتنظيم القطاع والخدمات اللازمة له ومشكلاته التسويقية والتمويلية، ويهتم أيضاً بالمشروعات اللازمة لتوسيع القطاع في المستقبل.
ـ التخطيط الجزئي: ويتركز على بعض العمليات والمشروعات الرئيسية أو أحد القطاعات الاقتصادية المختارة. إن رقابة الدولة على الاستخدام، أو تخطيط القطاع الحكومي هي أمثلة من هذا النوع.
ـ التخطيط الإقليمي: هو التخطيط المطبق على مستوى الإقليم، والإقليم هنا يمثل منطقة اقتصادية للبلاد تتميز من غيرها من المناطق بطبيعة بنيتها الاقتصادية وبمستوى تطور قواها المنتجة وبخصائص مواردها وثرواتها. ومع هذا التباين فإن كل إقليم يشكل جزءاً من كامل الاقتصاد. ويفيد التطبيق الصحيح للتخطيط الإقليمي في الاستثمار الأفضل لموارد الإقليم كما يسهم في تقليص التفاوت بين الأقاليم.
التخطيط وفق المعيار الزمني
ويلاحظ فيه التخطيط الطويل والمتوسط والقصير الأجل:
ـ التخطيط الطويل الأجل: وهو التخطيط الذي يغطي آفاقاً زمنية طويلة بين عشر سنوات وعشرين سنة، ويتضمن استراتيجية التنمية البعيدة المدى التي تهتم بإحداث التبدلات والتحولات النوعية العميقة في البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
ـ التخطيط متوسط الأجل: وتراوح مدته من خمس إلى سبع سنوات، وتنحصر مهمته في تكييف استراتيجية التنمية بعيدة المدى مع الظروف المتغيرة، وفي تجزئة أهداف التخطيط الطويل الأجل الرئيسية إلى أهداف خمسية وسنوية محددة.
ـ التخطيط القصير الأجل: ويتضمن الخطة الجارية التي تنحصر مدتها بعام واحد. تُجزَّأ في إطاره أهداف الخطط المتوسطة إلى مؤشرات تفصيلية للوحدات الإنتاجية، وتبعاً لذلك فإن الخطط الجارية تمثل أداة لإدخال التعديلات اللازمة في المكونات السنوية للخطط متوسطة الأجل.
التخطيط التأشيري
ويعرف على أنه وضع خطة اقتصادية يبين فيها دور كل من القطاعات الاجتماعية في تحقيق الأهداف التي يصبو إليها المجتمع بتحضير عمل القطاع الخاص اعتماداً على استخدام أدوات السياسة الاقتصادية كالحوافز والأسعار والضرائب وسياسات الإقراض والإعفاءات بما يؤدي إلى التأثير في حركة النشاط الاقتصادي في البلاد وفقاً للأهداف المرغوب في تحقيقها في المستقبل.