نذر عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم




كان عبد المطلب نذر حين لقي من قريش العَنَتَ في حفر بئر زمزم لئن ولد له عشر نفر وبلغوا معه حتى يمنعوه لينحرنَّ أحدهم عند الكعبة لله تعالى، ولم يكن له ولد إلا الحارث.
وقد ارتاب بعضهم في حكاية هذا النذر، لكنا لا نرى مندوحة عن ذكرها لأنها وردت في أمّهات كتب التاريخ التي استقينا منها، فقد رواها ابن إسحاق ونقلها الطبري وابن الأثير وابن سعد في «طبقاته».
ولما بلغ أولاد عبد المطلب عشرة وعرف أنهم سيمنعونه أخبرهم بنذره فأطاعوه وقالوا: كيف نصنع؟ قال: يأخذ كل رجل منكم قِدْحا ثم يكتب فيه اسمه. ففعلوا وأتوه بالقداح، فدخلوا على هُبل في جوف الكعبة وكان أعظم أصنامهم، وهو على بئر يجمع فيه ما يهدى إلى الكعبة، فقال عبد المطلب لصاحب القداح: اضرب على بنيّ هؤلاء بقداحهم هذه وأخبره بنذره الذي نذر، وكان عبد الله أصغر إخوته وأحبهم إلى أبيه، فلما أخذ صاحب القداح يضرب، قام عبد المطلب يدعو الله تعالى، ثم ضرب صاحب القداح فخرج قدح عبد الله، فأخذ عبد المطلب بيده ثم أقبل إلى (إساف ونائلة) وهما الصّنمان اللذان ينحر الناس عندهما، فقامت قريش من أنديتها فقالوا: ماذا تريد أن تصنع؟ قال: أذبحه. فقالت قريش وبنوه: والله لا ندعك تذبحه أبدا حتى تُعذر فيه، ولئن فعلت هذا لا يزال الرجل منا يأتي بابنه حتى يذبحه، فقال له المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم: والله لا تذبحه حتى تعذر فيه فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه.
وقالت قريش وبنوه: لا تفعل، وانطلق إلى كاهنة بالحجر فسلها، فإن أمرتك بذبحه ذبحته، وإن أمرتك بمالك وله فيه فرج قبلته. فانطلقوا حتى أتوها فقصَّ عليها عبد المطلب خبره، فقالت لهم: ارجعوا اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله، فرجعوا عنها، ثم غدوا عليها فقالت: نعم قد جاءني الخبر فكم دية الرجل عندكم؟ قالوا: عشرة من الإبل وكانت كذلك، قالت: ارجعوا إلى بلادكم وقربوا عشرا من الإبل واضربوا عليها وعليه بالقداح، فإن خرج على صاحبكم فزيدوا في الإبل عشرا ثم اضربوا أيضا حتى يرضى ربكم، وإن خرجت على الإبل فانحروها فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم.
فخرجوا حتى أتوا مكة ثم قربوا عبد الله وعشرا من الإبل فخرجت القداح على عبد الله، فزادوا عشرا فخرجت القداح على عبد الله، فما برحوا يزيدون عشرا وتخرج القداح على عبد الله حتى بلغت الإبل مئة ثم ضربت فخرجت القداح على الإبل فقال من حضر: قد رضي ربك يا عبد المطلب. فقال عبد المطلب: لا والله حتى أضرب ثلاث مرات، فضربوا ثلاثا فخرجت القداح على الإبل فنُحرت، ثم تركت لا يُصدُّ عنها إنسان ولا سبع.
إن خروج القداح على عبد الله في كل مرة حتى بلغت الإبل مئة من غرائب الصدف، ولولا معارضة قريش وبنيه ومشورة الكاهنة لذهب عبد الله قربانا لنذر عبد المطلب، ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظ أبا محمد حتى يظهر محمد رسول الله
قد التجأ عبد المطلب إلى هذا النذر لما عارضه عديّ بن نوفل بن عبد مناف في حفر زمزم وآذاه وقال له: «يا عبد المطلب أتستطيل علينا وأنت فذّ لا ولد لك؟»، فقال: «أبالقلة تعيّرني فوالله لئن آتاني الله عشرة من الولد ذكورا لأنحرن أحدهم عند الكعبة»، وقيل: سفه عليه وعلى ابنه ناس من قريش ونازعوهما وقاتلوهما فاشتدت بذلك بلواه وكان معه ولده الحارث ولم يكن له سواه، فنذر ذلك النذر الذي ذكرناه.
انصرف عبد المطلب بعد أن نحر الإبل آخذا بيد ابنه عبد الله فمر به على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصيّ وهي عند الكعبة، فقالت له حين نظرت إلى وجهه: أين تذهب يا عبد الله؟ قال: مع أبي، قالت: لك مثل الإبل التي نحرت عنك وقع عليَّ الآن، فأبى وقال: إن معي أبي لا أستطيع خلافه ولا فراقه. وكان عبد الله أحسن رجل رئي في قريش، وكان ذا عفة وسماحة، وكانت ولادة عبد الله نحو سنة 545م.