ومما يعمل به أيضا، أن تحفر حفرة عمق ذراع، ويؤخذ من تراب أسفلها فينقع فيه ماء عذب في إناء نظفي وتذاق التربة، فإن كان في طعمها المرارة فتلك الأرض عديمة الماء البتة، وإن كان يضرب إلى الملوحة الحادة فعديمة الماء أيضا، وإن كان طعمها إلى الملوحة الخفيفة فهي أقرب إلى الماء قليلا، وإن كان لا طعم له فالماء أقرب إلى وجه الأرض، وإن كان إلى التفاهة فالماء قريب من سطحها. ويشم ذلك التراب، فإن كانت رائحته كرائحة التراب المستخرج من السواق والأنهار الدائمة الماء، فبين الماء وبين وجه الأرض أذرع يسيرة، وكذا الرائحة الشبيهة بالعفونة تدل على قرب الماء، وكذا الشبيهة برائحة الطحلب ومما يدل على قرب الماء أيضا في الأرض السهلة أن ينبت فيها البطم والصعتر والسرو والسماق. ولسان الجمل والطرفا والخروع فإنها تنبت في المواضع الرطبة بالماء. وأما لسان الثور والبابونج والخطمي وكزبرة البير وإكليل الملك والخروع والخبازي والحندقوق فتنبت في مواضع تدل على كثرة الماء وقوتها وكثرتها وأغصانها وورقها وعروقها إذا خصبت تدل على كثرة الماء في باطن تلك الأرض وعلى قربه. ومما يدل على قرب الماء وعذوبته أيضا نبات القصب، لا سيما في الصفي والخرفي، فهو دال على كثرة الماء في باطن الأرض.
واعلم بأن أحمد المياه للسقي على الإطلاق الماء العذب، وهو أخفها وزنا وأوفقها للناس والحيوان والنبات. وماء لا مطر يصلح لما لطف من النبات، كالزرع والقطاني والخضر، وماء النهر العذب الصافي يصلح لسقي النبات على الإطلاق ولا سيما الخضر. والخضر كلها تحتاج إلى ماء كثير وماء الآبار والعيون يصلح لما له أصل كبير غائر في الأرض كالجزر واللفت الطويل. والحاجة إلى الماء في ثلاث أوقات من السنة: في الشتاء، وفي الخرفي، وفي الربيع. ففي الشتاء، لتحريك النبات بالدفء والرقة، وفي الخرفي لتعريضه للزبل الكثير، وفي الربيع للنمو والنشوء ونحو ذلك. وأردأ المياه المرّ، ثم المالح الأجاج وهما يصلحان للرجلة وهي البقلة والاسفاناخ والخس والهندبا والسوسن الأبيض، وهو الزنبق والملوخية. ومن أردأ المياه أيض القابض العفص، ثم ما غلب عليه طعم المعدن، والماء المالح الذي ينعقد منه الملح، وماء البحر، فيسدان ولا يصلحان لسقي شيء البتة.
واعلم بأن أحسن السقي في الصفي بالعشاء، وإذا كان السقي والقمر فوق الأرض فيكون أردأ منه إذا كان القمر تحت الأرض، ولا يبالغ في سقي الأرض الرملية. ويحمد سقي الأشجار في شهر آب، حيث يكون الحر على أشده. وكذلك في تشرين الأول في شدة البرد ولا يغفل عن ذلك، فإن السقي في شدة البرد يقتل الهوام والدول المتولد في أصول الشجر. ويحمد السقي أيضا وقت تفتح الأشجار بالورق والزهر، وإذا أفرط في سقيها والنهار كامل في شدة الحر لم يأمن من جفافها. وتسقى الأشجار حتى يصل الماء إلى أصولها. والبعل لا يسقى، وإن سقي الماء ضره، ويكفيه ماء المطر. والأشجار الجبلية لا تتحمل كثرة السقي، كالفستق والبندق والآس والكمثري والقراصيا وأشباهها. والزيتون يسقى فير تشرين الأول رمات عديدة وسقيه في الربيع حسن، ولا يسقى حتى يبتدئ بالنور، بل حتى يصير عقده قدر الحمص، فحينئذ يتابع سقيه إذا أريد حمله كل عام ولا سيما إذا جنيت ثمرته باليد برفق، ولم يُنفض بالعيدان والعصي، وإذا ضرب به أو نفض تكسر الأغصان ذات الحمل. والرمان يوافقه السقي الكثير، وإن لم يسقَ لم يضره. والورد يسقى في تشرين الأول، ولا يهمل سقيه فيه، ولا يغفل عن ذلك، ولا يدمن سقيه في آب، ولا يغفل عنه. والآس البستاني يتحمل الماء الكثير ولا سيما في الحر ويختلف عن الجبلي والقراصيا في كونه يبح الماء الكثير. وكذا العناب، وإن ترك لم يضره، والموز يحب الماء الكثير ويصلحه، وإن قلل عنه يضره وربما فسد. وكذا التفاح، يحب الماء الكثير، والسفرجل، ولسان العصفور، والبندق والأترج، والنارنج، والخوخ، والاجاص، والكمثري. أما الياسمين فيحب الماء المعتدل، والكرم يسقى بالعشي في نيسان وعند قطافه. والتين يسقى في تشرين الأول سقيا مبالغا فيه إلى أن يثمر وينضج، وقيل كثرة الماء والندى يضران الجبلي منه، لأنه بعل لا يشرب إلا من المطر. واللوز لا يحتمل كثرة الماء، وكذا الجوز. ويسقى الصنوبر بماء قليل، وكذا السرو، والشجر البستاني إذا زرع في البر يكثر حرثه ولا يحتاج إلى السقي. وغالب الأشجار من الفواكه وغيرها تنبت في البر والجبال ولا يسقيها إلا المطر. وكذلك غالب الحبوب كالحنطة والشعير والعدس والسمسم والحمص، بل يكاد أن يكون كل نبات من الأشجار وغيرها ينبت في بعض البلاد بغير سقي، إلا القليل من أشجار الشطوط والخضر والبقول، والكبار والصغار، فلاعتماد في ذلك كله على نزول الغيث في وقته.
واعلم أنه حال المطر من حيث كثرته وقلته ووقته يعرف من أحوال الشمس والقمر والسحاب والشهب التي ترمي بها الكواكب، والرعد والبرق وقوس قزح والضباب وما أشبه ذلك. أما الشمس فإذا طلعت شديدة الحمرة، ثم كلما ارتفعت اسود مكان الحمرة، دل على مطر شديد دائم، وربما كان أياما، وإذا طلعت وظهر معها سواد وسحاب أسود مظلم غليظ دل على مطر، وإذا طلعت أو غربت وفي جرمها ألوان تغلب عليها الحمرة أو كان شعاعها يميل إلى الصفرة أو السواد فدليل الشتاء والأمطار. وإذا طلعت من مشرقها نقية لا يحول بين الأبصار وبينها حائل من بخار أو قتام، دل ذلك على صحو. وكذا إذا كانت وقت غروبها في نقاء من غيم دل على صحو الغد وأيام أخر