الخميس نشرنا المطردين الذين كانوا معنا وأسرجنا الدابة بالسرج الموجه إليه وألبسناه السواد وعممناه وأخرجت كتاب الخليفة فقرأته وهو قائم على قدميه، ثم قرأت كتاب الوزير حامد بن العباس وهو قائم أيضا، وكان بدينا فنثر أصحابه علينا الدراهم وأخرجنا الهدايا وعرضناها عليه، ثم خلعنا على امرأته وكانت جالسة إلى جانبه وهذه سنتهم ودأبهم، ثم وجه إلينا فحضرنا قبته، وعنده الملوك عن يمينه وأمرنا أن نجلس عن يساره وأولاده جلوس بين يديه وهو وحده على سرير مغشى بالديباج الرومي، فدعا بالمائدة فقدمت إليه، وعليها لحم مشوي، فابتدأ الملك وأخذ سكينا وقطع لقمة فأكلها وثانية وثالثة، ثم قطع قطعة فدفعها إلى سوسن الرسول، فلما تناولها جاءته مائدة صغيرة، فجعلت بين يديه، وكذلك رسمهم لا يمد أحد يده إلى أكل حتى يناوله الملك، فإذا تناولها جاءته مائدة، ثم قطع قطعة وناولها الملك الذي عن يمينه، فجاءته مائدة، ثم ناول الملك الثاني، فجاءته مائدة وكذلك حتى قدم إلى كل واحد من الذين بين يديه مائدة وأكل كل واحد منا من مائدة لا يشاركه فيها أحد ولا يتناول من مائدة غيره شيئا، فإذا فرغ من الأكل حمل كل واحد منا ما بقي على مائدته إلى منزله، فلما فرغنا دعا بشراب العسل، وهم يسمونه السجو، فشرب وشربنا. وقد كان يخطب له قبل قدومنا اللهم اصلح الملك بلطوار، ملك بلغار فقلت له: إن الله هو الملك ولا يجوز أن يخطب بهذا أحد سيما على المنابر، وهذا مولاك أمير المؤمنين قد وصى لنفسه أن يقال على منابره في الشرق والغرب: اللهم اصلح عبدك وخليفتك جعفر الإمام المقتدر بالله أمير المؤمنين فقال: كيف يجوز أن يقال فقلت: يذكر اسمك واسم أبيك فقال: ان أبي كان كافرا وأنا أيضا ما أحب أن يذكر اسمي إذا كان الذي سماني به كافرا، ولكن ما اسم مولاي أمير المؤمنين فقلت: جعفر. قال: فيجوز أن أتسمى باسمه قلت: نعم. فقال: قد جعلت اسمي جعفرا، و اسم أبي عبد الله وتقدم إلى الخطيب بذلك فكان يخطب اللهم اصلح عبدك جعفر بن عبد الله أمير بلغار مولى أمير المؤمنين. قال: ورأيت في بلده من العجائب ما لا أحصيها كثرة من ذلك أن أول ليلة بتناها في بلده رأيت قبل مغيب الشمس بساعة أفق السماء وقد احمر احمرارا شديدا، وسمعت في الجو أصواتا عالية وههمة فرفعت رأسي فإذا غيم أحمر مثل النار قريب مني، فإذا تلك الهمهمة والأصوات منه، وإذا فيه أمثال الناس والدواب وإذا في أيدي الأشباح التي فيه قسي ورماح وسيوف وأتبينها وأتخيلها،وإذا قطعة أخرى مثلها أرى فيها رجالا أيضا وسلاحا ودواب، فأقبلت هذه القطعة على هذه كما تحمل الكتيبة على الكتيبة، ففزعنا من هذه وأقبلنا على التضرع والدعاء وأهل البلد يضحكون منا ويتعجبون من فعلنا. قال: وكنا ننظر إلى القطعة تحمل على القطعة فتختلطان جميعا ساعة، ثم تفترقان، فما زال الأمر كذلك إلى قطعة من الليل، ثم غابتا. فسألنا الملك عن ذلك، فزعم أن أجداده كانوا يقولون هؤلاء من مؤمني الجن وكفارهم يقتتلون كل عشية، وأنهم ما عدموا هذا منذ كانوا في كل ليلة. قال: ودخلت أنا وخياط كان للملك من أهل بغداد قبتي لنتحدث فتحدثنا بمقدار ما يقر الإنسان نصف ساعة ونحن ننتظر أذان العشاء، فإذا بالأذان، فخرجنا من القبة وقد طلع الفجر، فقلت للمؤذن: أي شيء أذنت قال: الفجر. قلت: فعشاء الأخيرة. قال: نصليها مع المغرب. قلت: فالليل، قال: كما ترى، وقد كان أقصر من هذا، وقد أخذ الآن في الطول، وذكر أنه منذ شهر ما نام الليل خوفا من أن تفوته صلاة الصبح، وذلك أن الإنسان يجعل القدر على النار وقت المغرب، ثم يصلى الغداة، وما آن لها أن تنضج. قال: ورأيت النهار عندهم طويلا جدا وإذا أنه يطول عندهم مدة من السنة ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، فلما كانت الليلة الثانية جلست فلم أر فيها من الكواكب إلا عددا يسيرا ظننت أنها فوق الخمسة عشر كوكبا متفرقة وإذا الشفق الأحمر الذي قبل المغرب لا يغيب بته، وإذا الليل قليل الظلمة يعرف الرجل الرجل فيه من أكثر من غلوة سهم. قال: والقمر إنما يطلع في أرجاء السماء ساعة، ثم يطلع الفجر، فيغيب القمر. قال: وحدثني الملك أن وراء بلده بمسيرة ثلاثة أشهر قوم يقال لهم ويسو الليل، عندهم أقل من ساعة. قال: ورأيت البلد عند طلوع الشمس يحمر كل شيء فيه من الأرض والجبال، وكل شيء ينظر الإنسان إليه حين تطلع الشمس كأنها غمامة كبرى فلا تزال الحمرة كذلك حتى تتكبد السماء، وعرفني أهل البلد أنه إذا كان الشتاء عاد الليل في طول النهار وعاد النهار في قصر الليل حتى أن الرجل منا ليخرج إلى نهر يقال له إتل بيننا وبينه أقل من مسافة فرسخ وقت الفجر فلا يبلغه إلى العتمة إلى وقت طلوع الكواكب كلها حتى تطبق السماء ورأيتهم يتبركون بعواء الكلب جدا ويقولون تأتي عليهم سنة خصب وبركة وسلامة ورأيت الحيات عندهم كثيرة، حتى أن الغصن من الشجر ليلتف عليه عشرة منها وأكثر ولا يقتلونها ولا تؤذيهم، ولهم تفاح أخضر شديد الحموضة جدا تأكله الجواري فيسمن وليس في بلدهم أكثر من شجر البندق، ورأيت منه غياضا تكون أربعين فرسخا في مثلها. قال: ورأيت لهم شجرا لا أدري ما هو مفرط الطول وساقه أجرد من الورق ورؤوسه كرؤوس النخل له خوص دقاق إلا أنه مجتمع يعمدون إلى موضع من ساق هذه الشجرة يعرفونه فيثقبونه ويجعلون تحته إناء يجري إليه من ذلك الثقب ماء: أطيب من العسل وإن أكثر الإنسان من شربه أسكره كما تسكر الخمر، وأكثرأكلهم الجاورس ولحم الخيل. على أن الحنطة والشعير كثير في بلادهم وكل من زرع شيئا أخذه لنفسه، ليس للملك فيه حق، غيرأنهم يؤذون إليه من كل بيت جلد ثور، وإذا أمر سرية على بعض البلدان بالغارة كان له معهم حصة، وليس عندهم شيء من الأدهان غير دهن السمك، فإنهم يقيمونه مقام الزيت والشيرج فهم كانوا لذلك زفيرين وكلهم يلبسون القلانس، وإذا ركب الملك ركب وحده بغير غلام ولا أحد معه، فإذا اجتاز في السوق لم يبق أحد إلا قام وأخذ قلنسوته عن رأسه وجعلها تحت إبطه، فإذا جاوزهم ردوا قلانسهم فوق رؤوسهم، وكذلك كل من يدخل على الملك من صغير وكبير، حتى أولاده لإخوته ساعة يقع نظرهم عليه يأحذون قلانسهم فيجعلونها تحت آباطهم، ثم يومؤن إليه برؤسهم ويجلسون، ثم يقومون حتىيأمرهم بالجلوس وكل من جلس بين يديه، فإنما يجلس باركا ولا يخرج قلنسوته ولا يظهرها حتى يخرج من بين يديه فيلبسها عند ذلك.ها من الكواكب إلا عددا يسيرا ظننت أنها فوق الخمسة عشر كوكبا متفرقة وإذا الشفق الأحمر الذي قبل المغرب لا يغيب بته، وإذا الليل قليل الظلمة يعرف الرجل الرجل فيه من أكثر من غلوة سهم. قال: والقمر إنما يطلع في أرجاء السماء ساعة، ثم يطلع الفجر، فيغيب القمر. قال: وحدثني الملك أن وراء بلده بمسيرة ثلاثة أشهر قوم يقال لهم ويسو الليل، عندهم أقل من ساعة. قال: ورأيت البلد عند طلوع الشمس يحمر كل شيء فيه من الأرض والجبال، وكل شيء ينظر الإنسان إليه حين تطلع الشمس كأنها غمامة كبرى فلا تزال الحمرة كذلك حتى تتكبد السماء، وعرفني أهل البلد أنه إذا كان الشتاء عاد الليل في طول النهار وعاد النهار في قصر الليل حتى أن الرجل منا ليخرج إلى نهر يقال له إتل بيننا وبينه أقل من مسافة فرسخ وقت الفجر فلا يبلغه إلى العتمة إلى وقت طلوع الكواكب كلها حتى تطبق السماء ورأيتهم يتبركون بعواء الكلب جدا ويقولون تأتي عليهم سنة خصب وبركة وسلامة ورأيت الحيات عندهم كثيرة، حتى أن الغصن من الشجر ليلتف عليه عشرة منها وأكثر ولا يقتلونها ولا تؤذيهم، ولهم تفاح أخضر شديد الحموضة جدا تأكله الجواري فيسمن وليس في بلدهم أكثر من شجر البندق، ورأيت منه غياضا تكون أربعين فرسخا في مثلها. قال: ورأيت لهم شجرا لا أدري ما هو مفرط الطول وساقه أجرد من الورق ورؤوسه كرؤوس النخل له خوص دقاق إلا أنه مجتمع يعمدون إلى موضع من