حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: وذكر لنا أن جبرئيل أخذ بعروتها الوسطى، ثم ألوى بها إلى جو السماء حتى سمعت الملائكة ضواغي كلابهم ثم دمر بعضها على بعض، ثم أبتع شذان القوم صخرًا، قال: وهي ثلاث قرى يقال لها سدوم، وهي بين المدينة والشأم، قال: وذكر لنا أنه كان فيها أربعة آلاف ألف، قال: وذكر لنا أن إبراهيم كان يشرف ثم يقول: سدوم يومًا هالك.
حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي بالإسناد الذي قد ذكرناه: لما أصبحوا - يعني قوم لوط - نزل جبرئيل عليه السلام واقتلع الأرض من سبع أرضين، فحملها حتى بلغ بها السماء الدنيا، حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وأصوات ديوكهم، ثم قلبها فقتلهم، فذلك حين يقول: " والمؤتفكة أهوى "، المنقلبة حيت أهوى بها جبرئيل عليه السلام الأرض فاقتلعها بجناحيه، فمن لم يمت حين أسقط الأرض أمطر الله تعالى عليه وهو تحت الأرض الحجارة، ومن كان منهم شاذًا في الأرض، وهو قول الله تعالى: " فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل "، ثم تتبعهم في القرى، فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله، فذلك قوله تعالى: " وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن كعب القرظي، قال: حدثت أن الله تعالى بعث جبرئيل إلى المؤتفكة قرية قوم لوط التي كان لوط فيهم، فاحتملها بجناحيه ثم أصعد بها حتى إن أهل السماء الدنيا ليسمعون نابحة كلابها وأصوات دجاجها، ثم كفأها على وجهها ثم أتبعها الله عز وجل بالحجارة، يقول الله تعالى: " فجعلنا عليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل "، فأهلكها الله تعالى وما حولها من المؤتفكات، وكن خمس قريات: صبعة، وصعرة وعمرة، ودوما، وسدوم هي القرية العظمى، ونجى الله تعالى لوطًا ومن معه من أهله، إلا امرأته كانت فيمن هلك.
ذكر وفاة سارة بنت هاران وهاجر أم إسماعيل وذكر أزواج إبراهيم عليه السلام وولده

قد ذكرنا فيما مضى قبل ما قيل في مقدار عمر سارة أم إسحاق، فأما موضع وفاتها فإنه لا يدفع أهلُ العلم من العرب والعجم أنها كانت بالشأم.
وقيل: إنها ماتت بقرية الجبابرة من أرض كنعان في حبرون، فدفنت في مزرعة اشتراها إبراهيم. وقيل إن هاجر عاشت بعد سارة مدة.
فأما الخبر فبغير ذلك ورد. حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، بالإسناد الذي قد ذكرناه قبل.
ثم إن إبراهيم اشتاق إلى إسماعيل، فقال لسارة: ائذني لي أنطلق إلى ابني فأنظر إليه، فأخذت عليه عهدًا ألا ينزل حتى يأتيها، فركب البراق، ثم أقبل وقد ماتت أم إسماعيل، وتزوج إسماعيل امرأة من جرهم.
وإن إبراهيم عليه السلام كثر ماله ومواشيه. وكان سبب ذلك فيما حدثنا به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي بالإسناد الذي قد ذكرناه قبل، أن إبراهيم عليه السلام احتاج - وقد كان له صديق يعطيه ويأتيه - فقالت له سارة: لو أتيت خلتك فأصبت لنا منه طعامًا! فركب حمارًا له، ثم أتاه، فلما أتاه تغيب منه، واستحيا إبراهيم أن يرجع إلى أهله خائبًا، فمر على بطحاء، فلما منها خرجه، ثم أرسل الحمار إلى أهله، فأقبل الحمار وعليه حنطة جيدة، ونام إبراهيم عليه السلام فاستيقظ، وجاء إلى أهله، فوجد سارة قد جعلت له طعامًا، فقالت: ألا تأكل؟ فقال: وهل من شيء؟ فقالت: نعم من الحنطة التي جئت بها من عند خليلك، فقال: صدقت من عند خليلي جئت بها، فزرعها فنبتت له، وزكا زرعه وهلكت زروع الناس، فكان أصلُ ماله منها، فكان الناس يأتونه فيسألونه فيقول: من قال: لا إله إلا الله فليدخل فليأخذ، فمنهم من قال فأخذ، ومنهم من أبى فرجع، وذلك قوله تعالى: " فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرًا ". فلما كثر مال إبراهيم ومواشيه احتاج على السعة في المسكن والمرعى، وكان مسكنه ما بين قرية مدين - فيما قيل - والحجاز إلى أرض الشأم، وكان ابن أخيه لوط نازلًا معه، فقاسم ماله لوطًا، فأعطى لوطًا شطره فيما قيل، وخيره مسكنًا يسكنه ومنزلًا ينزله غير المنزل الذي هو به نازل، فاختار لوط ناحية الأردن فصار إليها، وأقام إبراهيم عليه السلام بمكانه، فصار ذلك فيما قيل سببًا لآثاره بمكة وإسكانه إياها إسماعيل، وكان ربما دخل أمصار الشأم.
ولما ماتت سارة بن هاران زوجة إبراهيم تزوج إبراهيم بعدها - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق - قطورا بنت يقطن، امرأة من الكنعانيين، فولدت له ستة نفر: يقسان بن إبراهيم، وزمران بن إبراهيم، ومديان بن إبراهيم، ويسبق بن إبراهيم، وسوح بن إبراهيم، وبسر بن إبراهيم، فكان جميع بني إبراهيم ثمانية بإسماعيل وإسحاق، وكان إسماعيل يكره أكبر ولده. قال: فنكح يقسان بن إبراهيم رعوة بنت زمر بن يقطن بن لوذان بن جرهم بن يقطن بن عابر، فولدت له البربر ولفها. وولد زمران بن إبراهيم المزامير الذين لا يعقلون. وولد لمديان أهل مدين قوم شعيب بن ميكائيل النبي، فهو وقومه من ولده بعثه الله عز وجل إليهم نبيًا.
حدثني الحارث بن محمد، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثنا هشام بن محمد بن السائب، عن أبيه، قال: كان أبو إبراهيم من أهل حران، فأصابته سنة من السنين، فأتى هرمز جرد بالأهواز، ومعه امرأته أم إبراهيم، واسمها توتا بنت كرينا بن كوثي، من بني أرفخشد بن سام بن نوح.
وحدثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر الأسلمي عن غير واحد من أهل العلم قال: اسمها أنموتا من ولد أفراهم بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح. وكان بعضهم يقول: اسمها انمتلي بنت يكفور.
حدثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا هشام بن محمد، عن أبيه، قال: نهر كوثي كراه كرينا جد إبراهيم من قبل أمه، وكان أبوه على أصنام الملك نمرود، فولد إبراهيم بهر مزجرد، ثم انتفل إلى كوثي من أرض بابل، فلما بلغ إبراهيم وخالف قومه، دعاهم إلى عبادة الله، وبلغ ذلك الملك نمرود فحبسه في السجن سبع سنين، ثم بني له الحير بجص، وأوفد له الحطب الجزل، وألقى فيه، فقال: حسبي الله ونعم الوكيل! فخرج منها سليمًا لم يكلم.
حدثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثنا هشام بن محمد، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لما هرب إبراهيم من كوثي، وخرج من النار ولسانه يومئذ سرياني، فلما عبر الفرات من حران غير الله لسانه فقيل: عبراني، أي حيث عبر الفرات، وبعث نمرود في أثره، وقال: لا تدعوا أحدًا يتكلم بالسريانية إلا جئتموني به، فلقوا إبراهيم عليه السلام فتكلم بالعبرانية، فتركوه ولم يعرفوا لغته.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا هشام، عن أبيه قال: فهاجر إبراهيم من بابل إلى الشأم فجاءته سارة، فوهبت له نفسها فتزوجها، خرجت معه وهو يومئذ ابن سبع وثلاثين سنة، فأتى حران، فأقام بها زمانًا، ثم أتى الأردن فأقام بها زمانًا، ثم خرج إلى مصر فأقام بها زمانًا، ثم رجع إلى الشأم فنزل السبع أرض بين إيليا وفلسطين واحتفر بئرًا، وبنى مسجدًا. ثم إن بعض أهل البلد آذاه فتحول من عندهم، فنزل منزلًا بني الرملة وإيليا، فاحتفر به بئرًا أقام به، وكان قد وسع عليه من المال والخدم، وهو أول من أضاف الضيف، وأول من ثرد الثريد، وأول من رأى الشيب.
قال: وولد لإبراهيم عليه السلام إسماعيل وهو أكبر ولده - وأمه هاجر وهي قبطية، وإسحاق، وكان ضرير البصر، وأمه سارة ابنة بتويل بن ناخور بن ساروع بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح - ومدن، ومدين، ويقسان، وزمران، وأسبق، وسوح، وأمهم قنطورا بنت مقطور من العرب العاربة.
فأما يقسان فلحق بنوه بمكة، وأقام مدن ومدين بأرض مدين، فسميت به، ومضى سائرهم في البلاد وقالوا لإبراهيم: يا أبانا أنزلت إسماعيل وإسحاق معك، وأمرتنا أن ننزل أرض الغربة والوحشة! فقال: بذلك أمرت، قال: فعلمهم اسمًا من أسماء الله تبارك وتعالى، فكانوا يستسقون به ويستنصرون، فمنهم من نزل خراسان، فجاءتهم الخرز فقالوا: ينبغي للذي علمكم هذا أن يكون خير أهل الأرض، أو ملك الأرض، قال: فسموا ملوكهم خاقان.
قال أبو جعفر: ويقال في يسبق: يسباق، وفي سوح: ساح.
وقال بعضهم: تزوج إبراهيم بعد سارة امرأتين من العرب، إحدهما قنطورا بنت يقطان، فولدت له ستة بنين، وهو الذين ذكرنا، والأخرى منهما حجور بنت أرهير، فولدت له خمسة بنين: كيسان، وشورخ، وأميم، ولوطان، ونافس.
ذكر وفاة إبراهيم عليه السلام

فلما أراد الله تبارك وتعالى قبض روح إبراهيم ، أرسل إليه ملك الموت في صورة شيخ هرم.
فحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي بالإسناد الذي ذكرته قبل: كان إبراهيم كثير الطعام يطعم الناس، ويضيفهم، فبينا هو يطعم الناس إذا هو بشيخ كبير يمشي في الحرة، فبعث إليه بحمار، فركبه حتى إذا أتاه أطعمه، فجعل الشيخ يأخذ اللقمة يريد أن يدخلها فاه، فيدخلها عينه وأذنه ثم يدخلها فاه، فإذا دخلت جوفه خرجت من دبره. وكان إبراهيم قد سأل ربه عز وجل ألا يقبض روحه حتى يكون هو الذي يسأله الموت، فقال الشيخ حين رأى من حاله ما رأى: بالك يا شيخ تصنع هذا؟ قال: يا إبراهيم، الكبر، قال: ابن كم أنت؟ فزاد على عمر إبراهيم سنتين، قال إبراهيم: إنما بيني وبينك سنتان، فإذا بلغت ذلك صرت مثلك! قال: نعم، قال إبراهيم: الله أقبضني إليك قبل ذلك، فقام الشيخ فقبض روحه، وكان ملك الموت.
ولما مات إبراهيم عليه السلام - وكان موته وهو ابن مائتي سنة، وقيل ابن مائة وخمس وسبعين سنة - دفن عند قبر سارة في مزرعة حبرون.
وكان مما أنزل الله تعالى على إبراهيم عليه السلام من الصحف فيما قيل عشر صحائف، كذلك حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: أخبرني عمي عبد الله بن وهب، قال: حدثني الماضي بن محمد، عن أبي سليمان، عن القاسم بن محمد عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر الغفاري، قال: قلت: يا رسول الله، كم كتاب أنزل الله؟ قال: مائة كتاب وأربع كتب: أنزل الله عز وجل على آدم عليه السلام عشر صحائف، وعلى شيث خمسين صحيفة، وأنزل على أخنوخ ثلاثين صحيفة، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل جل وعز التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالًا كلها.
أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها وإن كانت من كافر.
وكانت فيها أمثال: وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن يكون له ساعات، ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يفكر فيها في صنع الله عز وجل، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وأخر، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال في المطعم والمشرب. على العاقل ألا يكون ظاعنًا إلا في ثلاث: تزود لمعاده، ومرمة لمعاشه، ولذة في غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه، مقبلًا على شأنه، حافظًا للسانه. ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.
وكان لإبراهيم - فيما ذكر - أخوان يقال لأحدهما هاران - وهو أبو لوط، وقيل إن هاران هو الذي بنى مدينة حران، وإليه نسبت - والآخر منهما ناحورا وهو أبو بتويل وبتويل هو أبو لابان ورفقا ابنة بتويل، ورفقا امرأة إسحاق بن إبراهيم أم يعقوب ابنة بتويل، وليًا وراحيل امرأتا يعقوب ابنتا لابان.
ذكر خبر ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام

قد مضى ذكرنا سبب مصير إبراهيم بابنه إسماعيل، وأمه هاجر إلى مكة وإسكانه إياهما بها. ولما كبر إسماعيل تزوج امرأة من جرهم، فكان من أمرها ما قد تقدم ذكره، ثم طلقها بأمر أبيه إبراهيم بذلك، ثم تزوج أخرى يقال لها السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، وهي التي قال لها إبراهيم إذا قدم مكة، وهي زوجة إسماعيل: قولي لزوجك إذا جاء: قد رضيتُ لك عتبة بابك.
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ولد لإسماعيل ابن إبراهيم اثنا عشر رجلًا، وأمه السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي: نابت بن إسماعيل، وقيدر بن إسماعيل، أدبيل بن إسماعيل، ومبشا بن إسماعيل، ومسمع بن إسماعيل، ودوما بن إسماعيل، وماس بن إسماعيل، وأدد بن إسماعيل، ووطور بن إسماعيل، ونفيس بن إسماعيل، وطما بن إسماعيل، وقيدمان بن إسماعيل.
قال: وكان عمر إسماعيل فيما يزعمون ثلاثين ومائة سنة، ومن نابت وقيدر نشر الله العرب، ونبأ الله عز وجل إسماعيل، فبعثه إلى العماليق - فيما قيل - وقبائل اليمن.
وقد ينطق أسماء أولاد إسماعيل بغير الألفاظ التي ذكرت عن ابن إسحاق، فيقول بعضهم في قيدر:، قيدار، وفي أدبيل: أدبال، وفي مبشا: مبشام، وفي دما: ذوما ومسا، وحداد، وتيم، ويطور، ونافس، وقادمن.
وقيل: إن إسماعيل لما حضرته الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق وزوج ابنته من العيص بن إسحاق، وعاش إسماعيل فيما ذكر مائة وسبعًا وثلاثين سنة، ودفن في الحجر عند قبر أمه هاجر.
حدثني عبدة بن عبد الله الصفار، قال: حدثنا خالد بن عبد الرحمن المخزومي، عن مبارك بن حسان صاحب الأنماط، عن عمر بن عبد العزيز، قال: شكا إسماعيل إلى ربه تبارك وتعالى حر مكة فأوحى الله تعال إليه: إني فاتح لك بابًا من الجنة يجري عليك روحها إلى يوم القيامة، وفي ذلك المكان تدفن.
ونرجع الآن إلى: