حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح في حديثه، أن رسول الله أمر خالد بن الوليد، فدخل من الليط أسفل مكة، في بعض الناس؛ وكان خالد على المجنبة اليمنى، وفيها أسلم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب؛ وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله ، ودخل رسول من أذاخر؛ حتى نزل بأعلى مكة، وضربت هنالك قبته.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح وعبد الله بن أبي بكر، أن صفوان بن أمية، وعكرمة ابن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وكانوا قد جمعوا أناسًا بالخندمة ليقاتلوا؛ وقد كان حماس بن قيس بن خالد أخو بني بكر يعد سلاحًا قبل أن يدخل رسول الله مكة ويصلح منها، فقالت له أمرأته: لماذا تعد ما رأى؟ قال: لمحمد وأصحابه، فقالت: والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء، قال: والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم، فقال:
إن تقبلوا اليوم فمالي عله ** هذا سلاح كامل وأله
وذو غرارين سريع السلة ثم شهد الخندمة مع صفوان وسهيل بن عمرو وعكرمة، فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ناوشوهم شيئًا من قتال، فقتل كرز ابن جابر بن حسل بن الأجب بن حبيب بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر، وحبيس بن خالد، وهو الأشر بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس ابن حرام بن حبشية بن كعب بن عمرو؛ حليف بني منقذ - وكانا في خيل خالد بن الوليد، فشذا عنه، وسلكا طريقًا غير طريقه، فقتلا جميعًا - قتل خنيس قبل كرز بن جابر؛ فجعله كرز بين رجليه؛ ثم قاتل حتى قتل وهو يرتجز، ويقول:
قد علمت صفراء من بني فهر ** نقية الوجه نقية الصدر
لأضربن اليوم عن أبي صخر وكان خنيس يكني بأبي صخر؛ وأصيب من جهينة سلمة بن الميلاء من خيل خالد بن الوليد، وأصيب من المشركين أناس قريب من أثنى عشر أو ثلاثة عشر. ثم أنهزموا، فخرج حماس منهزمًا؛ حتى دخل بيته، ثم قال لأمرأته: أغلقي علي بابي، قالت: فأين ما كنت تقول؟ فقال:
إنك لو شهدت يوم الخندمه ** إذ فر صفوان وفر عكرمه
وأبو يزيد قائم كالمؤتمه ** وأستقبلتهم بالسيوف المسامه
يقطعن كل ساعد وجمجمه ** ضربًا فلا تسمع إلا غمغمه
لهم نهيت خلفنا وهمهمه ** لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وكان رسول الله ص قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة؛ ألا يقتلوا أحدًا إلا من قاتلهم؛ إلا أنه قد عهد في نفر سماهم؛ أمر بقتلهم وإن وجودا تحت أستار الكعبة؛ منهم عبد الله بن سعد ابن أبي سرج بن حبيب بن جذيمة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ابن لؤي - وإنما أمر رسول الله ص بقتله، لأنه كان قد أسلم فأرتد مشركًا، ففر إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة، فغيبه حتى أتى به رسول الله ص بعد أن أطمأن أهل مكة فأستأمن له رسول الله، فذكر أن رسول الله ص صمت طويلًا، ثم قال: نعم؛ فلما انصرف به عثمان، قال رسول الله لمن حوله من أصحابه: أما والله لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه؟ فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلي يا رسول الله؟! قال: إن النبي لا يقتل بالإشارة - وعبد الله بن خطل، رجل من بني تيم بن غالب - وإنما أمر بقتله لأنه كان مسلمًا، فبعثه رسول الله مصدقًا، وبعث معه رجلًا من الأنصار؛ وكان معه مولي له يخدمه، وكان مسلمًا، فنزل منزلًا، وأمر المولى أن يذبح له تيسًا، ويصنع له طعامًا، ونام فأستيقظ ولم يصنع له شيئًا، فعدا عليه فقتله، ثم أرتد مشركًا؛ وكانت له قينتان: فرتني وأخرى معها، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله ص، فأمر بقتلهما معه - والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي، وكان ممن يؤذيه بمكة، ومقيس بن صبابة - وإنما أمر بقتله لقتله الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ، ورجوعه إلى قريش مرتدًا - وعكرمة بن أبي جهل، وسارة مولاة كانت لبعض بني عبد المطلب؛ وكانت ممن يؤذيه بمكة. فأما عكرمة بن أبي جهل فهرب إلى اليمن؛ وأسلمت أمرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، فأستأمنت له رسول الله فأمه؛ فخرجت في طلبه حتى أتت به رسول الله ، فكان عكرمة يحدث - فيما يذكرون - أن الذي رده إلى الإسلام بعد خروجه إلى اليمن أنه كان يقول: أردت ركوب البحر لألحق بالحبشة، فلما أتيت السفينة لأركبها قال صاحبها: يا عبد الله، لا تركب سفينتي حتى توحد الله، وتخلع ما دونه من الأنداد، فإني أخشى إن لم تفعل أن نهلك فيها، فقلت: وما يركبه أحد حتى يوحد الله ويخلع ما دونه! قال: نعم؛ لا يركبه أحد إلا أخلص. قال: فقلت: ففيم أفارق محمدًا! فهذا الذي جاءنا به، فو الله إن إلهنا في البحر لألهنا في البر؛ فعرفت الإسلام عند ذلك، ودخل في قلبي. وأما عبد الله ابن خطل، فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي، أشتركا في دمه، وأما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبد الله؛ رجل من قومه، فقالت أخت مقيس:
لعمري لقد أخزي نميلة رهطه ** وفجع أضياف الشتاء بمقيس
فلله عينًا من رأى مثل مقيس ** إذا النفساء أصبحت لم تخرس!