و أما أبو إسحاق الشيعي و إن خرج عنه في الصحيحين فقد ثبت أنه اختلط آخر عمره و روايته عن علي، منقطعة، و كذلك رواية أبي داود عن هارون بن المغيرة. و أما السند الثاني فأبو الحسن فيه و هلال بن عمر مجهولان و لم يعرف أبو الحسن إلا من رواية مطرف بن طريف عنه انتهى. و خرج أبو داود أيضاً عن أم سلمة قالت سمعت في المستدرك من طريق علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: المهدي من ولد فاطمة و لفظ الحاكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر المهدي فقال: نعم هو حق و هو من بني فاطمة و لم يتكلم عليه بالصحيح و لا غيره و قد ضعفه أبو جعفر العقيلي و قال: لا يتابع علي بن نفيل عليه و لا عرف إلا به. و خرج أبو داود أيضاً عن أم سلمة من رواية صالح أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة قال: يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه و هو كاره فيبايعونه بين الركن و المقام فيبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة و المدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام و عصائب أهل العراق فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثاً فيظهرون عليهم و ذلك بعث كلب و الخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال و يعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه و سلم و يلقي الإسلام بجرانه على الأرض فيلبث سبع سنين و قال بعضهم تسع سنين ثم رواه أبو داود من رواية أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة فتبين بذلك المبهم في الإسناد الأول و رجاله رجال الصحيحين لا مطعن فيهم و لا مغمز و قد يقال إنه من رواية قتادة عن أبي الخليل و قتادة مدلس و قد عنعنه و المدلس لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع. مع أن الحديث ليس فيه تصريح بذكر المهدي نعم ذكره أبو داود في أبوابه و خرج أبو داود أيضاً و تابعه الحاكم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: المهدي مني أجلى الجبهة اقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً يملك سبع سنين هذا لفظ أبي داود و سكت عليه و لفظ الحاكم: المهدي منا أهل البيت أشم الأنف أقنى أجلى يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً يعيش هكذا و يبسط يساره و إصبعين من يمينه السبابة و الإبهام و عقد ثلاث قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه. و عمران القطان مختلف في الاحتجاج يه إنما أخرج له البخاري استشهاداً لا أصلاً و كان يحيى القطان لا يحدث عنه و قال يحيى بن معين: ليس بالقوي و قال مرة: ليس بشيء. و قال أحمد بن حنبل أرجو أن يكون صالح الحديث و قال يزيد بن زريع كان حرورياً و كان يرى السيف على أهل القبلة و قال النسائي ضعيف و قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عنه. فقال: من أصحاب الحسن و ما سمعت إلا خيراً. و سمعته مرة أخرى ذكره فقال: ضعيف أفتى في إبراهيم بن عبد الله بن حسن بفتوى شديدة فيها سفك الدماء.
و خرج الترمذي و ابن ماجة و الحاكم عن أبي سعيد الخدري من طريق زيد العمي عن أبي صديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعض شيء حدث فسألنا نبي الله صلى الله عليه و سلم فقال: إن في أمتي المهدي يخرج و يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً زيد الشاك قال قلنا: و ما ذاك ؟ قال سنين ! قال: فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني قال: فيحثو له في ثوبه ما استطاع أن يحمله لفظ الترمذي و قال: هذا حديث حسن و قد روى من غير وجه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم و لفظ ابن ماجة و الحاكم: يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع و إلا فتسع فتنعم أمتي فيه نعمة لم يسمعوا بمثلها قط تؤتى الأرض أكلها و لا يدخر منه شيء و المال يومئذ كدوس فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني فيقول خذ. انتهى. و زيد العمي و إن قال فيه الدارقطني و أحمد بن حنبل و يحيى بن معين إنه صالح و زاد أحمد إنه فوق يزيد الرقاش و فضل بن عيسى إلا أنه قال فيه أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه و لا يحتج به. و قال يحيى بن معين في رواية أخرى: لا شيء. و قال مرة يكتب حديثه و هو ضعيف. و قال الجرجاني: متماسك و قال أبو زرعة ليس بقوي واهي الحديث ضعيفاً و قال أبو حاتم ليس بذاك و قد حدث عنه شعبة. و قال النسائي: ضعيف و قال ابن عدي: عامة ما يرويه و من يروى عنهم ضعفاء على أن شعبة قد روى عنه و لعل شعبة لم يرو عن أضعف منه.
و قد يقال إن حديث الترمذي وقع تفسيراً لما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: يكون في آخر أمتي، خليفة يحثو المال حثواً لا يعده عداً و من حديث أبي سعيد قال: من خلفائكم خليفة يحثو المال حثواً و من طريق أخرى عنهما قال: يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال و لا يعده انتهى. و أحاديث مسلم يقع فيها ذكر المهدي و لا دليل يقوم على أنه المراد منها. و رواة الحاكم أيضاً من طريق عوف الأعرابي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض جوراً و ظلماً و عدواناً ثم يخرج من أهل بيتي رجل يملأها قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و عدواناً و قال فيه الحاكم: هذا صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه. و رواه الحاكم أيضاً عن طريق سليمان بن عبيد عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث و تخرج الأرض نباتها و يعطي المال صحاحاً و تكثر الماشية و تعظم الأمة يعيش سبعاً أو ثمانياً يعني حججاً و قال فيه حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه. مع أن سليمان بن عبيد لم يخرج له أحد من الستة لكن ذكره ابن حبان في الثقات و لم يرد أن أحداً تكلم فيه ثم رواه الحاكم أيضاً من طريق أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن مطر الوراق و أبي هارون العبدي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: تملأ الأرض جوراً و ظلماً فيخرج رجل من عترتي فيملك سبعاً أو تسعاً فيملأ الأرض عدلاً و قسطاً كما ملئت جوراً و ظلماً
و قال الحاكم فيه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم لأنه أخرج عن حماد بن سلمة و عن شيخه مطر الوراق.
و أما شيخه الآخر و هو أبو هارون العبدي فلم يخرج له. و هو ضعيف جداً متهم بالكذب و لا حاجة إلى بسط أقوال الأئمة في تضعيفه. و أما الراوي له عن حماد بن سلمة فهو أسد بن موسى يلقب أسد السنة و إن قال البخاري: مشهور الحديث و استشهد به في صحيحه. و احتج به أبو داود و النسائي إلا إنه قال مرة أخرى: ثقة لو لم يصنف كان خيراً له. و قال فيه محمد بن حزم: منكر الحديث.
و رواه الطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي الواصل عبد الحميد بن واصل عن أبي الصديق الناجي عن الحسن بن يزيد السعدي أحد بني بهذلة عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: يخرج رجل من أمتي يقول بسنتي ينزل الله عز و جل له القطر من السماء و تخرج الأرض بركتها و تملأ الأرض منه قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً يعمل على هذه الأمة سبع سنين و ينزل على بيت المقدس و قال الطبراني: فيه رواة جماعة عن أبي الصديق و لم يدخل أحد منهم بينه و بين أبي سعيد أحداً إلا أبا الواصل فإنه رواه عن الحسن بن يزيد عن أبي سعيد انتهى. و هذا الحسن بن يزيد ذكره ابن أبي حاتم و لم يعرفه بأكثر مما في هذا الإسناد من روايته عن أبي سعيد و رواية أبي الصديق عنه و قال الذهبي في الميزان: إنه مجهول. لكن ذكره ابن حبان في الثقات و أما أبو الواصل الذي رواه عن أبي الصديق فلم يخرج له أحد من الستة.
و ذكره ابن حبان في الثقات في الطبقة الثانية و قال فيه: يروى عن أنس روى عنه شعبة و عتاب بن بشر و خرج ابن ماجة في كتاب السنن عن عبد الله بن مسعود من طريق يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ذرفت عيناه و تغير لونه قال فقلت ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه فقال: إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا و إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريداً و تطريداً حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخبر فلا يعطونه فيقاتلون و ينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطاً كما ملأوها جوراً فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم و لو حبواً على الثلج انتهى.