فصول في البلاغة

كتب الحسن بن وهب إلى إبراهيم بن العبّاس‏:‏ وَصَل كِتابُك فما رأيتُ كِتاباً أسهلَ فُنوناً ولا أملسَ مُتوناً ولا أكثر عيوناً ولا أحسن مقاطع ومطالعِ منه أنجزتَ فيه عِدَة الرأي وبشرى الفِراسة وعاد الظن يقيناً والأمل مَبْلوغاً والحمدُ لله الذي بنِعْمتِه تتمّ الصالحات‏.‏ فصل‏:‏ الكلامُ كثيرةٌ فُنونه قليلةٌ عُيونه فمنه ما يُفكِّه الأسماعَ ويؤْنس القُلوب ومنه ما يُحمِّل الآذانَ ثِقْلاً ويملأ الأذهان وحشة‏.‏
فصول في المدح

وكتب ابن مكرم إلى أحمد بن المُدبر‏:‏ إن جميع أكفائك ونُظرائك يَتنازعونَ الفضل فإذا انتَهْوا إليك أقرُّوا لك ويَتنافسون في المنازل فإذا بلغوك وقفوا دونك فزادَك الله وزادنا بك وفيك وجَعلنا ممن يَقبله رأيُك وُيقدمُه اختيارك ويقَع من الأمور بموقع مُوافقتك ويجري فيها على سبيل طاعتك‏.‏ وفصل له‏:‏ إنّ من النَعمة على المثنى عليك أنه لا يخاف الإفراط ولا يأمن التقصير ويأمن أنْ تَلحقه نَقيصةُ الكذب ولا يَنتهي به المدحُ إلى غاية إلا وجد فضلَك تجاوزها‏.‏ ومن سعادة جدِّك أن الدّاعي لا يعدم كثرة المشايعين له والمُؤمّنين منه وفصل‏:‏ أَن مما يُطمعني في بقاء النعمة عندك ويَزيدني بصيرة في العلم بدوامها لديك أنك أخذتَها بحقّها واستوجبتها بما فيك من أسبابها ومن شْأن الأجناس أنْ تتألف وشأن الأشكال أنْ تتقارب وكل شيء يَتقلقل إلى مَعدنه ويَحن إلى عُنصره فإذا صادف منيتَه ونزل في مَغْرسه ضَرب بعِرْقه وسفق بفَرْعه وتمكن تمكن الإقامة وتبنك تبنك الطبيعة‏.‏ وفصل‏:‏ إني فيما أتعاطى من مَدْحك كالمُخبر عن ضوء النهار الزاهر والقمر الباهر الذي لا يَخفى على كل ناظر‏.‏ وأيقنتُ أني حيث انتهى بي القولُ مَنْسوب إلى العَجْز مقصر عن الغاية فانصرفتُ من الثناء عليك إلى الدعاء لك ووكَلْتُ الإخبار عنك إلى علم الناس بك‏.‏ وفصل‏:‏ لمحمد بن الجَهْم‏:‏ إنك لزِمتَ من الوفاء طريقةً محمودة وعرفتَ مناقبها وشُهرت بمحاسنها فتنافس الإخوان فيك يَبتدرون وُدَّك ويَتمسّكون بحَبلك فمن أَثبت الله له عندك وُدًّا فقد وُضعت خُلّته موضعَ حِرْزها‏.‏ وفصل لابن مكرم‏:‏ السيفُ العَتيق إذا أصابه الصّدا استغنى بالقليل من الجلاء حتى تعود جدّته ويظهر فِرنده لِلِين طبيعته وكَرَم جَوْهره ولم أَصِف نفسي لك عُجباً بل شُكراً‏.‏ وفصل له‏:‏ زاد مَعْرُوفك عِندي عِظَماً أنه عِندك مَسْتورٌ حَقِير وعِند الناس مَشهور كبير‏.‏ أخذه الشاعر فقال‏:‏ زاد مَعْرُوفَك عِندي عِظَماً أنّه عِندك مَستور حَقِير تَتَناساه كأنْ لم تَأْتِه وهو عند النَّاس مَشهور كَبير وفصل العتَّابي‏:‏ أنت أيها الأمير وارثُ سَلفك وبقيًة أَعلام أهل بَيْتك المَسدود به ثَلْمهم المُجدَّد به قديم شرفهم والمُحْيَا به أيام سَعْيهم‏.‏ وإنه لم يَخْمل من كنتَ وارثه ولا دَرست آثار من كنت سالكَ سبيله ولا انمحت أعلام مَن خَلَفْتَه في رُتبته‏.‏
فصول في الذم

كتب أحمد بن يوسف‏:‏ أما بعد فإني لا أعرف للمعروف طريقاً أوعرَ من طريقه إليك فالمَعروف لديك ضائع والشُّكر عندك مَهْجور وإنما غايتُك في المعروف أن تَحْقِره وفي وليّه أن تَكْفره‏.‏ وكتب أبو العتاهية إلى الفَضْل بن مَعْن بنِ زائدة‏:‏ أما بعد فإنّي توسّلت في طلب نائلك بأسباب الأمل وذرائع الحَمد فِراراً من الفَقر ورجاءَ للغنَى فازددتُ بهما بُعْداً مما فيه تقرّبت وقُرِبا مما فيه تبعَّدت‏.‏ وقد قَسمتً اللائمة بيني وبينك لأني أخطأتُ في سُؤالك وأخطأت في مَنْعي أمرتُ باليأس من أهل البخل فسألتُهم ونُهيتَ عن مَنع أهل الرغبة فمنعتَهم‏.‏ وفي ذلك أقول‏:‏ فررتُ من الفَقر الذي هو مُدْركي إلى بُخل مَحْظور النَوال مَنُوع فأعقبني الحِرْمانَ غِبًّ مَطامعي كذلك مَن تَلْقاه غير قنوع وغيرُ بديعِ مَنْع ذي البُخل مالَه كما بَذْلُ أهل الفَضل غيرُ بديع إذا أنت كَشفت الرجالَ وجدتَهم لأعْراضهم منِ حافظٍ ومُضيع وفصل لإبراهيم بن المهدي‏:‏ أما بعد فإنك لو عرفت فضل الحَسنِ لتجنبت شَيْن القبيح ورأيتك آثَرُ القول عندك ما يضرُّك فكنتُ فيما كان منك ومنَا كما قال زهير بن أبي سُلْمى‏:‏ عبأتَ له حِلْماً وأكرمتَ غيرَه وأعرضتَ عنه وهو بادٍ مَقاتلُه فصل إنَ مودة الأشرار متصلةٌ بالذلّة والصَّغار تَميل معهما وتَتصرّف في آثارهما‏.‏ وقد كنتُ أحل مودتك بالمحل النَفيس وأنزلها بالمَنزل الرفيع حتى رأيتُ ذلتك عند الضِّعة وضرَعك عند الحاجة وتغيّرك عند الاستغناء واطراحك لإخوان الصّفاء فكان ذلك أقوى أسباب عُذْري في قطِيعتك عند مَن يتصفّح أمري وأمرك بعين عَدْل لا يَميل إلى هوى ولا يَرى القَبيح حَسنا‏.‏ فصل للعتَّابي‏:‏ تأتيِّنا إفاقتك من سَكْرتك وترقًبنا انتباهك من وَقْدتك وصَبْرنا على تجرّع الغيظ فيك‏.‏ فها أنا قد عرفتُك حق معرفتك في تَعدَيك لطَوْرك وأطراحك حقّ من غَلِط في اختيارك‏.‏