بحرٌ لأيلول الجديد. خريفنا يدنو من الأبواب
بحرٌ للنشيد المر ….. لمنتصف النهار
بحرٌ لرايات الحمام، لظلّنا ، لسلاحنا الفرديّ
بحرٌ للزّمان المستعار
ليديكَ ، كم من موجةٍ سرقت يديك
من الإشارة وانتظاري
ضع شكلنا للبحر .

ضع كيس العواصف عند أول صخرةٍ واحمل فراغكَ … وانكساري
بحرٌ جاهزٌ من أجلنا
دع جسمك الدّامي يصفّق لخريف المر أجراساً
ستتّسع الصحاري
عمّا قليل .. حين ينقضّ الفضاء على خطاك.

كنّا نقطة التّكوين ، كنا وردة السّور الطّويل وما تبقّى من جدار
ماذا تبقّى منك غير قصيدة الروح المحلّق في دخان القيامة
وقيامة بعد القيامة.
خذ نـُثاري وانتصر في ما يمزق قلبك العاري
ويجعلك انتشارا ً للبذار
قوساً يلمّ الأرض من أطرافها
جرساً لمّا ينساه سكّان القيامة من معانيك
انتصــــرْ،
إن الصّليب مجالك الحيويُّ
مسراك الوحيد من الحصــــار إلى الحصــــــار.
بحرٌ لأيلول الجديد . وأنت إيقاع الحديد
تدقُّني سحباً على الصحراء
فلتمطـــــر لأسحب هذه الأرض الصغيرة من إساري
لا شئ يكســـــرنا ، وتنكسر البلاد على أصابعنا كفخارٍ
وينكسر المسدّس من تلهّفكَ.
انتصــــرْ ، هذا الصباح ، ووحّد الرايات والأمم الحزينة والفصول
كلّ ما أوتيت من شبق الحياة ،
بطلقة الطلقات ……. باللاشئ.
وحّدنــا بمعجزة فلســــــــطينيةٍ…….
نم يا حبيبي ، ساعةً
لنمرّ من أحلامك الأولى إلى عطش البحار … إلى البحارِ.
نم يا حبيبي ساعة ً
حتّى تتوب المجدليّة مرة أخرى ، ويتّضح انتحاري.
نم ، يا حبيبي ، ساعة ً
حتّى يعود الروم ، حتى نطرد الحرّاس عن أسوار قلعتنا
وتنكســــــر الصّــــــواري.
كي نصفّق لاغتصاب نسائنا في شارع الشّرف التجاري.
نم يا حبيبي ساعة ًحتّى نموت
هي ساعة للانهيار
هي ساعة لوضوحنا
هي ساعة لغموض ميلاد النّهار

كم كنت وحــــدك ، يا ابن أمّي ،
يا ابن أكثر من أب
كم كنت وحـــــدكْ
القمح مـرٌّ في حقول الآخرين
والماء مالح ، والغيــم فولاذ ٌ. وهذا النجم جارح
وعليك أن تحيــــا وأن تحيــــــا
وأن تعطي مقابل حبـّة الزيتون جلدك.
كم كنت وحــــــــدك.

لاشيء يكسرنا ، فلا تغرق تماما
في ما تبقّى من دم ٍفينا…
لنذهب داخل الرّوح المحاصر بالتّشابه و اليتامى
يا ابن الهواء الصّلبِ ، يا ابن اللفظة الأولى على الجزر القديمة
يا ابن السّيدة البحيرات البعيدة ،
يا ابن من يحمي القدامى …. من خطيئتهم
ويطبع فوق وجه الصّخر برقا ًأو حماما

لحمي على الحيطان لحمك ، يا ابن أمي
جسد ٌلإضراب الظّلال
وعليك أن تمشي بلا طر ُق
وراءا، أو أماما ، أو جنوبا أو شمالا
وتحرّك الخطوات بالميزان
حين يشــاء من وهبوك قيدك
ليزينوك ويأخذوك إلى المعارض كي يرى الزوار مجدك
كم كنت وحـــــــــــــــــــــدك !
كم كنت وحـــــــــــــــــــــدك !

هي هجرة أخرى …
فلا تكتب وصيّتك الأخيرة والسّلام
سقط السّقوط ، وأنت تعلو
فكرة ً
ويدا ً
و … شاما !
لا بر ّإلا ســــــــــــــــــاعداك
لا بحر إلا الغامض الكحلي ّفيك
فتقمّص الأشياء كي تتقمّص الأشياء خطوتك الحرام
واسحب ظلالك من بلاط الحاكم العربي ّ
حتى لا يعلّقها وساما
واكسر ظلالك كلها كيلا يمدّوها بساطا ًأو ظلاما .

كسروكَ ، كم كسروك كي يقفوا على ساقيك عرشا
وتقاسموك وأنكروك وخبـّأوك وأنشأوا ليديك جيشا
حطـّوك في حجر ٍ.. وقالوا : لا تســلـّم
ورموك في بئــر ٍ.. وقالوا : لا تســلـّم
وأطلت حربك َ، يا ابن أمّي ،
ألــف عام ٍألــف عام ٍألــــف عام ٍفي النّهار.
فأنكروك لأنّهم لا يعرفون سوى الخطابة والفرار .
هم يســـــــرقون الآن جلدك
فاحـذر ملامحهم ….. وغمدك
كم كنت وحدك ، يا ابن أمّي ،
يا ابن أكثر من أبٍ ،
كم كنت وحــدك !.

والآن ، والأشياء سيّدة ٌ، وهذا الصمت عال ٍكالذّبابة
هل ندرك المجهول فينا ؟ هل نغنّي مثلما كنّا نغنّي ؟
سقطت قلاع قبل هذا اليوم ، لكن الهواء الآن حامض .
وحدي أدافع عن هواء ليس لي
وحدي أدافع عن هواء ليس لي
وحدي على سطح المدينة واقف ..
أيوب مات ، وماتت العنقاء ُ‘ وانصرف الصّحابة
وحـــدي .
أراود نفسي الثّكلى فتأبى أن تســاعدني على نفسي
ووحـــدي …. كنت وحدي
عندما قاومت وحــدي … وحدة الروح الأخيــرة …

لا تذكر الموتى ، فقد ماتوا فرادى أو .. عواصــم
سأراك في قلبي غدا ً، سأراك في فلبي
وأجهش يا ابن أمي باللغة
لغـة ٍتفتّـش عن بنيها ، عن أراضيها وراويهـا
تموت ككلّ من فيها ، وترمى في المعاجم .
هي آخـر النخل الهزيل وساعة ُالصحراء ،
آخـر ما يدلّ على البقايا
كـانــــوا ! ولكن كنت وحدك
كم كنت وحدك تنتمي لقصيدتي ، وتمد ّزنـدك ،
كي تحوّلها سلالم ، أو بلادا ً، أو خواتـم
كم كنت وحدك يا ابن أمّي
يا ابن أكثر من أب
كم كنت وحــــدك !…

والآن ، والأشياء سيـّدة ٌ، وهذا الصّمت يأتينا سهاما ً
هل ندرك المجهول فينا . هل نغنّي مثلما كنا نغنّي ؟
آه ، يا دمنا الفضيحة ، هل ستأتيهم غماما ،
هذه أمم تمر ُّوتطبخ الأزهار في دمنا …. وتزداد انقساما .
هذه أمم تفتــّش عن إجازاتها من الجَمـَل المزخرف ِ..
هذه الصحـــــــــــــــــراء تكبر من حولنــــا
صحراء من كل الجهـات
صحــراء تأتينا لتلتهم القصيدة والحســام .
هل نختفي فيما يفسـّـرُنا ويشبهنا
وهل .. هل نستطيع الموت في ميلادنا الكحلي ّ
أم:
نحتلّ مئذنة ونعلن في القبائل أن يثرب أجّرت قرآنها ليهود خيبر ؟
الله أكـبــر
هـذه آياتنا ، فأقرأ
باســم الفـــــدائيّ الذي خلق
من جزمة أُفـُق .
باسم الفــــدائيّ الذي يــرحل
من وقتــكم .. لنائه الأول
الأول .. الأول
ســــندمّر الهيـــكل …. ســــندمّر الهيـــكل

أشــلاؤنا أســماؤنا . لا … لا مفـر ُّ.
ســــقط القناع عن القناع عن القناع ،
ســـقط القنـاع
لا إخـوة لك يا أخي ، لا أصدقاء يا صديقي ، لاقــلاع
لا الماء عنـدك ، لا الدّواء ولا السـّـماء ولا الدّمــاء ُولا الشــّـراع
ولا الأمـــام ولا الــــوراء .
حاصـــــــــــر حصارك َ….. لا مفـر ُّ
سقطت ذراعك فالتقطها
واضــرب عدوك .. لا مفر ُّ
وسقطت قربك ، فالتقطني
واضرب عدوك بي .. فأنت الآن حــر ُّ
حــــر ٌّ…… وحــــر ُّ
قتلاك أو جرحاك فيك ذخيرة ٌ
فاضرب بها . اضرب عدوك .. لا مفرُّ

أشـــلاؤنا أسماؤنا
حاصـر حصـارك بالجنون ِ…. وبالجنون ِ….. وبالجنون ْ
ذهب الذين تحبهم ذهبوا
فإمّا أن تكون أو لا تكون ،
ســــقط القناع عن القناع عن القناع ،
ســـقط القنـاع
ولا أحد ْ
إلاّك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيان ،
فاجعل كل ّمتراس بلد
لا ……… لا أحـــد ْ
سقط القناع :
عرب ٌأطاعوا رومهم
عربٌ وباعوا روحهم
عرب ٌ…. وضاعوا
والله غمـّس باسمك البحريّ أسبوع الولادة واستراح إلى الأبد
كـُن أنت َ. كـن حتّى يكـــون !
لا ……… لا أحـــد ْ

هل أنا ألف ٌ، وباء ٌللكتابة أم لتفجير الهياكل ؟
كم سنه كنا معا ًطوق النجاة لقارّة محمولة ٍفوق السّراب
ودفتر الإعراب ؟
كم عرب أتوك ليصبحوا غربا ً
وكم غرب أتاك ليدخل الإسلام من باب الصلاة على النبي ِّ
وسنِّة النفط المقدّس ؟ كم سنة
وأنا أصدِّق أنّ لي أمما ًستتبعني
وأنكِ تكذبين على الطبيعة والمسدَّس. كم سنة ، !

……
من تزوّجني ضفائرنا لأشنق رغبتي وأموت كالأمم القديمة .
كم سنه أغريتني بالمشي نحو بلادي الأولى
وبالطّيران تحت سمائي الأولى
وباسمك كنت أرفع خيمتي للهاربين من التّجارة والدّعارة والحضارة
كم سنة كنّا نرشّ على ضحايانا كلام البرق :
بعد هنيهة ٍسنكون ما كنّا وما سنكون
إمّا أن تكون نهارك العالي …. وإمّا أن تعود إلى البحيرات القديمة.
كم سنة لم تسمعيني جيدا ً. لم تردعيني جيدا ً.
لم تحرميني من فواكهك الجميلة.
لم تقولي:
حين يبتســـم المخيم تعبس المدن الكبيرة !!
كم سنه
قلنا معـا ً: أنا لا أشاء ، ولا تشائين . اتّفقنا . كلنـّا في البحر مـاء.
كم سـنه كانت تنظـّمنا يد ُالفوضـى:
تعبنا من نظام الغاز ،
من مطر الأنابيب الرتيب
ومن صعود الكهرباء إلى الغرف…
حريتي فوضاي . إنّي أعترف
وسأعترف بجميع أخطائي ، وما أترف الفؤاد من الأماني
ليس من حقّ العصافير الغناء على سرير النائمين ،
والإيديولوجيا مهنة البوليس في الدّول القويّة :
من نظام الرق ّفي روما
إلى منع الكحول وآفة الأحزاب في ليبيا الحديثة.
كم سنه
نحن البداية والبداية والبداية .كم سنة
كنّا هناك . ومن هنا ستهاجر العرب
لعقيدة ٍأخرى وتغترب
قصب هياكلنا
وعروشنا قصب
في كل مئذنة
حاو ٍ، ومغتصب ُ
يدعو لأندلس
إن حوصرت حلب .

… فجرا ً:
يطلق البحر الرصاص على النوافذ . يفتح العصفور أغنية مبكّرة .
يطيـّر جارنا رف ّ الحمام إلى الدخان .
يموت من لا يستطيع الركض في الطّرقات :
قلبي قطعة من برتقال يابس .
أهدي إلى جاري الجريدة كي يفتّش عن أقاربه ……. أعزّيه غدا ً.
أمشي لأبحث عن كنوز الماء في قبو البناية .
يدخل الطيران أفكاري ويقصفها
فيقتل تسع عشرة طفلة
يتوقف العصفور عن إنشاده….
والموت يأتينا بكلّ سلاحه الجوي ّوالبري ّوالبحري ّ.
ألـــــــف قذيفة أخرى …. ولا يتقدّم الأعداء شبراً واحدا ً
ما زلت حيا ً– ألف شكر ٍللمصادفة السّعيدة .
يبذل الرؤساء جهدا ًعند أمريكا لتفرج عن مياه الشرب.
كيف سنغسل الموتى ؟
ويسأل صاحبي : وإذا استجابت للضغوط فهل سيسفر موتنا عن :
دولة ٍ…… أم خيمـة ٍ؟
قلت : انتظر ! لا فرق بين الرايتين
قلت : انتظر حتى تصبّ الطّائرات جحيمها !

…..ظهرا ً:
يستمرّ الفجر ُمنذ الفجر .
تنكسر السّماء على رغيف الخبز.
ينكسر الهواء على روؤس الناس ِمن عبء الدخان …….ولا جديد لدى العروبة !!
بعد شهر يلتقي كل ّالملوك بكل أنواع الملوك ،
من العقيد إلى الشهيد ، ليبحثوا خطر اليهود على وجود الله .
أما الآن فالأحوال هادئة تماما ًمثلما كانت.
والموت يأتينا بكل سلاحه الجويّ والبريّ والبحريّ .
مليون انفجار في المدينة .
هيروشيما هيروشيما
وحدنا نصغي إلى رعد الحجارة ،
وحدنا نصغي لما في الروح من عبث ٍومن جدوى
وأمريكا على الأسوار تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية
يا هيروشيما العاشق العربي
أمريكا هي الطــّــاعون ، والطــّـــــاعون أمريكا
نعسنا . أيقظتنا الطّائرات وصوت أمريكا
وأمريكا لأمريكا
وهذا الأفق اسمنت لوحش الجو .
نفتح ُعلبة َالسّردين ، تقصفها المدافع ُ
نحتمي بستارة الشبّاك ، تهتزّ البناية . تقفز الأبواب . أمريكا
وراء الباب أمريكا .

…… ليلا ً:
يخرج الشهداء من أشجارهم ، يتفقّدون صغارهم ،
يتجوّلون على السّواحل ، يرصدون الحلم والرؤيا
يغطّون السماء بفائض الألوان ، يفترشون موقعهم
يسـمـّون الجزيرة ، يغسلون الماء ، ثم يطرّزون حصارنا
قططـــا ً…. ونخلا
وحدنــــا ، والله فينا وحدنــــا
الله فينا قد تجلّى !

….أمس - الآن - بعد غد :
نشيد ٌللخريف
صور لما بعد النّهار
وظلال امرأة غريبة .
وطني حقيبة
وحقيبتي وطني
ولكن …. لا رصيف ولا جدار.
لا أرض تحتي كي أموت كما أشاء ،
ولا سماء حولي لأثقبها وأدخل في خيام الأنبياء.
ظهري إلى الحائط
الحائط / السّاقط !
وطني حقيبة
وحقيبتي وطن الغجر
شعب يخيـّم في الأغاني والدخان
شعب يفتّش عن مكان
بين الشظايا والمطر.
وجهي على الزّهرة
الزّهرة / الجمرة
وطني حقيبة
في الليل أفرشها سريرا ً
وأنام فيها
أخدع الفتيات فيها
أدفن الأحباب فيها
أرتضيها لي مصيرا ً
وأموت فيها
كفـّي على النجمة
النجمة / الخيمة
وطني حقيبة
من جلد أحبابي
وأندلس القريبة
وطني على كتفي
بقايا الأرض في جسد العروبة .

محمود درويش

<****** class="restrain" title="YouTube video player" width="640" height="390" src="//www.youtube.com/embed/yqXBR8TUy38?wmode=opaque" frameborder="0">