هل أنت واثق من نفسك؟(3-3)

تحدثنا في الفصل الماضي عن الثمرات التي يجنيها الشخص الواثق من نفسه, ونتحدث اليوم عن السبب الذي ينشئ هذا اليقين بالثقة وبالتالي إحراز النجاح :
ما الذي ينشئ هذه القوة اليقينية لتحقيق النجاح و الإصرار بثقة؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن يتحلى الإنسان بمايلي:
1. عمق الرسالة : إن لكل إنسان على وجه الأرض رسالة عظيمة جاء من أجلها، ومن المؤسف أن أكثر الناس يرحلون دون أن يكتشفوا حتى رسالاتهم في الحياة ! إن الرسالة في عمقها عظيمة، وهي بدورها تحرك العمل و الجد و الاجتهاد عند العظماء, وإن وراء كل عظيم رسالة خفية أو معلنة تحركه, وإن من لا يدرك رسالته في الحياة قد يسير في خطا متعبة وخاطئة ومؤذية له و لغيره.
2. قوة الحب أو الكراهية: إن الحب والكراهية محركان عجيبان يمتلكان من الطاقة القوية ما قد يبني مجداً أو يهد جبلاً ! وإن الانتقام والغضب والعصبية والثأر ينطلقون من طاقة الكراهية القوية.
3. القناعات: القناعات تنشئ اليقين من العدم, فتخيل أن شخصاً مقتنعاً بأن لا سعادة في الحياة أبداً، هل سيسعد؟ تخيل أن شخصاً يعتقد أن النجاح ضربة حظ تحالف شرائح معينة من الناس، فهل سينجح؟ إن القنا عات قوة مدمرة أو معمرة, وكل عمل عظيم في الدنيا وراءه قناعة قوية لأن القناعات بمثابة محرك فعال للدافعية و هي من مراحل اليقين.
4. الرغبة : كثيراً ما تدعم دافع اليقين عند الناس تلك الرغبة التي في داخلهم. يجب أن تكون الرغبة أكيدة، وعلى قوتها يأتي التحرك و الدافع؛ فالرغبة أول مراحل العمل والإنجاز. ومعادلة الإنجاز كالتالي:
5. (الإنجاز = الرغبة + الوعي + العمل + العزيمة ), فأي إنجاز صغيراً كان أو كبيراً يجب أن يبدأ برغبة في تحقيق ذلك. ونجد أن من لا رغبة له في تحقيق أمر ما فسوف لن يسعى إلى تحقيقها، وعند وجود الجهد سيجد الأعذار لعدم تحقيقها.


6. رؤية واضحة : إن الشخص الذي يريد أن يكون قوياً على سبيل المثال سوف يعمل وفق قوانين القوة الصحيحة. وإن من يريد أن يكون سعيداً فسوف يتعلم أسس السعادة، وكيف يجنيها، ويسعى لتحقيقها، بينما من يريد أن لا يكون قلقاً فإنه ينتظر أن يتوقف القلق عنه! والسعيد مكافح ومجد رغم أنه يأخذ الأمور ببساطة ويتمتع في أعماله الجادة، بل ويخطط لمتعته. وإن الرؤية الواضحة تجعل من الشخص كالذي يسير في سيارته وهو يعرف مساره ونقطة هدفه التي يريد أن يصل إليها.
7. التركيز: من صفات الشخص المتيقن من طريقه قوة تركيزه. إن أغلب الناس ليس لديهم تركيز، فهم مشتتون! يمكنك أن تشغل معظم الناس في أمور لا تمس حياتهم ولا تنفعهم بأي شيء. وهناك أناس يجلسون أمام شاشة التلفاز 12 ساعة ! . و نجد في الحديث المسمى بحديث الإتقان (( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)) خير مثال على أهمية التركيز على العمل وتنفيذه وفق الجودة المطلوبة.
8. قوة الاتصال مع الآخرين : يحسن الناجحون الواثقون تطبيق مفاهيم الاتصال مع الآخرين، فهم يدركون أنهم يتعاملون مع بشر و أن البشر لديهم مشاعر وأحاسيس متنوعة ومختلفة، وأن الاتصال مع الآخرين يتطلب تفهم الآخرين و رغباتهم، و يتطلب حسن الاتصال معهم؛ لأن النجاح لا يمكن أن يتحقق بجهد فرد واحد فقط. فالنجاح عملية جماعية وليست فردية. وإن ذلك يتطلب أن يتعلم الإنسان فنون الاتصال مع الآخرين و تطبيقها.

ق بنفسك وادخل التحدي ....
كل إنسان مُصر على هدفه يحقق مطالبه في النهاية وإليك الأمثلة التالية:
- أصر توماس أديسون على أن يولّد النور من الكهرباء ونجح بعد آلاف المحاولات غير الناجحة.
- أصر دونالد ماكدونالد في الخمسينات أن يبني مطعماً للوجبات السريعة فنجح نجاحاً باهراً نجاحاً لم ينجح أحد قبله فيه.
- كولونيل ساندرز الكبير ذو اللحية البيضاء أصر على أن يبيع خلطة كنتاكي للدجاج فصارت مطاعم كنتاكي تملأ الدنيا اليوم.
- فريد سميث أصر على فكرة توصيل حاجتك بالبريد في خلال 24 ساعة، رغم اعتراض كل الاقتصاديين والخبراء على الفكرة التي اعتبروها سخيفة، ثم نجح و أصبحت شركة فيدرال اكسبرس من أكبر الشركات العالمية ربحاً في العالم ، و تملك اليوم الطائرات والسيارات والموترات وتوظف عشرات الآلاف من الأشخاص.
- بيل غيتس، أغنى رجل في العالم بلا منافس، الذي تقدر ثروته بثمانين مليار دولار، كان مهندساً في شركة أي بي أم قبل عقدين من الزمن.
- الموسيقار بيتهوفن لحن أروع السيمفونيات الموسيقية عندما أصيب بالصمم وتحول إلى أسطورة في عالم الموسيقا والألحان رغم إعاقته.
- مليتون أركسون المعالج الذي طوّر علم التنويم إلى الأبد كان عاجزاً عن تحريك أي جزء من جسمه.
- أندرو كارنيجي الذي كون أكبر ثروة في عصره ( ألف مليون دولار) من الفولاذ كان في بداية أمره عاملاً في منجم.
- عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي حكم مصر والإسكندرية والمحيط بعدما كان بدوياً شارداً تعيره الناس بأمه....لذلك كله فإن المصر في الخير أو في الشر في الحق أو في الباطل يصل إلى مبتغاه في النهاية، غير أن الشر والباطل ينهزمان بعد ذلك.
ما الذي ينشئ اليقين والثقة بالنفس ؟
سؤال مهم هنا يطرح نفسه بعد ذكر هذه النجاحات لأشخاص، سواء كانوا إيجابيين أو سلبيين، وهو ما الذي ينشئ هذه القوة اليقينية لتحقيق النجاح و الإصرار بثقة؟.


لا تبك على فائت يروي (( سوندرز)) مدرس الصحة بكلية (( جورج واشنطون)) درساً قد تعلمه و لن ينساه أبداً، فيقول:
(( لم أكن بعد قد بلغت العشرين من عمري و لكني كنت شديد القلق حتى في تلك الفترة المبكرة من حياتي، فقد اعتدت أن أجتر أخطائي ، و أهتم لها هماً بالغاً.
وكنت إذا فرغت من أداء امتحان ما و قدمت أوراق الإجابة, أعود إلى فراشي فأستلقي عليه، و أذهب أقضم أظافري و أنا في أشد حالات القلق خشية الرسوب، لقد كنت أعيش في الماضي و فيما صنعته فيه ، و أود لو أنني صنعت غير ما صنعت ، و أفكر فيما قلته من زمن مضى ، و أود لو أنني قلت غير ما قلت- وكل ذلك كان يتم بطريقة سلبية حيث كنت دائماً أضع اللوم على نفسي-...
ثم إني ذات صباح دخلت الفصل و زملائي الطلبة، و بعد قليل دخل المدرس ـ مستر براندوين ـ و معه زجاجة مملؤة باللبن و ضعها أمامه على المكتب و تعلقت أبصارنا بهذه الزجاجة ، وانطلقت خواطرنا تتساءل : (( ما صلة اللبن بدروس الصحة ؟ )) و فجأة نهض المدّرس ضارباً زجاجة اللبن بظهر يده فإذا هي تقع على الأرض و يراق ما فيها ، و هنا صاح مستر براندوين : (( لا يبك أحدكم على اللبن المراق )) .
ثم نادانا الأستاذ واحداً واحداً لنتأمل الحطام المتناثر و السائل المسكوب على الأرض ، ثم جعل يقول لكل منا:(( انظر جيداً إنني أريد أن تذكر هذا الدرس مدى حياتك ، لقد ذهب اللبن و استوعبته البالوعة ، فمهما تشد شعرك ، و تسمح للهم و النكد أن يمسكا بخناقك فلن تستعيد منه قطرة واحدة .
لقد كان يمكن بشيء من الحيطة و الحذر أن نتلافى هذه الخسارة و لكن فات الوقت، و كل ما نستطيعه أن نمحو أثرها و ننساها ثم نعود إلى العمل بهمة و نشاط)).