قتل ابن ملجم وحرقه

وأحضر الحسن بن عليّ بن أبي طالب - عليهما السلام - ابن ملجم. فلما دخل عليه، قال: « هل لك في خصلة؟ إني والله ما أعطيت الله عهدا إلّا وفيت به، وكنت أعطيت الله عهدا عند الحطيم أن أقتل معاوية وعليّا، أو أموت دونهما، فإن شئت خلّيت بيني وبينه، ولك الله عليّ إن لم أقتله، أو قتلته ثم بقيت، أن آتيك حتى أضع يدي في يدك. »
فقال له الحسن: « أما والله، حتى تعاين النار فلا! » ثم قدّمه، فضرب عنقه. ثم أخذه الناس، فأدرجوه في بواريّ، ثم أحرقوه بالنار.
ما كان من أمر برك ومعاوية

وأمّا البرك، فإنّه قعد لمعاوية، فلما خرج للصلاة، ضربه بالسيف، فوقع في أليته، فأخذ فقال: « إنّ عندي خبرا أسرّك به، فإن أخبرتك، أينفعنى ذلك؟ » قال: « نعم. » قال: « إنّ عليّا قتله أخ لي في هذه الليلة. » وحدّثه الحديث.
قال: « فلعلّه لم يقدر على ذلك. » قال: « بلى، إنّ عليّا يخرج وحده، وليس معه من يحرسه. » فأمر به معاوية، فضربت عنقه.
ما كان من أمر عمرو بن بكر وعمرو بن العاص

وأمّا عمرو بن بكر، فجلس لعمرو بن العاص، وكان اشتكى بطنه، فأمر خارجة بن أبي حبيبة، وكان على شرطه، ليصلّى بالناس. فخرج، وشدّ عليه ابن بكر، وهو يرى أنه عمرو، فضربه فقتله. فأخذه الناس، فانطلقوا به إلى عمرو، وسلّموا عليه بالإمرة، فقال: « من هذا؟ » قالوا: « عمرو. » قال: « فمن قتلت؟ » قالوا: « خارجة. » قال: « والله يا فاسق، ما ظننته غيرك. » قال عمرو: « أردتنى، وأراد الله خارجة. » وقدّمه عمرو، وقتله.
ما قالته عائشة في قتل علي

ولما انتهى إلى عائشة قتل عليّ، قالت:
فألقت عصاها واستقرّت بها النّوى ** كما قرّ عينا بالإياب المسافر
وقالت: « من قتله؟ » قيل: « رجل من مراد. » قالت:
فإن يك نائيا فلقد نعاه ** نعاة ليس في فيها التّراب
أسماء كتاب علي بن أبي طالب صلوات الله عليه

كتب له سعيد بن نمران الهمداني، وكان يكتب له عبد الله بن جعفر أيضا، وعبيد الله بن أبي رافع.
وحكى عن عبيد الله أنه قال: كتبت بين يدي عليّ فقال: « ألق دواتك، وأطل سنّى قلمك، وفرّج بين السطور، وقرمط بين الحروف. » وكنّا ذكرنا أنه استكتب زيادا على خراج البصرة وديوانها لمّا استخلف ابن عباس عليها.
ولزياد سياسات يصلح أن تذكر في هذا الكتاب، فإنّا إنما نذكر كتّاب الخلفاء لأجل ما عزمنا على ذكر سياستهم، ولم يمض إلى هذا الوقت أحد منهم عرفت له سياسة غير زياد، ونحن نذكر ذلك في آخر أيّام معاوية، إن شاء الله
بيعة الحسن بن علي

وبويع الحسن بالخلافة في سنة أربعين، وأوّل من بايعه قيس بن سعد، وكان قيس على مقدّمة أهل العراق، ويقال: إنّهم كانوا أربعين ألفا، بايعوا عليّا على الموت. »
نزع قيس وتأمير عبيد الله بن عباس

ولمّا قتل عليّ، واستخلف أهل العراق الحسن، كان الحسن لا يريد القتال، ولكنّه يريد أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية، ثم يدخل في الجماعة. وعرف الحسن أن قيس بن سعد لا يوافقه على رأيه، فنزعه، وأمر عبيد الله بن عبّاس، وعلم عبيد الله بالذي يريد الحسن أن يأخذ لنفسه. فكتب إلى معاوية يسأله الأمان ويشترط لنفسه على الأموال التي أصاب، فشرط له ذلك معاوية.
ذكر مكيدة لمعاوية

يقال: إنّ معاوية دسّ إلى عسكر الحسن بن عليّ، حين نزل المدائن، وعلى مقدمته قيس بن سعد في اثنى عشر ألفا، وذلك قبل أن ينزعه، وكان معاوية أقبل من الشام، فنزل مسكن، فدسّ معاوية من نادى في عسكر الحسن: « ألا إنّ قيس بن سعد قد قتل، فانفروا! » فنفروا بسرادق الحسن، حتى نازعوه بساطا كان تحته، وجرحوه، فخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن.
كتاب كتبه الحسن إلى معاوية في الصلح

وكتب حينئذ الحسن بن عليّ إلى معاوية يطلب الأمان، فقال الحسن للحسين وعبد الله بن جعفر: « إني كتبت إلى معاوية في الصلح. » فقال له الحسين: « أنشدك الله أن تصدّق أحدوثة معاوية، وتكذّب أحدوثة عليّ. » فقال الحسن: « اسكت، فإني أعلم بالأمر منك. » واشترط الحسن على معاوية: على أن يجعل له ما في بيت ماله. وخراج دارابجرد. وعلى أن لا يشتم عليّ وهو يسمع.
وكان الذي في بيت المال بالكوفة خمسة آلاف ألف.
ذكر حيلة واتفاق طريف في هذا الشرط

كان معاوية أرسل قبل أن ترد عليه صحيفة الحسن بالشرط، بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها، وكتب إليه أن: « اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت، فهو لك. » ولمّا أتت الحسن هذه الصحيفة، اشترط فيها أضعاف الشروط التي كان سألها قبل ذلك، وأمسكها عنده، وأمسك معاوية صحيفة الحسن التي كان كتبها. فلمّا التقى معاوية والحسن، سأله الحسن أن يعطيه الشروط التي في السجل الذي ختمه معاوية في أسفله، فأبى معاوية أن يعطيه، وقال: « ما لك إلّا ما سألتنيه بخطّك. » فاختلفا، وتنازعا، ولم ينفّذ للحسن من تلك الشروط شيئا.
معاوية يكايد قيس بن سعد

ثم إنّ الناس اجتمعوا إلى قيس بن سعد، وتعاقدوا على قتال معاوية.
فلمّا فرغ معاوية من عبيد الله والحسن، خلص إلى مكايدة رجل هو أهمّ إليه، وأبلغ مكيدة، ومعه أربعون ألفا. فراسله يذكّره بالله، ويقول له: « على طاعة من تقاتل؟ قد بايعنى الذي أعطيته طاعتك. » وأبي قيس أن يلين له حتى بعث إليه معاوية بسجلّ ختم في أسفله، وقال: « أكتب ما شئت في هذا السجل، فهو لك. » واشترط قيس له ولشيعة عليّ الأمان، على ما أصابوا من الدماء، والأموال، ولم يسأل معاوية في سجلّه ذلك مالا، فأعطاه معاوية ذلك.
الدهاة الخمسة

وكان قيس يعدّ في الدهاة، وكانوا خمسة يومئذ، وهم: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة ابن شعبة، وقيس بن سعد، وعبد الله بن بديل. وكان قيس [ و ] عبد الله بن بديل مع عليّ، والمغيرة بن شعبة معتزلا بالطائف، حتى حكّم الحكمان.
ما قاله الحسن بن علي في خطبته بعد الصلح وقبل أن يغادر الكوفة إلى المدينة

ولمّا تمّ الصلح بين الحسن ومعاوية، قام الحسن في الناس خطيبا بالكوفة، فقال: « يا أهل العراق! إنّه سخّى بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إيّاى، وانتهابكم متاعي. » وبرأ الحسن من جراحته، فتحوّل إلى المدينة. وحال أهل البصرة بينه وبين خراج دارابجرد، وقالوا: « فيئنا. » ولمّا دخل المدينة، تلقّاه الناس، فصاحوا: « يا مذلّ العرب! »