ثم قصد المعتضد مدينة يقال لها الحسنية وفيها رجل يقال له شدّاد في جيش عظيم يقال انّهم عشرة آلاف وكان له قلعة في المدينة فظفر به المعتضد فأخذه وهدم قلعته.
ودخلت سنة اثنتين وثمانين ومائتين

المعتضد وتغيير موقع النيروز

وفيها أحدث المعتضد النيروز الذي يقع في اليوم الحادي عشر من حزيران وأنشأت الكتب إلى جميع العمّال في النواحي والأمصار بترك افتتاح الخراج في النيروز الذي كان للعجم.
وورد كتابه على يوسف بن يعقوب يعلمه أنّه إنّما أراد بذلك الترفيه على الناس والرفق بهم، وأمر أن يقرأ كتابه على الناس ففعل. وفيها كتب المعتضد من الموصل إلى إسحاق بن أيّوب وحمدان بن حمدون في المصير إليه. فأمّا إسحاق بن أيّوب سارع إلى ذلك وأمّا حمدان بن حمدون فتحصّن في قلاعه وغيّب أمواله وحرمه.
فوجّه إليه المعتضد الجيوش، فصادفوا الحسن بن عليّ كوره وأصحابه منيخين على قلعة لحمدان محاصرين لها وفيها الحسين بن حمدان.
فلمّا رأى الحسين أوائل العسكر مقبلين طلب الأمان، فأومن وسلّم القلعة وصار إلى المعتضد فأمر بهدمها. وأعدّ الجيش في طلب حمدان وكان قد صار بباسورين من دجلة ونهر عظيم. فكان الماء زائدا فعبر الجيش إليه، فهرب وقتل أكثر أصحابه وألقى حمدان نفسه في زورق في دجلة مع كاتبه وحمل معه مالا وعبر إلى الجانب الغربيّ من دجلة وقدّر اللحاق بالأعراب لمّا حيل بينه وبين أكراده في الجانب الشرقي، وعبر في إثره نفر يسير من الجند فاقتصّوا اثره حتى أشرفوا على دير كان نزله. فلمّا بصر بهم خرج هاربا ومعه كاتبه وألقيا أنفسهما في زورق وخلّفا المال في الدير فحمل إلى المعتضد وانحدر أصحاب السلطان في طلبه على الظهر وفي الماء.
فلحقوه فخرج من الزورق حاسرا إلى ضيعة له في شرقيّ دجلة فركب دابّة لوكيله وسار ليله أجمع حتى وافى مضرب إسحاق بن أيّوب في عسكر المعتضد مستجيرا به.
فأحضره إسحاق مضرب المعتضد فأمر بالاحتفاظ [ به ] وبثّ الخيل في طلب أصحابه وظفر بكاتبه وكثير من قراباته وغلمانه وتتابع رؤساء الأكراد وغيرهم في الدخول في الأمان.
نقل بنت خمارويه إلى المعتضد

وفيها نقلت بنت خمارويه بن أحمد إلى المعتضد ونودى في جانبي بغداد ألّا يعبر أحد دجلة وغلقت الأبواب التي تلى الشطّ ومدّ على الشوارع النافذة إلى دجلة الشرائج ووكّل بحافتى دجلة من يمنع الناس من أن يظهروا في دورهم على الشطّ.
فلمّا صليت العتمة وافت شذاة من دار المعتضد وفيها خدم معهم الشموع فوقفوا بإزاء دار صاعد، وكانت أعدّت أربع حرّاقات شدّت مع دار صاعد. فلمّا جاءت الشذاة حدرت الحرّاقات وصارت الشذاة بين أيديهم.
وأقامت الحرّة في يوم الاثنين في دار المعتضد وجليت عليه يوم الثلاثاء.
هروب يوسف بن أبي الساج إلى أخيه بالمراغة

وفيها هرب يوسف بن أبي الساج في من أطاعه إلى أخيه محمد بالمراغة ولقي مالا للسلطان في طريقه فأخذه فقال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وكتب به إلى المعتضد:
إمام الهدى أنصاركم آل طاهر ** بلا سبب يجفون والدهر يذهب
وقد خلطوا صبرا بشكر ورابطوا ** وغيرهم يعطى ويحبى ويهرب
معاملة المعتضد محمد بن زيد العلوي

وفيها وجّه محمد بن زيد العلوي من طبرستان إلى محمد بن ورد العطّار باثنين وثلاثين ألف دينار ليفرّقها ببغداد والكوفة والمدينة على أهله. فسعى به وأحضر دار بدر وسئل عن ذلك فاعترف به، وذكر أنّه يوجّه إليه في كلّ سنة مثل هذا المال فيفرّقه على من يأمره بالتفرقة عليهم من أهله. فأعلم بدر المعتضدي صاحبه المعتضد بذلك وأعلمه أنّ الرجل والمال في يده. فقال المعتضد:
« يا بدر أما تذكر الرؤيا التي خبّرتك بها؟ » فقال: « لا يا أمير المؤمنين. » فقال: « ألا تذكر أنّ الناصر - يعنى الموفّق - دعاني وقال: إني أعلم أنّ هذا الأمر سيصير إليك، فانظر كيف تكون مع آل أبي طالب. » ثم قال: رأيت في النوم كأنّى خارج من بغداد أريد ناحية النهروان في جيش وقد تشوّف الناس إليّ، إذ مررت على رجل واقف على تلّ يصلّى لا يلتفت إليّ، فعجبت منه، فلمّا فرغ من صلاته قال لي:
« أقبل. » فأقبلت إليه، فقال:
« أتعرفني؟ » قلت: « لا. » قال: « أنا عليّ بن أبي طالب، خذ هذه المسحاة فاضرب بها الأرض. » لمسحاة بين يديه فأخذتها، فضربت بها ضربات. فقال:
« إنّه سيلي من ولدك هذا الأمر قدر ما ضربت، فأوصهم بولدي خيرا. » قال بدر: فقلت:
« بلى يا أمير المؤمنين قد ذكرت. » قال: فأطلق الرجل وأطلق المال، وتقدّم إليه أن يكتب إلى صاحبه بطبرستان أن يوجّه ما يوجّه به إليه ظاهرا وأن يفرّق هذا الرجل ما يفرّقه ظاهرا، وتقدّم بمعونته على ما يلتمسه.
ذبح خمارويه في مصر

وفيها ورد الخبر على المعتضد من مصر في أحد عشر يوما على طريق البرّ انّ خمارويه بن أحمد ذبح على فراشه، ذبحه بعض خدمه الخاصّة، وقتل من خدمه الذين اتهموا بقتله نيّف وعشرون خادما.
وكان المعتضد بعث ابن الجصّاص إلى خمارويه بهدايا فلمّا بلغ سرّ من رأى اتصل خبر مهلك خمارويه بالمعتضد فكتب إليه يأمره بالرجوع، فرجع.
ودخلت سنة ثلاث وثمانين ومائتين

وفيها شخص المعتضد بسبب هارون الشاري إلى ناحية الموصل فظفر به.
ذكر هذا الظفر

وجّه الحسين بن حمدان بن حمدون في خيل من الفرسان والرجّالة إليه.
فقال الحسين:
« نعم يا أمير المؤمنين إن أنا جئت به فلي ثلاث حوائج يقضيها لي أمير المؤمنين. » فقال: « اذكرها. » قال: « أوّلها إطلاق أبي، وحاجتان أسألهما بعد مجيئي به. » فقال المعتضد:
« لك ذلك، فامض. » فقال الحسين:
« أحتاج إلى ثلاثمائة فارس أنتخبهم أنا. » فمكّنه من ذلك وأنفذهم مع موشكير فقال:
« أريد أن يأمره أمير المؤمنين ألّا يخالفني فيما آمره به. » فأمر المعتضد موشكير بذلك. فمضى الحسين حتى انتهى إلى مخاضة في دجلة فقدم إلى وصيف ومن معه بالوقوف على المخاضة وقال:
« ليس لهارون طريق إن هرب غير هذا فلا تبرحنّ من هذا الموضع حتى يمرّ بك هارون أو أجيئك أنا أو يبلغك أنّى قد قتلت. »
ومضى حسين في طلب هارون فلقيه وواقعه، فكانت بينهما قتلى وانهزم هارون وأقام وصيف على المخاضة ثلاثة أيّام فقال له أصحابه:
« قد طال مقامنا بهذا القفر وأضرّ بنا ولسنا نأمن أن يأخذ الحسين الشاري فيكون الفتح له دوننا والصواب أن نمضي في آثارهم. » فأطاعهم ومضى وجاء هارون منهزما إلى المخاضة فعبر وجاء حسين في إثره فلم ير وصيفا ولا أحدا من أصحابه ولا عرف لهم خبرا ولا رأي لهم أثرا، وجعل يسأل عن خبر هارون حتى وقف على عبوره فعبر في أثره وجاء إلى حيّ من أحياء العرب فسألهم عنه، فكتموا أمره فهمّ بالإيقاع بهم ثم. قال:
« إنّ المعتضد في إثرى. » فأعلموه أنّه اجتاز بهم فأخذ بعض دوابّهم وترك دوابّه عندهم وكانت قد كلّت وأعيت واتبع أثره فلحقه بعد أيّام والشاري في نحو من مائة. فناشده الشاري وتوعّده، فأبى إلّا محاربته فحاربه ورمى حسين بن حمدان بنفسه عليه وابتدره أصحاب الحسين، فأخذوه وجاء به إلى المعتضد سليما بغير عقد ولا عهد. فأمر المعتضد حين بلغه الخبر بحلّ قيود حمدان بن حمدون والتوسعة عليه إلى أن يقدم ابنه فيطلقه ويخلع عليه.
فلمّا وصل الشاري إلى المعتضد انصرف راجعا إلى بغداد فنزل باب الشماسية، وعبّأ الجيش هناك وخلع على الحسين بن حمدان وطوّقه بطوق ذهب، وخلع على جماعة من أهله وزيّن الفيل وأدخل الشاري عليه مشهرا ببرنس حرير طويل.
غزو الصقالبة الروم

وفيها ورد الخبر من طبرستان أنّ الصقالبة غزت الروم في خلق عظيم، فقتلوا منهم وهزموا ملكهم حتى وصلوا إلى قسطنطينية وألجئوا الروم إليها، ثم وجّه ملك الروم إلى ملك الصقالبة:
« إنّ ديننا ودينك واحد فعلام نقتل الناس بيننا؟ » فأجابه ملك الصقالبة:
« إنّ هذا ملك آبائي ولست منصرفا عنك إلّا بغلبة أحدنا الآخر. » فلمّا لم يجد ملك الروم مخلصا عنه جمع من عنده من المسلمين، وسألهم معونته على الصقالبة، فأجابوه إليه، فأعطاهم السلاح فهزموا الصقالبة. فلمّا رأى ملك الروم ذلك خافهم على نفسه. فبعث إليهم فردّهم وأخذ منهم السلاح وفرّقهم في البلدان فرقا من أن يجنوا عليه.