الفصل الثاني في أن جيل العرب في الخليقة طبيعي

قد قدمنا في الفصل قبله أن أهل البدو هم المنتحلون للمعاش الطبيعي من الفلح والقيام على الإنعام وأنهم مقتصرون على الضروري من الأقوات والملابس والمساكن وسائر الأحوال والعوائد ومقصرون عما فوق ذلك من حاجى أو كمالي يتخذون البيوت من الشعر والوبر أو الشجر أو من الطين والحجارة غير منجدة إنما هو قصد الاستظلال والكن لا ما وراءه وقد يأوون إلى الغيران والكهوف وأما أقواتهم فيتناولون بها يسيراً بعلاج أو بغير علاج البتة إلا ما مسته النار فمن كان معاشه منهم في الزراعة والقيام بالفلح كان المقام به أولى من الظعن وهؤلاء سكان المدر والقرى و الجبال وهم عامة البربر والأعاجم ومن كان معاشه في السائمة مثل الغنم والبقر فهم ظعن في الأغلب لارتياد المسارح والمياه لحيواناتهم فالتقلب في الأرض أصلح بهم ويسمون شاوية و معناه القائمون على الشاه والبقر ولا يبعدون في القفر لفقدان المسارح الطيبة وهؤلاء مثل البربر والترك وإخوانهم من التركمان والصقالبة وأما من كان معاشهم في الإبل فهم أكثر ظغناً وأبعد في القفر مجالاً لأن مسارح التلول ونباتها وشجرها لا يستغني بها الإبل في قوام حياتها عن مراعي الشجر بالقفر وورود مياهه الملحة والتقلب فصل الشتاء في نواحيه فراراً من أذى البرد إلى دفء هوائه وطلباً لماخض النتاج في رماله إذ الإبل أصعب الحيوان فصالاً ومخاضاً وأحوجها في ذلك إلى الدفء فاضطروا إلى إبعاد النجعة وربما زادتهم الحامية عن التلول أيضاً فأوغلوا في القفار نفرة عن الضعة منهم فكانوا لذلك أشد الناس توحشاً وينزلون من أهل الحواضر منزلة الوحش غير المقدور عليه والمفترس من الحيوان العجم وهؤلاء هم العرب وفي معناهم ظعون البربر وزناتة بالمغرب له الأكراد والتركمان والترك بالمشرق إلا أنا العرب أبعد نجعة وأشد بداوة لأنهم مختصون بالقيام على الإبل فقط وهؤلاء يقوموني عليها وعلى الشياه والبقر معها فقد تبين لك أن جيل العرب طبيعي لا بد منه في العمران والله سبحانه وتعالى أعلم.