العراقيين و هو شرف الدين الطيببي من أهل توريز من عراق العجم شرح فيه كتاب الزمخشري هذا و تتبع ألفاظه و تعرض لمذاهبه في الاعتزال بأدلة تزيفها و يبين أن البلاغة إنما تقع في الآية على ما يراه أهل السنة لا على ما يراه المعتزلة فأحسن في ذلك ما شاء مع إمتاعه في سائر فنون البلاغة و فوق كل ذي علم عليم. الفصل السادس في علوم الحديث و أما علوم الحديث فهي كثيرة و متنوعة لأن منها ما ينظر في ناسخه و منسوخه و ذلك بما ثبت في شريعتنا من جواز النسخ و وقوعه لطفاً من الله بعباده و تخفيفاً عنهم باعتبار مصالحهم التي تكفل الله لهم بها. قال تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها و معرفة الناسخ و المنسوخ و إن كان عاقاً للقرآن و الحديث إلا إن الذي في القرآن منه اندرج في تفاسيره و بقي ما كان خاصاً بالحديث راجعاً إلى علومه. فإذا تعارض الخبران بالنفي و الإثبات و تعذر الجمع بينهما ببعض التأويل و علم تقدم أحدهما تعين إن المتأخر ناسخ. و معرفة الناسخ و المنسوخ من أهم علوم الحديث و أصعبها. قال الزهري: أعيا الفقهاء و أعجزهم إن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم من منسوخه. و كان للشافعي رضي الله عنه فيه قدم راسخة. و من علوم الأحاديث النظر في الأسانيد و معرفة ما يجب العمل به من الأحاديث بوقوعه على السند الكامل الشروط لأن العمل إنما وجب بما يغلب على الظن صدقه من أخبار رسول الله صلى الله عليه و سلم فيجتهد في الطريق التي تحصل ذلك الظن و هو بمعرفة رواة الحديث بالعدالة و الضبط. و إنما يثبت ذلك بالعقل عن أعلام الدين لتعديلهم و براءتهم من الجرح و الغفلة و يكون لنا ذلك دليلاً على القبول و الترك. و كذلك مراتب هؤلاء النقلة من الصحابة و التابعين و تفاوتهم في ذلك و تميزهم فيه واحداً واحداً. و كذلك الأسانيد تتفاوت باتصالها و انقطاعها بأن يكون الراوي لم يلق الراوي الذي نقل عنه و بسلامتها من العلل الموهنة لها و تنتهي بالتفاوت إلى طرفين فحكم بقبول الأعلى و رد الأسفل. و يختلف في المتوسط بحسب المنقول عن أئمة الشأن. و لهم في ذلك، ألفاظ اصطلحوا على وضعها لهذه المراتب المرتبة. مثل الصحيح و الحسن و الضعيف و المرسل و المنقطع و المعضل و الشاذ و الغريب، و غير ذلك من ألقابه المتداولة بينهم. و بوبوا على كل واحد منها و نقلوا ما فيه من الخلاف لأئمة اللسان أو الوفاق. ثم النظر في كيفية أخذ الرواية بعضهم عن بعض بقراءة أو كتابة أو مناولة أو إجازة و تفاوت رتبها و ما للعلماء في ذلك من الخلاف بالقبول و الرد. ثم اتبعوا ذلك بكلام في ألفاظ تقع في متون الحديث من غريب أو مشكل أو تصحيف أو مفترق منها أو مختلف و ما يناسب ذلك. هذا معظم ما ينظر فيه أهل الحديث و غالبه و كانت أحوال نقلة الحديث في عصور السلف من الصحابة و التابعين معروفة عند أهل بلده فمنهم بالحجاز و منهم بالبصرة و الكوفة من العراق و منهم بالشام و مصر و الجميع معروفون مشهورون في أعصارهم و كانت طريقة أهل الحجاز في أعصارهم في الأسانيد أعلى ممن سواهم و امتن في الصحة لاستبدادهم في شروط النقل من العدالة و الضبط و تجافيهم عن قبول المجهول الحال في ذلك و سند الطريقة الحجازية بعد السلف الإمام مالك عالم المدينة رضي الله تعالى عنه ثم أصحابه مثل الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه، و ابن وهب و ابن بكير و القصنبي و محمد بن الحسن و من بعدهم الإمام أحمد بن حنبل و في آخرين من أمثا لهم. و كان علم الشريعة في مبدإ هذا الأمر نقلاً صرفاً شمر لها السلف و تحروا الصحيح حتى أكملوها. و كتب مالك رحمه الله كتاب الموطأ أودعه أصول الأحكام من الصحيح المتفق عليه و رتبه على أبواب الفقه. ثم عني الحافظ بمعرفة طرق الأحاديث و أسانيدها المختلفة. و ربما يقع إسناد الحديث من طرق متعددة عن رواة مختلفين و قد يقع الحديث أيضاً في أبواب متعددة باختلاف المعاني التي اشتمل عليها. و جاء محمد بن إسماعيل البخاري إمام المحدثين في عصره فخرج أحاديث السنة على أبوابها في مسنده الصحيح بجميع الطرق التي للحجازيين و العراقيين و الشاميين. و اعتمد منها ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه و كرر الأحاديث يسوقها في كل باب بمعنى ذلك الباب الذي تضمنه الحديث فتكررت لذلك أحاديثه حتى يقال: إنه اشتمل على تسعة آلاف حديث و مائتين. منها ثلاثة آلاف متكررة و فرق الطرق و الأسانيد عليها مختلفة في كل باب. ثم جاء الإمام مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله تعالى فألف مسنده الصحيح. حذا فيه حذو البخاري. في نقل المجمع عليه و حذف المتكرر منها و جمع الطرق و الأسانيد و بوبه على أبواب الفقه و تراجمه. و مع ذلك فلم يستوعبا الصحيح كله. و قد استدرك الناس عليهما في ذلك. ثم كتب أبو داود السجستاني و أبو عيسى الترمذي و أبو عبد الرحمن النسائي في السنن بأوسع من الصحيح و قصدوا ما توفرت فيه شروط العمل إما من الرتبة العالية في الأسانيد و هو الصحيح كما هو معرف و إما من الذي دونه من الحسن و غيره ليكون ذلك إماماً للسنة و العمل. و هذه هي المسانيد المشهورة في الملة و هي أمهات كتب الحديث في السنة فإنها و إن تعددت ترجع إلى هذه في الأغلب. و معرفة هذه الشروط و الاصطلاحات كلها هي علم الحديث و ربما يفرد عنها الناسخ و المنسوخ فيجعل فناً برأسه و كذا الغريب. و للناس فيه تآليف مشهورة ثم المؤتلف و المختلف. و قد ألف الناس في علوم الحديث و أكثروا. و من فحول علمائه و أئمتهم أبو عبد الله الحاكم و تآليفه فيه مشهورة و هو الذي هذبه و أظهر محاسنه. و أشهر كتاب للمتأخرين فيه كتاب أبي عمرو بن الصلاح كان لعهد أوائل المائة السابعة و تلاه محيي الدين النووي بمثل ذلك. و الفن شريف في مغزاه لأنه معرفة ما يحفظ به السنن المنقولة عن صاحب الشريعة. و قد انقطع لهذا العهد تخريج شيء من الأحاديث و استدراكها على المتقدمين إذ العادة تشهد بأن هؤلاء الأئمة على تعددهم و تلاحق عصورهم و كفايتهم و اجتهادهم لم يكونوا ليغفلوا شيئاً من السنة أو يتركوه حتى يعثر عليه المتأخر هذا بعيد عنهم و إنما تنصرف العناية لهذا العهد إلى تصحيح الأمهات المكتوبة و ضبطها بالزواية عن مصنفيها و النظر في أسانيدها إلى مؤلفها و عرض ذلك على ما تقرر في علم الحديث من الشروط و الأحكام لتتصل الأسانيد محكمة إلى منتهاها. و لم يزيدوا في ذلك على العناية بأكثر من هذه الأمهات الخمس إلا في القليل. فأما البخاري و هو أعلاها رتبة فاستصعب الناس شرحه و استغلقوا منحاه من أجل ما يحتاج إليه من معرفة الطرق المتعددة و رجالها من أهل الحجاز و الشام و العراق و معرفة أحوالهم و اختلاف الناس فيهم. و لذلك يحتاج إلى إمعان النظر في التفقه في تراجمه لأنه يترجم الترجمة و يورد فيها الحديث بسند أو طريق ثم يترجم أخرى و يورد فيها ذلك الحديث بعينه لما تضمنه من المعنى الذي ترجم به الباب. و كذلك في ترجمة و ترجمة إلى أن يتكرر الحديث في أبواب كثيرة بحسب معانيه و اختلافها و من شرحه و لم يستوف هذا فيه فلم يوف حق الشرح كابن بطال و ابن