وقال أنو شِرْوان للموبذ وهو العالم ‏"‏ بالفارسيّة ‏"‏‏:‏ ما كان أفضلُ الأشياء قال‏:‏ الطبيعة النقيّة تَكْتفي من الأدب بالرائحة ومن العِلْم بالإشارة وكلما يَموت البَذْر في السِّباخ كذلك تموت الحِكْمة بمَوْت الطبيعة قال له‏:‏ صدقت ونحن لهذا قَلّدناك ما قلّدناك‏.‏
وقيل لارْدَشِير‏:‏ الأدبُ أغلبُ أم الطَّبيعة فقال‏:‏ الأدب زِيادة في العَقل ومَنْبهة للرأيٍ ومِكْسبة للصواب والطَّبيعة أملك لأن بها الاعتقاد ونَماء الغِراسة وتَمام الغِذاء‏.‏
وقيل لبعض الحُكماء‏:‏ أي أعون للعقل بعد الطٌبيعة المَولودة قال‏:‏ أدب مُكْتسب‏.‏
وقالوا‏:‏ الأدب أدَبان‏:‏ أدبُ الغَريزة وهو الأصل وأدب الرِّواية وهو الفرع ولا يتفرَّع شيء إلا عن أصله ولا يَنْمى الأصل إلا باتصال المادة‏.‏
وقال الشاعر‏:‏ ‏"‏ ولم أرَ فَرْعًا طال إلا بأصْله ولم أرَ بَدْء العِلْم إلا تعلُّما وقال حَبيب ‏"‏‏:‏ وما السيفُ إلا زُبْرَةٌ لو تركتَه على الحالة الأولى لما كان يَقْطعُ وقال آخر‏:‏ ما وَهب اللهّ لامرىء هِبةً أفضلَ من عَقْله ومن أَدبهْ هُما حياةُ الفَتى فإن فًقِدَا فإنّ فَقْد الحَياة أحسنُ به وقال ابن عبّاس‏:‏ كَفَاك من عِلْم الدِّين أن تَعْرف مالا يَسعك جهلُه وكفاكَ من عِلْم الأدب أن تَرْوي الشاهد والمثاللَ‏.‏
قال ابن قُتيبة‏:‏ إِذا أردتَ أن تكون ‏"‏ عالماً فاطلب فَنّا واحداً وإذ أردتَ أن ‏"‏ تكون أديباً فتفنَّن في العلوم‏.‏
وقالت الحُكماء‏:‏ إذا كان الرجل طاهرَ الأثواب كثيرَ الآداب حسنَ المذْهب تأدَّب بأدبه رأيتُ صلاحَ الَمرْء يِصلح أهلَه ويُفسدهم ربُّ الفَساد إذا فَسَدْ يُعظَّم في الدنيا لِفَضل صَلاحه وحْفَظ بعد الموت في الأهْل والوَلد وسُئل ديُوجانِس‏:‏ أي الخِصال أحمدُ عاقبة قال‏:‏ الإيمانُ بالله عزّ وجلّ وبرّ الوالدين ومحبّة العُلماء وقبولُ الأدب‏.‏
رُوي عن رسول الله أنه قال‏:‏ مَن لا أدب له لا عقل له‏.‏
وقالوا‏:‏ الأدب يَزيدُ العاقلَ فضلاً ونَباهة ويُفيده رقّة وظَرفاً‏.‏
في رقة الأدب قال أبو بكر بن أبي شَيْبة‏:‏ قيل للعبّاس بن عبد المطّلب‏:‏ أنت أكبرُ أم رسول الله قال‏:‏ هو أكبر منّي وأنا أسنّ منه‏.‏
وقيل لأبي وائل‏:‏ أيكما أكبر أنتَ أم الرَّبيع بن خُثَيم قال‏:‏ أنا أكبر منه سنًا وهو أكبر منّي عقلاً‏.‏
وقال أبان بنُ عثمان لطُويس المغنّى‏:‏ أنا أكبر أم أنت قال‏:‏ جُعلتُ فداك لقد شَهِدْتُ زفاف أمك المُباركة ‏"‏ على أبيك الطيّب‏.‏
انظر إلى حِذْقه ورقّة أدبه كيف لم يَقُل أمك الطيبة إلى أبيك المبارك ‏"‏‏.‏
وقيل لعُمر بن ذَرّ‏:‏ كيف برّ ابنك بك قال‏:‏ ما مَشَيت نهاراً قطُّ إلا مشى خَلْفي ولا ليلاً إلا مَشى أمامي ولا رَقى عِلّية وأنا تحته‏.‏
ومن حديث عائشة قالت‏:‏ ما رأيت رسول الله يُبجل أحداً تبجيلَه لعمّه العباس‏.‏
وكان عمر وعثمان إذا لَقِيا العباس نَزلا إعظاماً له إذا كانا راكبَين‏.‏
الرياشيّ عن الأصمعيّ قال‏:‏ قال هارون الرشيد لعبد الملك بن صالح‏:‏ هذا منزلُك وقد تقدم هذا الخبر في الخبر الذي فيه مخاطبة الملوك وكذلك قول الحجَّاج للشعبيّ‏:‏ كم عَطاؤك ومن قولنا في رقة الأدب‏:‏ أَدبٌ كمثْل الماء لو أفرغتَه يوما لسال كما يَسيلُ الماءُ أحمد بن بّي طاهر قال‏:‏ قلتُ لعليّ بن يحيى ما رأيتُ أكملَ أدبا منك قال‏:‏ كيف لو رأيتَ إسحاق بن إبراهيم فقلتُ ذلك لإسحاق بن إبراهيم قال‏:‏ كيف لو رأيتَ إبراهيم بن المهديّ فقلتُ ذلك لإبراهيم فقال‏:‏ كيف لو رأيت جعفر بن يحيى وقال عبدُ العزيز بِن عُمر بن عبد العزيز‏:‏ قال لي رَجاءُ بن حَيْوة‏:‏ ما رأيتُ أكرمَ أدباً ولا أكرم عِشْرَةً من أبيك سَمَرتُ عنده ليلة فبينا نحن كذلك إذ عَشى المصباحُ ونام الغلام فقلتُ‏:‏ يا أمير المؤمنين قد عَشى المصباح ونام الغلام فلو أذنتَ لي أصلحتُه فقال‏:‏ إنه ليس من مروءة الرجل أن يَسْتخدم ضيفَه ثم حطّ رداءه عن مَنْكِبيه وقام إلى الدَبَّة فصبَّ من الزيت في المصباح وأشْخص الفَتيلة ثم رَجع ‏"‏ وأخذ رداءه وقال‏:‏ قمت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر‏.‏