ذكر هرب يزدجرد إلى خراسان

وفي هذه السنة، هرب يزدجرد بن شهريار في قول بعضهم من فارس إلى خراسان.
ذكر من قال ذلك وما قال فيه
ذكر علي بن محمد أنّ مسلمة أخبره عن داود، قال: قدم ابن عامر البصرة، ثمّ خرج إلى فارس فافتتحها، وهرب يزدجرد من جوز - وهي أردشير خرّه - في سنة ثلاثين. فوجّه ابن عامر في أثره مجاشع بن مسعود السلمي، فأتبعه إلى كرمان، فنزل مجاشع السيرجان بالعسكر، وهرب يزدجرد إلى خراسان. قال: وعبد القيس تقول: وجّه ابن عامر هرم ابن حيّان العبدي، وبكر بن وائل تقول: وجّه ابن حسان اليشكري. قال: وأصحّه عندنا مجاشع.
قال علي: وأخبرنا سلمة بن عثمان - وكان فاضلًا - عن مجاشع يزدجرد فخرج من السيرجان، فلما كان عند القصر في بيمند - وهو الذي يقال له قصر مجاشع - أصابهم الثلج والدّمق، فوقع الثلج، واشتدّ البرد، وصار الثلج قامة رمح، فهلك الجند، وسلم مجداشع ورجل كانت معه جارية، فشقّ بطن بعير، فأدخلها فيه وهرب؛ فلما كان من الغد، جاء فوجدها حيّة فحملها، فسمّي ذلك القصر قصر مجاشع؛ لأن جيشه هلكوا فيه؛ وهو على خمسة فراسخ أو ستّة من السيرجان.
قال علي: أخبرنا أبو المقدام، عن بعض مشيخته، قال: خرج مجاشع على وفد أهل البصرة من تستر - وفيهم الأحنف - وأخذ في غداة واحدة على لجام واحد خمسين ألفًا، سبق على الصفراء ابنة الغبراء، فأخذها منه عمر حين قاسم عمّاله الأموال.
قال علي: فقلت للنضر بن إسحاق: إنّ أبا المقدام ذكر هذا الحديث! فقال: صدق، سمعته من عدّة من الحي وغيرهم، وفرسه الصفراء ابنة الغرّاء ابنة الغبراء. وهو مجاشع بن مسعود بن ثعلبة بن عائذ بن وهب بن ربيعة بن يربوع بن سمّال بن عوف بن امرىء القيس بن بهثة بن سلم. ويكنى أبا سليمان.
قال: وفي هذه السنة زاد عثمان النداء الثالث على الزوراء، وصلّى بمنىً أربعًا.
وحجّ بالناس في هذه السنة عثمان رضي الله عنه.
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين

ذكر ما كان فيها من الأحداث المشهورة

فممّا كان فيها من ذلك غزوة المسلمين الروم التي يقال لها:
غزوة الصواري

في قول الواقدي. فأمّا أبو معشر فإنه قال فيما حدثني أحمد بن ثابت الرازي، عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عنه: كانت غزوة الصواري سنة أربع وثلاثين؛ وقال: كانت في سنة إحدى وثلاثين الأساودة في البحر ووقاع كسرى.
وقال الواقدي: غزوة الصواري والأساودة كلتاهما كانتا في سنة إحدى وثلاثين.
ذكر الخبر عن هاتين الغزوتين
ذكر الواقدي أن محمد بن صالح حدثه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أنّ أهل الشأم خرجوا؛ عليهم معاوية بن أبي سفيان، وكانت الشأم قد جمع جمعها لمعاوية بن أبي سفيان.
ذكر السبب في جمعها له
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن عبد الملك والربيع وأبي مجالد وأبي عثمان وأبي حارثة، قالوا: لما حضر أبو عبيدة استخلف على عمله عياض بن غنم - وهو خاله وابن عمّه - وقد كان ولي بالجزيرة عملًا، فعزله عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فلحق بأبي عبيدة بالشأم؛ وكان معه؛ وكان جوادًا مشهورًا بالجود، لا يليق شيئًا، ولا يمنع أحدًا. فكلّم عمر في ذلك، فقيل له: عزلت خالدًا وعتبت عليه العطاء، وعياض أجود العرب وأعطاهم؛ لا يمننع شيئًا يسأله؛ فقال عمر: متى سيمه عياض في ماله حتى يخلص إلى ما لنا! وإني مع ذلك لم أكن مغيّرًا أمرًا قضاه أبو عبيدة. ومات عياض بن غنم بعد أبي عبيدة، فأمر عمر على عمله سعيد بن حذيم الجمحي، ومات سعيد بعد؛ فأمّر عمر مكانه عمير بن سعد الأنصاري؛ ومات عمر ومعاوية على دمشق والأردنّ، وعمير بن سعد على حمص وقنّسرين؛ وإنما مصّر قنّسرين معاوية بن أبي سفيان لمن لحق به من أهل العراقين ومات يزيد بن أبي سفيان، فجعل عمر مكانه معاوية ونعاه لأبي سفيان، فقال: من جعلت على عمله يا أمير المؤمنين؟ فقال: معاوية، فقال: وصلتك رحم؛ فاجتمعت لمعاوية الأردنّ ودمشق؛ ومات عمر ومعاوية على دمشق والأردنّ وعمير بن سعد على حمص وقنّسرين، وعلقمة ابن مجزّزّ على فلسطين وعمرو بن العاص على مصر.
وكتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن مبشّر، عن سالم، قال: كان أوّل عامل استعمله عثمان بن عفان سعد بن أبي وقّاص عن وصيّة عمر. ثمّ إنّ عمير بن سعد طعن فأضنى منها، فاستعفى عثمان واستأذنه في الرجوع إلى أهله؛ فأذن له؛ وضمّ حمص وقنّسرين إلى معاوية.
وكتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان، عن خالد بن معدان؛ قال: لمّا ولي عثمان أقرّ عمال عمر على الشام؛ فلما مات عبد الرحمن بن علقمة الكناني - وكان على فلسطين - ضمّ عمله إلى معاوية، ومرض عمير بن سعد في إمارة عثمان مرضًا طال به، فاستعفاه واستأذنه فأذن له، وضمّ عمله إلى معاوية؛ فاجتمع الشأم على معاوية لسنتين من إمارة عثمان. وكان عمرو بن العاص على مصر زمان عمر، مجتمعة له، فأقرّه عثمان صدرًا من إمارته.
رجع الحديث إلى حديث الواقدي عن خبر الغزوتين اللتين ذكرتهما: إنّ أهل الشام خرجوا، عليهم معاوية بن أبي سفيان؛ وعلى أهل البحر عبد الله بن سعد بن أبي سرح. وقال: وخرج عامئذ قسطنطين بن هرقل لما أصاب المسلمون منهم بإفريقية، فخرجوا في جمع لم يجتمع للرّوم مثله قطّ منذ كان الإسلام، فخرجوا في خمسمائة مركب؛ فالتقوا هم وعبد الله بن سعد، فأمن بعضهم بعضًا حتى قرنوا بين سفن المسلمين وأهل الشرك بينصواريها.
قال ابن عمر: حدثني عيسى بن علقمة، عن عبد الله بن أبي سفيان، عن أبيه، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: كنت معهم، فالنقيا في البحر، فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قطّ؛ وكانت الريح علينا، فأرسينا ساعة، وأرسوا قريبًا منا؛ وسكنت الريح عنّا، فقلنا: الأمن بيننا وبينكم قالوا: ذلك لكم ولنا منكم، ثم قلنا: إن أحببتم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم؛ وإن شئتم فالبحر. قال: فنخروا نخرة واحدة، وقالوا: الماء؛ فدنونا منهم، فربطنا السفن بعضها إلى عبض حتى كنّا يضرب بعضنا بعضًا على سفننا وسفنهم؛ فقاتلنا أشدّ القتال، ووثبت الرجال على الرجال يضطربون بالسيوف على السفن، ويتواجئون بالخناجر، حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركامًا.
قال ابن عمر: فحدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عمّن حضر ذلك اليوم، قال: رأيت الساحل حيث تضرب الريح الموج، وإنّ عليه لمثل الظرب العظيم من جثث الرجال؛ وإنّ الدم لغالب على الماء، ولقد قتل يومئذ من المسلمين بشر كثير، وقتل من الكفار ما لا يحصى، وصبروا يومئذ صبرًا لم يصبروا في موطن قطّ مثله. ثم أنزل الله نصره على أهل الإسلام، وانهزم القسطنطين مدبرًا، فما انكشف إلّا لما أصابه من القتل والجراح؛ ولقد أصابه يومئذ جراحات مكث منها حينًا جريحًا.
قال ابن عمر: حدثني سالم مولى أمّ محمد، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش بن عبد الله الصنعاني، قال: كان أوّل ما سمع من محمد بن أبي حذيفة حين ركب الناس البحر سنة إحدى وثلاثين، لمّا صلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح بالناس العصر، كبر محمد بن أبي حذيفة تكبيرًا ورفع صوته حتى فرغ الإمام عبد الله بن سعد بن أبي سرح؛ فلما انصرف سأل: ما هذا؟ فقيل له: هذا محمد بن أبي حذيفة يكبّر، فدعاه عبد الله بن سعد، فقال له: ما هذه البدعة والحدث؟ فقال له: ما هذه بدعة ولا حدث؛ وما بالتّكبير بأس، قال: لا تعودنّ.
قال: فأسكت محمد بن أبي حذيفة، فلمّا صلّى المغرب عبد الله بن سعد كبّر محمد بن أبي حذيفة تكبيرًا أرفع من الأوّل، فأرسل إليه: إنّك غلام أحمق؛ أما والله لولا أني لا أدري ما يوافق أمير المؤمنين لقاربت بين خطوك. فقال محمد بن أبي حذيفة: والله مالك إلى ذلك سبيل؛ ولو هممت به ما قدرت عليه. قال: فكفّ خير لك؛ والله لا تركب معنا، قال: فأركب مع المسلمين؟ قال: اركب حيث شئت. قال: فركب في مركب وحده ما معه إلى القبط؛ حتى بلغوا ذات الصواري؛ فلقوا جموع الروم في خمسمائة مركب أو ستمائة فيها القسطنطين بن هرقل، فقال: أشيروا علي، قالوا: ننظر الليلة، فباتوا يضربون بالنّواقيس، وبات المسلمون يصلّون ويدعون الله.
ثم أصبحوا وقد أجمع القسطنطين أن يقاتل، فقرّبوا سفنهم، وقرّب المسلمون فربطوا بعضها إلى بعض، وصفّ عبد الله بن سعد المسلمين على نواحي السفن، وجعل يأمرهم بقراءة القرآن، ويأمرهم بالصبر، ووثبت الروم في سفن المسلمين على صفوفهم حتى نقضوها؛ فكانوا يقاتلون على غير صفوف. قال: فاقتتلوا قتالًا شديدًا. ثم إنّ الله نصر المؤمنين، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة لم ينج من الروم إلّا الشريد.
قال: وأقام عبد الله بذات الصواري أيّامًا بعد هزيمة القوم؛ ثم أقبل راجعًا؛ وجعل محمد بن أبي حذيفة يقول للرجل: أما والله لقد تركنا خلفنا الجهاد حقًا، فيقول الرجل: وأي جهاد؟ فيقول: عثمان بن عفان فعل كذا وكذا، وفعل كذا وكذا حتى أفسد الناس. فقدموا بلدهم وقد أفسدهم، وأظهروا من القول ما لم يكونوا ينطقون به.
قال محمد بن عمر: فحدثني معمر بن راشد، عن الزهري، قال: خرج محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر عام خرج عبد الله بن سعد، فأظهرا عيب عثمان وما غيّر وما خالف به أبا بكر وعمر؛ وأنّ دم عثمان حلال. ويقولان: استعمل عبد الله بن سعد؛ رجلًا كان رسول الله أباح دمه ونزل القرآن بكفره، وأخرج رسول الله قومًا وأدخلهم، ونزع أصحاب رسول الله واستعمل سعيد بن العاص وعبد الله بن عامر. فبلغ ذلك عبد الله بن سعد، فقال: لا تركبا معنا، فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين، ولقوا العدوّ؛ وكانا أكلّ المسلمين قتالًا، فقيل لهما في ذلك، فقالا: كيف نقاتل مع رجل لا ينبغي لنا أن نحكّمه! عبد الله بن سعد استعمله عثمان، وعثمان فعل وفعل؛ فأفسدا أهل تلك لاغزاة، وعابا عثمان أشدّ العيب. فأرسل عبد الله بن سعد إليهما ينهاهما أشدّ النهي، وقال: والله لولا أني لا أدري ما يوافق أمير المؤمنين لعاقبتكما وحبستكما.
قال الواقدي: وفي هذه السنة توفّيَ أبو سفيان بن حرب وهو ابن ثمان وثمانينن سنة.
وفي هذه السنة - أعني سنة إحدى وثلاثين - فتحت في قول الواقدي أرمينية على يدي حبيب بن مسلمة الفهري.
ذكر الخبر عن مقتل يزدجرد ملك فارس

وفي هذه السنة قتل يزدجرد ملك فارس.