صفحة 18 من 28 الأولىالأولى ... 81617181920 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 69 إلى 72 من 110

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء التاسع)


  1. #69
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    وسار من نهر ميمون يريد السبخة التي كان هيأ فيها طليعةً؛ فلما صار إلى القادسية والشيفيا، سمع هنالك نعيرًا، ورأى رميًا وكان إذا سار يتنكب القرى فلم يدخلها، وأمر محمد بن سلم أن يصير إلى الشيفيا في جماعة؛ فيسأل أهلها أن يسلموا إليه قاتل الرجل من أصحابه في ممرة كان بهم، فرجع إليه، فأخبره أنهم زعموا أنه لا طاقة لهم بذلك الرجل لولائه من الهاشميين ومنعهم له؛ فصاح بالغلمان، وأمرهم بانتهاب القريتين، فانتهب منهما مالًا عظيمًا؛ عينًا وورقًا وجوهرًا وحليًا وأواني ذهب وفضة، وسبي منهما يومئذ غلمانًا ونسوة، وذلك أول سبى سبى، ووقفوا على دار فيها أربعة عشر غلامًا من غلمان الشورج، قد سد عليهم باب؛ فأخذهم وأتى بمولى الهاشميين القاتل صاحبه فأمر محمد بن سلم بضرب عنقه، ففعل ذلك، وخرج من القريتين في وقت العصر، فنزل السبخة المعروفة ببرد الخيار.
    فلما كان في وقت المغرب أتاه أحد أصحابه الستة، فأعلمه أن أصحابه، قد شغلوا بخمور وأنبذة وجدوها في القادسية، فصار ومعه محمد بن سلم ويحيى ابن محمد إليهم، فأعلمهم أن ذلك مما لا يجوز لهم، وحرم النبيذ في ذلك، اليوم عليهم، وقال لهم: إنكم تلاقون جيوشًا تقاتلونهم، فدعوا شرب النبيذ والتشاغل به، فأجابوه إلى ذلك؛ فلما أصبح جاءه غلام من السودان، يقال له قاقويه، فأخبره أن أصحاب رميس قد صاروا إلى شرقي دجيل، وخرجوا إلى الشط، فدعا علي بن أبان، فتقدم إليه أن يمضي بالزنج، فيوقع بهم؛ ودعا مشرقًا، فأخد منه اصطرلابًا، فقاس الشمس، ونظر في الوقت، ثم عبر وعبر الناس خلفه القنطرة التي على النهر المعروف ببرد الخيار؛ فلما صاروا في شريه، تلاحق الناس بعلي بن أبان، فوجدوا أصحاب رميس وأصحاب عيل على الشط، والدبيلا في السفن يرمون بالنشاب، فحملوا عليهم فقتلوا منهم متلة عظيمة، وهبت ريح من غربي دجيل، فحملت السفن، فأذنتها من الشط، فنزل السودان إليها، فقتلوا من وجدوا فيها، وانحاز رميس ومن كان معه إلى نهر الدير على طري أقشى، وترك سفنه لم يحركها ليظن أنه ميم، وخرج عقيل وصاحب ابن أبي عون إلى دجلة مباديرين، لا يلويان على شئ.
    وأمر صاحب الزنج بإخراج ما في السفن التي فيها الدبيلا؛ وكانت مقرونًا بعضها ببعض، فنزل فيها قاقويه ليفتشها، فوجد رجلًا من الدبيلا، فحاول إخراجه فامتنع، وأهوى إليه بسرتى كان معه؛ فضربه ضربة على ساعده، فقطع بعا عرقًا من عروقه، وضربه ضربة على رجله، فقطعت عصبة من عصبه، وأهوى له قاقويه، فضربه ضربة على هامته فسط، فأخذ بشعره، واحتز رأسه؛ فأتى به صاحب الزنج، فأمر له بدينار خفيف، وأمر يحيى بن محمد أن يقوده على مائة من السودان. ثم سار صاحب الزنج إلى قرية تعرف بالمهلبي تقابل قياران، ورجع السودان الذين كانوا اتبعوا عقيلًا وخليفة ابن أبي عون، وقد أخذ سميرية فيها ملاحان، فسألهم عن الخبر، فقالوا: اتبعناهم فطرحوا أنفسهم ألى الشط، وتركوا هد السميرية، فجئنا بها، فسأل الملاحين، فأخبراه أن عيلًا حملهما على اتباعه قهرًا، وحبس نساءهما حتى اتبعاه، فقالا: إن عقيلًا وعدهم مالًا، فتبعوه؛ فسألهما عن السفن الواقعة، فقالا: هذه سفن رميس ود تركها، وهرب في أول النهار، فرجع حتى إذا حاذاها أمر السودان فعبرا، فأتوه بها، فأنهبهم ما كان فيها، وأمر بها فأحرقت، ثم صار إلى القرية المعروفة بالمهلبية واسمها تنغت، فنزل قريبًا منها، وأمر بانتهابها وإحراقها؛ فانتهبت وأحرقت، وسار على نهر الماديان، فوجد فيها تمورًا، فأمر بإحراقها.
    وكان لصاحب الزنج بعد ذلك أمور من عيشه هو وأصحابه في تلك الناحية تركنا ذكرها، إذ لم تكن عظيمة، وإن كان كل أموره كانت عظيمة.
    ثم كان من عظيم ما كان له من الوقائع مع أصحاب السطان وقعة كانت مع رجل من الأتراك يكنى أبا هلال في سوق الريان، ذكر عن قائد من قواده يقال له ريحان، أن هذا التركي وافاهم في هذا السوق، ومعه زهاء أربعة آلاف رجل أو يزيدون؛ وفي مقدمته عليهم ثياب مشهرة وأعلام وطبول، وأن السودان حملوا عليه حملة صادقة، وأن بعض السودان ألقى صاحب علم القوم فضربه بخشبتين كانتا معه في يده فصرعه، وانهزم القوم، وتلاحق السودان، فقتلوا من أصحاب أبي هلال زهاء ألف وخمسمائة. وإن بعضهم اتبع أبا هلال ففاته بنفسه على دابة عرى، وحال بينهم وبين من أفلت ظلمة الليل، وأنه لما أصبح أمر بتتبعهم، ففعلوا ذلك فجاءوا بأسرى ورءوس فقتل الأسرى كلهم، ثم كانت له وقعة أخرى بعد هذه الوقعة مع أصحاب السلطان، هزمهم فيها وظفر بهم، وكان مبتدأ الأمر في ذلك - فيما ذكر عن قائد لصاحب الزنج من السودان يقال له ريحان - أنه قال: لما كان في بعض الليل من ليالي هذه السنة التي ذكرنا أنه ظهر فيها، سمع نباح كلب في أبواب تعرف بعمرو بن مسعدة، فأمر بتعرف الموضع الذي يأتي منه النباح، فوجه لذلك رجلًا من أصحابه، ثم رجع فأخبره أنه لم ير شيئًا؛ وعاد النباح. قال: ريحان: فدعاني، فقال لي: صر إلى موضع هذا الكلب النابح، فإنه إنما نبح شخصًا يراه، فصرت فإذا أنا بالكلب على المسناة، ولم أر شيئًا، فأشرفت فإذا برجل قاعد في درجات هنالك، فكلمته فلما سمعني أفصح بالعربية كلمني، فقال: أنا سيران بن عفو الله، أتيت صاحبكم بكتب من شيعته بالبصرة، وكان سيران هذا أحد من صحب صاحب الزنج أيام مقامه بالبصرة، فأخذته فأتيته به، فرأ الكتب التي كانت معه، وسأله عن الزينبي وعن عدة من كان معه، فقال: إن الزينبي قد أعد لك الخول والمطوعة والبلالية والسعدية، وهم خل كثير، وهو علة لقائك بهم ببيان، فقال له: اخفض صوتك، لئلا يرتاع الغلمان بخبرك، وسأله عن الذي يقود هذا الجيش، فقال: قد ندب لذلك المعروف بأبي منصور؛ وهو أحد موالي الهاشميين: قال له: أفرأيت جمعهم؟ قال: نعم؛ وقد أعدّوا الشرط لكتف من ظفروا به من السودان، فأمره بالانصراف إلى الموضع الذي يكون فيه مامه، فانصرف سيران إلى علي بن أبان ومحمد بن سلم ويحيى بن محمد، فجعل يحدثهم إلى أن أسفر الصبح، ثم سار صاحب الزنّج إلى أن أشرف عليهم. فلما انتهى إلى مؤخّر ترسي وبرسونا وسندادان بيان، عرض له قوم يريدون قتله، فأمر علي بن أبان فأتاهم فهزمه، وكان معهم مائة أسود، فظفر بهم. قال ريحان: فسمعته يقول لأصحابه: من أمارات تمام أمركم ما ترون من إتيان هؤلاء القوم بعبيدهم فيسّلمونهم إليكم؛ فيزيد الله في عددكم. ثم سار حتى صار إلى بيان.
    قال ريحان: فوجّهني وجماعة من أصحابه إلى الحجر لطلب الكاروان وعسكرهم في طرف النخل في الجانب الغربي من بيان، فوجّهنا إلى الموضع الذي أمرنا بالمصير إليه، فألفينا هناك ألفًا وتسعمائة سفينة، ومعها قوم من المطوّعة قد احتبسوها، فلما رأونا خلّوا عن السفن، وعبروا سلبان عرايا ماضين نحو جوبك. وسقنا السفن حتى وافيناه بها، فلما أتيناه بها أمر فبسط له على نشز من الأرض وقعد، وكان في السفن قوم حجّاج أرادوا سلوك طريق البصرة؛ فناظرهم بقيّة يومه إلى وقت غروب الشمس، فجعلوا يصدقونه في جميع قوله، وقالوا: لو كان معنا فضل نفقة لأقمنا معك، فردّهم إلى سفنهم؛ فلما أصبحوا أخرجهم، فأحلفهم ألّا يخبروا أحدًا بعدّة أصحابه، وأن يقللوا أمره عند من سألهم عنه وعرضوا عليه بساطًا كان معهم، فأبدله ببساط كان معه، واستحلفهم أنه لا مال للسلطان معهم ولا تجارة، فلوا: معنا رجل من أصحاب السلطان، فأمر بإحضاره، فأحضر، فحلف الرجل أنه ليس من أصحاب السلطان، وأنه رجل معه نقل أراد به البصرة، فأحضر صاحب السفينة التي وجد فيها، فحلف له أنه إنما اتّجر فيه، فحمله فخلي سبيله، وأطلق الحجاج فذهبوا، وشرع أهل سليمانان على بيان بإزائه في شرقي النهر؛ فكلمهم أصحابه وكان فيهم حسين الصيدناني الذي كان صحبه بالبصرة؛ وهو أحد الأربعة الذين ظهروا بمسجد عبّاد، فلحق به يومئذ؛ فقال له: لم أبطأت عني إلى هذه الغاية؟ قال: كنت مختفيًا، فلما خرج هذا الجيش دخلت في سواده. قال: فأخبرني عن هذا الجيش، ما هم؟ وما عدّة أصحابه؟ قال: خرج من الخول بحضرتي ألف ومائتا مقاتل، ومن أصحاب الزينبي ألف، ومن البلاليّة والسعديّة زهاء ألفين، والفرسان مائتا فارس. ولما صاروا بالأبلّة وقع بينهم وبين أهلها اختلاف؛ حتى تلاعنوا، وشتم الحول محمد بن أبي عون، وخلفتهم بشاطىء عثمان وأحسبهم مصبّحتك في غد. قال: فكيف يريدون أن يفلوا إذا أتونا؟ قال: هم على إدخال الخيل من سندادان بيان، ويأتيك رجالتهم من جنبّي النهر.
    فلما أصبح وجّه طليعةً ليعرف الخبر، واختاره شيخًا ضعيفًا زمنًا لئلا يعرض له؛ فلم يرجع إليه طليعته. فلمّا أبطًا عنه وجّه فتحًا الحجام ومعه ثلثمائة رجل، ووجّه يحيى بن محمد إلى سندادان، وأمره أن يخرحج في سوق بيان، فجاءه فتح فأخبره أن القوم مقبلون إليه في جمع كثير، وأنهم قد أخذوا جنتي النهر، فسأل عن المد، فقيل: لم يأت بعد، فقال: لم تدخل خيلهم بعد، وأمر محمد بن سلم وعلي بن ابن أن يقعدا لهم في النخل، وقعد هو على جبل مشرف عليهم، فلم يلبث أن طلعت الأعلام والرجال حتى صاروا إلى الأرض المعروفة بأبي العلاء البلخي، وهي عطفة على دبيران، فأمر الزنج فكبروا ثم حملوا عليهم فوافوا بهم دبيران، ثم حمل الخول يقدمهم أبو العباس بن أيمن المعروف بأبي الكباش وبشير القيسي، فتراجع الزنج حتى بلغوا الجبل الذي هو عليه، ثم رجعوا عليهم، فثبتوا لهم، وحمل أبو الكباش على فتح الحجام فقتله، وأدرك غلامًا يال له دينار من السودان فضربه، ضربات، ثم حمل السوادن عليهم، فوافوا بهم شاطئ بيان، وأخذتهم السيوف.
    قال ريحان: فعهدي بمحمد بن سلم وقد ضرب أبا الكباش، فألى نفسيه في الطين، فلحقه بعض الزنج، فاحتز رأسه. وأما علي بن أبان؛ فإنه كان ينتحل قتل أبي الكباش وبشير القيسي، وكان يتحدث عن ذلك اليوم فيول: كان أول من لقبني بشير القيسي، فضربني وضربته، فوقعت ضربته في ترسي، ووقعت ضربتي في صدره وبطنه؛ فانتظمت جوانح صدره، وفريت بطنه، وسقط فأتيته، فاحترزت رأسه. ولقيني أبو الكباش، فشغل بي، وأتاه بعض السودان من ورائه فضربه بعصا كانت في يده على ساقيه؛ فكسرهما فسقط، فأتيته ولا امتناع به، فقتله واحترزت رأسه، فأتيت بالرأسين صاحب الزنج.
    قال محمد بن الحسن بن سهل: سمعت صاحب الزنج يخبر أن عليًا أتاه برأس أبي الكباش ورأس بشير القيسي - قال: ولا أعرفهما - فال: كان هذان يقدمان القوم، فقتلهما فانهزم أصحابهما لما رأوا مصرعهما.
    قال ريحان - فيما ذكر عنه: وانهزم الناس فذهبوا كل مذهب، واتبعهم السودان إلى نهر بيان، وقد جزر النهر، فلما وافوه انغمسوا في الوحل، فقتل أكثرهم. قال: وجعل السودان يمرون بصاحبهم دينار الأسود الذي كان أبو الكباش ضربه، وهو جريح ملقى، فيحسبونه من الخول فيضربونه بالمناجل حتى أثخن، ومر به من عرفه، فحمل إلى صاحب الزنج، فأمر بمداواة كلومه.


  • #70
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    قال ريحان: فلما صار القوم إلى فوهة نهر بيان، وغرق من غرق وأخذت السفن التي كانت فيها الدواب، إذا ملوح يلوح من سفينة، فأتيناه فقال: ادخلوا النهر المعروف بشريكان، فإن لهم كمينًا هناك، فدخل يحيى ابن محمد وعلي بن أبان، فأخذ يحيى في غربي النهر، وسلك علي بن أبان في شرقية؛ فإذا كمين في زهاء ألف من المغاربة، ومعهم حسين الصيداني أسيرًاُ قال: فلما رأونا شدوا على الحسين، فقطعوه قطعًا، ثم أقبلوا إلينا، ومدوا رماحهم، فقاتلوا إلى صلاة الظهر، ثم أكب السودان عليهم فقتلوهم أجمعين، وحووا سلاحهم؛ ورجع السودان إلى عسكرههم؛ فوجدوا صاحبهم قاعدًا على شاطئ بيان، وقد أتى بنيف وثلاثين علمًا وزهاء ألف رأس، فيها رءوس أنجاد الخول وأبطالهم، ولم يلبث أن أتوه بزهير يومئذ.
    قال ريحان: فلم أرفه، فأتى بيحيى وهو بين يديه، فعرفه فقال لي: هذا زهير الخول؛ فما استبقاؤك إياه، فأمر به فضربت عنقه. وأقام صاحب الزنج يومه وليلته، فلما أصبح وجه طليعة إلى شاطئ دجلة، فأتاه طلية، فأعلمه أن بدجلة شذاتين لاصقتين بالجزيرة، والجزيرة يومئذ على فوهة القندل، فرد الطليعة بعد العصر إلى دجلة ليعرف الخبر؛ فلما كان وقت المغرب أتاه المعروف بأبي العباس خال ابنه الأكبر، ومعه رجل من الجند يقال له عمران، وهو زوج أم أبي العباس هذا، فصف لهما أصحابه، ودعا بهما؛ فأدى إليه عمران رسالة ابن أبي عون، وسأله أنيعبر بيانا ليفارق عمله، أنه قد نحى الشذا عن طريقه، فأمر بأخذ السفن التي تخترق بيانا من جبى، فصار أصحابه إلى الحجر، فوجدوا في سلبان مائتي سفينة، فيها أعدل دقيق، فأخذت، ووجد فيها أكسية بركانات، وفيها عشرة من الزنج، وأمر الناس بركوب السفن، فلما جاء المد - وذلك فيوقت المغرب - عبر وعبرأصحابه حيال فوهة الندل، واشتدت الريح، فانقطع عنه من أصحابه المكنى بأبي دلف، وكان معه السفن التي فيها الدقيق، فلما أصبح وافاه أبو دلف أخبره أن الريح حملته إلى حسكك عمران، وأن اهل القرية هموا به، وبما كان معه، فدفعهم عن ذلك0 وأتاه من السودان خمسون رجلا، فسار عند موافاة السفن والسودان إياه حتى دخل القندل، فصار إلى قرية للمعلى بن أيوب، فنزلها، وانبث أصحابه إلى دبا، فوجدوا هناك ثلثمائة رجل من الزنج، فأتوه بهم، ووجدوا وكيلًا للمعلى بنأيوب، فطالبه بمال، فقال: اعبر إلى برسان، فآتيك بالمال، فأطلقه، فذهب ولم يعد إليه؛ فلما أبطأ عليه أمر بانتهاب القرية فانتهبت. قال ريحان - فيما ذكر عنه: فلقد رأيت صاحب الزنج يومئذ ينتهب معنا، ولقد وفعت يدي ويده على جبة صوف مضربة، فصار بعضها في يده وبعضها في يدي، وحعل يجاذبني عليها حتى تركتها له، ثم سار حتى صار إلى مسلخة الزينبي على شاطئ القندل في غربي النهر، فثبت له القوم الذين كانوا في المسلحة؛ وهم يرون أنهم يطيقونه، فعجزوا عنه، فقتلوا أجمعين؛ وكانوا زهاء مائتين، وبات لياته في القصر، ثم غدا في وقت المد قاصدًا إلى سبخة القندل، واكتف أصحابه حافتي النهر حتى وافوا منذران، فدخل أصحابه القرية فانتهبوها، ووجدوا فيها جمعًا من الزنج، فأتوا بهم، ففرقهم على قواده، ثم صار إلى مؤخر القندل، فأدخل السفن النهر المعروف بالحسنى النافذ إلى النهر المعروف بالصالحي؛ وهو نهر يؤدي إلى دبا، فأقام بسبخة هناك.
    فذكر عن بعض أصحابه أنه قال: ها هنا قود القواد؛ وأنكر أن يكون قود قبل ذلك. وتفرق أصحابه في الأنهار حتى صاروا إلى مربعة دبا، فوجدوا رجلا من التمارين من اهل البصرة، يقال له محمد بن جعفر المريدي، فأتوه به، فسلم عليه وعرفه، وسأله عن البلالية، فقال: إنما أتيتك برسالتهم، فلقيني السودان، فأتوك بي، وهم يسألونك شروطًا إذا أعطيتهم إياها سمعوا لك وأطاعوا، فأعطأه ماسأل لهم، وضمن القيام له بأمرهم؛ حتى يصيروا في حيزه، ثم خلى سبيله، ووجه معه من صيره إلى الفياض، ورجع عنه، فأقام أربعة أيام ينتظره؛ فلم يأته، فسار في اليوم الخامس وقد سرح السفن التي كانت معه في النهر، وأخذ هو على الظهر فيما بين نهر يقال له الداورداني والنهر المعروف بالحسنى والنهر المعروف بالصالحى، فلم يتعد حتى رأى خيلا مقبلة من نحو الأمير زهاء ستمأئة فارس، فأسرع أصحابه إلى النهر الداورداني، وكان الخيل في غريبه، فكلموهم طويلًا، وإذا هم قوم من الأعراب فيهم عنترة بن حجنا وثمال، فوجه إليهم محمد بن سلم، فكلم ثمالًا وعنترة، وسأل عن صاحب الزنج، فقال: ها هو ذا، فقال: نريد كلامه، فأتاه فأخبره بقولهما، وقال له: لو كلمتهما! فزجره، وقال: إن هذا مكيدة، وأمر السودان بقتالهم، فعبروا النهر، فعدلت الخيل عن السودان، ورفعوا علمًا أسود، وظهر سليمان أخر الزينبي - وكان معهم - ورجع أصحاب صاحب الزنج، وانصرف القوم، فقال لمحمد بن سلم: ألم أعلمك أنهم إنما أرادوا كيدًا! وسار حتى صار إلى ذبا، وانبث أصحابه في النخل، فجاءوا بالغنم والبقر، فجعلوا يذبحون ويأكلون، وأقام ليلته هناك؛ فلما أصبح سار حتى دخل الأرخنج المعروف بالمطري، وهو أرخنج ينفذ إلى نهر الأمير المقابل للفياض من جانبيه، فوجدوا هناك شهاب بن العلاء العنبري، ومعه قوم من الخول، فأوقعوا به، وأفلت شهاب في نفير ممن كان معه، وقتل من أصحابه جماعة، ولحق شهاب بالمنصف من الفياض، ووجد أصحاب صاحب الزنج ستمائة غلام من غلمان الشورجيين هناك، فأخذوهم، وقتلوا وكلاءهم وأتوه بهم، ومضى حتى انتهى إلى قصر يعرف بالجوهري على السبخة المعروفة بالبرامكة فأقام فيها ليلته تلك، ثم سار حيث أصبح وافى السبخة التي تشرع على النهر المعروف بالديناري، ومؤخرها يفضي إلى النهر المعروف بالمحدث، فأقام بها، وجمع أصحابه، وأمرهم ألا يعجلوا بالذهاب إلى البصرة حتى يأمرهم وتفرق أصحابه في انتهاب كل ما وجدوا، وبات هناك ليلته تلك
    ذكر الخبر عن مسير صاحب الزنج بزنوجه وجيوشه فيها إلى البصرة

    ذكر أنه سار من السبخة التي تشرع على النهر المعروف بالديناري، ومؤخرها يفضي إلى النهر المعروف بالحدث، بعد ما جمع بها أصحابه يريد البصرة؛ حتى إذا قابل النهر المعروف بالرياحي أتاه قوم من السودان، فأعلموه أنهم رأوا في الرياحي بارقةً، فلم يلبث إلا يسيرًا حتى تنادى الزنج السلاح، فأمر علي بن أبان بالعبور إليهم، وكان القوم في شري النهر المعروف بالديناري، فعبر في زهاء ثلاثة آلاف، وحبس صاحب الزنج عنده أصحابه، وقال لعلي: إن احتجت إلى مزيد في الرجال فاستمدني. فلما مضى صاح الزنج السلاح! لحركة رأوها من غير الجهة التي صار إليها على، فسأل عن الخبر، فأخبر أنه قد أتاه قوم من ناحية القرية الشارعة على نهر حرب المعروفة بالجعفرية، فوجه محمد بن سلم إلى تلك الناحية.
    فذكر عن صاحبه المعروف بريحان، أنه قال: كنت فيمن توجه مع محمد، وذلك في وقت صلاة الظهر، فوافينا القوم بالجعفرية، فنشب التال بيننا وبينهم إلى آخر وقت العصر، ثم حمل السودان عليهم حملة صادقة، فولوا منهزمين وقتل من الجند والأعراب وأهل البصرة البلالية والسعدية خمسمائة رجل، وكان فتح المعروف بغلام أبي شيث معهم يومئذ، فولى هاربًا، فاتبعه فيروز الكبير، فلما رآه جادًا في طلبه رماه ببيضة كانت على رأسه، فلم يرجع عنه؛ فرماه بترسه فلم يرجع عنه، فرماه بتنور حديد كان عليه فلم يرجع عنه؛ ووافى به نهر حرب، فألقى فتح نفسه فيه، فأفلت ورجع فيروز، معه ما كان فتح ألقاه من سلاحه؛ حتى أتى به صاحب الزنج.
    قال محمد بن الحسن: قال شبل: حكي لنا أن فتحًا طفر يومئذ نهر حرب، قال: فحدثت هذا الحديث الفضل بن عدي الدرامي، فقال: أنا يومئذ مع السعدية، ولم يكن على فتح تنور حديد، وما كان عليه إلا صدره حرير صفراء، ولقد قاتل يومئذ حتى لم يبق أحد يقاتل، وأتى نهر، حرب فوثبه حتى صار إلى الجانب الغربي منه؛ ولم يعرف ما حكى ريحان من خبر فيروز.
    قال: وقال ريحان: لقيت فيروز قبل انتهائه إلى صاحب الزنج، فاقتص علي قصته وقصة فتح، وأراني السلاح. وأقبل الزنج على أخذ الأسلاب، وأخذت على النهر المعروف بالديناري؛ فإذا أنا برجل تحت نخلة عليه قلنسوة خز، وخف أحمر ودراعة، فأخذته فأراني كتبًا معه، وقال لي: هذه كتبٌ لقوم من أهل البصرة، وجهوني بها، فألقيت في عنقه عمامة، وقدته إليه، وأعلمته خبره، فسأله عن اسمه فقال: أنا محمد بن عبد الله، وأكنى بأبي الليث، من أهل أصبهان؛ وإنما أتيتك راغبًا في صحبتك، فقبله ولم يلبث أن سمع تكبيرًا؛ فإذا علي بن أبان قد وافاه ومعه رأس البلالي المعروف بأبي الليث القواريري.
    قال: وقال شبل الذي قتل أبا الليث القواريري وصيف المعروف بالزهري وهو من مذكوري البلالية، ورأس المعروف بعبدان الكبسي، وكان له في البلالية صوت في رءوس جماعة منهم، فسأله عن الخبر فأخبره أنه لم يكن فيمن قاتله أشد قتالًا من هذين - يعني أبا الليث وعبدان - وأنه هزمهم حتى ألقاهم في نهر نافذ؛ وكانت معهم شذاة فغرقها، ثم جاءه محمد بن سلم ومعه رجل من البلالية أسيرًا، أسره شبل يقال له محمد الأزرق القواريري، ومعه رءوس كثيرة، فدعا الأسير فسأله عن أصحاب هذين الجيشين، فقال له، أما الذين كانوا في الرياحي فإن قائدهم كان أبا منصور الزينبي، وأما الذين كانوا مما يلي نهر حرب، فإن قائدهم كان سليمان أخا الزينبيمن ورائهم مصحرًا، فسأله عن عددهم فقال له: لاأحصيهم، إلا أنى أعلم أنهم كثير عددهم. فأطلق محمد القواريري، وضمه إلى شبل، وسار حتى وافى سبخة الجعفرية، فأقام ليلته بين القتلى؛ فلما أصبح جمع أصحابه فحذرهم أن يدخل أحد منهم البصرة، وسار فتسرع منهم أنكلويه وزريق وأبوالحنجر - ولم يكن قود يومئذ - وسليم ووصيف الكوفي. فوافوا النهر المعروف بالشاذاني، وأتاهم أهل البصرة، وكثروا عليهم؛ وانتهى الخبر إليه، فوجه محمد بن سلم وعلي بن أبان ومشرًا غلام يحيى في خلق كثير، وجاء هو يسايرهم؛ ومعه السفن التي فيعا الدواب المحمولة ونساء الغلمان حتى أقام بقنطرة نهر كثير.
    قال ريحان: فأتيته وقد رميت بحجر، فأصاب ساقي، فسألني عن الخبر فأخبرته أن الحرب قائمة، فأمرني بالرجوع، وأقبل معي حتى أشرف على نهر السيايجة. ثم قال لي: امض إلى أصحابنا، فقل لهم يستأخروا عنهما، فقلت له: ابعد عن هذا الموضع فإني لست آمن عليك الخول. فتنحى، ومضيت فأخبرت القواد بما أمر به، فتراجعوا، وأكب أهل البصرة عليهم، وكانت هزيمة وذلك عند العصر، ووقع الناس في النهرين: نهر كثير ونهر شيطان، فجعل يهتف بهم ويردهم فلا يرجعون، وغرق جماعة من أصحابه في نهر كثير، وقتل منهم جماعة على شط النهر وفي الشاذاني؛ فكان ممن غرق يومئذ من قواده أبو الجون ومبارك البحراني وعطاء البربري وسلام الشأمي، ولحقه غلام أبي شيث وحارث القيسي وسحيل، فعلوا القنطرة، فرجع إليهم وانهزموا عنه حتى صاروا إلى الأرض، وهو يومئذ في دراعة وعمامة ونعل وسيف، وترسه في يده؛ ونزل عن القنطرة وصعدها البصريون يطلبونهن فرجع فقتل منهم بيده رجلًا على خمس مراق من القنطرة، وجعل يهتف بأصحابه ويعرفهم مكانه، ولم يكن بقي معه في ذلك الموضع من أصحابه إلا أبو الشوك ومصلح ورفيق غلام يحيى.
    قال ريحان: فكنت معه فرجع؛ حتى صار إلى المعلى، فنزل في غربي نهر شيطان.
    قال محمد بن الحسن: فسمعت صاحب الزنج يحدث، قال: لقد رأيتني في بعض نهار هذا اليوم؛ وقد ضللت عن أصحابي، وضلوا عني فلم يبق معي إلا مصلح ورفيق، وفي رجلي نعل سندي، وعلي عمامة قد انحل كور منها فأنا أسحبها من ورائي، ويعجلني المشي عن رفعها، ومعي سيفي وترسي. وأسرع مصلح ورفيق في المشي وقصرت، فغابا عني، ورأيت في أثري رجلين من أهل البصرة؛ في يد أحدهما سيف، وفي يد الآخر حجارة، فلما رأياني عرفاني، فجدا في طلبي، فرجعت إليهما، فانصرفا عني، ومضيت حتى خرجت إلى الموضع الذي فيه مجمع أصحابي؛ وكانوا قد تحيروا لفقدي، فلما رأوني سكنوا إلى رؤيتي.


  • #71
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    قال ريحان: فرجع بأصحابه إلى موضع يعرفغ بالمعلي في غربه نهور شيطان، فنزل به، وسأل عغن الرجل؛ فإذا قد هرب كثير منه ونظر فإذا هو من جمي أصحابه في مقدار خمسمائة رجل، فأمر بالنفخ في البوق الذي كانوا يجتمعون فلم يرجع إليه أحد وبات ليلته فلم كان في بعض الليل جاء الملقب بجربان وقد كان هرب فيمن هرب، ومعه ثلاثون غلامًا فسأله: أين كانت غيبته؟ فقال: ذهبت إلى الزواقة طليعةً.
    قال ريحان: ووجهي لأتعرف له من في قنطرة نهر حرب، فلم أجد هناك أحدًا، وقد كان أهل البصرة انتهبوا السفن التي كانت معه، وأخذوا الدواب التي كانت فيها هذا اليوم، وظفروا بمتاع من متاعه، وكتب من كتبه، واصطرلابات كانت معه؛ فلما أصبح من غد هذا اليوم نظر في عدة أصحابه، فإذا هم ألف رجل قد كانوا ثابوا إليه في ليلتهم تلك.
    قال ريحان: فكان فيمن هرب شبل، وكان ناصح الرملي ينكر هرب شبل. قال ريحان: فرجع شبل من غد، ومعه عشرة غلمان، فلامه وعنفه، وسأل عن غلام كان يقال له نادر يكنى بأبي نعجة، وعن عنبر البربري؛ فأخبر أنهما هربا فيمن هرب، فأام في موضعه، وأمر محمد بن سلم أن يصير إلى قنطرة نهر كثير، فيعظ الناس ويعلمهم ما الذي دعاه إلى الخروج، فصار محمد بن سلم وسليمان بن جامع ويحيى بن محمد، فوقف سليمان ويحيى، وعبر محمد بن سلم حتى توسط أهل البصرة، وجعل يكلمهم، ورأو منه غرة فانطووا عليه؛ فقتلوه.
    قال الفضل بن عدي: عبر محمد بن سلم إلى أهل البصرة ليعظهم وهم مجتمعون في أرض تعرف بالفضل بن ميمون؛ فكان أول من بدر إليه وضربه بالسيف فتحٌ غلام أبي شيث، وأتاه ابن التومني السعدي، فاحتز رأسه، فرجع سليمان ويحيى إليه، فأخبراه الخبر، فأمرهما بطي ذلك عن الناس حتى يكون هو الذي يقوله لهم، فلما صلى العصر نعى محمد بن سلم لأصحابه، وعرف خبره من لم يكن عرفه، فقال لهم: أنكم تقتلون به في غد عشرة آلاف من أهل البصرة. ووجه زريقًا وغلامًا له يقال له سقلبتويا، وأمرهما بمنع الناس من العبور؛ وذلك في يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة خمس وخمسين ومائتين. قال محمد بن الحسن: فحدثني محمد بن سمعان الكاتب، قال: لما كان في يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة جمع له أهل البصرة، وحشدوا له لما رأوا من ظهورهم عليه في يوم الأحد، وانتدب لذلك رجل من أهل البصرة يعرف بحماد الساجي - وكان من غزاة البحر - في الشذا، وله علم بركوبها والحرب فيها، فجمع المطوعة ورماة الأهداف وأهل المسجد الجامع ومن خف معه من حزبى البلالية والسعدية، ومن أحب النظر من غير هذه الأصناف من الهاشميين والقرشيين وسائر أصناف الناس، فشحن ثلاثة مراكب من الشذا من الرماة، وجعلوا يزدحمون في الشذا حرصًا على حضور ذلك المشهد، ومضى جمهور الناس رجالة، منهم من معه السلاح، ومنهم نظارة لا سلاح معهم، فدخلت الشذا والسفن النهر المعروف بأم حبيب بعد زوال الشمس من ذلك اليوم في المد. ومرت الرجالة والنظارة على شاطئ النهر، قد سدوا ما ينفذ فيه البصر تكاثفًا وكثرة، وكان صاحب الزنج مقيمًا بموضعه من النهر المعروف بشيطان. قال محمد بن الحسن: فأخبرنا صاحب الزنج أنه لما أحس بمصير الجمع إليه، وأتته طلائعه بذلك وجه زريقًا وأبا الليث الأصبهاني في جماعة معهما في الجانب الشرقي من النهر كمينًا وشبلًا وحسينًا الحمامي في جماعة من أصحابه في الجانب الغربي بمثل ذلك، وأمر علي بن أبان ومن بقي معه من جمعه بتلقى القوم، وأن يجثوا لهم فيمن معه، ويستتروا بتراسهم فلا يثور إليهم منهم ثائر حتى يوافيهم القوم ويوموا إليهم بأسيافهم؛ فإذا فعلوا ذلك ثاروا إليهم. وتقدم إلى الكمينين: إذا جاوزهما الجمع وأحسا بثورة أصحابهم إليهم أن يخرجا من جنبى النهر، ويصيحا بالناس. وأمر نساء الزنج بجمع الآجر وإمداد الرجال به.
    قال: وكان يقول لأصحابه بعد ذلك: لما أقبل إلي الجمع يومئذ وعاينته رأيت أمرًا هائلًا راعني، وملأ صدري رهبة وجزعًا، وفزعت إلى الدعاء، وليس معي من أصحابي إلا نفر يسير؛ منهم مصلح؛ وليس منا أحد إلا وقد خيل له مصرعه في ذلك. فجعل مصلح يعجبني من كثرة ذلك الجمع، وجعلت أومى إليه أن يمسك فلما قرب القوم مني قلت: اللهم إن هذه ساعة العسرة، فأعني، فرأيت طيورًا بيضًا تلقت ذلك الجمع، فلم أستتم كلامي حتى بصرت بسميرية قد انقلبت بمن فيها، فغرقوا ثم تلتها الشذا، وثار أصحابي إلى القوم الذين قصدوا لهم فصاحوا بهم. وخرج الكمينان عن جنبتي النهر من وراء السفن والرجالة، وخبطوا من ولي من الرجالة والنظارة الذين كانوا على شاطئ النهر المعروف، فغرقت طائفة، وقتلت طائفة، وهربت طائفة نحو الشط طمعًا في النجاة، فأدركها السيف؛ فمن ثبت قتل، ومن رجع إلى الماء غرق، ولجأ من كان على شاطئ النهر من الرجالة إلى النهر فغرقوا وقتلوا، حتى أبير أكثر ذلك الجمع، ولك ينج منهم إلا الشريد، وكثر المفقودون بالبصرة، وعلا العويل من نسائهم وهذا يوم الشذا الذي ذكره الناس، وأعظموا ما كان فيه من القتل. وكان فيمن قتل من بني هاشم جماعة من ولد جعفر بن سليمان وأربعون رجلًا من الرماة الشمهورين؛ في خلق كثير لا يحصى عددهم وانصرف الخبيث وجمعت له الرءوس، فذهب إليه جماعة من أولياء القتلى، فعرضها عليهم، فأخذوا ما عرفوا منها، وعبأ ما بقي عنده من الرءوس التي لم يأت لها طالب في جريبية ملأها منها، وأخرجها من النهر المعروف بأم حبيب في الجزر، وأطلقها. فوافت البصرة، فوقفت في مشرعة القيار، فجعل الناس يأتون تلك الروءس، فيأخذ رأس كل رجل أولياؤه، وقوى عدو الله بعد هذا اليوم، وتمكن الرعب في قلوب أهل البصرة منه، وأمسكوا عن حربه. وكتب إلى السلطان بخبر ما كان منه، فوجه جعلان التركي مددًا لأهل البصرة، وأمر أبا الأحوص الباهلي بالمصير إلى الأبلة واليًا، وأمده برجل من الأتراك يقال له جريح.
    فزعم الخبيث أن أصحابه قالوا له بعقب هذه الوقعة: إنا قد قتلنا مقاتلة أهل البصرة، ولم يبق فيها إلا ضعفاؤهم ومن لا حراك به، فأذن لنا في تقحمها. فزبرهم وهجن آراءهم، وقال لهم: لا بل ابعدوا عنها؛ فقد أرعبناهم وأخفناهم وأمنتم جانبهم؛ فالرأي الآن أن تدعوا حربهم حتى يكونوا هم الذين يطلبونكم. ثم انصرف بأصحابه إلى سبخة بمآخير أنهارهم، إردب يقارب النهر المعروف بالحاجر. قالشبل: هي سبخة أبي قرة وقعها بين النهرين: نهر أبي قرة والنهر المعروف بالحاجر.
    فأقام هناك، وأمر أصحابه باتخاذ الأكواخ، وهذه السيخة متوسطة النخل والقرى والعمارات، وبث أصحابه يمينًا وشمالًا يغير بهم على القرى، ويقتل بهم الأكرة وينهب أموالهم، ويسوق مواشيهم.
    فهذا ما كان من خبره وخبر الناس الذين قربوا من موضع مخرجه في هذه السنة.
    ولليلتين بقيتا من ذي القعدة منها حبس الحسن الحسن بن محمد بن أبي الشوارب القاضي، وولي عبد الرحمن بن نائل البصري قضاء سامرا في ذي الحجة منها.
    وحج بالناس فيها علي بن الحسن بن إسماعيل بن العباس بن محمد علي.
    ثم دخلت سنة ست وخمسين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث الجليلة
    ذكر الخبرعن وصول موسى بن بغا إلى سامرا واختفاء صالح

    فمن ذلك ما كان من موافاة موسى بن بغا سامرا واختفاء صالح بن وصيف لمقدمه، وحمل من كان مع موسى من قواد المهتدى من الجوسق إلى دار ياجور.
    ذكر أن دخول موسى بن بغا سامرا بمن معه كان يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم من هذة السنة؛ فلما دخلها أخذ في الحير، وعبأ أصحابه ميمنة وميسرة وقلبًا في السلاح، حتى صار إلى باب الحيرمما يلي الجوسق والقصر الأحمر؛ وكان ذلك يومًا جلس فيه المهتدى للناس للمظالم؛ فكان ممن أحضره في ذلك اليوم بسبب المظالم أحمد بن المتوكل بن فتيان؛ فكان في الدار إلى أن دخل الموالي، فحملوا المهتدى إلى دار ياجور، واتبعه أحمد بن المتوكل إلى ما هنالك، فلم يزل موكلًا به في مضرب مفلح إلى أن انقطع الأمر، ورد المهتدى إلى الجوسق، ثم أطلق. وكان القيم بأمر دارالخلافة بايكباك، فصيرها إلى ساتكين قبل ذلك بأيام، فظن الناس أنه إنما فعل ذلك لثقيه بساتكين، وأنه على أن يغلب على الدار والخليفة وقت قدوم موسى، فلما كان في ذلك اليوم لزم منزله، وترك الدار خالية، وصار موسى في جيشه إلى الدار، والمهتدى جالس للمظالم، فأعلم بمكأنه، فأمسك ساعة عن الإذن، ثم أذن لهم، فدخلوا فجرى من الكلام نحو ماجرى يوم قدم الوفد والرسل، فلما طال الكلام تراطنوا فيما بينهم بالتركية، وأقاموه من مجلسه، وحملوه على دابة من دواب الشاكرية، وانتهبوا ما كان في الجوسق من دواب الخاصة، ومضوا يريدون الكرخ، فلما صاروا عند باب الحير في القطائع عند دار ياجور أدخلوه دار ياجور فذكر عن بعض الموالي ممن حضرهم ذلك اليوم، أن سبب أخذهم المهتدى ذلك اليوم كان أن بضهم قال لبعض: إ هذه المطاولة إما هي حيلة عليكم حتى يكبسكم صالح بن وصيف بجيشه. فخافوا ذلك، فحملوه وذهبوا به إلى الموضع الآخر؛ فذكر عمن سمع المهتدي يقول لموسى: ما تريد ويحك! اتق الله وخفه؛ فإنك تركب أمرًا عظيمًا. قال: فرد عليه موسى: إنا ما نريد إلا خيرًا، ولا وتربة المتوكل لا ناتلك منا شر البتة.
    قال الذي ذكر ذلك: فقلت في نفسي: لو أراد خيرًا لحلف بتربا المتصم أو الواثق.
    ولما صاروا به إلى دار ياجور أخذوا عليه العهود والمواثيق إلا يمايل صالحًا عليهم، ولا يضمر لهم إلا مثل ما يظهر؛ ففعل ذلك، فجددوا له البيعة ليلة الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم، وأصبحوا يوم الثلاثاء، فوجهوا إلى صالح أن يحضرهم للمناظرة، فوعدهم أن يصير إليهم.
    فذكر عن بعض رؤساء الفراعنة، أنه يل له، ما الذي تطالبون به صالح ابن وصيف؟ فقال: دماء الكتاب وأموالهم ودم المعتز وأمواله وأسبابه. ثم أقبل القوم على إبرام الأمور وعسكرهم خارج باب الحير عند باب ياجور؛ فلما كانت ليلة الأربعاء استتر صالح؛ فذكر عن طلمجور أنه قال: لما كانت ليلة الأربعاء اجتمعنا عند صالح، وقد مر أن يفرق أرزاق أصحاب النوبة عليهم، فقال لبعض من حضره: اخرج فأعرض من حضر من الناس، فكانوا بالغداة زهاء خمسة آلاف، قال: فعاد إليه، وقال: يكونون ثمانمائة رجل، أكثرهم غلمانك ومواليك، فأطرق مليًا، ثم قام وتركنا، ولم يأمر بشئ وكان آخر العهد.


  • #72
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    وذكر عمن سمع بختيشوع يقول وهو يعرض بصالح قبل قدوم موسى.
    حركنا هذا الجيش الخشن، وأرغمناه، حتى إذا أقبل إلينا تشاغلنا بالنرد والشرب، كأنا بنا وقد اختفينا إذا ورد القاطول! فكان الأمر كذلك.
    وغدا طغتا إلى باب ياجور سحر يوم الأربعاء فلقيه مفلح، فضربه بطبرزين، فشجه في جانب جنبيه الأيمن، فكان الذين أقاموا مع صالح الليلة التي استتر فيها من القواد الكبار طغتا بن الصيغون وطلمجور صاحب المؤيد ومحمد بن تركش وخموش والنوشري، ومن الكتاب الكبار أبو صالح عبد الله ابن محمد بن يزداد وعبد الله بن منصور وأبو الفرج. وأصبح الناس يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من المحرم وقد استتر صالح، وغدا أبو صالح إلى دار ياجور، وجاء عبد الله بن منصور، فدخل الدار مع سليمان بن وهب، وتنصح إليهم أن عنده سفاتج بخمسة آلاف دينار.
    وذكر أن صالحًا أراد على حملها، فأبى أن يقر الأمر قراره.
    وخلع في هذا اليوم على كنجور ليتولى أمر دار صالح وتفتيشها، ومضى ياجور صاحب موسى فأتى بالحسن بن مخلد من الموضع الذي كان فيه محبوسًا من دار صالح.
    وفي هذا اليوم من هذا الشهر ولى سليمان بن عبد الله بن طاهر مدينة السلام والسواد، ووجه إليه بخل، وزيد على ما كان يخلع على عبيد الله بن عبد الله بن طاهر.
    وفيه رد المهتدي إلى الجوسق، ودفع عبد الله بن محمد بن يزداد إلى الحسن ابن مخلد.
    وفيه أظهر النداء على صالح.
    ذكر الخبر عن قتل صالح بن وصيف

    ولثمان من صفر من هذه السنة قتل صالح بن وصيف.
    ذكر الخبر عن سبب قتله وسبب الوصول إليه بعد اختفائه
    ذكر أن سبب ذلك كان أن المهتدي لما كان يوم الأربعاء لثلاث بقين من المحرم سنة ست وخمسين ومائتين أظهر كتابًا، ذكر أن سيما الشرابي زعم أن امرأة جاءت به مما يلي القصر الأحمر، ودفعته إلى كافور الخادم الموكل بالحرم، وقالت له: إن فيه نصيحة، وإن منزلي في موضع كذا فإن أردتموني فاطلبوني هناك، فأوصل الكتاب إلى المهتدي، فلما طلبت في الموضع الذي وصفت حين احتيج إلى بحثها عن الكتاب لم توجد، ولم يعرف لها خبر.
    وقد ذكر أن المهتدي أصاب ذلك الكتاب، ولم يدر من رمى به، فذكر أن المهتدي دعا سليمان بن وهب بحضرة جماعة من الموالي فيهم موسى ابن بغا ومفلح وبايكباك وياجور وبكالبا وغيرهم؛ فدفع الكتاب إلى سليمان، وقال له: تعرفهذا الخط؟ قال: نعم، هذا خط صالح بن وصيف فأمره أن يقرأه عليهم، فإذا صالح يذكر فيه أنه مستخلف بسامرا، وأنه إنما استتر متخيرًا للسلامة وإبقاء على الموالي، وخوفًا من إيصال الفتن بحرب إن حدثت بينهم، وقصدًا لأن يبيت القوم، ويكون ما يأتونه بعد بصيرة مما ذكر في هذا الباب.
    ثم ذكر ما صار إليه من أموال الكتاب، وقال: إن علمتم ذلك عند الحسن ابن مخلد، وهو أحدهم، وهو في أيديكم. ثم ذكر من وصل إليه ذلك المال وتولى تفريقه، وذكر ما صار إليه من أمر قبيحة، وأشار إلى أن علم ذلك عند أبي صالح بن يزداد وصالح العطار، ثم ذكر أشياء في هذا المعنى، بعضها يتذر به وبعضها يحتج به، ومخرج القول في ذلك يدل على قوة في نفسه.
    فلما فرغ سليمان من قراءة الكتاب وصله المهتدي بقول منه يحث على الصلح والهدنة والألفة والاتفاق، ويكره إليهم الفرقة والتفاني والتباغض، فدعا ذلك القوم إلى تهمته، وأنه يعلم بمكان صالح، وأنه يتقدمهم عنده، فكان بينهم في ذلك، كلام كثير ومناظرات طويلة، ثم أصبحوا يوم الخميس لليلتين بقيتا من المحرم سنة ست وخمسين ومائتين، فصاروا جميعًا إلى دار موسى بن بغا في داخل الجوسق يتراطنون ويتكلمون. واتصل الخبر بالمهتدي.
    فذكر عن أحمد بن خاقان الواثقي أنه قال: من ناحيتي انتهى الخبر إلى المهتدي؛ وذلك أنى سمهت بعض من كان حاضر المجلس وهو يقول: أجمع القوم على خلع الرجل.
    قال: فصرت إليه أخيه إبراهيم، فأعلمته بذلك، فدخل عليه فأعلمه ذلك، وحكاه عني؛ فلم أزل خائفًا أن يعجل أمير المؤمنين فيخبرهم عني بالخبر، فرزق الله السلامة.
    وذكر أن أخا بايكباك قال لهم في هذا المجلس لما أطلعوه على ما كانوا عزموا عليه: إنكم قتلتم ابن المتوكل، وهو حسن الوجه، سخى الكف، فاضل النفس، وتريدون أن تقتلوا هذا وهو مسلم يصوم ولا يشرب النبيذ من غير ذنب! والله لئن قتلتم هذا لألحقن بحراسان، ولأشيعن أمركم هناك.
    فلما اتصل الخبر بالمهتدي خرج إلى مجلسه متقلدًا سيفًا، وقد لبس ثيابًا نظافًا، وتطيب، ثم أمر بإدخالهم إليه، فأبوا ذلك مليًا، ثم دخلوا عليه، فقال لهم: إنه قد بلغني ما أنتم عليه من أمري؛ ولست كمن تقدمني مثل أحمد بن محمد المستعين، ولا مثل ابن قبيحة؛ والله ما خرجت إليكم إلا وأنا متحنط، وقد أوصيت إلى أخي بولدي، وهذا سيفي؛ والله لأضربن به ما استمسك قائمة بيدي؛ والله لئن سقط من شعري من شعرة ليهلكن أو ليذهبن بها أكثركم. أما دين! أما حياء! أما رعة! كم يكون هذا الخلاف على الخلفاء والإقدام والجرأة على الله! سواء عليكم من قصد الإبقاء عليكم ومن كان إذا بلغه مثل هذا عنكم دعا بإرطال الشراب فشربها مسرورًا بمكروهكم وحبًا لبواركم! خبروني عنكم؛ هل تعلمون أنه وصل إلي من دينايكم هذه شيء! أما إنك تعلم يا بايكباك أن بعض المتصلين بك أيسر من جماعة إخوتي وولدي؛ وإن أحببت أن تعرف ذلك فانظر: هل ترى في منازلهم فرشًا أو وصائف أو خدمًا أو جواري! أو لهم غلات! سوءة لكم! ثم تقولون: إني أعلم علم صالح، وهل صالحٌ إلا رجل من الموالى، وكواحد منكم! فكيف الإقامة معه إذا ساء رأيكم فيه! فإن آثرتم الصلح كان ذلك ما أهوى لجمعكم، وإن أبيتم إلا الإامة على ما أنتم عليه فشأنكم؛ فاطلبوا صالحًا، ثم ابلغوا شفاء أنفسكم؛ وأما أنا فما أعلم علمه. قالوا: فاحلف لنا على ذلك. قال: أما اليمين فإني أبذلها لكم؛ ولكني أؤخرها حتى تكون بحضرة الهاشميين والقضاة والمعدلين وأصحاب المراتب غدًا إذا صليت الجمعة. فكأنهم لانوا قليلًا، ووجه في إحضار الهاشميين فحضروا في عيشتهم، فأذن لهم، فسلموا ولم يذكر لهم شيئًا، وأمروا بالمصير إلى الدار لصلاة الجمعة، فانصرفوا، وغدا الناس يوم الجمعة ولم يحدثوا شيئًا، وصلى المهتدي وسكن الناس وانصرفوا هادنين.
    وذكر عن بعض من سم الكلام في يوم الأربعاء يقول: إن المهتدي لما خون صالح قال: إن بايكباك قد كان حاضرًا ما عمل به صالح في أمر الكتاب ومال ابن قبيحة، فإن كان صالح قد أخذ من ذلك شيئًا فقد أخذ مثل ذلك بايكباك؛ فكان ذلك الذي أحفظ بايكباك.
    وقال آخر: إنه سمع هذا القول، وإنه ذكر محمد بن بغا، وقال: قد كان حاضرًا والمًا بما أجروا عليه الأمر، والشريك في ذلك أجمع. فأحفظ ذلك أبا نصر.
    وقد قيل: إن القوم من لدن قدم موسى كانوا مضمرين هذا المعنى، منطوين على الغل؛ وإنما كان يمنعهم منه خوف الاضطراب ولة الأموال؛ فلما ورد عليهم مال فارس والأهواز تحركوا، وكان ورود ذلك عليهم يوم الأربعاء لثلاث بين من المحرم، ومبلغه سبعة عشر ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم.
    ذكر الخبر عن خروج العامة على المهتدي

    فلما كان يوم السبت انتشر الخبر في العامة أن القوم على أن يخلعوا المهتدي ويفتكوا به، وأنهم أرادوه على ذلك، وأرهقوه، وكتبوا الرقاع وألقوها في المسجد والطرقات فذكر بعض من زعم أنه قرأ رقعة منها فيه: بسم الله الرحم الرحيم، يا معشر المسلمين، ادعوا الله لخليفتكم العدل الرضى المضاهي لعمر بن الخطاب أن ينصره على عدوه، ويكفيه مؤنة ظالمه، ويتم النعمة عليه وعلى هذه الأمة ببقائه؛ فإن الموالي قد أخذوه بأن يخلع نفسه وهو يعذب منذ أيام، والمدبر لذلك أحمد بن محمد ثوابة والحسن بن مخلد، رحم الله من أحدخلص النية ودعا وصلى على محمد ! فلما كان يوم الأربعاء لأربع خلون من صفر من هذه السنة، تحرك الموالي بالكرخ والدور، ووجهوا إلى المهتدى على لسان رجل منهم يقال له عيسى: إنانحتاج أن نلقى إلى أمير المؤمنين شيئًا، وسألوا أن يوجه أمير المؤمنين إليهم أحد إخوته، فوجه إليهم أخاه عبد الله أبا القاسم، وهو أكبر إخوته، ووجه معه محمد بن مباشر المعرف بالكرخي، فمضياإليهم، فسألاهم عن شأنهم، فذكروا أنهم سامعون مطيعون لأمير المؤمنين، وأنه بلغهم أنموسى ان بغا وبايكباك وجماعة من قوادهم يريدونه على الخلم، وأنهم يبذلون دماءهم دون ذلك، وأنهم قد قرءوا بذلك رقاعًا ألقيت في المسجد والطرقات، وشكوا مع ذلك سوء حالهم، وتأخر أرزاقهم، وما صار الإقطاعات إلى قوادهم التي قد أجحفت بالضياع والخراج، وما صار لكبرائهم من المعاون والزيادات من الرسوم القديمة مع أرزاق النساء والدخلاء الذين قد استغرقوا أكثر أموال الخراج. وكثر كلامهم في ذلك، فقال لهم أبو القاسم عبد الله ابن الواثق: اكتبوا هذا في كتاب إلى أمير المؤمنين، أتولى إيصاله لكم! فكتبوا ذلك، وكاتبهم في الذي يكتبون محمد بن ثقيف الأسود؛ وكان يكتب لعيسى صاحب الكرخ أحيانًا. وانصرف أبو القاسم ومحمد بن مباشر، فأوصلا الكتاب إلى المهتدي، فكتب جوابه بخطه، وختمه بخاتمه، وغدا أبو القاسم الكرخ، فوافاهم فصاروا به إلى دار أشناس وقد صيروها مسجدًا جامعًا لهم، فوقف ووقفوا له في الرحبة، واجتمع منهم زهاء مائة وخمسين فارسًا ونحو من خمسمائة راجل، فأقرأهم من المهتدي السلام، وقال: يقول لكم أمير المؤمنين: هذا كتابي إليكم بخطي وخاتمي، فاسمعوه وتدبروه، ثم دفع الكتاب إلى كاتبهم فقرأه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا، أرشدنا الله وإياكم، وكان لنا ولكم وليًا وحافظًا، فهمت كتابكم، وسرني ما ذكرتم من طاعتكم وما أنتم عليه؛ فأحسن الله جزاءكم، وتولى حياطتكم؛ فأما ما ذكرتم من خلتكم وحاجتكم؛ فعزيز على ذلك فيكم، ولوددت والله أن صلاحكم يهيًا بألا آكل ولاطعم ولدي وأهلي إلا القوت الذي لا شب دونه، ولا ألبس أحدًا من ولدي إلا ما ستر العورة، ولا والله - حاطكم الله ما صار إلى منذ تقلدت أمركم لنفسي وأهلي وولدي ومتقدمي غلماني وحشمي إلا خمسة عشر ألف دينار وأنتم تقفون على ما ورد ويرد كل ذلك مصروف إليكم، غير مدخر عنكم. وأما ما ذكرتم مما بلغكم، وقرأتم به الرقاع التي ألقيت في المساجد والطرق، وما بذلتم من أنفسكم؛ فأنتم أهل ذلك. وأين تعتذرون مما ذكرتم ونحن وأنتم نفس واحدة! فجزاكم الله عن أنفسكم وعهودكم وأمانتكم خيرًا. وليس الأمر كما بلغكم، فعلي ذلك فليكن عملكم إن شاء الله. وأما ما ذكرتم من الإقطاعات والمعاون وغيرها، فأنا أنظر في ذلك وأصير منه إلى محبتكم إن شاء الله والسلام عليكم. أرشدنا الله وإياكم، وكان لنا ولكم حافظًا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.

  • صفحة 18 من 28 الأولىالأولى ... 81617181920 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثامن)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 40
      آخر مشاركة: 09-01-2010, 05:38 AM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 80
      آخر مشاركة: 08-15-2010, 11:10 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 72
      آخر مشاركة: 08-14-2010, 11:05 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1