[ تتمة تجارب العصر الأموي ]

[ تتمة خلافة يزيد بن عبد الملك ]

بسم الله الرّحمن الرّحيم وحسبنا الله ونعم الوكيل الحمد لله ربّ العالمين، وصلواته على محمّد النّبيّ وآله الأخيار أجمعين
ودخلت سنة أربع ومائة

فغزا الحرشيّ وقطع النّهر وعرض النّاس، ثم سار فنزل قصر الرّيح على فرسخين من الدّبوسية ولم يجتمع إليه جنده، وأمر النّاس بالرّحيل.
فقال له هلال بن عليم الحنظلي:
« يا هناه، إنّك وزيرا خير منك أميرا. إنّ الأرض حرب شاغرة برجلها، ولم يجتمع لك جندك، وقد أمرت بالرّحيل. » قال:
« فكيف لي؟ » قال:
« تأمر بالنّزول. » فقبل ونزل.
وخرج ابن عمّ لملك فرغانة يقال له السّلار إلى الحرشيّ، فقال له:
« إنّ أهل السّغد بخجندة. » وأخبره خبرهم وقال:
« عاجلهم قبل أن يصيروا إلى الشّعب، فليس علينا لهم جوار حتى يمضى الأجل. »
فوجّه الحرشيّ مع السّلار عبد الرّحمن القشيري في جماعة، ثم ندم بعد ما فصلوا، وقال:
« جاءني علج لا أدري صدقنى أم كذبني، فغررت بجند من المسلمين. » وارتحل في أثرهم حتى نزل بأسروشنة، فصالحهم على شيء يسير، وسار جادّا مغذّا حتى لحق القشيريّ بعد ثالثة، وسار حتى انتهى إلى خجندة، فاستشار الفضل بن بسّام وقال:
« ما ترى؟ » قال:
« أرى المعاجلة. » قال:
« لكني لا أرى ذلك، إن جرح رجل فإلى من يرجع، أو قتل قتيل إلى من يحمل؟ ولكني أرى النّزول والتّأنّى، والاستعداد للحرب. » فنزل، ورفع الأبنية، وأخذ في التّأهب، فلم يخرج أحد من الغد، فجبّن النّاس يومئذ الحرشيّ وقالوا:
« كان هذا يذكر رأيه وبأسه بالعراق، فلمّا صار إلى خراسان ماق. » فحمل رجل من العرب، فضرب بعمود باب خجندة حتى فتح الباب، وقد كانوا حفروا في ربضهم وراء الباب الخارج خندقا، وغطّوه بقصب وعلّوه بالتّراب مكيدة، وأرادوا، إذا التقوا، إن انهزموا، أن يكونوا قد عرفوا الطّريق، ويشكل على المسلمين، فسقطوا في الخندق. فلمّا خرجوا قاتلوهم وأخطئوا هم الطّريق، فسقطوا في الخندق دهشا فأخرجوا من الخندق أربعين رجلا على الرّجل درعان درعان. وحصرهم الحرشيّ ووضع عليهم المجانيق.
فأرسلوا إلى ملك فرغانة:
« غدرت بنا. » وسألوه النّصر. فقال:
« أغدر ولا أنصركم. فانظروا لأنفسكم، فقد أتوكم قبل انقضاء الأجل، ولستم في جواري. » فلمّا يئسوا من نصره طلبوا الصّلح وسألوا الأمان، وأن يردّهم إلى السّغد.
فاشترط عليهم أن يردّوا ما في أيديهم من نساء العرب وذراريّهم، وأن يؤدّوا ما كسروا من الخراج، ولا يغتالوا أحدا، ولا يتخلّف منهم بخجندة أحد، فإن أحدثوا حدثنا حلّت دماؤهم.
فخرج إليه كارذنج. فقال له:
« إنّ لي إليك حاجة أحبّ أن تشفعني فيها. » قال:
« ما هي؟ » قال:
« أحبّ، إن جنى منهم رجل جناية بعد الصّلح، ألّا تأخذنى بما جنى. » فقال الحرشيّ:
« ولى حاجة فاقضها. » قال:
« وما هي؟ » قال:
« لا تلحقنّ في شرطي ما أكره. » ثم أخرج التّجّار والملوك من الجانب الشّرقيّ، وترك أهل خجندة الّذين هم أهلها على حالهم.
فقال كارذنج للحرشيّ:
« ما تصنع؟ » قال:
« أخاف عليك معرّة الجند. » فكان عظماؤهم مع الحرشيّ في العسكر، ونزلوا على معارفهم في الجند، ونزل كارذنج على أيّوب بن أبي حسّان.
وبلغ الحرشيّ أنّهم قتلوا امرأة من نساء كنّ في أيديهم. فقال لهم:
« بلغني أنّ ثابتا صاحب اشتيخنج قتل امرأة ودفنها تحت حائط. » فجحدوا. فأرسل الحرشيّ إلى قاضى خجندة، فنظروا، فإذا المرأة مقتولة.
فدعا الحرشيّ بثابت وأرسل كارذنج غلامه إلى باب السّرادق ليأتيه بالخبر، وسأل الحرشيّ ثابتا وغيره عن المرأة، وكان الحرشيّ تيقّن أنّه قتلها من جهات، فقتله. فرجع غلام كارذنج إليه بقتل ثابت. فجعل يعضّ على لحيته ويقرضها بأسنانه، وخاف كارذنج أن يستعرضهم الحرشيّ، فقال لأيّوب بن أبي حسّان:
« إني ضيفك وصديقك، ولا يجمل بك أن تقتل ضيفك في سراويل خلق ربما بدا منه عورته. » قال:
« فخذ سراويلي. » قال:
« وهذا أيضا لا يجمل، أقتل في سراويلاتكم! ولكن سرّح غلامي إلى ابن أخي يجيئني بسراويل جديد. »
وكان قال لابن أخيه:
« إذا أرسلت إليك أطلب سراويلا، فاعلم أنّه القتل. » فلمّا بعث بالسّراويل، أخرج قديدة خضراء، فقطّعها عصائب، وعصبها برؤوس شاكريّته. ثم خرج هو وشاكريّته، فاعترض النّاس، فقتل خلقا وتضعضع العسكر، ولقي النّاس منه شرّا، حتى انتهى إلى ثابت بن عثمان بن مسعود في طريق ضيّق، فقتله ثابت. وكان في أيدى السّغد أسرى من المسلمين، فقتلوا خمسين ومائة، وأفلت منهم غلام، فأخبر الحرشيّ، فأرسل من علم علمهم، فوجد الخبر حقّا، فأمر بقتل من عنده، وعزل التّجّار عنهم، وكان التّجار أربعمائة، كان معهم مال عظيم قدموا به من الصّين. فامتنع أهل السّغد، ولم يكن لهم سلاح، فقاتلوا بالخشب، فقتلوا عن آخرهم. فكان عدد الحرّاثين خاصّة سبعة آلاف.
ثم أرسل من يحصى أموال التّجّار، وكانوا اعتزلوا وقالوا: لا نقاتل.
فاصطفى أموال السّغد وذراريّهم، فأخذ منه كلّ ما أعجبه. ثم دعا مسلم بن بديل العدويّ، فقال:
« قد ولّيتك المقسم. » فقال:
« بعد ما عمل فيه عمّالك ليلة؟ ولّه غيري. » فولّاه عبيد الله بن زهير بن حيّان العدويّ، فأخرج الخمس وقسم الأموال، وكتب الحرشيّ إلى يزيد بن عبد الملك ولم يكتب إلى عمر بن هبيرة.
وكان هذا ممّا وجد عليه فيه عمر بن هبيرة.
عجيب ما حكى في تلك الحال

فمن عجيب ما حكى في تلك الحال أنّ رجلا اشترى جونة بدرهمين من صاحب الأقباض، فانصرف بها. فلمّا حلّها، وجد فيها سبائك ذهب، فرجع وهو واضع يده على وجهه وكأنّه رمد. فردّ الجونة وأخذ الدّرهمين. ثم طلب، فلم يوجد.
فتح قلعة

وسرّح الحرشيّ سليمان بن أبي السّريّ، وهو مولى لبنى عوافة، الى قلعة ليفتحها. وكان يمرّ بوادي السّغد من وجه واحد، وأنفذ معه خوارزم شاه، وشوكر بن ختلّ، وعودم صاحب أجرون. فوجّه سليمان بن أبي السّريّ على مقدّمته المسيّب بن بشر الرياحيّ. فتلقّاه أصحاب القلعة على فرسخ، فقاتله، فهزمهم المسيّب، حتى ردّهم إلى القلعة، فحصرهم سليمان ودهقانها يقال له: ديوشتى فكتب الحرشيّ إلى سليمان يعرض عليه المدد. فأرسل إليه:
« ملتقانا ضيّق، فسر أنت إلى كسّ، فأنا في كفاية إن شاء الله. ».
فلمّا طال الحصار على ديوشتى، طلب النّزول في أمان. فقال سليمان: