صفحة 22 من 23 الأولىالأولى ... 1220212223 الأخيرةالأخيرة
النتائج 85 إلى 88 من 91

الموضوع: ذاكرة جسد - للروائية أحلام


  1. #85
    مشرف أخــبار متنوعة ( غريب جدا جرائم وحوادث طرائف ألخ) في كل أنحاء العالم
    الحالة : Don.Ayman غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 1026
    الدولة: U.A.E - DUBAI
    العمل: محاسب
    المشاركات: 3,321
    الحالة الإجتماعية: اعزب
    معدل تقييم المستوى : 257
    Array

    قررت هكذا أن أتركك بلا اسم. هنالك أسماء لا تستحقالذكر.

    لنفترض أنك امرأة كان اسمها "حياة"، وربما كان لها اسم آخر.. فهل مهماسمك حقاً؟

    وحدها أسماء الشهداء غير قابلة للتزوير، لأن من حقهم علينا أننذكرهم بأسمائهم كاملة. كما من حق هذا الوطن علينا أن نفضح من خانوه، وبنوا مجدهمعلى دماره، وثروتهم على بؤسه، مادام لا يوجد هناك من يحاسبهم.

    وأدري.. ستقولإشاعة ما إن هذا الكتاب لك. أؤكد لك سيدتي تلك الإشاعة.

    سيقول نقّاد يمارسونالنقد تعويضاً عن أشياء أخرى، إن هذا الكتاب ليس رواية، وإنما هذيان رجل لا علم لهبمقاييس الأدب.

    أؤكد لهم مسبقاً جهلي، واحتقاري لمقاييسهم. فلا مقياس عنديسوى مقياس الألم، ولا طموح لي سوى أن أدهشك أنتِ، وأن أبكيك أنت، لحظة تنتهين منقراءة هذا الكتاب..

    فهناك أشياء لم أقلها لك بعد.

    اقرئي هذا الكتاب.. وأحرقي ما في خزانتك من كتبٍ لأنصاف الكتاب، وأنصاف الرجال، وأنصافالعشاق.

    من الجرح وحده يولد الأدب. فليذهب إلى الجحيم كل الذين أحبوكبتعقّل، دون أن ينزفوا.. دون أن يفقدوا وزنهم ولا اتزانهم..

    تصفّحيني بشيءمن الخجل.. كما تتصفّحين ألبوم صور مصفرّة، لطفلة كانت أنتِ.

    كما تطالعينقاموساً لمفردات قديمة معرّضة للانقراض والموت.

    كما تقرأين منشوراً سرياً،عثرت عليه يوماً في صندوق بريدك.

    افتحي قلبك.. واقرأيني.

    كنت يوماًأريد أن أحدثك عن سي الطاهر وعن زياد وعن آخرين.. عن كل ما كنت تجهلين.

    ولكنمات حسان.. ولم يعد اليوم وقت للحديث عن الشهداء.. أصبح كل واحد منا مشروعشهيد.

    يحزنني ألا أهبك غزالة. "الغزلان لا تكون غزلاناً إلا عندما تكونحيّة". ولم يبق لي ما يمكن أن أهديكِ اليوم.

    لقد أخذت مني كل من أحببت،الواحد بعد الآخر، بطريقة أو بأخرى. وتحول القلب إلى مقبرة جماعية ينام فيها دونترتيب كل من أحببت. وكأن قبر (أمّا) قد اتسع ليضمهم جميعاً.

    ولم أعد أنا سوىشاهد قبر لسي الطاهر.. لزياد ولحسان. شاهد قبر للذاكرة.

    كنت أدري الكثير عنحماقة القدر، الكثير عن ظلمه وعن عناده، عندما يصرّ على ملاحقة أحد.

    ولكنأكان يمكن لي أن أتوقع أن شيئاً كذلك يمكن أن يحدث؟
    كنت اعتقد أنني دفعت لهذاالقدر الأحمق ما فيه الكفاية، وأنه حان لي بعد هذا العمر، وتلك السنوات التي تلتفجيعة زياد، وفجيعة زواجك، أن أرتاح أخيراً.

    فكيف عاد القدر اليوم ليأخذ منيأخي، أخي الذي لم يكن لموته من منطق. لا كان في جبهة، ولا كان في ساحة قتال ليموتميتة سي الطاهر، وميتة زياد، رمياً بالرصاص.. أيضاً.


    ***


    ذات يوم من أكتوبر 88، جاء خبر موته هكذا صاعقةيحملها خط هاتفي مشوش، وصوت عتيقة الذي تخفيه الدموع.

    ظلت تجهش بالبكاءوتردد اسمي، وأنا أسألها مفجوعاً:

    - "
    واش صار..؟"

    كنت على علم بتلكالأحداث التي هزّت البلاد، والتي كانت الجرائد ونشرات الأخبار الفرنسية تتسابقبنقلها مصور، مفصلة، مطوّلة، باهتمام لا يخلو من الشماتة.
    كنت أعرف تفاصيلها،وأدري أنها مازالت وهي في يومها الثاني مقتصرة على العاصمة. فمن أين لي أن أتوقّعالذي حدث؟

    كان صوت عتيقة يردد مقطّعاً:

    -
    قتلوه.. آ خالد.. يا وخيدتيقتلوه..

    وصوتي يردد مذهولاً:

    -
    كيفاش.. كيفاش قتلوه؟

    كيف ماتحسان؟

    هل مهم السؤال، وموته كان أحمق كحياته، ساذجاً كأحلامه.

    أقرأكل الجرائد لأفهم كيف مات أخي، بين الحلم والحلم.. بين الوهم والوهم.

    ماالذي ذهب به إلى العاصمة ليقابل "جماعة" هناك، هو الذي لم يزر العاصمة إلانادراً.

    ذهب هكذا في نهاية أسبوع.. ليبحث عن نهايته.

    ضاقت بهقسنطينة، ولم توصله جسورها الكثيرة إلى شيء.

    قالوا له: "في العاصمة ستكون لك "خيوط". ستوصلك الطرق القصيرة هناك.. ولن توصلك الجسور هنا!".

    صدّق حسان،وذهب إلى العاصمة ليقابل "فلاناً" من قبل "فلان" آخر..

    وكان مقرراً أن تحلقضيته أخيراً هذه المرة، بعد عدة سنوات من الوساطات والتدخلات، ويغادر نهائياً سلكالتعليم، لينتقل إلى العاصمة ويعيّن موظفاً في مؤسسة إعلامية.

    ولكن القدر هوالذي حسم "ملفه" هذه المرة.

    بين "فلان" و "فلان" مات حسان، خطأ برصاصةخاطئة، على رصيف الحلم.

    فالحلم ليس في متناول الجميع أخي.. كان عليك ألاتحلم!

    أحقاً "إن الشقاء يعرف كيف يختار صفاته" ولهذا اختارني أنا، واختار ليكل هذه الفجائع المذهلة، لأنفرد بها وحدي.

    أنا الذي لم أكن أحلم سوى بأنأهبك غزالة..

    كيف لي أن أفعل ذلك.. وأنت تهبينني كل هذا الدمار.. كل هذاالخراب؟


    ***


    ويعود فجأة، حديث قديم بيننا إلى البال.

    حديث مرّت عليه اليوم ست سنوات. في ذلك الزمن الذي كنت تجدين فيه شبهاً بيني وبين "زوربا". الرجل الذي أحببته الأكثر حسب تعبيرك، والذي كنتِ تحلمين بكتابة رواية كروايته، أو حب رجل مثله.

    ترى لأنك كنت عاجزة عن كتابة رواية كتلك، اكتفيت بتحويلي إلى نسخة منه، وجعلتني مثله أتعلم أن أشفى من الأشياء التي أحبها بأكلها حتى التقيؤ..

    جعلتني أعشق الخراب الجميل، وأتعلم كطائر يذبح أن أرقص من ألمي..

    ها هوذا الخراب الجميل، الذي حدّثتني عنه يوماً بحماسٍ مدهش لم يثر شكوكي، يوم قلتِ:

    "مدهش أن يصل الإنسان بفجائعه حد الرقص. إنه تميز في الخيبات والهزائم أيضاً. فليست كل الهزائم في متناول الجميع. لا بد أن تكون لك أحلام فوق العادة، وأفراح وطموحات فوق العادة، لتصل بعواطفك تلك إلى ضدها بهذه الطريقة..".

    آه سيدتي لو تدرين!

    كم كانت أحلامي كبيرة. وما أفظع هذا الخراب الذي تتسابق قنوات التلفزيون على نقله اليوم!

    ما أفظع هذا الدمار، وما أحزن جثة أخي الملقاة على رصيف، يخترقها رصاص طائش!

    ما أحزن جثته، وهي تنتظرني الآن في ثلاجة الموتى لأتعرف عليه، وأرافقه جثماناً إلى قسنطينة.

    ها هي ذي قسنطينة مرة أخرى..
    تلك الأم الطاغية التي تتربص بأولادها، والتي أقسمت أن تعيدنا إليها ولو جثة.

    ها هي قد هزمتنا، وأعادتنا إليها معاً. في تلك اللحظة التي اعتقدنا فيها أننا شفينا منها، وقطعنا معها صلة الرحم.

    لا حسان سيغادرها إلى العاصمة.. ولا أنا سأقدر على الهرب منها بعد اليوم..

    ها نحن نعود إليها معاً..

    أحدنا في تابوت.. والآخر أشلاء رجل.

    وقع حكمك عليّ أيتها الصخرة.. أيتها الأم الصخرة..

    فأشرعي مقابرك، وانتظريني. سآتيك بأخي.. افسحي له مكاناً صغيراً جوار أوليائك الصالحين، وشهدائك، وباياتك.. كان حسان كل هذا على طريقته.

    كان غزالاً..

    في انتظار ذلك.. تعالي سيدتي وتفرّجي على كل هذا الخراب الجميل!

    فبعد قليل سيحضر زوربا ليمسك بكتفي ولنبدأ الرقص معاً.

    تعالي..

    لا بد ألا تخلفي هذا المشهد، سترين كيف يرقص الأنبياء
    █║S│█│Y║▌║R│║█


رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #86
    مشرف أخــبار متنوعة ( غريب جدا جرائم وحوادث طرائف ألخ) في كل أنحاء العالم
    الحالة : Don.Ayman غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 1026
    الدولة: U.A.E - DUBAI
    العمل: محاسب
    المشاركات: 3,321
    الحالة الإجتماعية: اعزب
    معدل تقييم المستوى : 257
    Array

    عندما يفلسون حقاً.

    تعالي.. سأرقص اليوم كما لم أرقص يوماً، كما اشتهيت أنأرقص في عرسك ولم أفعل..

    سأقفز وكأن جناحينْ قد التصقا بقدمي فجأة، وكأنذراعي المفقودة قد نبتت من جديد لتصبح ذراعي.

    تعالي.. وليعذرني أبي الذي لمأشاركه يوماً في طقوس "عيساوة".
    في حفل جذبه ورقصه الجنوني، وغرسه ذلك السفود فيجسده من طرف إلى آخر.. بنشوة الألم الذي يجاور اللذة.

    للحزن أكثر من طقس،وليس للألم وطن على التحديد. فليعذرني الأنبياء والأولياءالصالحون!

    ليعذروني جميعا. لا أدري ماذا يفعل الأنبياء بالتحديد عندمايحزنون، ماذا يفعلون في زمن الردّة؟

    هل يبكون أم يصلون؟

    أنا قررت أنأرقص. الرقص تواصل أيضاً. الرقص عبادة أيضاً..

    فانظر أيها الأعظم.. بذراعواحدة سأرقص لك.

    ما أصعب الرقص بذراعٍ واحدة يا ربي! ما أبشع الرقص بذراعٍواحدة يا ربي! ولكن..

    ستعذرني أنت الذي أخذت ذراعي الأخرى.

    ستعذرني.. أنت الذي أخذتهم جميعاً.

    ستعذرني.. لأنك ستأخذني أيضاً!

    هل المؤمنمصاب حقاً؟.. أن ترى تلك مقولة خلقت لتعلمنا الصبر فقط، لتبيعنا بدل مصائبنا فرحامتلاك شهادة بالتقوى؟

    فليكن..

    شكراً لك أيها الأعظم، أنت الذي لايُحمد على مكروه سواه.

    أنت الذي لا تخصّ بمصابك سوى المؤمنين من عبادك.. والأتقياء منهم.

    اعترف أنني لم أكن احلم بشهادة حسن سلوك كهذه!

    أفرغمنك سيدتي وأمتلئ لحناً يونانياً.

    تتقدم موسيقى "زوربا" نحوي، دعوة للجنونالمتطرف.

    تأتي على شريط تعودت الاستماع إليه بمتعة غامضة. وإذا بذلك اللحنالقادم اليوم وسط الخراب والجثث، يأخذ فجأة بُعده الأول الحقيقي.

    فأنتفضفجأة من أريكتي وهو يفاجئني، وأصرخ كما في تلك القصة "هيا زوربا.. دربني علىالرقص..".

    ها هوذا "الخراب الجميل" الذي جعلتنا نشتهيه. لم أكن أعتقد أنيكون بشعاً إلى هذا الحد.. موجعاً إلى هذا الجد!

    تزحف موسيقى تيودراكيسنحوي. وتخترقني نغمة.. نغمة. جرحاً.. جرحاً.

    بطيئة.. ثم سريعة كنوبةبكاء.

    خجولة.. ثم جريئة كلحظة رجاء.

    حزينة.. ثم نشوى كتقلبات شاعرأمام كأس.

    مترددة.. ثم واثقة كأقدام عسكر.

    فأستسلم لها. أرقص كمجنونفي غرفة شاسعة، تؤثثها اللوحات والجسور.

    وأقف أنا وسطها وكأنني أقف على تلكالصخرة الشاهقة، لرقص وسط الخراب، بينما جسور قسنطينة الخمسة تتحطم وتتدحرج أماميحجارة نحو الوديان.

    إيه زوربا!

    تزوجت تلك المرأة التي كنت أحبها،وكانت تحبك أنت. وكنت أريد أن أجعلها نسخة مني، فجعلتني نسخة منك.

    وماتزياد.. ذلك الصديق الذي اشترى هذا الشريط لأنه ربما كان يحبك أيضا من اجلها، وربمالأنه كان يتوقع لي يوماً كهذا، ويعد لي على طريقته كل تفاصيل حزنيالقادم.

    وربما يكون تلقّاه هدية منها.. وورثته أنا في جملة ما أورثني منأحزان.

    ومات حسان.. أخي الذي لم يكن يهتم كثيراً بالإغريق، وبالآلهةاليونانية.

    كان له إله واحد فقط، وبعض الأسطورات القديمة.
    مات ولا حب لهسوى الفرقاني.. وأم كلثوم.. وصوت عبد الباسط عبد الصمد.

    ولا حلم له سوىالحصول على جواز سفر للحج.. وثلاجة.

    لقد تحققت نصف أحلامه أخيراً. لقد أهداهالوطن ثلاجة ينتظرني فيها بهدوء كعادته، لأشيعه هذه المرة إلى مثواهالأخير.

    لو عرفك، ربما لم يكن ليموت تلك الميتة الحمقاء.

    لو قرأكبتمعّن، لما نظر إلى قاتليه بكل الانبهار، لما حلم بمنصب في العاصمة، بسيارة وبيتأجمل..

    لبصق في وجه قاتليه مسبقاً.. لشتمهم كما لم يشتم أحداً، لرفض أنيصافحهم في ذلك العرس، لقال:

    - "
    أيها القوّادون.. السراقون.. القتلة. لنتسرقوا دمنا أيضاً. املأوا جيوبكم بما شئتم. أثثوا بيوتكم بما شئتم.. وحساباتكمبأية عملة شئتم.. سيبقى لنا الدم والذاكرة. بهما سنحاسبكم.. بهما سنطاردكم.. بهماسنعمّر هذا الوطن.. من جديد".


    آه زوربا.. مات زياد وها هوذا حسان يموتغدراً أيضاً.

    آه لو تدري يا صديقي، لم يكن أحدهما ليستحق الموت.

    كانحسان نقياً كزئبق، وطيباً حد السذاجة. كان يخاف حتى أن يحلم، وعندما بدأ يحلمقتلوه.

    وكان زياد.. آه كان يشبهك بعض الشيء. لو رأيت ضحكته، لو سمعتهيتحدث.. يكفر.. يلعن.. يبكي.. يسكر.. لو عرفتهما، لرقصت.. حزناً عليهما الليلة كمالم ترقص من قبل.

    ولكن لا يهم.. أدري بأنك أنت أيضاً لن تحضر الليلة. ربمالأنك متّ، كما في تلك الرواية، بعد أن لعنت الكاهن الذي جاء ليناولك القربان المقدسقبل الموت..
    أو ربما لأنك لم توجد يوماً أبداً على هذه الأرض. لأنك بطل خرافيلزمن كان الناس يبحثون فيه عن خرافة كهذه. عن آلهة إغريقية جديدة، تعلّمهم الجنونوالتحدي.. وعبثية الحياة.

    فهل مهم أن تتغيب الليلة، كما تغيبواجميعاً؟

    لن أعتب عليك يا صديقي. أنت لست مسؤولاً في النهاية عن كل ما يمكنأن يرتكب من حماقات بسبب رواية!

    ولكن أجبني فقط.. أنت الذي قتلت من الأتراك،وقتلوا من رفاقك الكثيرين. هل هناك من فرق بين القتلة؟

    على يد الفرنسيين ماتسي الطاهر.. وعلى يد الإسرائيليين مات زياد.. وها هو حسان يموت على يد الجزائرييناليوم.

    فهل هناك درجات في الاستشهاد؟ وماذا لو كان الوطن هو القاتل والشهيدمعاً؟

    فكم من مدينة عربية دخلت التاريخ بمذابحها الجماعية، ومازالت مغلقةعلى مقابرها السرية!

    كم من مدينة عربية أصبح سكانها شهداء.. قبل أن يصبحوامواطنين!

    فأين تضع كل هؤلاء.. في خانة ضحايا التاريخ، أم في خانةالشهداء؟

    وما اسم الموت عندما يكون بخنجر عربي!


    ***


    ما كادت كاترين تراني في ذلك الصباح حتى صاحت:

    - إن لك وجه رجل يستيقظ من ليلة سكر!

    ثم أضافت بشيء من السخرية والتلميح الواضح:

    - ماذا فعلت أمس أيها الشقي، لتكون في هذه الحالة؟

    █║S│█│Y║▌║R│║█




  • #87
    مشرف أخــبار متنوعة ( غريب جدا جرائم وحوادث طرائف ألخ) في كل أنحاء العالم
    الحالة : Don.Ayman غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 1026
    الدولة: U.A.E - DUBAI
    العمل: محاسب
    المشاركات: 3,321
    الحالة الإجتماعية: اعزب
    معدل تقييم المستوى : 257
    Array


    قلت:

    - لا شيء.. ربما لم أنم فقط!

    قالت وهي تلقي نظرة على الصالون، وتبحث بفضول امرأة عن آثار تدلها على نوعية من قضيت معهم السهرة:

    - هل استقبلت أصدقاء أمس؟

    ابتسمت لسؤالها، شعرت برغبة في أن أجيبها: نعم.

    يحدث للحزن عندما يجاور الجنون، أن يبدأ هكذا في السخرية من نفسه..

    واصلَتْْ:

    - وهل قضوا الليلة هنا؟

    قلت:

    - لا.. رحلوا..

    أضفتُ بعد شيء من الصمت:

    - أصدقائي يرحلون دائماً!

    وربما لم يقنعها كلامي، أو زاد في فضولها فقط. فراحت تواصل بعينيها البحث وسط فوضى الغرفة، والحقيبتين المفتوحتين في الصالون عن شيء ما.

    النساء هكذا دائما: لا يرين أبعد من أجسادهن، ولذا لم يكن في إمكان كاترين أن تكتشف آثار زياد وحسان وزوربا.. في ذلك البيت.

    في الحقيقة.. لقد كانت كاترين دائماً تعيش على هامش حزني.
    ولا ربما اقتنعت دون كثير من الكلام أنني أستيقظ من ليلة حب.

    سألتني وكأنها لا تجد فجأة مبرراً لوجودها عندي في تلك اللحظة:

    - لماذا طلبتني على عجل؟

    قلت:

    - لأسباب كثيرة..

    ثم أضفت فجأة:

    - كاترين.. هل تحبين الجسور؟

    قالت بنبرة لا تخلو من التعجب:

    - لا تقل لي إنك أحضرتني في هذا الصباح لتطرح علي هذا السؤال!

    قلت:

    - لا.. ولكن أود لو أجبتني عليه.

    قالت:

    - لا أدري.. أنا لم أسأل نفسي سؤالاً كهذا قبل اليوم. لقد عشت دائماً في مدن لا جسور فيها. ما عدا باريس ربما..

    قلت:

    - لا يهم.. فأنا أفضّل في النهاية ألا تحبيها. يكفي أن تحبي رسمي..

    أجابت:

    - طبعاً أحب ما ترسمه.. لقد راهنت دائماً على انك رسام استثنائي..

    قلت:

    - فليكن إذن.. كل هذه اللوحات لك.

    صاحت:

    - أأنت مجنون؟ كيف تهبني كل هذه اللوحات؟ إنها مدينتك.. قد تحنّ إليها يوماً.

    قلت:

    - لم يعد هناك من ضرورة للحنين بعد اليوم، أنا عائد إليها. أهبها لك، لأنني أدري أنك تقدّرين الفن، وأنها معك لن تضيع..

    قالت كاترين وصوتها يأخذ نبرة جديدة لحزن وفرح غامض:

    - سأحتفظ بها جميعاً.. فلم يحدث لرجل أن أهداني يوماً شيئاً كهذا..

    قلت وأنا ألقي نظرة أخيرة على جسدها المختبئ داماً تحت الأثواب الخفيفة الفضفاضة:

    - ولم يحدث لامرأة قبلك أن منحتني غربة أشهى..

    قالت:

    - أخاف أن تندم يوماً وتشتاق إلى إحدى هذه اللوحات.. اعلم أنك ستجدها دائماً عندي.

    قلت:

    - ربما سيحدث ذلك.. فنحن في جميع الحالات نندم على شيء ما..

    تقاطعني وكأنها اكتشفت جدية الموقف:

    - Mais ce n'est pas possible .. لا يمكن أن نفترق هكذا!

    - أوُ كاترين.. دعينا نفترق على جوع. لقد حكم علينا التاريخ ألا نشبع من بعض تماماً.. ولا نحب بعضنا تماما.. لأكثر من سبب. إنك تملكين اليوم أكثر من نسخة مني.. علّقي على جدرانك ذاكرتي، حتى ولو كانت ذاكرة مضادة.. لقد كنت أيضاً طرفاً فيها!

    لا تفهم كاترين لماذا كل هذه الرموز اليوم.

    ولماذا هذا الحديث الغامض الذي لم أعوّدها عليه؟

    وربما فهمت، ولكن جسدها كان يرفض أن يفهم. جسدها يخرج عن الموضوع دائماً. جسدها موظف فرنسي يحتج دائما. يطالب دائماً بالمزيد.. يفرط في حرية التعبير، في حرية الإضراب.

    ولكن..

    من أين سآتي بالكلمات التي ستشرح لها حزني؟

    من أين سآتي بالصمت الذي سيقول لها دون أن أقول شيئاً، إن حسان هناك في مدينة أخرى، ينتظرني في ثلاجة، وأن أولاده الستة لم يعد لهم غيري.
    كيف أشرح لها سر قدميّ الباردتين، والصقيع الذي يزحف نحوي كلما تقدمت بي الساعات، وكلما راحت يداها تفتحان أزرار قميصي دون انتباه.. بحكم العادة.

    - كاترين.. ليس لي شهية للحب، اعذريني..
    - وماذا تريد إذن؟
    - أريد أن تضحكي كالعادة.
    - لماذا أضحك؟
    - لأنك عاجزة عن الحزن.
    - وأنت؟
    - وأنا سأنتظر أن تذهبي لأحزن. حزني مؤجل فقط كالعادة..
    - ولماذا تقول لي هذا اليوم.؟
    - لأنني متعب.. ولأنني سأرحل بعد ساعات..
    - ولكن لا يمكنك أن تسافر. لقد ألغوا كل الرحلات إلى الجزار..
    - سأذهب، وأنتظر في المطار أول طائرة تقلع. لا بد أن أسافر اليوم أو غدا. هناك من ينتظرني..

    كان يمكن أن أقول لها: "لقد مات أخي.. أخي الوحي يا كاترين.." وأجهش بالبكاء. فقد كنت في حاجة إلى أن أبكي أمام أحد يومها.

    ولكن لم أكن قادراً على ذلك معها. لعلها عقدة قديمة.. فالحزن قضية شخصية، قضية أحياناً وطنية..

    ولذا احتفظت بجرحي داخلي. وقررت أن أواصل حديثي كالعادة. لعلني في يوم آخر سأخبرها بذلك. ولكن ليس اليوم. الصمت اليوم أكبر.

    شعرت فجأة أنني أسأت للفراشات.

    قلت:

    - كاترين.. لقد كانت قصتنا جميلة، أليس كذلك؟ كانت معقدة بعض الشيء.. ولكنها جميلة برغم ذلك. لقد كنت المرأة التي كانت دائماً، على وشك أن تكون حبيبتي. وربما سينجح الفراق في تحقيق ما عجزت كل سنوات القرب هذه من تحقيقه..

    - هل ستحبني عندما نفترق؟

    - لا أدري.. من المؤكد أنني سأفتقدك كثيراً. إنه منطق الأشياء. لقد كان لي معك أكثر من عادة. ولا بد لي بعد اليوم أن أغيّر عاداتي..

    - وهل ستعود؟

    - ليس قبل مدة طويلة.. لا بد أن أتعلم الآن الوجه الآخر للنسيان. الغربة أمّ أيضاً ليس سهلاً أن نجتاز الجسر الذي سيفصلنا عنها..

    - خالد.. لماذا تحيط نفسك بكل هذه الجسور؟

    - أنا لا أحيط نفسي بها.. أنا أحملها داخلي. هناك أناس ولدوا هكذا على جسر معلّق. جاؤوا إلى العالم بين وصيفينْ وطريقينْ وقارّتينْ. وُلِدوا وسط مجرى الرياح المضادة، وكبروا وهم يحاولون أن يصالحوا بين الأضداد داخلهم. ربما كنت من هؤلاء.. في الحقيقة دعيني أبوح لك بسرّ. اكتشفت أنني لا أحب الجسور. وأكرهها كراهيتي لكل شيء له طرفان، ووجهتان، واحتمالان، وضدان. ولهذا تركت لك كل هذه اللوحات.

    كنت أود إحراقها، راودتني هذه الفكرة. ولكن لست في شجاعة طارق بن زياد. ربما لأن إحراق بحّار لباخرته في معركة حربية، يظلّ أسهل من إحراق رسام للوحاته في لحظة جنون..
    وبرغم ذلك، أريد أن أحرقها حتى أقطع على قلبي طريق العودة إلى الخلف.

    لا أريد أن أقضي حياتي، وأنا أسلك هذا الجسر في الاتجاهين.
    أريد أن أختار لقلبي مسقطه الأخير..
    أريد أن أعود إلى تلك المدينة الجالسة فوق صخرة، وكأنني أفتحها من جديد. كما فتح طارق بن زياد ذلك الجيل، ومنحه اسمه..

    .. منذ غادرتها أضعت بوصلتي. قطعت علاقتي بالتاريخ
    █║S│█│Y║▌║R│║█




  • #88
    مشرف أخــبار متنوعة ( غريب جدا جرائم وحوادث طرائف ألخ) في كل أنحاء العالم
    الحالة : Don.Ayman غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 1026
    الدولة: U.A.E - DUBAI
    العمل: محاسب
    المشاركات: 3,321
    الحالة الإجتماعية: اعزب
    معدل تقييم المستوى : 257
    Array

    وبالجغرافية. ووقفت سنوات على نقطة استفهام، خارج خطوط الطول والعرض.

    أين يقع البحر وأينيقف العدوّ؟ أيهما أمامي وأيهما ورائي؟
    ولا شيء وراء البحر سوى الوطن.. ولا شيءأمامي سوى زورق الغربة.. ولا شي بينهما سواي..
    على من أعلن الحرب ولا شيء حوليسوى الحدود الإقليمية للذاكرة؟

    نظرت إليّ كاترين، ولم تفهمشيئاً..

    لقد كانت علاقتنا دائماًً ضحية سوء فهم وقصر نظر. فافترقنا كماالتقينا منذ أكثر من قرن، دون أن نعرف بعضنا حقاً.. دون أن نحب بعضنا تماماً.. ولكندائماً بتلك الجاذبية الغامضة نفسها.

    ***


    وقلتِ:

    "
    الحب هو ما حدث بيننا.. والأدبهو كل ما لم يحدث".

    نعم ولكن..

    بين ما حدث وما لم يحدث، حدثت أشياءأخرى، لا علاقة لها بالحب ولا بالأدب.

    فنحن في النتيجة، لا نصنع في الحالتينسوى الكلمات. ووحده الوطن يصنع الأحداث. ويكتبنا كيفما شاء.. مادمناحبره.

    غادرت الوطن في زمن لحظر التنفس.. وها أنا أعود إليه مذهولاً في زمنآخر لحظر التجول.
    أتذكر وأنا أواجه وحدي هذه المرة مطار تلك المدينة الملتحفةبالحداد كلاماً قاله حسان منذ ست سنوات واستوقفتني كلماته دون سببواضح.

    قال: "إن قسنطينة فرغت من أهلها الأصليين. لقد أصبحوا لا يأتونها سوىفي الأعراس و في المآتم".

    يذهلني اكتشافي.. ها أنا أصبحت إذن الابن الشرعيلهذه المدينة التي جاءت بي مكرهاً مرتين.

    مرة لأحضر عرسك.. ومرة لأدفن أخي. فما الفرق بين الاثنين؟ لقد مات أخي في الواقع مثلما متّ أنا منذ ذلكالعرس.

    قتلتنا أحلامنا..

    هو لأنه أصيب بعدوى الأحلام الفارغةالكبيرة.

    وأنا لأنني غادرت وهمي.. ولبست نهائياً حدادأحلامي.


    يسألني جمركيّ عصبي في عمر الاستقلال لم يستوقفه حزني ولااستوقفته ذراعي.. فراح يصرخ في وجهي، بلهجة من أقنعوه أننا نغترب فقط لنغنى، وأننانهرّب دائماً شيئاً ما في حقائب غربتنا..

    -
    بماذا تصرّح أنت؟

    كانجسدي ينتصب ذاكرة أمامه.. ولكن لم يقرأني.

    يحدث للوطن أن يصبحأميّاً.
    كان آخرون لحظتها يدخلون من الأبواب الشرفيّة بحقائب أنيقةدبلوماسية.

    وكانت يداه تنبشان في حقيبة زياد المتواضعة، وتقعان على حزمة منالأوراق.. فتكاد دمعة مكابرة بعيني تجيبه لحظتها:

    -
    أصرّح بالذاكرة.. ياابني..

    ولكنني أصمت.. وأجمع مسودّات هذا الكتاب المبعثرة في حقيبة، رؤوسأقلام.. ورؤوس أحلام.


    باريس _ تموز 1988











    على غلافالكتاب:





    قرأت رواية (ذاكرةالجسد) لأحلام مستغانمي، وأنا جالس أمام بركة السباحة في فندق سامرلاند فيبيروت.
    بعد أن فرغتُ من قراءة الرواية، خرجتْ لي أحلام من تحت الماء الأزرقكسمكة دولفين جميلة، وشربت معي فنجان قهوة وجسدها يقطُر ماءً..
    روايتها دوّختني. وأنا نادراً ما أدوخ أمام رواية من الروايات وسبب الدَوْخَة أن النص الذي قرأتهيشبهني إلى درجة التطابق، فهو مجنون، ومتوتر، واقتحامي، ومتوحش، وإنساني ،وشهواني.. وخارج على القانون مثلي. ولو أن أحداً طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذهالرواية الإستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر.. لما ترددت لحظة واحدة..

    هلكانت أحلام مستغانمي في روايتها (تَكتُبُني) دون أن تدري.. لقد كانت مثلي تهجم علىالورقة البيضاء، بجماليةٍ لا حدّ لها.. وشراسةٍ لا حدّ لها.. جنونٍ لا حدّله...

    الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور.. بحر الحب، وبحر الجنس، وبحرالإيديولوجية، وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها ومرتزقيها، وأبطالها وقاتليها،وملائكتها وشياطينها، وأنبيائها وسارقيها..

    هذه الرواية لا تختصر ذاكرةالجسد فحسب، ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري، والحزن الجزائري، والجاهليةالجزائرية التي آن لها أن تنتهي..

    وعندما قلت لصديق العمر سهيل إدريس رأييفي رواية أحلام، قال لي: لا ترفع صوتك عالياً.. لأن أحلام إذا سمعت كلامك الجميلعنها، فسوف تُجنّ...

    أجبته: دعها تُجنّ.. لأن الأعمال الإبداعية الكبرى لايكتبها إلا مجانين!!


    لندن 20 / 8 / 1995
    نزار قباني
    █║S│█│Y║▌║R│║█



  • صفحة 22 من 23 الأولىالأولى ... 1220212223 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. أحلام مستغانمي
      بواسطة SHARIEF FATTOUH في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 07-06-2010, 02:28 AM
    2. أحلام الفتيات مابين سن 18- 25 والواقعية
      بواسطة روح الحلا في المنتدى ملتقى الحـــوار العام للمغتربين السوريينDialogue Discussion Forum
      مشاركات: 4
      آخر مشاركة: 05-30-2010, 12:13 AM
    3. تمارين لجمال وقوة عينيك
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى ملتقى المرأة السورية Syrian women forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 05-26-2010, 10:02 PM
    4. أحلام ثمنها العمر
      بواسطة En.muhammed manla في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 2
      آخر مشاركة: 05-11-2010, 12:13 AM
    5. نصائح لجمال ونظافة مطبخك
      بواسطة سارة في المنتدى ملتقى المطبخ والمأكولات والحلويات السورية Syrian food and sweets
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 05-05-2010, 09:42 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1