النِّفاق وعَمَد الضلالة أغرّكم لين إبساسي وطولُ إيناسي حتى ظن جاهِلُكم أن ذلك لفُلول حَدّ وفُتورِ جِدّ وخَوَر قناة كَذَبَت الظنون. إنها العِتْرَة بعضُهَا من بعض فإذ قد استمر أتم العافية فعندي فِصَال وفِطام وسَيفٌ يَقُدُ الهام! وإنّي أقول: أغرِّكم أنِّي بأَكْرَم شيمةٍ رَفِيقٌ وإنِّي بالفَوَاحش آخرًقُ ومِثْلي إذا لم يُجْزَأَحْسَنَ سَعْيه تَكلَمُ نُعماه بِفِيها فتَنْطِق لَعَمْرَي لقد فاحَشْتَنِي فغلَبتني هنيئاً مريئاً أنت بالفُحْش أَرْفَق خطب داود بن علي بالمدينة فقال: أيها الناس حَتّام يَهْتف بكم صَريخُكم أمَا آنَ لراقدكم أن يَهُبّ من نومه كلا بل رانَ على قُلوبهم ما كانوا يَكْسِبون أغرّكم الإمْهال حتى حَسبتموه الإهمال هيهات منكم وكيف بكم والسوطُ في كَفّي والسيفُ مُشَهَّر: ويُقِمْن رَبَّاتِ الخُدور حَوَاسراً يَمْسَحن عُرض ذَوائب الأيتام خطبة داود بن علي بمكة وخطب داود بن علي بمكة: شُكْراً شُكراً والله ما خَرجنا لنَحْفِر فيكمم نهراً ولا لنَبْني فيكم قَصْراً أظنَ عدوُّ الله أنْ لن نَظفر إذ مُدّ له في عِنانه حتّى عثر في فَضْل زِمامه فالآنَ عاد الأمر في نِصابه وأُطلعت الشمسُ من مَشرقها والآن حيث تولّى القوسَ باريها وعادت النَبْلُ إلى النِّزعة ورَجع الأمر إلى مُستقرّه في أهل بيت نبيّكم أهل الرِّأفة والرّحمة فاتقوا الله واسمعوا وأطيعوا ولا تَجعلوا النِّعم التي أنعم الله عليكم سَبباً إلى أن تُبيح هَلَكتكم وتُزيل النَعم عنكم. خطبة للمهديّ الحمد لله الذي ارتضى الحمدَ لنفسه ورَضي به من خَلقه أحمده على الآئه وأُمجده لبلائه وأَستعينه وأومن به وأتوكل عليه توكّل راضِ بقَضائه وصابر لبلائه وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحدَه لا شريك له وأنّ محمدّاً عبدُه المُصطفى ونبيُّه المُجتبى ورسولُه إلى خلقه وأَمينه على وَحْيه أَرْسله بعد انقطاع الرجاء وطُموس العِلم واقتراب من الساعة إلى أُمة جاهليّة مُختلفة أُمية أهل عَداوة وتَضاغن وفُرقة وتَباين قد استهوتهم شياطينُهم وغَلب عليهم قُرناؤهم فاستشعروا الرَّدى وسَلكوا العَمى يُبشَر مَن أطاعه بالجنّة وكريم ثَوابها وينذّر مَن عصاه بالنار وأَليم عِقابها ليَهلك مَن هَلك عن بيّنة ويحيا من حَيّ عن بيِّنة وإن الله لسميع عليم أوصيكم عباد الله بتَقوى الله فإنّ الاقتصار عليها سَلامة والتركَ لها ندامة وأَحثّكم على إجلال عَظمته وتوقير كِبربائه وقدُرته والانتهاء إلى ما يُقَرب من رَحمته وُينخي من سُخطه وُينال به ما لديه من كريم الثواب وجزيل المآب. فاجتنبوا ما خوّقكم الله من شديد لعِقاب وأليم العذاب ووَعيد الحساب يوم تُوقفون بي يدي الجَبَّار وتعرضون فيه على النار يومَ لا تَكَلّم نفس إلا بإذنه فمنهم شَقِيّ وسَعيد يومَ يَفِرّ المرء من أخيه وأُمه وأبيه وصاحبته وبَنيه لكُل امرئ منهم يومئذ شأنٌ يغنيه يوم لا تَجزِي نفسٌ عن نفس شيئاً ولا يُقبل منها عدْل ولا تنفعها شفاعة ولا هم يُنصرون يوم لا يَجزِي والد عن ولده ولا مَولود هو جازٍ عن والده شيئاً إنّ وَعْدَ الله حق فلا تغرّنكم الحياة الدنيا ولا يغُرنكم بالله الغَرور فإن الدُّنيا دارُ غُرور وبلاءٌ وشُرور واضمحلال وزَوال وتقلّب وانتقال قد أَفنت مَن كان قبلكم وهي عائدة عليكم وعلى مَن بعدكم. مَن رَكنَ إليها صَرَعَتْه ومَن وثق بها خانته ومن أَمَّلها كَذَبته ومن رجاها خَذلته عِزُّها ذُلٌّ وغِنَاها فَقْر والسّعيد مَن تركها والشَّقِيّ فيها من آثرها والمَغبون فيها مَن باع حَظّه من دار أخرته بها فالله اللهّ عبادَ الله والتوبة مَقْبولة والرحمة مَبْسوطة وبادِرُوا بالأعمال الزاكية في هذه الأيام الخالية قبل أن يُؤخذ بالكَظم وتدموا فلا تقالون بالنَّدم في يوم حَسْرة وتأسّف وكابة وتلهّف يوم ليس كالأيام وموقف ضَنْك المَقام. إن أحسنَ الحديث وأبلغَ الموعظة كتابُ الله يقول الله تبارك وتعالى: " وإذا قًرِئ القُرآن فاسْتَمِعوا له وأَنْصِتوا لَعلّكم تُرَحمون ". أعوذ بالله العظيم من الشَيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: أَلْهَاكم التَّكاثُر حتى زُرْتًم المَقابر إلى آخر السورة أُوصيكم عبادَ الله بما أوصاكم اللهّ به وأَنهاكم عما نهاكم الله عنه وأرضى لكم طاعة اللهّ
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
وأستغفر الله لي ولكم. خطبة هارون الرشيد الحمدُ لله نَحْمده على نِعمه ونَسْتعينه على طاعته ونَسْتنصره على أعدائه نؤمن به حقّاً ونتوكّلِ عليه مُفوِّضين إليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له وأشهد أن محمداَ عبدُه ورسولُه بعثَه على فَتْرة من الرُّسل ودرُوس من العِلْم وإدْبار من الدنيا وإقبال من الآخرة بَشيراً بالنَعيم المُقيم ونَذيراً بين يدي عذاب أليم فَبلّغ الرِّسالة ونَصح الأمة وجاهد في الله فأدّى عن الله وعدَه ووعيده حتى أتاه اليَقين فعلى النبيّ من الله صلاة ورحمة وسلام. أُوصيكم عبادَ اللهّ بتقوى الله فإن في التَقوى تَكْفيرَ السيّآت وتَضْعيف الْحَسنات وفوزاً بالجنّة ونَجاةً من النار. وأُحذّركم يوماً تَشْخص فيه الأبصار وتُبلى فيه الأسرار يومَ البعث ويومَ التغابن ويومَ التلاق ويوم التناد يومَ لا يُستعتب من سيئة ولا يُزداد في حسنة يوم الآزفة إذا القُلوب لَدَى الحَناجر كاظِمين ما للظّالمين من حَمِيم ولا شَفيع يُطاع يُعلم فيه خائنة الأعين وما تُخفي الصدور واتّقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله ثُم توفّى كل نفس ما كَسبت وهم لا يظلمون. عبادَ الله إنكم لم تُخلقوا عَبثا ولن تتركوا سُدَى حَصّنوا إيمانكم بالأمانة ودِينَكم بالوَرع وصَلاتكم بالزِّكاة فَقد جاء في الخبر أن النبيّ قال: لا إيمانَ لمن لا أمانة له ولا دِين لمَن لا عهد له ولا صَلاة لمن لا زكاة له. إنكم سَفر مُجتازون وأنتم عنِ قَرِيب تَنتقلون من دار فَناء إلى دار بقاء فَسارِعوا إلى المغفرة بالتَّوبة وإلى الرَّحمة بالتّقوى إلى الهُدى بالإنابة فإن الله تعالى ذِكْره أوْجب رَحْمته للمُتَّقين ومَغْفرته للتائبين وهُداه للمُنيبين. قالت الله عزَّ وجلّ وقولُه الحق: " ورَحْمتي وَسِعتْ كُلّ شيء فسأْكتبها للذين يتقون وَيؤدون الزَّكاة " وقال: " وإني لغفّار لمن تاب وآمَن وعَمل صالِحاً ثم اهْتدَى" وإياكم والأمانيَ فقد غَرّت وأرْدت وأوبقت كثيراً حتى أكذبتهم مُناياهم فتناوشُوا التوبةَ من مكان بعيد وحِيل بينهم وبين ما يَشْتهون فأخبركم ربكم عن المَثُلات فيهم وصَرّف الآياتِ وضَرَب الأمثال فرغّب بالوَعْد وقَدّم إليكم الوعيد وقد رأيتُم وقَائعه بالقرُون الخوالي جيلاً فجيلاً وعَهدتم الآباء والأبناء والأحبة والعشائر باختطاف الموت إياهم من بُيوتكم ومن بين ظهركم لا تَدْفعون عنهم ولا تَحُولون دونهم فزالت عنهم الدنيا وانقطعت بهم الأسباب فاسلمتْهم إلى أعمالهم عند المَواقف والحساب والعقاب ليُجْزى الذين أساءوا بما عملوا ويُجزي الذين احسنوا بالحُسنى. إن أحسن الحديث وأبلغَ الموعظة كتابُ الله يقول الله عزّ وجلّ: " وإذا قُرِئ القُرءان فاستمِعوا له وأنْصتوا لعلَّكم ترحَمون" أعوذ بالله العظيم من الشَيطان الرجيم إنه هو السّميع العليم. بسم الله الرحمن الرحيم " قُل هُو الله أحد. الله الصَمَد. لَم يلد. ولم يُولَد. ولم يَكن له كفُواً أحد " أمرُكم بما أمَركم الله به وأنهاكم عما نَهاكم الله عنه. وأستغفر الله لي ولكم. خطبة المأمون في يوم الجمعة الحمد لله مُستخلِص الحمدِ لنفسه ومُستوجِبه على خَلْقه أحمده وأستعينه وأُومنِ به وأتوكّل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسولُه أرسله بالهُدى ودِين الحق ليُظهره على الدِّين كلِّه ولو كَره المشركون أُوصيكم عبادَ اللهّ ونَفْسي بتَقْوى الله وحدَه والعمل لما عنده والتنجّز لِوَعْده والخوفِ لوَعِيده فإنه لا يَسلم إلا مَن اتقاه ورَجاه وعَمل لَه وأرضاه. فاتقُوا الله عباد اللهّ وبادِرُوا آجالَكم بأعمالكم وابتاعًوا ما يَبقى بما يَزُول عنكم ويَفْنى وترَحَّلوا عن الدُّنيا فقد جَدَّبكم واستعدُّوا للموت فقد اظلَّكم وكُونوا كقوم صِيح فيهم فانتبهوِا وعلموا أنّ الدُّنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا فإنّ اللهّ عزّ وجلّ لم يَخْلُقكم عَبَثاً ولم يترككم سُدًى وما بَينْ أحدكم وبيني الجَنَة والنار إلا الموتُ أنْ ينْزلى به وإنَّ غايةً تَنْقُصها اللحظةُ وتَهْدِمها الساعةُ الواحدةُ لجديرة
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
بقِصَر المُدة وإنّ غائباً يَحْدوه الجديدان الليلُ والنهار لجديرٌ بسُرعة الأوبة وإنّ قادماً يَحُل بالفَوْز أو بالشِّقوة لمُستحق لأفضل العُدّة. فاتقى عبدٌ ربّه ونصح نفسه وقدّم توبته وغلب شَهْوته فإنَّ أجلَه مستور عنه وأملَه خادع له والشيطان مُوَكَلٌ به يُزَيِّن له المعصية ليركَبَها وُيمَنِّيه التَّوْبة ليًسَوِّفها حتى تَهْجُم عليه منيتَه أغفَلَ ما يكون عنها. فيالها حَسْرَةً على كلّ ذي غَفلة أن يكون عُمْره عليه حُجَّة أو تؤدّيه منيّته إلى شَقْوَة. نَسْأل اللهّ أن يَجعلنا وإيّاكم ممن لا تُبطره نِعْمة ولا تُقَصِّر به عن طاعة ربه غَفْلة ولا تَحُل به بعد الموت فَزْعة إنَّه سَمِيع الدعاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير فعّال لما يريد. خطبة المأمون يوم الأضحى قالت بعد التكبير والتَحميد: إنَّ يومَكم هذا يومُ أبان الله فَضْلَه وأوْجَبَ تَشْريفَه وعَظَّم حًرْمَته ووفِّى له من خلقه صَفْوَته وابتلى فيه خليله. وفَدَى فيه بالذِّبح العظيم نبيَّه وجعله خاتَم الأيام المعلومات من العَشْر ومُقَدّم الأيام المعدودات من النَّفْر يومٌ حَرام من أيام عِظَام في شهر حرام يومُ الحجّ الأكبر يومٌ دعا الله فيه إلى مَشْهده ونزل القرآن العظيم بتَعْظيمه قال الله عزّ وجلّ: " وأذِّنْ في النَّاس بالحَجّ يأتُوكَ رِجَالاً وعَلَى كُل ضامِرٍ يأتِينَ مِنْ كُل فَجٍٍّ عَمِيق " فتقرّبوا إلى الله في هذا اليوم بذَبائحكم وعَظّموا شعائر اللهّ واجعلوها من طيِّب أموالكم وبصحِّة التَّقوى من قُلوبكم فإنه يقول: " لَنْ يَنَال الله لُحُومُها ولا دِماؤُها ولَكِنْ يَنالُه التَّقوى مِنْكم " ثم التَّكبير والتّحميد. والصلاةُ على النبي والوصية بالتَقوى. ثم ذكر الموت ثم قال: وما من بعده إلا الجنَّة أو النار عظمَ قدْرُ الدارين وارتفع جزاء العَمَلين وطالت مُدَة الفَريقَيْن. الله فوالله إنه الجدّ لا الّلعِب والحقّ لا الكَذِب وما هو إلا الموتُ والبعثُ والمِيزان والحِساب والصِّرَاط والقِصاص والثواب والعِقاب. فَمَن نجا يومئذٍ فقد فاز ومَن هَوَى يومئذ فقد خاب الخيْر كلّهُ في الجنة. والشرّ كله في النار. خطبة للمأمون في الفطر قال بعد التَّكبير والتَحميد: ألاَ وإنَ يومَكم هذا يوم عيد وسُنة وابتهال ورَغبة يومٌ خَتَم الله به صِيَام شهر رمضان وافتتح به حَجّ بيته الحرام فجلعه أول أيام شُهور الحجّ وجعله مُعَقِّبا لِمَفروض صيامكم ومُتَنَقِّل قيامكم أحلَّ الله لكم فيه الطَّعام وحرّم عليكم فيه الصّيامَ فاطلبُوا إلى الله حوائجكم واستغفروه لتَفريطكم فإنه يُقال: لا كثيرَ مع نَدَم واستغفار ولا قَليل مع تَمَادٍ وإصرار. ثم كبَرَ وحَمّد وذكرَ النبيَّ وأوصى بالبرّ وّالتَّقوى ثم قال: اتقوا الله عباد الله وبادرُوا الأمر الذي اعتدل فيه يقينكم ولم يَحْضر الشد فيه أحداً منكم وهو الموتُ المكتوب عليكم فإنه لا تُسْتقال بعده عَثْرة ولا تُحْظر قبله توبة واعلموا أنه لا شيء قبله إلا دونه ولا شيء بعدَه إلاّ فوقَه ولا يُعين على جَزَعه وعَلَزه وكُرَبه وعلى القبر وظُلْمته وضِيقه ووَحْشَته وهَول مطلعه ومسألة ملكَيْه إلا العمل الصالح الذي أمر الله به فمن زَلْت عند الموت قدَمُه فقد ظهرت ندامتُه وفاتته استقالتُه ودَعا من الرّجعة إلى مالا يُجاب إليه وبَذَل من الفِدْية مالا يُقْبَل منه. فالله الله عباد الله كُونوا قوماً سألوا الرَّجعة فأُعطوها إذ مُنعها الذين طلبوها فإنه ليس يتمنى المُتقدّمون قبلَكم إلا هذا الأجل المَبْسوط لكم فاحذَروا ما حَذّركم الله واتقوا اليوم الذي يَجْمعكم اللهّ فيه لوَضْع موازِينكم ونشر صًحفكم الحافظة لأعمالكم. فلينظر عبدٌ ما يَضع في ميزانه مما يَثْقل به وما يُمْلى في صحيفته الحافظة لما عليه وله ألا فَقد حكى اللهّ لكم ما قالَ المُفرطون عندها إذ طال إعراضّهم عنها قال جلّ ذكره: " ووُضِع الكِتابُ فَتَرَى المُجْرمين مُشْفِقِين مما فيه ويقولون يا وَيْلَتَنا ما لهِذا الكِتاب لا يُغَادِرُ صَغيرَةً ولا كَبيرَةً إلاّ أحْصَاها ووَجَدُوا ما عَمِلوا حاضِراً ولا يَظْلمُ رَبًّكَ أحَداً " قال: " ونَضَع المَوَازِين القِسْطَ لِيَوْم القِيَامة فَلاَ تُظْلم نَفْسٌ شيئَاَ. وإنْ كان مثقالَ حًبّة من خرْدَلٍ أتينا بها وكَفى بنا حَاسِبين " ولستُ أنها كم عن الدُنيا بأكثر مما نهتكم به الدُّنيا عن نَفْسها فإنّ كل ما بها يُحَذِّر منها وينهى عنها وكلّ ما فيها يدعو إلى غيرها وأعظم مما رأته أعينكم من فجائعها وزوالها ذَمُّ كتاب اللهّ لها والنهيُ عنها فإنّه يقول تبارك وتعالى: " فلا تَغرَّنكم الحياةُ الدُّنيا ولا يَغُرَّنكم بالله الغَرُور " وقال: " اعلَموا أنما الحَيَاة الدُّنيا لَعب ولَهْو وزِينَة وتفَاخُز بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " فانتفعوا بمَعرفتكم بها. وبإخبار اللهّ عنها. واعلموا أنَّ قوماً مِن عباد الله أدركتهم عِصْمَةُ اللهّ فَحَذِروا مَصَارعها وجانبوا خَذائعها واثروا طاعةَ اللهّ فيها وأدركوا الجنة بما يَتْركون منها. خطبة عبد الله بن الزبير حين قام بفتح افريقية: قَدِم عبدُ اللهّ بن الزُّبير علي عثمان بن عفّان بفتح إفريقية فأخبره مُشافهة وقَص عليه كيف كانت الوقعة. فأعجب عثمانَ ما سمع منه فقال له: يا بني أتقوم بمثل هذا الكلام في الناس فقال: يا أميرَ المؤمنين أنا أهْيب لك مني لهم. فقام عثمانُ في الناس خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن الله قد فَتح عليكم إفريقية وهذا عبدُ اللهّ بن الزبير يُخبركم خبرَها إن شاء الله. وكان عبدُ الله بن الزُبير إلى جانب المِنبر فقام خطيباً وكان أولَ من خطب إلى جانب المنبر فقال: الحمدُ للهّ الذي ألَف بين قُلوبنا وجعلنا متحابين بعد البِغْضة الذي لا تُجحد نَعماؤه ولا يزول مُلْكه له الحَمْد كما حَمدَ نفسه وكما هو أهلُه انتخب محمداً فاختاره بعِلْمه وائتمنه على وَحْيه واختار له من الناس أعواناً قَذف في قُلويهم تصديقَه ومحبته فآمنوا به وعَز روه ووَقروه وجاهدوا في الله حَق جِهاده فاستُشهد لله منهم مَن استشهد على المِنْهاج الواضح والبَيْع الرابح وبقي منهم مَن بَقي ولا تأخذُهم في الله لومةُ لائم. أيها الناس: رَحمكم الله إنا خرجنا للوجه الذي عَلمتم فكُنا مع والٍ حافظ حَفِظ وصيةَ أمير المؤمنين كان يسير بنا الابْردين ويَخْفض بنافي الظهائر ويتخذ الليل جملًا يعُجل الرِّحلة من المَنزل الجَدْب ويُطيل اللبث في المنزل الخِصْب فلم نزل على أحسن حالة نعرفها من ربّنا حتى انتهينا إلى إفريقية فنزلنا منها بحيثُ يسمعون صَهيل الخيل ورُغاء الإبل وقَعقعة السلاح. فأقمنا أياماً نُجِمّ كُراعنا ونُصْلح سِلاحنا ثم دعوناهم إلى الإسلام والدخولِ فيه
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
فأبعدوا منه فَسألناهم الجزية عن صَغار أو الصلحَ فكانت هذه أبعدَ فأقمنا عليهم ثلاثَ عشرَة ليلة نَتأنّاهم وتَختلف رُسُلنا إليهم. فلما يَئِس منهم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذَكر فضلَ الجهاد وما لصاحبه إذا صَبر واحتسب ثم نَهضنا إلى عدوّنا وقاتلناهم أشدَّ القتال يومَنا ذلك وصَبر فيه الفريقان فكانت بيننا وبينهم قَتْلى كثيرة واستشهد للهّ فيهم رجال من المُسلمين فبِتْنا وباتوا وللمُسلمين دويّ بالقرآن كدويّ النحل وبات المشركون في خُمورهم وملاعبهم فلما أصبحنا أخذنا مصاّفَنا الذي كُنا عليه بالأمس فزحف بعضُنا على بعض فأفرغ الله علينا صَبْره وأنزل علينا نَصْره ففتحناها منِ آخر النهار فأصبنا غنائم كثيرة وفيئاً واسعاً بلغ فيه الخُمس خَسمائة ألف فصفق عليها مروان بن الحكم فتركتُ المسلمين قد قرَّت أعينُهم وأغناهم النّفل وأنا رسولُهم إلى أمير المؤمنين أُبشره وإياكم بما فَتح الله من البلاد وأذلِّ من الشرك. فاحمدوا الله عبادَ الله على آلائه وما أحل بأعدائه من بأسه الذي لا يردّه عن القوم اْلمُجْرمين ثم سكت. فنهض إليه أبوه الزُّبير فَقَبِّل بين عينيه وقالت: ذُرِّية بعضُها من بعض والله سميع عليم يا بني: ما زِالْتَ تنطق بلسان أبي بكر حتى صَمَت. خطبة عبد الله بن الزبير لمّا بلغه قتل مصعب صَعِد المنبر فحمد الله وأَثنى عليه ثم سكت فجعل لونُه يحمر مرة ويصفر مرة فقال رجلٌ من قُريش لرجل إلى جانبه: ما له لا يتكلًم فوالله إنه للبيب الخُطباء قال: لعله يريد أن يذكر مَقتل سيد العرب فيشتدّ ذلك عليه وغير ملوم. ثم تكلًم فقال: الحمد لله له الخَلْق والأمر والدُّنيا والآخرة يُؤتي الملك مَن يشاء ويَنزع الملك ممّن يَشاء ويُعز مَن يشاء ويُذل مَن يشاء. أمّا بعد: فإنه لم يُعزّ اللهّ مَن كان الباطلُ معه وإن كان معه الأنامُ طُرّاً ولم يُذل مَن كان الحقُّ معه وإن كان فَرْداً. ألاَ وإن خبراً من العراق أتانا فأَحْزننا وأَفْرحنا فأمّا الذي أَحزننا فإن لفراق الحَميم لوعةً يجدها حميمه ثم يرعوي ذوو الألباب إلى الصَّبر وكريم العَزاء وأمّا الذي أفرحنا فإنّ قَتْل مُصعب له شهادة ولنا ذخيرة أَسلمه النّعام المًصلَّم الآذان. ألاَ وإن أهل العِراق باعوه بأقلّ من الثَمن الذي كانوا يأخذون منه فإن يُقتل فقد قُتل أخوه وأبوه وابنُ عمه وكانوا الخيارَ الصالحين. إنا والله لا يموت حَتْفَاً ولكن قَعصاً بالرِّماح ومَوْتا تحت ظلال السُّيوف ليس كما تموت بنو مَرْوان ألا إنما الدُنيا عاريّة من المليك الأعلى الذي لا يَبيد ذِكْره ولا يَذِل سُلطانه فإنْ تُقبِل الدنيا عليّ لم آخُذها أَخْذ الأشِر البَطر وإنْ تُدْبر عني لم أَبْك عليها بُكاء الخَرِق المهين ثم نزل.
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)