منذ نعومة أظفارهما وهما تعيشان معاً فقد كانتاجارتين وذهبتا إلى المدرسة الابتدائية معاً وكذلك أنهيتا حياتهما الدراسية فيالثانوية العامة والجامعة معاً فكانتا أكثر من أختين هكذا كانت (ز) و(ج). بعد التخرج من الجامعة عملت (ز) مترجمة في إحدى الصحف في حين عملت (ج) مدرسة في مدرسة إعدادية فكلتاهما تخرجتا من قسم اللغات تخصص أدب انجليزي ورغم أنالعمل فرقهما إلا أن (ز) و(ج) كانتا تلتقيان معا في نهاية كل أسبوع. أماالحديث عبر الهاتف فلا ينقطع أبداً، كانت كل واحدة عبارة عن كتاب مفتوح أمامالأخرى، فليست هناك أسرار بينهما ولا حواجز خاصة ولا مناطق محرمة فالصداقة التيكانت بينهما ولا تزال تسمح بإذابة الحواجز. زواج (ج) في أحدي الأيامتقدم شاب ميسور الحال ويشغل وظيفة جيدة إلى عائلة (ج) طالباً يدها وبعد أخذ ورد تمتالموافقة عليه، تزوجت (ج) وفرحت لها صديقتها فرحاً كبيراً ورغم مشاغل (ج) الجديدةوحياتها الزوجية الا أن ذلك لم يمنع اتصالها بصديقتها (ز) بل إن (ج) كثيرا ما كانتتدعو (ز) لتناول الغداء معها في بيتها خاصة عندما لم يكن زوجها موجوداً فيالبيت فالعادات والتقاليد تمنع أن تنكشف (ز) على زوج صديقتها. بعد زواج (ج) بعامرزقت بطفلها الأول ثم طفلها الثاني فزادت مشاغلها، حيث البيت والأولاد والزوجوالتدريس كل ذلك جعل (ج) تنسى واجباتها تجاه صديقتها (ز). في أحد الأياماتصلت (ز) بصديقتها وبعد حديث طويل عن الأهل والعمل والأحوال وغير ذلك قالت (ز) لصديقتها إنها تريد أن تستقيل من العمل فالترجمة في الصحيفة تأخذ كل وقتها كما انهامتعبة جداً لذا اتخذت قرارها بالاستقالة قائلة لها إنها تريد أن تعمل في سلكالتدريس. رحبت (ج) بالفكرة وطلبت من صديقتها أن تستقيل فوراً وأن تقدم طلباًللعمل في المدرسة التي تعمل فيها، خاصة وأن هناك نقصاً كبيراً في مُدرسات اللغةالإنجليزية، تقدمت (ز) للوظيفة الجديدة وبعد موافقة وزارة التربية انضمت (ز) إلىصديقتها (ج) وعادت الحياة إلى مجاريها معهما من جديد. مرحلةعصيبة رغم أن (ز) فتاة جميلة ومتعلمة إلا أنها لم تجد رجلاً يتقدم لطلبيدها، فالعادات والتقاليد في المجتمع تمنع المرأة من رؤية حتى أقاربها، فما بالكبرجل غريب، لذا بقيت (ز) تعاني نفسياً من عدم الزواج، وأصبح سيف العنوسة مسلطاً علىرقبتها. حاولت (ج) أن تساعد صديقتها، فما كان منها إلاّ أن طلبت من زوجها أن يرشحشاباً لخطبة (ز) إلاّ أن هذه المساعي لم تنجح،كان كل يوم يمر على (ز) من دون أن يتقدم أحداً لطلب يدها يشعرها بأنها فتاة غيرطبيعية أو غير مرغوبة، علماً بأنها على قدر من الجمال والتعليم، كما أن أسرتهامعروفة في المنطقة من حيث الجاه والغنى، كانت هذه القضية تضغط على (ز) بشكل كبيرحتى تعبت منها، وأخيراً قررت تجاهلها، خاصة بعد المشاكل التي كانت تنقلهالها صديقتها (ج)، حيث المسؤوليات كبيرة، فهناك ضغوط من الزوج وأخرى من الأولادوثالثة من الديون التي أصبحت تتراكم على (ج) وزوجها بسبب خسارته المتتالية في سوقالأسهم والبورصة، حتى وصل الأمر ب(ج) لأن تقول لصديقتها عليك أن تحمدي الله أنك لستمتزوجة. البورصة ابتلعت كل شيء كان زوج (ج) يشتري ويبيع في الأسهمشأنه شأن كل الموظفين في القطاعين العام والخاص، وكان مرة يكسب وأخرى يخسر، وهكذافي إحدى المرات ابتاع (ع) زوج (ج) أسهماً بمبالغ كبيرة وكانت جميع المؤشرات تقول إنهذه الأسهم بالذات ستحقق أرباحاً طائلة، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقدكتبت إحدى الصحف مقالها حول تلك الأسهم، وأكد المقال بأن أصحاب الشركة التي تبيعتلك الأسهم يتلاعبون في سعرها، وأن هناك فرقاً كبيراً بين سعر الأسهمالحقيقي والسعر المُعلن. هذا المقال تبعه مقالات أخرى أدت إلى انهيار تلك الأسهمبشكل ملحوظ حتى أن (ع) خسر نحو 90% من استثماراته، ما أدى به إلى الاستدانة منالبنوك حتى لا يدخل السجن، عندما عرفت (ج) بما حدث لزوجها قامت بدفع كل ما لديها منمدخرات إليه طالبة منه أن يسدد الديون المُلحة واعدة إياه أن تعطيه كلراتبها ليسدد بقية الديون. كانت الديون كبيرة تصل إلى نحو مليون دولار، ومع ذلكبدأت (ج) وزوجها رحلة الألف ميل لتسديد تلك الديون، كانت (ز) على دراية بكل شيءوبالظروف التي تحيط بصديقتها (ج) لكنها لم تكن قادرة على عمل شيء، هنا خطرت ببال (ج) أن تأخذ نصيبها في التركة التي لها من والدها، وهي عبارة عن بيت شعبيكبير مؤخر لعائلة، وأخوها استقل في بيت جديد وأخذ والدته معه، لذا فكرت (ج) في بيعالبيت واقتسامه مع أخيها وأمها، وبالتالي تأخذ نصيبها وتسدد ديون زوجها، عرضت (ج) هذه الفكرة على والدتها وأخيها إلاّ أنهما عارضاها في ذلك قائلين إن زوجها لا يزالفي وظيفته وهو يسدد ديونه من راتبه وراتبها، إذاً ليس هناك أمر ملح، لكن (ج) أصرّتعلى رأيها، واجهت (ج) رفضاً قاطعاً من أخيها، فهو لن يقبل أن تكون تركة أبيهثمناً لسداد ديون الغير، هذه القضية أثارت الحساسيات بين (ج) وأهلها، لكنها رفضتالخضوع وقررت اللجوء إلى القضاء. هنا أحس أهل (ج) خاصة أخوها بأنه لا فائدة فقامببيع البيت وإعطائها نصيبها فيه عندما تسلمت (ج) نصيبها أعطته لزوجها الذي قامبدوره بتقديمه إلى البنوك وهكذا تم تسديد جزء كبير من ديونه. هذا الموقفالذي قامت به (ج) أدى إلى قطيعة بينها وبين أهلها، حاولت (ز) ان تصلح بينهم لكنهالم تتمكن وعندما عاتبت (ج) على فعلتها هذه وتضحيتها بأهلها من أجل زوجها قالت لهاإن زوجها رائع فرغم أنه كان سبباً في الخلاف بينها وبين أسرتها إلا أنه إنسان عظيموزوج مخلص يستحق التضحية والإخلاص فخلال زواجي لم أر منه إلا كل خير. الغيابعن المدرسة في الأيام الأخيرة بدأت (ز) تغيب كثيرا عن المدرسة ما جعلصديقتها (ج) تشعر بالقلق عليها، فقد كانت تظن أن عدم زواجها هو الذي يؤثر سلباً علىتصرفاتها وعدم التزامها بدوامها المدرسي. وحاولت أن تنصح صديقتها بأن الزواج قسمةونصيب والا تفكر كثيراً في الأمر إلا ان (ز) لم تعد تهتم بنصائح (ج) في اللقاءاتبينهما أصبحت قليلة أما الحديث عبر الهاتف فقد انقطع كلياً حيث إن هاتف (ز) كاندائما مغلقاً. قررت (ج) ترك (ز) لظروفها وبدأت تنتبه إلى أوضاعها الخاصة فقدبدأت تعاني من قطيعة أهلها لها لكنها في الوقت ذاته كانت مقتنعة بأن ما فعلته تجاهزوجها كان صواباً خاصة وأن زوجها رجل طبيب حتى أنه لم يبخل عليها بأي شيء وهو فيأزمته المالية تلك. في أحد الأيام لاحظت (ج) بأن زوجها سارح ويدخن بشراهةوعندما سألته عن سبب سرحانه أخبرها بأن عليه أن يدفع للبنك دفعة جديدة وهذه الدفعةكبيرة جداً هنا قالت له (ج) أذهب إلى أحد اخوتك واطلب منه أن يساعدك وان لم تستطعالحصول منه على شيء فسأتدبر الأمر فلا تقلق، ذهب (ع) من فوره إلى أخيه الأكبر وطلبمنه المال لكن الأخ اعتذر له بحجة أن المبلغ الذي يطلبه كبير وهو لا يملك جزءاً منه معللاً بأن جميع أمواله في البورصة، عاد (ع) مثقلاً بالهموم إلى زوجتهوأخبرها برد أخيه فما كان منها إلا أن هونت عليه وقالت له بأنها ستتدبر الأمر. فياليوم الثاني ذهبت (ج) إلى محلات الذهب وباعت كل ما لديها من مجوهرات وألماس، ورغمأنها حصلت على مبلغ لا بأس به إلا أنها لا تزال تحتاج إلى المزيد وهنا خطر ببالهاأن تتصل بصديقتها (ز) حيث طلبت منها أن تعطيها مبلغاً من المال لتكمل بهالمبلغ المستحق على سداده على زوجها، سارعت (ز) بإعطائها المبلغ المتبقي، وعادت (ج) فرحة مسرورة إلى زوجها وأعطته المال كله وقالت له تستطيع في الغد ان تذهب إلى البنكوتسدد القسط المستحق عندما سألها زوجها من أين حصلت على هذا المبلغ الكبير أخبرتهبكل شيء، ورغم أنه شكرها على موقفها معه قائلا إنه لن ينسى لها معروفها معهإلا انه قال لها كنت أتمنى لو ان صديقتك (ز) لم تعرف ذلك حتى لا يهتز موقفنا (خاصةأنت) أمام الناس لكن (ج) أخبرته بأن (ز) أكثر من أخت وعليه أن لا يهتم لهذا الأمر،في اليوم الثاني كان (ع) يقف منذ الفجر أمام البنك ليسلم المبلغ المستحقعليه. في المستشفى فجأة سقطت (ج) على الأرض فبينما كانت تزور إحدىالشقق في عمارة لا تبعد عن بيتها كثيراً أغمي عليها وتم نقلها إلى المستشفى حيثكانت تعاني من عدم القدرة على النطق استمرت (ج) تحت الرعاية الصحية لفترة تزيد علىثلاثة أسابيع بعدها فاقت من الصدمة التي كانت تعاني منها وبدأت تتكلم بصوت خافتولكن ليست بشكل جيد، وبعد أن استعادت قدرتها على النطق طلبت من أمها التيكانت بالقرب من سريرها طوال فترة مرضها أن تتصل بالشرطة، فتم الاتصال بالشرطة حيثاتهمت (ج) زوجها بأنه خدعها وغدر بها، وأنه سبب لها هذه الصدمة العنيفة التيأدخلتها إلى المستشفى، تم استدعاء (ع) إلى مركز الشرطة للتحقيق معه حيث قال إنه يحبزوجته حباً كبيراً وأنه لن ينسى تضحياتها من أجله، وبدأ يسرد القصة التيسببت لزوجته الصدمة، حيث قال إنه تلقى يوماً اتصالاً هاتفياً على هاتفه النقال من (ز) صديقة زوجته وأنها عرضت عليه أن تساعده في أزمته المالية التييمر بها لكنها اشترطت عليه أن لا يخبر صديقتها (ج) بذلك ورغم أنه كان متردداً فيالبداية إلا أنه وافق حيث اتصلت به (ز) مرة ثانية طالبة مقابلته وتم اللقاء في أحدالفنادق الكبرى حيث قالت له (ز) بأنه تعرف عنه كل شيء، حتى علاقته الخاصةمع زوجته تعرفها بالتفصيل، لأن (ج) كانت تقول لها كل شيء بلا تحفظات وأضافت (ز) بأنها أحبته من قلبها وجوارحها وإنها كانت ترسم صورته زوجاً لها كل ليلة ولهذا فهيتعرض عليه أن تسدد جميع ديونه رغم حجمها الكبير، إضافة إلى وضع رصيد باسمه في البنكوشراء سيارة فارهة له وشراء شقة لهما في حي راق حيث ستقوم بتأثيثها من أغلى أنواعالأثاث مقابل أن يتزوجها، وأضاف (ع) بأنه لقي هذا العرض مغرياً لكن كان لهشرط واحد وهو أن يبقى زواجهما سراً فقالت له (ز) بأنها هي الأخرى تريد ذلك حتى لاتخسر (ج) صديقة عمرها، وهكذا تم الزواج في سرية تامة حتى أن أهل (ز) لايعرفون بذلك واستمر الأمر سراً لكن في أحد الأيام بينما كانت (ز) تصعد إلى العمارةالتي تسكن فيها رأتها (ج) ونادتها بأعلى صوتها إلا أن (ز) لم ترد عليهالأنها لم تسمعها فلحقت (ج) بصديقتها وهنا سألت بواب العمارة عن الشقة التي تسكنفيها فأخبرها البواب بذلك وعندما دقت الباب لسوء الحظ كنت أنا الذي فتح لها بابالشقة وكنت ألبس (البيجامة) وعندما رأتني (ج) توقف لسانها عن الكلام، وهنا جاءت (ز) فرأت المشهد الذي لم تكن تتصوره فما كان من (ز) إلا أن قالت لها بأن العلاقةالتي تربطني بـ (ع) علاقة شرعية فنحن متزوجان منذ أكثر من ثلاثة أشهر وطلبت من (ج) أن تسامحها لأن الظروف كانت أكبر من كل شيء، وقال (ع) إن (ج) لم تنطق بأي كلمة وكأنالموقف كان أكبر من أن تستوعبه فانطلقت إلى الشارع وهي تبكي، وحدث لها بعد ذلك ماحدث ثم قام (ع) بتقديم عقد الزواج للضابط الذي كان يحقق معه، ألقى الضابطنظرة على العقد فوجده صحيحاً وموثقاً من إحدى المحاكم، فما كان منه إلا أن أعادهإلى (ع) وهو يقول له باستطاعتك أن تتصرف فليس هناك جريمة بمعنى الجريمة ضدك لكنعليك أن تعرف أن عدم إخلاصك لزوجتك جريمة، وعدم تقديرك لتضحياتها جريمة، ثم نظر إلى (ز) التي كانت تجلس بجانب (ع) وقال لها هناك الملايين من الشباب، ألم يرقلك إلا زوج صديقتك حتى تخطفيه منها، هنا قالت (ز) بأنها لم تر (ع) ولم تعرفه قبلذلك ولكن حديث (ج) عنه وعن تصرفاته الرائعة معا وطيبته وكرمه وأخلاقه هو الذي جعلنيأفكر فيه كزوج، لقد كانت (ج) تتحدث عنه أمامي باستمرار وترسمه لي بصورة ملاك لاإنسان فأحببته بدون أن أدري، خرجت (ز) و(ع) من مركز الشرطة وذهبا إلىشقتيهما في حين عادت (ج) إلى بيتها تحتضن طفليها، والدموع تملأ عينيها وهي تلومنفسها لأنها وثقت بصديقتها كل هذه الثقة ولأنها كانت تخبرها بكل شيء حتى أدقالتفاصيل في حياتها الزوجيه