من حقهم أن يسألوا هذا السؤال ونحن من حقنا أن نذكّرهم أو نخبرهم إن لم يكونوا يعلمون جواب هذا السؤال ومن حقنا عليهم أن ينصتوا إلى الجواب ويتفكروا فيه.
لقد تسلحنا عندما كانت تحاصَر شوارعُنا من كل منافذها بالحواجز ويَخترق رصاصهم الجدران والنوافذ، ويُقتل الأطفال وهم نائمون على فرشهم في غرفهم، ليس رداً على رصاص من أحد وإنما رداً على المظاهرات أو التكبير.
وتسلحنا عندما كنا نرى وبعد أن تبدأ المظاهرة بدقائق .. أرتالاً من باصات الأمن الخضراء المكتظة بالشبيحة المدججين بالعتاد .. يصلون إلى المظاهرة ويتسابقون في إرواء غليلهم بفتح النار على رؤوس أطهر شباب الحارة ،ونرى أمامنا الشباب تتساقط كما تتساقط الطيور وليس بيد أحد منا حيلة يرد هؤلاء المفترسين.


وتسلحنا بعد أن كنا نراقب من النوافذ الخفية الشبيحةَ يتجولون في حاراتنا بعد أن يفضّوا المظاهرة برصاصهم وبعد أن نسحب جرحانا وشهداءنا .. يهتفون لبشار ويشتمون ديننا وعقيدتنا..

وتسلحنا عندما كانوا يدخلون بسيارات الشرطة ويلتقطون ما يقع تحت أيديهم من أنبل وأفضل الشباب ويضعونهم مثل البضاعة في سياراتهم يكدسونهم بذلّ واحتقار وضرب وتنكيل، وأهلُ الحارة ينظرون إليهم في خفاء.. والألم والأسى يعتصر قلوبهم والدمع ينسكب من مقلهم.
وتسلحنا بعد أن رأينا أهالي المعتقلين وهم يسرعون إلى سماعة الهاتف حين يرن لعل خبراً يأتيهم عن ولدهم الشاب الذي نشأ كالزهرة بين إخوته وفي أحضان أبيه وأمه، ثم كان نصيبه الاعتقال من قلب مظاهرة كان يهتف فيها مع أصدقائه ضد الظلم والاستعباد، نعم يسرعون بل ويتسابقون إلى سماعة الهاتف .. ليخرج لهم صوت ينهق يسأل عن صاحب البيت .. وتراهم في تلك اللحظة يقفون جميعاً هامدين.. حتى يتقدم الأب مرتجفاً ممسكاً بسماعة الهاتف..يتسلم خبر موت ولده وفلذة كبده من عنصر الأمن ويتسلم أيضاً دعوة من هذا الأحمق لاستلام الجثة، لتكون الجثة في اليوم التالي بين أيديهم ، يتحلقون حولها شاردين يحاولون أن يتصورا الحالة التي كان فيها ولدهم أو أخوهم وهو يموت، وكم يوماً بقي حتى مات وهو يعذب ويُجرح ويتألم.
تسلحنا بعد أن صرنا لا نأمن على أنفسنا ونحن في المسجد من الرصاص وبعد أن كنا نرى كيف تتفلت علينا قطعان الأمن ونحن داخل المسجد يوم الجمعة ووكيف يتطاير الرصاص حول المسجد كالغبار ويدخل عبر نوافذه، وكم من الأيام بقي المصلون فيها حتى المغرب في المسجد يتسلل الواحد تلو الآخر بصعوبة بالغة من أسطح الجيران على أمل أن يصل بيته قبل أن يصطاده قناص حقير.
تسلحنا عندما كنا نرى الإنسان منطرحاً على الأرض مصاباً لا يقدر على الحراك والدماء تتدفق من عروقه، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب منه لإنقاذه لأن القناص الأرعن المجرم يريد له الموت.
تسلحنا حينما رأينا جرحانا على الأرض ينزفون ونحن ننظر إليهم ننتظر لعلنا نجد سائق سيارة يجازف بحياته لإنقاذ هؤلاء الجرحى وإيصالهم إلى إحدى المشافي الميدانية، وعندما يأتي سائق تغلبه مشاعره على التفكير في مصيره المحتوم إن أمسكت به عصابات الأمن، نحمل الجريح أو الجرحى معه وكلنا قلق وخوف عليه، لتردَنا الأخبار بعد ساعات أنه اعتقل هو والجرحى،! وبعد أيام نتسلم الذين كانوا جرحى شهداء من المسلخ العسكري، أما السائق فهو أيضاً شهيد لكنه مقطع ومعذب وقد سرقت منه بعض الأعضاء.

تسلحنا بعد أن رأينا القناص يمسك بقناصته الحارة كلها عن الحركة ولا يجرؤ إنسان طيلة ساعات أو أيام ليخرج من بيته أو يقترب من نافذته، وكل ذلك لمنع تظاهرة يقوم بها الناشطون لساعة من الزمن.

تسلحنا بعد أن رأينا كيف يعتقلون أسرة كاملة مع الأم والأولاد والأطفال ليجبروا زوجها المنشق عن الجيش على تسليم نفسه.
تسلحنا بعد أن رأينا البنت يمسكونها ليجبروا أباها الذي يعمل في توزيع المساعدات لأطفال الشهداء الأيتام ويهددونه باغتصابها أو ذبحها إن لم يسلم نفسه.
تسلحنا بعد أن رأيناهم كيف يحاصرون حارة كاملة ويقطعون عنها الكهرباء والماء وجميع أنواع الاتصالات لأيام، عقوبةً على خروجها في التظاهرات، وحينما تتفطر قلوب أهل الحارات الأخرى عليهم ويجازفون بسلوك بعض الطرق لإدخال الخبز ويصادفون في طريقهم قطعاناً من الأمن تجد تلك القطعان تلاحقهم وكأنها عثرت على عصابة إجرام مرعبة فيكبلونهم ويعتقلونهم، وغالباً يكون مصير هؤلاء القتل في المعتقلات.
وتسلحنا عندما كان الجيش يقتحم الحارة بآلياته وباصاته الخضراء وحاملات جنده ويجمع الرجال والشباب يضربهم ويعذبهم ويعتقل ما يحلو له منهم، ويدخل ضباطه والعناصر معهم إلى البيوت يفتشون ويسرقون ويختارون من البنات ما يشاؤون ويتغصبونهن.
وتسلحنا عندما كان يقف الضابط ويعطي أوامره للأم أمام أولادها وأمام زوجها وأمام الأسلحة المتوجهة إليهم جميعاً.. بالاستجابة لنزواته وأخلاقه الحيوانية النتنة ورائحته الخبيثة ومنظره المقزز ويجبرها على الرضوخ.
نعم تسلحنا بل إننا كنا مستعدين لنفتح الغاز على الجيش إن دخل إلى بيوتنا ولو أدى ذلك إلى القضاء علينا معه، وكنا مستعدين لندافع عن عرضنا وأنفسنا بأي طريقة وبأي حل.

نعم تسلحنا عندما كنا نرى أحد شبابنا المتظاهرين على قناة الدنيا معترفاً بحمله السلاح أو تهريبه له أو إطلاق النار، ونحن نعلم علم اليقين بل ورأيناه بأم أعيننا أنه اعتقل من مظاهرة ولم يمسك بيده سلاحاً لا في طفولته ولا في ربيع شبابه حتى اعتقلوه وعمره لا يبلغ العشرين.
تسلحنا بعد أن رأيناهم كيف يجبرون أولادنا على الاعتراف بأنهم هم من يطلق النار على المدنيين، حيث كانت تصلنا أخبار من داخل السجن عن الوسائل الإجرامية التي يمارسونها ليقبل البوح بتلك الاعترافات الزائفة .

نعم تسلحنا لما رأيناهم يقتلون أبناءنا ثم يتهموننا نحن بقتلهم وبحمل السلاح.. فحملنا السلاح وكان خيراً لنا من أن يكون حملُنا له مجرد اعترافات يلصقونها بنا، بل إن حملنا له حقيقة كان أفضل لنا من أن تكون قنوات الأسد السفيهة هي من تحملنا إياه كذباً وزوراً وبهتاناً.
تسلحنا وبعد ذلك طلبنا المزيد من السلاح والعتاد عندما بدأ الأمن لا يجرؤ على اقتحام حاراتنا خوفاً من مسدساتنا أو ما كنا حصلنا عليه من بعض البنادق الخفيفة، وعمد إلى الاستعانة بآلياته الثقيلة وصار يقصف شبابنا بالحمم والقذائف ويقتلهم بها بدل الرصاص.
تسلحنا وطلبنا المزيد من العتاد حينما بدأ الشبيحة وتحت حماية آليات الجيش بخطف بناتنا ونسائنا.
تسلحنا حينما كانت ثمة بيوت مخصصة للشبيحة عند كل حاجز جيش وبحمايته يجمعون فيها البنات والنساء المخطوفات ويمارسون عليهم كل أنواع التعذيب والرذيلة.
تسلحنا وطلبنا المزيد حينما وجدنا مجموعات من الشبيحة تقتحم بيوت أهالينا وأسرنا وتذبح العوائل كما تذبح النعاج.
تسلحنا عندما رأينا طفلاً نجى من الذبح بعد أن اختبأ في سقيفة البيت يتحدث بل يتلعثم بالحديث وهو يقص ويبكي ويشهق كيف رأى أمه وأباه وإخوته ممددين على الأرض مقطعة أوردتُهم تتدفق منها الدماء ولا يسمعونه ولا إليه يتحدثون !!
تسلحنا بعد أن رأينا أطفالاً يبحثون لهم عن قريب أو غريب يتعرف عليهم يكفلهم بعد أن صار أبواه وإخوته في عداد المذبوحين ..
تسلحنا وطلبنا التسليح بأقوى أنواع الأسلحة ونحن نرى الأسر الآمنة تتهدم بهم البيوت ويُمطَرون بشتى أنواع الصواريخ والقذائف دون عقل أو رحمة أو أية مشاعر إنسانية.
تسلحنا عندما صرنا إذا أردنا أن ننتقل ضمن مدينتنا حمص مثلا من حارة لأخرى لا بد لنا من المرور على أربعة أو خمسة من الحواجز أصحاب الوجوه المربادة الخبيثة لنقف عند كل حاجز عشرات من الدقائق صاغرين ننتظر رحمة سفيه أحمق يتحكم بمشاعرنا ويتمتع بتفتيشنا.
تسلحنا عندما رأينا البعض يمرون على الحاجز فيفتشهم ويشير لهم بالمرور ثم يطلق النار عليهم تشفياً مما رآه على هويته من عنوانه وقيده فيرديه قتيلاً .
تسلحنا وطلبنا التسليح لنحرر البلد من عصابة الإجرام التي تتلذذ بإذلال واحتقار وقتل واستعباد أبناء وطنها.
لذلك تسلحنا ولذلك لم نر حلاً غير التسليح إلا إن أراد من يسأل عن سبب تسلحنا فناءنا، ورضي بسحق كرمتنا وهتك أعراضنا، وسرَّه أن تُدفن ثورتنا مع أجساد شهدائنا!!
هو جوابنا عن سؤالهم .. لم يكن تأليفاً أو أفكاراً إنما كان واقعاً عشناه على مدى أشهر طوال في حمص ، لقد كلف هذا السؤال للإجابة عليه دماء ودموعاً، وآلاماً وأنيناً وفقداً وتشرداً ونزوحاً.. وليس في الجواب إلا الواقع كما هو دون أي خيال أو مبالغة.
21-5-2012
محمد العثمان