بسم الله الرحمن الرحيم
كنت كلما طالعت ورقة ً بيضاء ممددة ً على طاولتي كجثةٍ هامدة ٍ لا حراك فيها أطوق إلى أن أبث فيها الروح بقلمي وأبعث الحياة في شرايينها بمداد أفكاري
إلا أني أعود متردداً خائفاً من تلك المساحات البيضاء النابعة من أصغر جزيئات هذا العالم الغريب العجيب عالم الكتابة
أسدل ستائري وأجمع أوراقي فوق طاولتي الخشبية ثم أطفئ جميع الأضواء إلا ضوءً صغيراً موجَّهاً نحو الأوراق ولا يكاد يضيع ذرة نور بعيداً عن هدفه
وحيداً مع هذا الضوء وتلك الأوراق وكوب القهوة العربية أجلس كل ليلة ألملم أفكاري لأرسم هذه الصفحات
لم يخطر لي يوماً أن أكتب ذكرياتي فلست ممن بصموا على كتاب التاريخ أو زحزحوا جدار الزمن أو وضعوا لبنة ً في صرح الحضارة ولم أنقش حتى حرفاً على حجر ٍ صغير في حياة هذا الكون
لكني اليوم واليوم فقط قررت أن أخط مذكراتي أكتبها أو أحررها لا أدري
لمن أخط هذه الذكريات وفي أي غلافٍ أغلفها سؤالٌ يحيرني
أأكتبها لكِ أنت حبي الأول لحظات حياتي الأجمل أأكتب مستلهماً من سويعاتٍ داعبت فيها الثريا فرحاً وسرور
أهٍ كم تمنيت ذاك ولكني وكما تعلمين لست الآن بصاحب الحق بمداعبة خيوط الذكريات معك
لعلي سأرسم صور الماضي مع الصديق الأخ الذي قاسمني وقاسمته أنفاس الأمل الأخيرة ولحظات التخبط والحيرة في مسيرة الشباب الأولى
آهٍ لو أستطيع....ولكن...!
لكني سأكتب لك أنت بسمة الأمل واللحظة الأجمل أو لعلها اللحظة الأخيرة قبل الرحيل الأخير
قد تكوني الآن وفي لحظة كتابة هذه المذكرات أبعد ما تكوني عن فهم ما أقول ولكنك غداً عندما تجلسين خلف طاولتي هذه تستذكرين ستدركينها جيداً
أتوقعك الآن تلملمين ذكرياتٍ ماضية وتطرحين الكثير والكثير من الأسئلة
تقرئي وتذرفِ الدمع من نهر الحنين والشوق
سأكتب لكِ لو تريدي معرفتي سأكتب سأصرخ ولا يهمني من يسمع إن لم تكوني أنتِ بقدر ما يهمني أن أخرج ما بصدري من غضب
كان ذاك يوم أدركت أول مرة حقيقة هذا العالم وأيقنت أني ابن جيلٍ عاش يستنشق الحياة من بين مخالب الحروب
فمذ وعيت على هذه الدنيا وأنا أجد نفسي شاهد عيان قريب أو بعيد على حروبٍ تمزق أمم وتحطم أساطير وأرى أمامي شعاراتٍ تنهار أمام ضعف حامليها أو ربما خياناتهم لها حتى بات الشعور العام يسود أن جميع الأحزاب قد تنصلت لمبادئها
نحن قومٌ أعزنا الله عز وجل بالإسلام
حرب لبنان حرب الخليج الأولى والثانية البوسنة والهرسك أفغانستان وأضحوكة السلام المملة
ثقافة ٌ سياسية عشناها وما عشقناها تراكيب غريبة من الشباب سيرتنا فذاك مازال يبحث خلف الجدران عن فلول قومية ٍ ما و آخر ينقب تحت الأرض عن أطلال حزبٍ كان ذات يوم يشحننا قادته بمبادئ نبيلة
أو ضيع على أحد الحدود جواز سفره ليهيم على وجهه بين الأرصفة المقرفة والحانات الساقطة على الجانب الآخر من الشوارع المزدحمة لمدن النور الكبيرة
وآخر باع قلمه وأوراقه وصوته ومواقفه بلفافتي تبغ وغمزة عين ٍ فاطمية
وثالثٌ ورابع .......وآلف
في هذا الجو المشبع بنتانة النفاق والانكسار كان يجب أن أحلم وأعيش ولما كان ليس بمقدوري أن أنظف النهر بمفردي قررت أن لا أغرس رأسي في الوحل على أقل تقدير
نحن قومٌ أعزنا الله عز وجل بالإسلام
كنا خمس شباب جمعتهم أحلامٌ لازودية فعزموا على أن يثبتوا على مبادئهم, أو على أقل تقدير أن لا يتغيروا أو ينساقوا في هذه الدوامة كيما يسقطوا بين رحا
طواحين الحياة , شبابٌ قرروا أن لا يهونوا يوم هان كل شيء
ـ مجد : يدرس الأدب العربي ويعشقه شابٌ متدينٌ بعض الشيء يحب الشعر ويكتبه عاموديً ولهو بعض المحاولات القصصية
ـ دنيا : فتاة ٌ جميلة ٌ رشيقة متحررة أو هكذا يظن من حولها تدرس في المعهد العالي للفنون والموسيقا تعشق الإخراج المسرحي وهي مخطوبة لمجد وسيتزوجان بعد إنهاء الدراسة
ـ ميادة : ابنة عم دنيا جميلة ٌ أيضاً صوتها رائع وهي تدرس معي هندسة الكمبيوتر
نحن قومٌ أعزنا الله عز وجل بالإسلام
ـ و وليد : العاشق للفلسفة والهائم بميادة ويدرس علم النفس
أخذنا شراباً مرطباً وخرجنا نتجول في حديقة الجامعة بعيداً عن الكافيتيريا المكتظة كعادتها بالطلاب
يوم رأيتها أول مرة فتاة ٌ استسلمت لمغريات عصرنا التافهة متبرجة ٌ بل بالغة التبرج إلى حدّ ٍ توحي لكِ لوهلة أنها متمردة على رتم الجامعة وعاداتها
فنحن لم نعتد أو لعلنا نرفض التمادي في العري داخل حرم الجامعة المقدس
وأنا نفسي أستهجن تلك الكمية الهائلة من أدوات الماكياج والأصباغ التي تغطي وجهها لتخفي فتناً طبيعياً لست أنكره
كانت ضحكاتها الجميلة تعكس حبها الكبير للحياة فتظهر جوانب من شخصيتها وحضورها اللافتين
نحن قومٌ أعزنا الله عز وجل بالإسلام
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)