Share |



نظرت في مرآتها تتفحص معالم وجهها الذي يحكي تاريخ جميلة...
كادت أن تسألها :يامرآتي هل من إمرأة أجمل مني ؟؟
لكنها لم تفعل لأنها تعرف أن الجواب سيكون : نعم أصبح هناك من هي أجمل منك !!
تتلمس جبهتها التي رسمت عليها الأيام عدداً من الخطوط بعدد عقود عمرها الخمسة..وعينيها السوداوين اللتين تحملان حزناً عميقاً زادهما سحراً..
قال لها ذات مرة : سأفعل المستحيل لأُسكِن تحت أهدابهما فرحاً يزين بريقه أجمل عينين رأيتهما..
ابتسمت ساخرةً..ماأسهل الوعود وما أبعدها ...
تركت شعرها الغجري يستريح على كتفيها بعد أن حررته من قيده ..تناثرت في أرجائه بعض شعرات بيضاء طالما أقلقها وجودها الجريء..
مازالت تذكر لمسته الحانية وهويزيح بأصابعه خصلة من على جبينها الواسع ويبتسم ابتسامة طالما سحرتها: هاهي صغيرتي تكبر في كنفي...
لملمت صغيرته خصلات شعرها الهاربة وأعادتها إلى الأسر..فلم يعد يليق بها أن تظل حرة..
تناولت من أمامها صندوقاً أبنوسياً صغيراً وأخرجت محتوياته الغالية..
ورقات تقويم اصفرَّ معظمها لقدمه ..دُوِنت في ذيل كل ورقة عبارة صغيرة تلخص قصتها..
قرأت وقلبها يخفق شوقاً لأيام هي كل تاريخها...
يوم خطبتنا : يوم زينت حلقة ذهبية جميلة بنصر يدها اليمنى لتعلن قدسية حبهما على الملأ..كان تاريخ يوم صيفي مر منذ 28 عاماً !!

لقد مضى الزمن سريعاً ولم تشعر به إلا اليوم..
يوم عقد قراننا : يوم وقعا عهداً للبقاء معاً حتى آخر العمر ..حين هتف قلبها مجيباً على سؤال ملكت إجابته روحها وعقلها :أقبل الزواج ..أقبل أن أكون له كل عمري وفوق عمري..
يوم زفافنا : كان لتلك الورقة بريق خاص مازالت تحتفظ به ..اختارا اليوم بدقة..(المتوسط الحسابي لميلاديهما ) كان ميلاداً جديداً لحلم رسما ملامحه منذ خفق قلباهما بحب كان أكبر من كل العقبات..
يوم ميلاد طفلنا الأول : ملاحظة كُتبت بيد أوهنتها معاناة ذلك اليوم ..مسحت بكفها دمعة تحدرت على خدها ..كما مسحت دمعته يوم احتضنها فرحاً بسلامتها وبمولد ولي العهد..
توالت الورقات:
يوم بزوغ السن الأول لطفلهما..وحتى يوم زفافه
يوم امتلكا منزلهما الصغير الأول...وحتى يوم نجاح شريك روحها في عمل أنهى معاناتهما الطويلة في بناء حياة لائقة لأسرتهما الصغيرة..
مر شريط الذكريات حاملاً معه متعةً آنستها لبرهة..
أطلقت تنهيدة عميقة... ومدت يدها تتناول ورقة تحمل تاريخ اليوم لتُسكنها بيت الذكريات الدافئ..
ارتجفت أصابعها وهي تحاول أن تخط عبارة تحفظ واقعة حدثت في ذلك اليوم..
حتماً لن تكون ( ذكرى زواجنا ال 27 ) رغم أنها تحمل نفس الرقم الذهبي ..
فكرت طويلاً ..مزيج غريب من العواطف اعتمل في صدرها..
حزينة هي لأن قلبها يلفظ آخر أنفاسه..
سعيدة لأنها اختارت بنفسها سعادته..
قطع حيرتها وشرودها طرقات مهذبة أطل بعدها وجهٌ شديد الشبه بوجهها في ذلك اليوم البعيد..
قالت صاحبته بنبرة تُخفي حزناً ورأفةً : ماما هل أنت جاهزة ؟
أومأت وهي تحاول رسم ابتسامة تهدئ قلق الحسناء الغالية : لحظة حبيبتي وألحق بكم ..
عانقتها الحبيبة بحنان وطبعت على خدها الذي مازال يحفظ أثر دمعاتها قبلة فيها الكثير من الحب والعرفان بالجميل قبل أن تتركها..
دونت بسرعة ودون تردد على ورقة التقويم الأخيرة : يوم زفاف زوجي ..
وضعتها بعناية أعلى كومة الذكريات وأغلقت صندوق عمرها ليكون هديتها لحبيبها في يوم رحيله عن حلمهما..