عَـلَى قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ وتَــأتِي عَـلَى قَـدْرِ الكِـرامِ المَكـارِمُ .. وتَعظُـمُ فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها وتَصغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ .

قالها المتنبي و طبقها نسور سورية في الدوحة بحذافيرها ، بعد أن أعادوا كتابة تاريخنا الكروي أمام الأخضر السعودي بحروف ذهبية جعلت من استثنى السوريين من المنافسة يعيد حساباته مجدداً ، بعد أن لقن نسور سوريا صقور الجديان درساً كروياً سيظل عالقاً في الأذهان .

لم يكن أشد المتفائلين بمنتخبنا الوطني يتوقع هذا الأداء المبهر من لاعبينا ، و لم يكن أشد المتشائمين من مناصري الأخضر يتوقع أن يشاهد هذا الإفلاس المهاري و التكتيكي الذي قدمه صقور آسيا ، بل إن المتفائلين من منتخبنا جعلوا من دعاء الأمهات و التضرع إلى الله سبيلاً للفوز في غياب مقوماته الأساسية .

و تسابق مسؤولونا الكرويون و وسائلهم الإعلامية ، بإعطاء الدروس الوطنية و تجييش الروح المعنوية و الإصرار و الغيرية ، و ربط مسألة الرياضة و ما تتضمنه من فوز و خسارة بكرامة وطن و حياة و موت .

نعتز بوطننا و نفخر بانتمائنا و لا يقدر على مجاراتنا بذلك أحد ، إلا أن هذا الانتصار لا يجب أن ينسب لمن يتخذ من محبة الوطن ذريعة يغطي بها سوء عمله و ضحالة تفكيره و فشل إدارته ، ليتبجح بعد نصر تحقق بأقدام اللاعبين على شاشات الفضائيات متفاخراً بعظيم عمله و حسن تدبيره .

ما سبق و إن اعتبره البعض كلاماً "غير مناسب" في ظل هذا الانتصار ، ما هو إلا تقديم لفكرة أساسية بني عليها هذا الفوز .. "تيتا و لاعبوه" ، إليهم ينسب هذا الانتصار ولا أحد غيرهم يحق له المفاخرة .

لأول مرة .. و أجزم على أن من يوافقني على هذه النقطة كثر ، لأول مرة نرى منتخبنا الوطني يحقق فوزاً مقروناً بجودة الأداء و حسن التعامل مع المجريات و قمة العطاء في أرض الملعب ، لأول مرة نفوز وفق خطة مرسومة و منهجية واضحة في الميدان ، دون الاعتماد "فقط" على تأجيج المشاعر و بث الأغاني الوطنية و رفع الروح المعنوية .

الحماس مطلوب و الروح المعنوية مطلب ملح و هي ميزة مرافقة لنا كسوريين في كافة المجالات ، إلا أن تيتا و لاعبيه أثبتوا أن كرة القدم تعطي من يعطيها ، و لن ينجح "دائماً" من يركب "طرطيرة" ليسابق "مرسيدس" معتمداً على الدعاء "يارب أربح" .

ما فعله تيتا مع المنتخب الوطني في ظل استلامه في وقت غاية في الحراجة شيء يقارب الإعجاز ، فمن يستطيع قلب منتخب اعتاد خطة "طجت لعبت" على مدار سنوات ماضية ، إلى منتخب يطبق تكتيكاً احترافياً صعباً لم يعتده من قبل ، لا بل و ينجح به نجاحاً مبهراً و على حساب أحد عمالقة الكرة الآسيوية ، من يستطيع ذلك جدير بأن ترفع له القبعة شكراً و احتراماً .

لن نستثني أحداً من الاعبين ، و لن نشير إلى تميز أحد على حساب الآخر ، الكل في لقائنا الآسيوي الأول أدى مهمته على أكمل وجه ، و استطاع نسورنا "تحجيم" المنتخب السعودي المنفوخ و المتخم إعلامياً ، ليضيف الروماني تيتا ضحية جديدة إلى قائمة ضحاياه الكروية .. (ماتشالا ، رينيه ، ابراهيم) ، و أخيراً البرتغالي بيسيرو الذي أقيل عقب الخسارة مباشرة .

تيتا يشكر و بيسيرو يقال .. و الإعلام السعودي لا يقبل الاعتراف بالهزيمة !

تيتا : "الصعوبة بدأت الآن وتكمن في الجزء المتبقي معتبراً و الفوز على السعودية هو البداية فقط و التحضيرات ستبدأ للمباراة المقبلة أمام اليابان ، انتظرت أداءً جيداً من فريقي لكني لم أكن أنتظر الفوز ، لاعبونا قدموا مباراة رائعة ".

"درست الفريق السعودي جيداً ونجحنا رغم امتلاكهم للاعبين مميزين وخبرة طويلة في البطولات، يتميز فريقنا بكونه "مجموعة جيدة" وهذا ما ساهم في الفوز ، أشكر الجماهير على الدعم و التواجد الكثيق و لازالت كل الاحتمالات واردة و كل الفرق قادرة على التأهل" .

بيسيرو : " فريقي لم يستحق الخسارة خصوصاً أنه أدى بشكل جيد في الشوط الثاني إلا أن الحظ لم يحالفنا ، أنا المسؤول الأول و الأخير عن المباراة والنتيجة والأخطاء وليس اللاعبون ، أداء منتخبنا لم يكن سيئاً والخسارة لا تعني الكثير، الحظ لم يحالفنا و إسبانيا بطلة العالم خسرت مباراتنا الافتتاحية".

و كعادة الإعلام السعودي فإن خسارة فريقهم لم تكن لقوة المنافس بل لأن مدربهم فاشل و غير قادر على استغلال مهارة لاعبيهم ، و فوزاً عليهم جاء بسبب روحنا المعنوية العالية !.

و كعادة الاتحاد السعودي فإن أي مدرب أجنبي يفشل يقال ليستعاض عنه بناصر الجوهر المدرب الوطني المخصص لهكذا حالات .

وكان الاتحاد السعودي اجتمع برئاسة الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز على الفور بعد المباراة وا تخذ قرار الإقالة ، و أسند المهمة إلى الجوهر الموجود في العاصمة القطرية الدوحة.

الجمهور السوري يعاني و يتألق في قطر .. و مسيرات الفرح تعم المدن السورية

من يشاهد هذا الحشد الإعلامي الكبير ، و تلك الإمكانات الهائلة التي تبذلها قطر في سبيل إنجاح البطولات التي تستضيفها ، يظن أن عمل القطريين يرقى لحدود الكمال ، إلا أن ما رواه بعض المشجعين السوريين الذين تواجدوا في ملعب نادي الريان يدفعنا للقول " من برا خام من جوا سخام" .

و كما روى أحد المشجعين السوريين لعكس السير ، فإن كل الطرق إلى ملعب المباراة كانت مغلقة بسبب الازدحام الشديد و سوء التنظيم المروري على غير العادة إضافة إلى إغلاق كافة المواقف ، و اضطر أغلب المشجعين إلى ركن سياراتهم على الطريق الصحراوي الذي يبعد عن الملعب 2 كم .

و بعد عناء طويل و عند وصول الجماهير السورية إلى البوابة منعوا من الدخول بحجة أن هذه البوابة ليست مخصصة للجمهور السوري ، و من بوابة إلى أخرى تكبد نصف الجمهور السوري عناء المسير حول المدينة الرياضية للوصول إلى البوابة المنشودة بعد أن فاتهم نصف الشوط الأول ، إلا أن فرحة الانتصار عوضتهم -على حد تعبير المشجع- عن التعب .

و كعادته أكمل الجمهور السوري العاشق التألق الذي بدأه اللاعبون في أرض الملعب فحضر بعدد قارب الـ 14 ألف متفرج ، في رقم هو الأعلى منذ بداية البطولة و مرشح بقوة للزيادة في لقاء المنتخب المقبل أمام اليابان .

أما في سورية ، فإن مسيرات الفرح خرجت طويلة في معظم المحافظات ، و احتفل السوريون بكافة أطيافهم بنصر كروي جميل طال انتظاره ، و لأول مرة منذ زمن تنهمر دموع الفرح لا الحزن .. بعد مباراة للمنتخب .


يتبع