احلام اليقظة بعيون الناس والطب :عالم نرمي تعبنا في حدائقه
كتبت إيمان الذنون : الحلم والإنسان مرتبطان ببعضهما ولا ينتهيان إلا بفناء صاحب الحلم، فالإنسان منذ ولادته يحلم، وكلما كبر يكبر حلمه معه، ولكن أي حلم يتماشى مع الإنسان؟
إن هناك خطوطاً فاصلة بين الحلم والطموح، وبين الوهم والعبث...وطريق تحقيق الحلم هو العمل والمثابرة التي تجعل أحلامنا مشروعة كأن يحلم الإنسان بواقعه ومستقبله، لكن الخطورة تتجلى عندما يصبح الحلم هاجسا يسيطر على الإنسان ويجعله يعيش في خيال لا نهاية له، فتتحول أحلامه إلى مضيعة للوقت وتستحيل إلى عبث ووهم يدمر حياته، ويجعله يتأرجح بين واقع لايمكن التقاطه، ومستقبل يعجز عن إدراكه، وهنا الطامة الكبرى التي يصبح معها حلم اليقظة مدمراً.

ما هو حلم اليقظة؟
يؤكد الباحثون في مجال علم النفس بأن الإنسان كثيراً ما يلجأ إلى أحلام اليقظة التي تعتبر ضرورية له في كل مراحل حياته نظرا لما توفره من إشباع لاحتياجات لا يستطيع الحصول عليها عندما يشعر بصعوبة ظروف حياته وعدم قدرتها على تلبية رغباته، فالأماني التي يجري تحقيقها عن طريق الخيال تعطيهم شعوراً قوياً بالرضى.
ولعل حلم اليقظة ينمو ويترعرع في فترة عمرية للإنسان غالباً ما تكون أثناء مرحلة المراهقة والمدرسة أو بعد التخرج، يقود إليه رغبة الإنسان بأن يصبح شيئاً مهماً، لكن الحلم يبقى ناقصاً غن لم يقترن بالفعل والعمل، ودون ذلك يبقى عقيماً لا يحقق للإنسان شيئاً ويجعله أسير خيال أو سراب يقوده إلى المجهول.
أحلامنا
كثيرة هي أحلامنا بعضها يخصنا، والبعض الآخر يخص مجتمعنا، وهناك أحلام تخص هذا العالم.
شخصياً أعتبر نفسي من الذين يتناوبون على أحلام اليقظة، فأحلم برجوع الناس إلى دفء العلاقات رجوعاً قريباً، بمجتمع لا يقاس أفراده بميزان أوراق نقدية مهترئة...وأحلامي اليوم ليست كما البارحة ولن تكون نفسها أحلام الغد، ماذا عن أحلام الشباب؟
تقول منى عبد الله طالبة في المرحلة الثانوية أن أحلام اليقظة تسيطر عليها بشكل كبير، حيث تتخيل حياة مستقلة تبنيها بعيداً عن أهلها، وتحلم بشاب وسيم لديه الكثير من المال، كما تحلم بالسفر خارج البلاد معه، وتضيف: أنا مقتنعة أن كل هذا مجرد أوهام إلا أنني أشعر براحة كبيرة عندما أقضي وقتي بالحلم.
أما محمد السيد 18 عاماً يحلم أن يكون طبيباً، لكنه يعتبر دخول كلية لاطب من المستحيلات نظراً لما يتطلبه دخول الجامعة بشكل عام من معدلات عالية تفوق في كثير من الأحيان طاقته وأبناء جيله.
مشروع خيري
بسعادة وثقة في تحقيق أحلامها بدأت السيدة مها حسن 32 عاماً حديثها: أشعر أن أحلام اليقظة هي التي تمنحني القوة والإرادة التي استمد منها الإصرار على التحدي للوصول إلى الهدف، أحلم أن أكون سيدة أعمال ثرية، أملك العديد من الشركات لمساعدة الفقراء أو المحتاجين وتشغيل العديد من الشباب العاطلين عن العمل، أما فيما يتعلق بأحلام وسيم الأحمد " موظف" يلعب الحنان والاستقرار دوراً هاماً فيها حيث تسيطر عليه رغبة عارمة بامتلاك شقة سكنية، الأمر الذي يمكنه من الزواج وتكوين أسرة كان يحلم بها منذ أن كان طفلاً، لا سيما أن والده لا يعامل أسرته بحكمة ولطف وهو ما جعله حساساً وعاطفياً في العديد من مواقف حياته.
مسؤولية الأسرة
من جانبها ترى د.ملك الطحاوي (أستاذة علم الإجتماع) إن الشاب أو الفتاة في مرحلة المراهقة يكون لديه فوران عاطفي وجموح، وإذا لم تكن هناك روابط أسرية ودفء وصداقة من قبل الام والأب لأبنائهم في هذه المرحلة، فإن الشاب يلجأ إما إلى صديق قد يكون سيئاً، وهذا أمر خطير، أو يلجأ لتفريغ الشحنة العاطفية المتأججة داخله في أحلام اليقظة، وأحسب أننا جميعاً مررنا بهذه المرحلة ولكنها تتراوح في حجمها وطولها حسب قدرات الشخص ومقوماته النفسية والإجتماعية.
وأضافت: أحلام اليقظة شيء عادي إذ لم تتعد حدوداً معينه، لأنها من الممكن أن تتحول إلى مرحلة مرضية وأوهام ليس لها قيود أو حدود، فقد يظن الحالم نفسه أنه عبقري ولا أحد يفهم مثله، وقد لا يكون كذلك وبالتالي لا يتقدم في عمله أو دراسته.
اما أحلام اليقظة المنضبطة المرتبطة بالواقع فهي الأمل والطموح الذي يدفع بالإنسان نحو النجاح، وهناك فرق هائل بين الاثنين وهنا تقع مسؤولية الأم ودور الأسرة في تقويم وتوجيه الشاب في هذه المرحلة.
وترى من جانبها أن إسناد المهمات للأبناء بما يتناسب مع أعمارهم ، يشعرهم بالتحدي يساعد على إحساسهم بذاتهم وكفاءتهم وشعورهم بالرضى الذي غالباً ما يقترن بالقدرة على معالجة الأمور.
أداة أساسية
وتبقى أحلامنا عالماً خاصاً بنا نشد الرحال إليه كلما أحسسنا بالتعب لنرمي في حدائقه ما أثقل كاهلنا من آمال وطموحات رسمناها صوراً جميلة، وأردنا أن تبقى نقية طاهرة لا يدنسها صخب الحياة، وكل ما نأمله أن تكون أحلامنا في زحمة الطموحات الشخصية أداة أساسية من أجل الإبداع.
إن التوازن بين مقدرة الإنسان وحلمه هو الذي يحقق له النجاح، وكل خلل في هذه المعادلة لمصلحة حلم اليقظة يجعل الحلم مدمراً ويأخذ الإنسان منا بعيداً عن واقعه ومجتمعه.
إيمان الذنون