تحديدًا في مدرسة "المخلص"، كان الموســـيقار الراحــل مارون أشــقر، حاضـرًا في الناصرة، بكلماته وألحانه، الدفء المنبعثُ مِن أغانيه، والإرث النصراوي العريق، وصوتُ الموسيقى بعزفٍ مِن أنامل "ألحان مارون أشقر"، على آلة البيانو، وما كان ليكتمِل المشهد الموسيقي الرائع بدونِ الموسيقار، الموزّع والمشرف الموسيقي، حبيب شحادة حنا وأعضاء الفرقة الموسيقية والجوقة.
بينهم، ومعهم كانَ صوتُها وحضورها والبَحَةُ التي ميّزتها، تشنّف الآذانَ وتشدُ الجمهور.. كانت دلال أبو آمنة تُغني بعراقةِ الفنِ المصري الجميل، والفولكلور اللبناني العريق بقالبٍ فلسطينيٍ صارَ لُغةً متميّزة تجمع بينَ الشعوبُ في ليلةٍ ماسيّةٍ بلوريةٍ تُشعُ الغناءِ العذبِ والموسيقى الراقية.
وقد جَمَع الكونسيرت باقاتٍ مِن أجملِ الأغاني التراثية والحديثة بقالبٍ واحدٍ متكامل، يحكي حكايا الفلسطينيين وعلاقتهم بالأرض والوطنِ والحياة، أما كُتابُ الأغاني فهم شعراؤنا: يوسف نخلة (صليت يا بلدي السلام) ، مارون أشقر (يا جبال جبالنا، يا رب، يا عمر، يا ناصرة، عين العذراء)، عصام العباسي (بلادي، لحن: حبيب شحادة ربى الكرمل، لحن: خالد صدوق)، نزيه فاهوم (أناصرتي، لحن: مارون أشقر)، بطرس خوري (يلا معي)، محمد سلمان (باكتب اسمك يا بلادي)، د. عنان عباسي (أنا قلبي وروحي، لحن: علاء عزام)، سيمون عيلوطي (هالبيت في معلول، لحن: صبحي خميس) وميسون حنا(نص الدنيا)، ألحان ديانا غنطوس.
دلال.. والأغنية المحلية!
لم يكُن اختيارُ كلمات الأغاني وألحانُها صدفةً، فـ"اللحنُ لا يكتمِلُ، بدونِ الكلمةِ والصوت الحاضر بقوة"، يقول الموسيقار حبيب شحادة حنا، ليؤكِد أنّ "أغنية محلية فلسطينية، تولِدُ مِن رحمِ القصيدة"، "لتجمعَ بينَ الموروث الطربي بصوتِ ام كلثوم الذي غنته دلال على مدى سنين، وبينَ الغناءِ اللبناني وسيدته فيروز، ثم جاءَ كونسيرت دلال ليجمَع بَينْ الغناء الطربي والفيروزي بتطويعه بجمالٍ آخاذ".
نجحت دلال في كونسيرتها أن تُعيدَ للأغنية الفلسطينية التراثية حضورها، وأن تضع الأغنية المحلية في مركزِ الاهتمام، لتؤكِد المغنية الفلسطينية "أنه لا ينقصنا كُتابٌ وشعراءٌ وملحنين، كُلُ ما نحتاجه أن نتبنّى الحاجة إلى التغيير، والبحث عن الذات". دلال مِن خلال كلماتٍ نرددها بشكلٍ يوميٍ دغدغت مشاعِرَ الناسِ وأعادت إليهم الحنين إلى الحُب بمفاهيمه المختلفة: البلد، والأم والإبن والحبيب، وحُبُ تُراب الذي يجمعُ شملَ الفلسطينيين.
وبَيْن باقة الأغاني، كان لأغنية نُص الدنيا انشغافٌ خاص، فهِيَ تحكي عنّا جميعًا، نساءً ورجالاً، كبارًا وصغارًا، في حكايةِ الحياة التي لا تكتمِلْ بغيابِ الآخر، فغنّت دلال بصوتها المخملي:
"زعلوا لما خلقت، وفرحوا لما الصبي جِبِتْ
ورجعوا زعلوا من جديد لما الصبي جِبِتْ.
أنا نص الدنيا يا آدم.. أنا نص الدنيا.. انشاء الله تكون فهمتْ
***
أنا الأخت الحنونة.. بولادتك شو فرحِتْ.
ورفيقة عُمرك، وحبيبة قلبك، وام ولادك صُرِتْ.
ومثل حبة الحنطة اللي انغرستْ بالأرض
حملتك يا امي وشلتك حتى كبرِتْ.. يا أمي، يا ضنايا إنِتْ.
***
هات إيدَك بإيدي تنعمّر هالأرض
احنا اتنين خلقنا تنكمل هالدرب
نسقي حُب ترابها ويزهر بالورد
أنا وانتَ الدنيا.. احنا سوى.. سوى منكمِل بَعِضْ
***
وكانَ قِمةُ التكامِل بين صوتِ دلال وأداء الفرقة الموسيقية حينَ اختُتم الكونسيرت بأغنية بِكتُب اسمك يا بلادي، ليُشاركها الجمهور الغناءْ، احتفاءً بولادةِ "عن بلدي احكيلي"، التوليفةٌ الغنائية الفلسطينية المحلية التي تحكي عنا جميعًا.