من يقصد "بكرامة" القرية الصغيرة التي لا يزيد عدد سكانها عن 600 نسمة سيمر من منطقة القرداحة التي تبعد 30 كم عن مدينة اللاذقية ثم سيصعد شرقاً بين الجبال مسافة 5كم. في أحراج امتازت بخضرة أشجارها الدائمة, ليقف على حافة وادٍ سحيق يستحيل أن يسعفنا الخيال فندرك ما يوجد عميقا في قلبه, ففي داخله مكان أليف يحمل اسم "جنة الوادي".
منذ أكثر من 80 عاماً كان هناك منزلٌ وحيد يستقبل صاحبه زوار المكان بالترحاب مقدما لهم ما ينتجه في أرضه الصغيرة.

واليوم وبعد كل ما مر من زمن لا زال المكان على حاله مضافة صغيرة للزوار حين تنقلب بهم الأزمنة وتختلط الفصول عليهم لساعات فالخريف ليس فصلا لسقوط الأوراق في "جنة الوادي" حيث يمتزج اللون الأصفر بخضرة الربيع في أشجار دائمة الخضرة, تحمي الجالس تحتها من أشعة الشمس ليتحول الصيف إلى فصلٍ لأشعة شمسٍ تتسلل خجولة من بين أغصان الشجر الكثيف .

سيتنقل الزائر على أدراج من الحجر الأبيض القديم فنرى هنا أو هناك في خبايا المكان أحدهم يجلس وحيداً يتأمل ما حوله بسكون فلا نسمع سوى صوت الماء في نهر بكرامة الصغير.

يروي سكان "بكرامة" أن طقساً قديما كان يمارَس هناك, فمع حلول فصل الصيف يجتمع أبناء القرى القريبة في هذه البقعة الصغيرة ليبللوا أجسادهم من ماء النهر معلنين فصلا جديداً , من يجلس على حافة النهر سيقع نظره مباشرة على أوراق الأشجار المتساقطة بالقرب منه و ستمر بجانبه بعض الحيوانات الصغيرة بهدوء .

وقد يصادف أحد سكان القرية قليلي العدد ممن يتقنون الابتسام في وجه كل غريب, وقد يروي بعضاً من حكايات من مروا على بكرامة, ولن يخفى على أحدٍ ما يتمتع به هؤلاء من طيبة وألفة تظهر حتى في ملامح وجوههم, وسيلحظ أن إيقاع الحياة البطيئة هناك منحهم ما يلزم من وقت لإدراك ما وهبهم إياه الله وخصهم به.

يؤكد من زار "بكرامة" أكثر من مرة انه يراها في كل مرة جنة جديدة, فأغصان أشجارها تزداد التفافاً لتروي قصص سنوات مضت, بأوراقها التي تتساقط لتولد أخرى تذكّر بتجدد الحياة, لتتغيّر مع ذلك في كل فصل لوحة الطبيعة البكر وتبقى تعبر عن عظمة الخالق, يندر أن زار احدهم "بكرامة" ولم يعد إليها, حتى أن مقولة يرددها سكان القرية للزوار تقول: "من شرب من ماء نهر بكرامة لا بد وأن يعود يوما ويطلب منه المزيد".



أترككم مع الصور الرائعة