و
الأرض فرشناها فنعم الماهدون‏"

‏(الذاريات‏:48) هذة الآية الكريمة جاءت في الربع الأخير من سورة الذاريات‏,‏ وهي سورة مكية يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة‏,‏ شأنها في ذلك شأن كل السور المكية‏,‏ ومن ركائز العقيدة‏:‏ الإيمان بالبعث والجزاء‏,‏ ولذلك بدأت السورة بالقسم بعدد من آيات الله في الكون علي حقيقة البعث‏,‏ وحتمية وقوع الجزاء‏,‏ ثم تابعت بقسم آخر‏:‏ بالسماء ذات الحبك علي أن الناس في أمر البعث والحساب والجزاء غير مستقرين علي رأي واحد‏,‏ فمنهم المؤمن‏,‏ ومنهم الكافر‏,‏ وأنه لا يصرف عن هذا الحق إلا صاحب هوي‏......!!!‏ وأكدت السورة حتمية هلاك الكذابين المنكرين ليوم الدين‏,‏ والقائلين فيه بالظن والتخمين‏,‏ واللاهين عنه والمتشككين في حتمية وقوعه حتي يسألوا عنه سؤال المستهزيء به‏,‏ المستبعد له‏.........!!!‏
وتعرض السورة لشيء من سوء مصير الكافرين في الآخرة‏,‏ وتقابله بفيض التكريم والتنعيم الذي أعده ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ للمتقين من عباده جزاء إحسانهم في الدنيا‏........!!!‏ وتدعو الي تأمل آيات الله في الأرض‏,‏ وفي الأنفس‏,‏ وفي الآفاق‏,‏ والي استخلاص الدروس والعبر من تأملها‏,‏ وأردفت بقسم عظيم برب السماء والأرض علي صدق ما وعد الله‏(‏ تعالي‏)‏ به الناس من البعث والحساب والجزاء‏,‏ وعلي حتمية وقوع كل ما جاء به الدين الخاتم الذي بعث به خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏

وألمحت السورة الي قصة أبي الأنبياء إبراهيم‏(‏ عليه السلام‏)‏ مع ضيفه من الملائكة‏,‏ وعرضت لبعض الأمم البائدة‏,‏ والي ما أصابها من هلاك ودمار لانحرافها عن منهج الله‏,‏ وتكذيبها لأنبيائه ورسله‏,‏ ومن هذه الأمم التي أبيدت أقوام لوط‏,‏ وفرعون‏,‏ وعاد‏,‏ وثمود ونوح‏.‏



ثم عاودت السورة استعراض عدد من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة القدرة الإلهية‏,‏ وأردفت بالدعوة للرجوع الي الله‏(‏تعالي‏),‏ والي التحذير من الشرك به‏,‏ وتأكيد أن الرزق منه وحده‏(‏سبحانه وتعالي‏)‏ وذلك في مواضع عديدة من السورة التي كررت وصف الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بأنه نذير مبين من الله‏(‏تعالي‏)‏ الي الناس كافة‏,‏ وأن عبادة الله‏(‏تعالي‏)‏ وحده‏(‏ بغير شريك ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏)‏ وتنزيهه‏,‏ وتعظيمه عن كل وصف لا يليق بجلاله‏,‏ هي الغاية من خلق كل من الإنس والجن‏,‏ وأنذرت السورة في ختامها الذين يكذبون رسول الله‏(‏صلي الله عليه وسلم‏)‏ بمثل ما أصاب الأمم السابقة عليهم‏...‏ من عذاب‏...!!‏

والسورة في مجمل سياقها دعوة الي الناس كافة لتوجيه القلوب إلي عبادة الله‏(‏تعالي‏),‏ ولتخليصها من عوائق الحياة‏,‏ ووصلها بخالقها الذي هو رب هذا الكون ومليكه‏.‏

والآيات الكونية المذكورة في سورة الذاريات أكثر من أن تحصي في مقال واحد‏,‏ ولذلك سأقتصر هنا علي آية واحدة منها هي قوله‏(‏ تعالي‏):‏ والأرض فرشناها فنعم الماهدون. وقبل الخوض في ذلك لابد من استعراض الدلالة اللغوية لألفاظ الآية الكريمة ولأقوال المفسرين فيها‏.‏

‏(‏الأرض‏)‏ في اللغة العربية:

اسم جنس للكوكب الذي نحيا عليه‏,‏ تمييزا له عن بقية الكون المعبر عنه بالسماوات‏,‏ وهي لفظة مؤنثة والأصل أن يقال‏:(‏ أرضه‏),‏ والجمع‏(‏ أرضات‏)‏ و‏(‏أرضون‏)‏ بفتح الراء أو بتسكينها‏,‏ وقد تجمع علي‏(‏ أروض‏)‏ و‏(‏أراض‏),‏ ولفظة‏(‏الأراضي‏)‏ تستخدم علي غير قياس‏.‏

ويعبر‏(بالأرض‏)‏ عن أسفل الشيء‏,‏ كما يعبر‏(‏بالسماء‏)‏ عن أعلاه‏,‏ فكل ما سفل من الشيء هو‏(‏أرضه‏),‏ وكل ما علا منه هو‏(‏سماه‏)‏ أو‏(‏سماؤه‏) ويقال‏(‏أرض أريضة‏)‏ أي حسنة النبت‏,‏ زكية بينة الزكاء أو‏(‏الإراضة‏),‏ كما يقال‏:(‏ تأرض‏)‏ النبت بمعني تمكن علي الأرض فكثر‏,‏ و‏(‏تأرض‏)‏ الجدي إذا تناول نبت‏(‏ الأرض‏).‏

ويقال‏:(‏أرض نفضة‏)‏ أي كثيرة الانتفاض‏,‏ و‏(‏أرض رعدة‏)‏ أي كثيرة الارتعاد‏,‏ وهي من العمليات المصاحبة للهزات الأرضية‏(‏ الزلازل‏).‏

و‏(‏الأرضة‏)‏ بفتحتين‏:‏ حشرة صغيرة تأكل الخشب‏,‏ يقال‏:(‏ أرضت‏)‏ الأخشاب‏(‏تؤرض‏)‏ أرضا‏)‏ فهي‏(‏ مأروضة‏)‏ إذا أكلتها‏(‏ الأرضة‏),‏ ولم تسم العرب فاعلا لهذا الفعل‏.‏

‏(‏فرشناها‏):‏ يقال في اللغة‏:(‏ فرش‏)‏ الشيء‏(‏ يفرشه‏)(‏ فرشا‏)‏ و‏(‏فراشا‏)‏ بمعني بسطه بسطا‏,‏ ويقال‏(‏ للمفروش‏)(‏ فرش‏)‏ و‏(‏فراش‏),‏ وجمعهما‏(‏فرش‏),‏ و‏(‏الفرش‏)‏ هو‏(‏المفروش‏)‏ أي المبسوط من متاع البيت‏.‏

قال‏(‏تعالي‏):‏ الذي جعل لكم الأرض فراشا‏.....

(‏البقرة‏:22)‏
وقال‏(‏ عز من قائل‏):‏ متكئين علي فرش بطائنها من استبرق‏....

(‏الرحمن‏:54)‏
وقال‏(‏سبحانه‏):‏ وفرش مرفوعة ‏

(‏الواقعة‏:34)‏
و‏(‏الفرش‏)‏ يطلق أيضا علي صغار الإبل ومنه قوله‏(‏تعالي‏)‏

ومن الأنعام حمولة وفرشا‏.. ‏

‏(‏الأنعام‏:142)‏
وذلك لأن‏(‏الفرش‏)‏ هو ما يفرش من الأنعام‏,‏ أي يركب‏,‏ قال الفراء‏:‏ ولم أسمع له بجمع‏,‏ وأضاف‏:‏ ويحتمل أن يكون مصدرا سمي به من قولهم‏:(‏ فرشها‏)‏ الله‏(‏فرشا‏)‏ أي بثها بثا‏.‏

ويقال‏:(‏افترش‏)‏ الشئ بمعني انبسط‏,‏ و‏(‏افترشه‏)‏ أي وطئه‏,‏ و‏(‏افترش‏)‏ ذراعيه إن بسطهما تحته علي الأرض أي اتخذهما كالفراش‏,‏ و‏(‏تفريش‏)‏ الدار تبليطها‏.‏

و‏(‏الفراشة‏)‏ وجمعها‏(‏فراش‏)‏ حشرة من الحشرات‏(‏من رتبة حرشفيات الأجنحة‏(Lepidoptera)‏ تتميز بزوجين من الأجنحة الحاملة للحراشيف الملونة والمزركشة‏,‏ والفراش يحب الضوء ويتهافت علي مصادره حتي يهبط فيها فيحترق‏,‏ ولذا قيل في المثل أطيش من فراشة‏,‏ وقال‏(تعالي‏):‏ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث‏

(‏ القارعة‏:4)‏
‏(‏الماهدون‏):‏ و‏(‏المهد‏)‏ في اللغة هو ما يهيأ للغير من فراش‏,‏ يقال‏:‏ مهد الفراش‏(‏يمهده‏)(‏ تمهيدا‏)‏ و‏(‏مهدا‏)‏ أي بسطه يبسطه بسطا‏,‏ قال‏(تعالي‏):‏‏ .. قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا‏ ‏‏

(‏مريم‏:28)‏. ‏(‏ المهد‏)‏ و‏(‏ المهاد‏)‏ أيضا هو المكان‏(‏ الممهد‏)‏ الموطأ‏.‏ قال ربنا‏(‏تبارك وتعالي‏):‏ الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا‏.......

(‏ طه‏:53)‏
ويقال‏:(‏امتهد‏)‏ السنام أي تسوي فصار‏(‏كالمهد‏)‏ أو‏(‏المهاد‏),‏ و‏(‏الماهد‏)‏ هو الذي‏(‏يمهد‏)‏ وجمعه‏(‏ ماهدون‏),‏ قال‏(تعالي‏):‏ والأرض فرشناها فنعم الماهدون‏

‏‏(‏الذاريات‏:48)‏
ويقال في اللغة‏:(‏مهدت‏)‏ لك كذا أي هيأته وسويته‏,‏ قال‏(‏ تعالي‏):‏ ومهدت له تمهيدا ‏(‏ المدثر‏:14).‏ وقال‏(‏ عز من قائل‏):‏ من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم

يمهدون‏ ‏‏(‏ الروم‏:44)‏.
بسط الأرض وتمهيدها في القرآن الكريم:


جاء ذكر الأرض في أربعمائة وواحد وستين موضعا من كتاب الله‏,‏ منها ما يشير إلي كوكب الأرض في مقابلة السماء أو السماوات‏,‏ ومنها ما يشير الي اليابسة التي نحيا عليها أو إلي جزء منها‏,‏ ومنها ما يشير الي التربة التي تغطي صخور اليابسة‏,‏ وتفهم الدلالة من سياق الآية الكريمة‏.‏

وجاء ذكر فرش الأرض‏,‏ وبسطها‏,‏ وتمهيدها‏,‏ وتوطئتها‏,‏ وتسويتها‏,‏ وتذليلها في عشر آيات من آي القرآن الكريم علي النحو التالي‏:‏

‏(1)‏ الذي جعل لكم الأرض فراشا‏...

‏ ‏(‏البقرة‏:22)‏
‏(2) ‏ الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا‏...

(‏ طه‏:53)‏
‏(3)‏ الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون

‏(‏الزخرف‏:10)‏
‏(4)‏ والأرض فرشناها فنعم الماهدون‏

(‏الذاريات‏:48)‏
‏(5)‏ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور

‏(‏الملك‏:15)‏
‏(6)‏ والله جعل لكم الأرض بساطا‏,‏ لتسلكوا منها سبلا فجاجا

‏(‏ نوح‏:20,19)‏
‏(7)‏ ألم نجعل الأرض مهادا‏,‏ والجبال أوتادا‏ (‏ النبأ‏:7,6)‏


‏(8)‏ والأرض بعد ذلك دحاها‏,‏ أخرج منها ماءها ومرعاها‏,‏ والجبال أرساها‏,‏ متاعا لكم ولأنعامكم‏

(‏ النازعات‏:33,30)‏
‏(9)‏ أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت‏,‏ وإلي السماء كيف رفعت‏,‏ وإلي الجبال كيف نصبت‏,‏ وإلي الأرض كيف سطحت‏

(‏ الغاشية‏:20,17)(10)‏ والأرض وما طحاها

‏ (‏ الشمس‏:6)‏
وجاء ذكر خلق الأرض وذكر عدد من صفاتها وظواهرها وأحداثها في أكثر من مائة وسبعين آية أخري‏,‏ لا أري مجالا لذكرها هنا لأنها إما قد ورد ذكرها في مقالات سابقة‏,‏ أو سوف تناقش في مناسبات قادمة إن شاء الله‏(‏ تعالي‏),‏ حسب الموضوع الذي تعرض له الآية أو الآيات القرآنية الكريمة منها‏.‏

أقوال المفسرين


في تفسير قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ والأرض فرشناها فنعم الماهدون

‏(‏الذاريات‏:48)‏
ذكر ابن كثير‏(‏رحمه الله‏):‏ والأرض فرشناها أي جعلناها فراشا للمخلوقات‏,(‏ فنعم الماهدون‏)‏ أي وجعلناها مهدا لأهلها‏.‏

وذكر صاحبا تفسير الجلالين رحمهما الله مانصه‏:(‏والأرض فرشناها‏)‏ مهدناها‏,(‏فنعم الماهدون‏)‏ نحن‏.‏

وذكر صاحب الظلال‏(‏ عليه من الله الرحمات‏)‏ قوله‏:‏ فقد أعد الله هذه الأرض لتكون مهدا للحياة كما أسلفنا‏,‏ والفرش يوحي باليسر والراحة والعناية‏,‏ وقد هيئت الأرض لتكون محضنا ميسرا ممهدا‏,‏ كل شيء فيه مقدر بدقة لتيسير الحياة وكفالتها‏:(‏ فنعم الماهدون‏).‏

وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن لفضيلة المفتي الأكبر الشيخ محمد حسنين مخلوف‏(‏رحمه الله رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:(‏فرشناها‏)‏ مهدناها كالفراش للاستقرار عليها‏.(‏فنعم الماهدون‏)‏ المسوون المصلحون‏.‏

وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزي الله كل من شارك في إخراجه خير الجزاء‏)‏ ما نصه‏:‏ والأرض بسطناها‏,‏ فنعم المهيئون لها نحن كالمهاد‏.‏

وذكر صاحب صفوة التفاسير‏(‏جزاه الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:(‏ والأرض فرشناها‏)‏ أي والأرض مهدناها لتستقروا عليها‏,‏ وبسطناها لكم ومددنا فيها لتنتفعوا بها بالطرقات‏,‏ وأنواع المزروعات‏,‏ ولا ينافي ذلك كرويتها‏,‏ فذلك أمر مقطوع به‏,‏ فإنها مع كرويتها واسعة ممتدة‏,‏ فيها السهول الفسيحة والبقاع الواسعة‏,‏ مع الجبال والهضاب ولهذا قال تعالي‏:(‏فنعم الماهدون‏)‏ أي فنعم الباسطون الموسعون لها نحن‏,‏ وصيغة الجمع للتعظيم‏...‏

بسط الأرض وتمهيدها في العلوم الحديثة


أولا‏:‏ تضاريس الأرض الحالية


تقدر مساحة سطح الأرض الحالية بحوالي‏510‏ ملايين كيلو متر مربع‏,‏ منها‏149‏ مليون كيلو متر مربع يابسة تمثل حوالي‏29%‏ من مساحة سطح الأرض‏,‏ و‏361‏ مليون كيلو متر مربع مسطحات مائية تمثل الباقي من مساحة سطح الأرض‏(71%),‏ ومن هذه النسبة الأخيرة أرصفة قارية تعتبر الجزء المغمور بالمياه من حواف القارات وتقدر مساحتها بحوالي‏173,6‏ مليون كيلو متر مربع‏.‏

وكل من سطح اليابسة وقيعان البحار والمحيطات ليس تام الأستواء ولكنها متعرجة في تضاريس متباينة للغاية‏,‏ فعلي اليابسة هناك سلاسل الجبال ذات القمم السامقة‏,‏ وهناك التلال متوسطة الارتفاع‏,‏ وهناك الروابي‏,‏ والهضاب‏,‏ والسهول‏,‏ والمنخفضات الأرضية المتباينة‏.‏

وفي المسطحات المائية هناك البحار الضحلة والبحيرات‏,‏ كما أن هناك البحار العميقة والمحيطات والتي تتدرج فيها الأعماق من الأرصفة القارية الي المنحدرات القارية ثم الي أعماق وأغوار قيعان المحيطات‏.‏

ويقدر ارتفاع أعلي قمة علي سطح اليابسة‏(‏ وهي قمة جبل إفرست بسلسلة جبال الهيمالايا‏)‏ بأقل قليلا من تسعة كيلو مترات‏(8848‏ مترا‏)‏ بينما يقدر منسوب أخفض نقطة علي سطح اليابسة‏(‏ وهي في حوض البحر الميت‏)‏ بحوالي أربعمائة متر تحت مستوي سطح البحر‏,‏ وحتي قاع البحر الميت الذي تصل أعمق أجزائه الي حوالي ثمانمائة متر تحت مستوي سطح البحر يعتبر جزءا من اليابسة لأنه بحر مغلق‏).‏

ويصل منسوب أعمق أغوار المحيطات‏(‏وهو غور ماريانا في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين‏)‏ الي حوالي الأحد عشر كيلو مترا‏(11,033‏ متر‏).‏

وبذلك يصل الفرق بين أعلي وأخفض نقطتين علي سطح الأرض إلي أقل قليلا من العشرين كيلو مترا‏(19,881‏ متر‏),‏ وبنسبة ذلك الي نصف قطر الأرض‏(‏المقدر بحوالي‏6371‏ كيلو مترا‏)‏ فإن نسبته لا تكاد تتعدي‏0,3%.‏

ويقدر متوسط منسوب سطح اليابسة بحوالي‏840‏ مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ بينما يقدر متوسط أعماق البحار والمحيطات بحوالي الأربعة كيلو مترات‏(3729‏ مترا ـ‏4500‏ متر تحت مستوي سطح الماء‏)‏

وتضاريس الأرض الحالية هي نتيجة صراع طويل بين العمليات الداخلية البانية والعمليات الخارجية الهدمية والتي استغرقت حوالي الخمسة بلايين من السنين‏.‏

ثانيا‏:‏ الاتزان الأرضي


لما كان سطح الأرض في توازن تام مع تباين تضاريسه‏,‏ فلابد وأن هذا التباين في التضاريس يعوضه تباين في كثافة الصخور المكونة لكل شكل من أشكال هذه التضاريس‏,‏ فالمرتفعات علي اليابسة لابد وأن يغلب علي تكوينها صخور كثافتها أقل من كثافة الصخور المكونة للمنخفضات من حولها‏,‏ ومن ثم فلابد وأن يكون لتلك المرتفعات امتدادات من صخورها الخفيفة نسبيا في داخل الصخور الأعلي كثافة المحيطة بها‏,‏ ومن هنا كان الاستنتاج الصحيح بأن كل مرتفع أرضي فوق مستوي سطح البحر له امتدادات في داخل الغلاف الصخري للأرض يتناسب مع ارتفاعه‏,‏ وأن كل جبل من الجبال له جذور عميقة من مكوناته الخفيفة تخترق الغلاف الصخري للأرض لتطفو في نطاق الضعف الأراضي حيث تحكمها قوانين الطفو المعروفة كما تحكم أي جسم طاف في مياه البحار والمحيطات من مثل جبال الجليد والسفن‏.‏

وهذه الامتدادات الداخلية للجبال تتراوح من‏10‏ الي‏15‏ ضعف الارتفاع فوق مستوي سطح البحر وذلك بناءا علي كثافة صخورها‏,‏ وكثافة الوسط الغائرة فيه‏,‏ ومنسوب إرتفاعها‏,‏ وكلما برت عوامل التحات والتجوية والتعرية من قمم الجبال فإنها ترتفع إلي أعلي للمحافظة علي ظاهرة الاتزان الأرضي‏,‏ وتظل عملية الارتفاع إلي أعلي مستمرة حتي تخرج جذور الجبل من نطاق الضعف الأرضي بالكامل‏,‏ وهنا يتوقف الجبل عن الارتفاع‏,‏ وتظل عمليات التجوية والتحات والتعرية مستمرة حتي تكشف تلك الجذور‏,‏ وبها من خيرات الله في الأرض ما لا يمكن أن يتكون إلا تحت مثل تلك الظروف العالية من الضغط والحرارة والتي لاتتوفر إلا في جذور الجبال‏.‏