أسعار خدمات الاتصالات في سورية ... الأعلى في المنطقة !!





















تعتزم الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات في سورية بعد موضوع تنظيم الانترنت في سورية بدء العمل على تقديم الخدمة الشاملة، والهدف منها تشجيع مقدمي خدمات الاتصالات بأشكالها المختلفة على تقديم خدماتهم للمشتركين أينما كانوا (تحت ما يسمّى صندوق الخدمة الشاملة)، وسيتمّ تمويله بنسب من إيرادات مقدمي الخدمات بمن فيهم مشغلو الهاتف الخليوي عندما يتم تحويلهم إلى تراخيص، وهو ما سيتمّ في نهاية الشهر السادس كحدّ أقصى.

وحول كيفيّة تعامل الهيئة مع المزوّدات الخاصة فيما يتعلّق بالانترنت، و إمكانية تطبيق التخفيضات التي تعلن عنها المؤسسة على المزودات الخاصة، ومتابعة الأسعار مع تلك المزودات قال عويشق لصحيفة "البعث" إن "الهيئة حالياً بصدد استكمال المهام اللازمة لنقل تراخيص مزوّدات الخدمة إلى الهيئة، وقد تمّ إعداد مسودة للتراخيص الجديدة وأرسلناها للمزوّدات للتشاور والخروج بأفضل صيغة تضمن حقوق الجميع (المزودات والدولة والمشترك) وقد بُنيت خدمة الانترنت في سورية على مبدأ حصرية تجهيزات النفاذ إلى الانترنت بالمؤسسة العامة للاتصالات وتأجيرها بأسعار الجملة للمزودات الخاصة التي تقوم بدورها بطرح خدماتها للمشتركين بأسعار ترتبط بشكل رئيسي بتكاليف ونوعية الخدمات المقدّمة. والتخفيضات التي تعلن عنها المؤسسة هي لمزوّد الخدمة الخاص بها (تراسل)، وتترافق مع تخفيضات في أسعار الجملة لمزوّدات الخدمة، لذلك فإنه من الطبيعي أن تكون الأسعار متفاوتة والخيار في النهاية للمشترك بوجود عدد كبير من المزوّّدات والعروض المختلفة، وترتكز سياسة الهيئة في المرحلة القادمة بعد منح التراخيص على مبدأين رئيسيين هما: التركيز على الوضوح والشفافية في العلاقة بين المزودات والمشتركين، بحيث يكون المشترك على بيّنة تامة بحقوقه ونوعية الخدمات التي يقدّمها مزوّد الخدمة، ومراقبة مدى التزام المزوّدات بشروط الخدمة، ووضع مجالات منطقية للحدود الدنيا والعليا لأسعار الخدمات، بما يضمن وجود منافسة صحيّة.

أما فيما يتعلّق بتزويد الهيئة الناظمة بالكوادر البشرية لتستطيع إكمال عملها، فقد بيّن عويشق أن الوزارة أولت عناية خاصة لتأهيل الموارد البشرية في القطاع، وخاصة العاملة في مجال التنظيم، إذ يحتاج العمل فيه إلى مهارات وخبرات مختلفة إلى حدّ بعيد عن تلك المتوفرة حالياً لدى العاملين في القطاع، فأغلبهم من الفنيين، والخبرات الفنية هي جزء صغير من الخبرات اللازمة للعمل في قطاع التنظيم، ويحتاج العاملون إلى خبرات قانونية واقتصادية. ولمعالجة ذلك النقص في الخبرات بطريقة منهجية وعلمية، قامت الوزارة بالتعاون مع المعهد العالي لإدارة الأعمال (هبا) بإحداث ماجستير تخصصي في إدارة تنظيم الاتصالات، وقد تخرجت أول دفعة من الطلاب وسيلتحق معظمهم بالعمل في الهيئة، والماجستير هو الآن في دفعته الثالثة، وقد تمكّن من استقطاب نسبة جيدة من الطلاب من خارج القطاع العام.





وحول تحويل المؤسّسة العامة للاتصالات إلى شركة، وهل تصلح لأن تكون مشغلاً ثالثاً للخليوي؟.. قال عويشق: إن الخيارات مفتوحة لانتقاء الأفضل ، آخذين في الحسبان الأهداف الموضوعة لتنمية قطاع الاتصالات، ومن أهمها زيادة تنافسية سوق الاتصالات وتحفيز نمو السوق وتخفيض الأسعار وتحسين جودة الخدمات، وهذه أهداف تستجيب لمتطلبات المواطنين، ولا يمكن تحقيقها إلا بوجود مشغّل ثالث قويّ يتمتّع بخبرة كبيرة تمكّنه من المنافسة واكتساب السوق، ونحن لا نعرض هنا رأي الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات منفردة، بل نتيجة الدراسة الاقتصادية الشاملة التي جرت بمساعدة شركة (ديتيكون الألمانية)، وناقشت جميع الخيارات (ومنها أن تكون المؤسسة العامة للاتصالات هي المشغل الثالث)، ثم اطلعت على نتائج الدراسة لجنة عليا من وزارة الاتصالات تضمّ مختلف الجهات العاملة في هذا القطاع، بما فيها المؤسسة العامة للاتصالات. وأضاف عويشق: إن مؤشرات سوق الاتصالات النقالة في سورية ليست جيدة مقارنةً بالدول المجاورة.






وتشير بعض الأرقام التي نُشرت في تقرير منظمة "الإسكوا" إلى ملامح مجتمع المعلومات الصادر في نيسان 2012، وكيف هي عن عام 2010، ويشير التقرير إلى أن سورية احتلت المرتبة 12 من أصل 14 دولة بمعدل انتشار يصل إلى 57% فقط، وهو معدل منخفض جداً حتى مقارنة باقتصادات مثل الأردن (107%) ومصر (أكثر من 87%) ولبنان (68%). والفارق في معدل الانتشار في تزايد مطرد، إذ بلغ معدل النمو خلال مدة الدراسة (2009-2010) 17% فقط، بينما بلغ في اليمن 35%، ومصر 28%، ولبنان 20%، والعراق 22%، والسبب الرئيسي في ضعف المؤشرات هو ارتفاع الأسعار وضعف التنافسية ومحدودية الخدمات، إذ تعدّ أسعار خدمات الهاتف النقال في سورية من الأعلى في المنطقة، وتبلغ 9،9% من الدخل القومي، مقابل 4،1% في لبنان ومصر و3،2% في الأردن، و0،2% فقط في دولة نفطية مثل الإمارات، كما تحتل سورية المركز قبل الأخير في التنافسية، تليها فقط لبنان، حيث الاتصالات النقالة هي احتكار ثنائي للدولة.

وذكر مدير الهيئة أنه وبالعودة إلى تاريخ تطور الأسعار، نجد أنه لم يطرأ تخفيض حقيقي على الأسعار منذ بداية الخدمة، اللهم إلا مرة واحدة والباقي كانت عروضاً وتخفيضات محدودة لا أثر كبيراً لها، ومن الصعب تصوّر إيجاد حلول لتخفيض الأسعار تخفيضاً ملموساً في حال استمرار الوضع الراهن، إذ إن هامش أرباح الشركات هو من مرتبة 14% من إيراداتها، وبالتالي فإن تخفيضاً من مرتبة 20% مثلاً في الأسعار (وهو ليس تخفيضاً كبيراً) سيكون غير ممكن عملياً ما لم يحصل تغيير في شروط العقد وبنية السوق.
إن أحد أهم أهداف قانون الاتصالات هو الانتقال من سوق لا تنافسية وشبه احتكارية إلى سوق تنافسية، ومن أهم محفزات التنافسية إدخال مشغل ثالث للاتصالات النقالة، فهو يسمح بالتنافس الفعلي، ويزيد من الكفاءة والفعالية في تقديم الخدمات، كما أن دخول مشغل ثالث ضعيف أو لا يتمتّع بالخبرة التجارية الكافية (فالخبرات التقنية وحدها لا تكفي أبداً) لا يحقّق المصلحة العامة، ومن غير المتوقع أن تستطيع المؤسسة العامة للاتصالات (حتى مع تحوّلها إلى شركة تجارية) في هذه المرحلة القيام بذلك، إذ عليها الآن أن تقوم بإعادة بناء قدراتها التجارية والتسويقية وتصميم آليات تواصلها مع الزبائن، وترشيد إنفاقها الجاري.

وقد أظهرت الدراسات أن بناء شبكة المشغل الثالث يتطلّب استثمارات كبيرة لا تقلّ عن 30 مليار ليرة (منها دفعة أولى لثمن الرخصة قد تصل إلى 18 مليار ليرة، إضافة إلى نفقات التشغيل اللازمة حتى الوصول إلى التوازن المالي)، وتقترن هذه الاستثمارات بمخاطرة كبيرة في ظل وجود منافسة قوية من مشغلين قائمين لديهم سوق كبير وتغطية جيدة وشبكة توزيع مستقرة، والمنافسة ستؤدي حتماً إلى تضاؤل مستمر في هوامش الربح لدى الشركات المشغّلة كافة، كما أن المشغل الثالث (حسب شروط الإعلان) ملزم بضمان تسديد حدّ أدنى من تقاسم الإيرادات للدولة بغض النظر عن أرباحه الفعلية. وإضافة إلى ذلك كلّه، فتنمية قطاع الاتصالات تحتاج أيضاً إلى استثمارات كبيرة في مجالات أخرى غير الشبكات النقالة، مثل شبكات الألياف البصرية (التي أصبحت من أهم الأولويات في العالم)، وخدمات الإنترنت بالحزمة العريضة التي مازال معدل الانتشار فيها لدينا متدنياً جداً، والشركة السورية للاتصالات (التي ستخلف المؤسسة العامة للاتصالات) تملك حصرية لبناء البنى التحتية مدتها خمس سنوات، وعليها الاستفادة منها على الوجه الأمثل. ومن البديهي أن مصلحة القطاع تتطلّب ترتيب الأولويات وترشيد الاستثمارات والإنفاق، بحيث يمكن لكل جهة أن تقوم بدورها في تطوير ما يرتبط بها من خدمات الاتصالات، وتحقيق أرباح معقولة من جراء ذلك، وهذا ما يدفع للنمو في سوق الاتصالات وفي الناتج القومي الإجمالي عموماً.
جميع هذه الأسباب تُظهر أن الخيار الأفضل لقطاع الاتصالات الذي يحقّق أهداف دخول المشغل الثالث، هو اجتذاب مشغل عالمي لديه خبرة في العمل في سوق تنافسية، وقادر على تحمّل المخاطرة والاستثمارات الكبيرة اللازمة، مع العلم بأن القرار الحكومي يضمن مشاركة الشركة السورية للاتصالات بحصة تبلغ 20% من رأس مال المشغل الثالث، وسيكون لها بذلك عضو في مجلس الإدارة، فهي لن تخرج إذاً من سوق الاتصالات النقّالة، ولكنها في الوقت ذاته ستقوم بالدور المنوط بها في تطوير باقي خدمات الاتصالات في سورية.