نحن بحاجة الى خطة واقعية للاصلاح
عبد الرحمن تيشوري – شهادة عليا بالادارة
شهادة عليا بالاقتصاد

يجب الانتقال من المنهج التقليدي للإدارة الحكومية إلى منهج عصري مهني احترافي يقتبس الكثير من أساليب ونظم العمل المطبقة في القطاع الأهلي


إن التطور يقتضي حتماً إعادة هيكلة إدارية ، بحيث يسهل التخلص من الأجهزة الإدارية التي باتت تشكل عبئاً اقتصادياً من خلال تضخمها البيروقراطي وهدرها الاقتصادي ، وأحياناً بازدواجيتها التنظيمية مما يجعل تفكيكها وإعادة بنائها من جديد أمراً لازماً ، أخذاً في الاعتبار أيضاً أن مفهوم الخدمة العامة أصبح على نحو أو آخر في حالة تغير وإعادة صياغة مستمرة في ظل حتمية التخلي عن بعض المسئوليات الإدارية والخدمة إلى القطاع الأهلي ، يديرها حسب القوانين الاقتصادية المتطورة ، والظواهر الاجتماعية المتغيرة .

وعليه ، فإن هناك مجموعة من القضايا الإدارية المُلحّة التي لا تزال تتطلب المزيد من البحث والتطوير والتفعيل ومضاعفة الاهتمام إذا ما أُريد لعمليات إعادة الهيكلة الإدارية أن تحقق ثمارها المرجوة ويمكن إبراز هذه القضايا في النقاط التالية :

- ضرورة وأهمية أن تتبنّى عمليات إعادة الهيكلة منهجاً تقويمياً ينطلق من الأداء المستهدف بالتحسين ، وينطلق من قياس نواتج ومخرجات الأجهزة الحكومية ، ويستند إلى أهداف أدائية محددة تخطط للوحدات الإدارية ، ويتم تقييم إنجاز هذه الوحدات من منظورها .

إن الحاجة ماسة إلى الاهتمام التام بقياس الخدمات الحكومية من حيث كفاءة أداء الخدمة ، وجودة الخدمة المقدمة ، وفعالية التكلفة لمختلف البرامج والخدمات الحكومية .

وفي غياب وجود مقياس حقيقي ( عملي ) تقاس به نواتج جهود التطوير وإعادة الهيكلة يصبح من الصعب الحكم على درجة النجاح المحرز .


- اعادة تقييم تجربة المعهد الوطني للادارة لجهة استثمار الخريجين واعادة الحافز والتنافس الى المسابقة الوطنية وربط المعهد برئاسة الجمهورية

- إن هذا يعني وجوب أن ترتبط جهود التطوير بأهداف أدائية محددة ، وبتحسين في مؤشرات أداء الأجهزة الحكومية ، وبنظام يقيس هذه الأهداف والفاعلية النهائية لعمل الأجهزة الحكومية . النقلة الكبيرة التي حدثت في إدارة الأجهزة الحكومية على مستوى بعض الدول المتقدمة ، تمثلت في الانتقال من المنهج التقليدي للإدارة الحكومية إلى منهج يقتبس الكثير من أساليب ونظم العمل المطبقة في القطاع الأهلي ، والتي منها الاهتمام بالعميل ، والاهتمام بالكلفة ، والاهتمام بالإنتاجية ، وإدارة العمل الحكومي بقدر كبير من الاستقلالية مع المحاسبة على الأداء النهائي ، وبتبنّي أنظمة للموازنة ، وللإدارة المالية ، ولإدارة الموارد بشكل عام تنبثق من وترتكز على الأداء المؤسسي للأجهزة الحكومية . هذا المنظور لم يتغلغل بعد في عمليات إعادة الهيكلة الجارية لجهاز الدولة .

- إعادة هيكلة عمل ومسئولية الأجهزة المركزية المعنية بالرقابة الإدارية والمالية والوظيفية وتوجيهه صوب الأداء النهائي بدلاً من مجرد التركيز الروتيني المحض على درجة التقيد بالأنظمة . إن الوضع الحالي لهذه الأجهزة أنها تراقب لوائح وإجراءات ونظم عمل ، ولكنها لا تراقب الأداء النهائي ، ولا تراقب وتتابع الفاعلية والجدوى والناتج والجودة .

دورها التطويري محدود جداً ، وجُلّ تركيزها على دورها التفتيشي . النقلة في جهود إعادة الهيكلة الإدارية تتطلب أن يعاد تشكيل أدوار هذه الأجهزة بحيث تكون رقابتها رقابة أداء ، ورقابة نتائج تركز على الإنتاجية ، وعلى الأثر ، وعلى الفعالية ، وعلى الجدوى ، وعلى درجة الالتزام بضوابط ولوائح ذات صبغة عامة ، لأن المسئولية عن النتائج تتطلب إعطاء حرية للأجهزة بأن تتحرك بشكل أوسع وأكثر رحابة في مجال تطوير نظم عملها ، ووضع النظم الداخلية الخاصة بها . إن الدور التطويري لهذه الأجهزة يحتاج إلى المزيد من التفعيل والتعميق ، بحيث ينشط دورها في تقديم مقترحات تعين الأجهزة التنفيذية على النهوض بأدائها وعلى تحسين نظم وآليات عملها بالشكل الذي يحقق تنمية وتحسين الأداء النهائي للأجهزة الحكومية .

- ضرورة الاهتمام التام بإعادة هندسة الأداء بالأجهزة الإدارية والتخلي عن مسارات العمل البائدة ، والتفكير في أخرى جديدة ، عن طريق :

- تحرير الإدارة من المعوقات التي تحول دون تحقيق الأهداف الموضوعة ، ومنها المركزية الشديدة في اتخاذ القرارات ، وعدم التفويض في السلطات ، مع إعادة هيكلة البناء التنظيمي للوحدات الإدارية ، وتطوير الاختصاصات لتحقيق التنسيق بينها ، بمراعاة التحول الذي طرأ على دور الدولة في إطار تحرير العمل والإنتاج من القيود الإدارية المختلفة .

- تحقيق التوازن المنشود بين الأجهزة المركزية ممثلة في دواوين عموم الوزارات وبين وحدات الإدارة المحلية على المستوى اللامركزي ، ولدعم وتعميق اللامركزية في الأداء والتنفيذ .

- تحقيق التوافق بين اختصاصات الوحدات الإدارية والقضاء على (التشابك ، التداخل ، الازدواج ، التضارب ، الافتقار إلى التكامل).

- وضع الأنماط التنظيمية المناسبة لوحدات الإدارة العامة المركزية والمحلية (مدن ، محافظات ، مراكز...) .

- تحديد الاختصاصات ذات الطبيعة التنفيذية للوزارات والتي ترتبط بالسياسات الاقتصادية ، ودراسة مدى إمكانية نقلها إلى وحدات الإدارة المحلية في المدن والمحافظات والمراكز الإدارية .

- تطوير نظم الحوافز في الوحدات الإدارة المختلفة بما يحقق الربط بين الحافز والأداء المتميز ، والتأكيد على مبدأ الحافز الفردي على الإنجاز ، مع زيادة الحوافز في مواقع العمل الإيرادية ، أو عند تحقيق وفورات في النفقات ، ولتوفير مصادر لتمويل الحوافز .

- بناء وتطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية على النحو الذي يحقق التفاعل العضوي والوظيفي بين قطاعات التنمية ، وينسق الجهود ، ويرفع الأداء ، ويخفض التكاليف .

- بناء مسارات عملية شمولية تكاملية متجددة لتنمية موارد الثروة الوطنية ، وفتح آفاق أوسع وأرحب لممارسة النشاطات الاستثمارية ، والتصحيح المستمر للهيكل الإنتاجي بهدف تنويع مصادر الدخل والصادرات والإيرادات ، وإدراك خطورة الاعتماد على النفط كعنصر آحادي .

- إيجاد آليات عمل متطورة تكفل "التنسيق المتكامل" بين مخرجات المؤسسات التعليمية ومؤسسات إدارة التنمية .

- بلورة مفاهيم شاملة محددة وأساليب متجددة لعمليات "إعادة التأهيل" و"التدريب" بما يكفل صقل المهارات ، واستثمار الإمكانات ، وتعميق قيم العمل الحكومي .

- التركيز على إنماء وإثراء الخبرة الوطنية في امتلاك واستيعاب وتوطين التقنية اللازمة لضمان حسن أداء الأعمال والنشاطات والخدمات الحكومية .

- تحديث وتبسيط مجمل أنظمة العمل وأساليب تنفيذها بما يكفل تكيفها مع الوضع المعاصر ، ومراعاتها لعوامل المرونة والعدل والإنتاج والتحفيز .

- ضرورة وأهمية العمل من خلال منظومة إعادة الهيكلة على التحول من نظام الموازنة العامة التقليدية للأبواب والبنود – الذي يركز على عنصر النفقة دون الاهتمام بناتج الإنفاق – إلى موازنة الأداء والبرامج التي تركز على الناتج النهائي للموارد والمصروفات ، وتركز على مؤشرات الأداء ، وتقيس ناتج النفقة وتخلق آلية متجددة لتخصيص الموارد من منطلق النواتج والآثار المستهدفة من المخصصات المالية التي تتلقاها الأجهزة الحكومية .