وهذه امرأة نفساء .. وتلك عندها أمراض في الرحم .. دخلت سارة على أمها .. واطمأنت عليها .. كانت في الغرفة مع أمها أربع نساء كلهن والدات .. لمحت سارة من بين الزائرات فتاة وقوراً .. يبدو عليها الذكاء والأدب .. قد لبست عباءة فضفاضة .. غير مزينة .. ولا مزركشة .. لكنها كشفت وجهها .. فبدا كالقمر ليلة البدر .. يراه الأطباء والممرضون والزوار .. جعلت سارة تتعجب .. كيف تبدي زينتها!! والله يقول " ولا يبدين زينتهن"!! كانت سارة جريئة بأدب .. أقبلت إليها وسلمت عليها بلطف .. وعرفت أن اسمها أريج .. ثم اكتشفت أنها جاءت زائرة لأختها الوالدة .. فدعت لهم جميعاً بالبركة والتوفيق .. ثم استأذنتها قائلة : لي معك حديث خاص .. هل يمكن أن نجلس في غرفة الاستراحة المجاورة .. جلست الفتاتان جلسة هادئة .. دارت فيها أحاديث مختصرة .. اكتشفت خلالها سارة أن أريج كثيرة القراءة في الكتب الداعية إلى التبرج والسفور باسم : تحرير المرأة .. وكأن المرأة رقيقة مملوكة تحتاج لمن يحررها .. كانت معلومات سارة لا بأس بها .. مما شجعها إلى فتح نقاش طويل مع أريج ..
بين سارة وأريج
قالت سارة : تعلمين يا أريج أن الله تعالى خلق الرجل والمرأة شطرين للنوع الإنساني : ذكراً وأنثى قال تعالى " وأنـّـه خلَق الزوجين الذكر والأنثى " [النجم: 45] ، والزوجان هما المقترنان اللذان لا يستغني أحدهما عن الآخر .. فالرجل والمرأة مقترنان لتسيير عجلة الحياة .. نعم .. الذكر والأنثى مخلوقان يشتركان في عِمارة الكون كلٌّ فيما يخصه .. بلا فرق بين الرجال والنساء في عموم الدين .. فهما متساويان في المسئولية .. فرسول الله e دعا النساء كما دعا الرجال .. وبايع النساء على الدخول في الإسلام كما بايع الرجال .. وصلى إماماً بالرجال والنساء .. وأفتى الرجال والنساء .. وكان الرجال والنساء يشيرون عليه ويقبل منهم .. وكان الـ ..
عندها صرخت أريج : كان يقبل مشورة النساء!! عجباً !! وأبو بكر وعمر موجودان ؟!! سارة : نعم .. واستمعي إلى أم سلمة وهي تحكي بكل عزة ثقتها بنفسها .. وشعورها بنظرة المجتمع المشرقة لها .. وهي تقضي برأيها على مشكلة كانت قد تعصف بجيش كامل !! أريج : كيف ؟! لما خرج رسول الله e إلى مكة معتمراً .. وهذا كله قبل قرون من اعتراف العالم الحديث للمرأة بحقها في التعبير عن رأيها الخاص بها .. خرج مع ألف وأربعمائة من أصحابه ليعتمروا .. وذلك قبل فتح مكة .. فكان قريش هم أهل مكة يمنعون من شاءوا ويأذنون لمن شاءوا .. وصل e مع أصحابه لا يريدون قتالاً بل سيعتمرون كبقية الناس .. منعتهم قريش من دخول مكة .. وكاد e أن يدخلها بالقوة .. لكنه عدل عن ذلك وأراد أن يكتب بينه وبينهم صلحاً .. أرسلت قريش إليه عدة أشخاص للتفاوض معه حول بنود الصلح .. حتى جاءه سهيل بن عمرو ليكتب الصلح معه .. فدعا النبي e الكاتب فجعل يملي عليه قال : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم .. فاعترض سهيل قائلاً : أما الرحمن .. فوالله ما أدري ما هو ؟ ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب .. فغضب المسلمون وقالوا : والله لا نكتبها إلا باسم الله الرحمن الرحيم .. فقال النبى e : اكتب باسمك اللهم ..
ثم قال e اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ..
فقال سهيل : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله
فقال e : والله إني لرسول الله وان كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله
فقال e اكتب : على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به ..
فقال سهيل : والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ، ولكن ذلك من العام المقبل ..
فوافق النبي e على ذلك .. وكتبه ..
فأراد سهيل أن يضيق على المسلمين .. فاشترط : أنه لا يخرج من مكة مسلم يريد المدينة .. إلا رُدَّ إلى مكة .. أما من خرج من المدينة وجاء إلى مكة مرتداً إلى الكفر .. فيُقبل في مكة .. فقال المسلمون : من جاءنا مسلماً نرده إلى الكافرين !! سبحان الله كيف نرده إلى المشركين وقد جاء مسلماً ..
فقال e : أما من ذهب منا إليهم فأبعده الله .. ثم سكت والنبي e مفكراً ..
وكان قد أسلم فعذبه أبوه وحبسه .. فلما سمع بالمسلمين .. تفلت من الحبس وأقبل يجر قيوده .. تسيل جراحه دماً .. وعيونه دمعاً .. ثم رمى بجسده المتهالك بين يدي النبي e ..والمسلمون ينظرون إليه .. فلما رآه سهيل .. غضب !! كيف تفلت من حبسه .. ثم صاح بأعلى صوته : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي .. فقال e : إنا لم نقض الكتاب بعد .. قال : فوالله إذاً لا أصالحك على شيء أبداً .. فقال e : فأجزه لي .. قال : ما أنا بمجيزه لك .. قال : بلى فافعل .. قال : ما أنا بفاعل .. فسكت النبي e .. وقام سهيل سريعاً إلى ولده يجره بقيوده .. وأبو جندل يصيح ويستغيث بالمسلمين .. يقول : أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً .. ألا ترون ما قد لقيت من العذاب .. ولا زال يستغيث حتى غاب عنهم .. والمسلمون تذوب أفئدتهم حزناً عليه ..
فصالح النبي e على أن يعودوا إلى المدينة..ويعتمروا في العام القادم.. كان المسلمون قد جاؤوا بإحرامهم من المدينة متحمسين للعمرة .. ثم تفاجئوا أن قريشاً تمنعهم هكذا بكل بساطة !!.. كان الحزن يسيطر على نفوسهم .. فلما فرغ النبي e من كتابة المعاهدة التفت إلى أصحابه ثم أمرهم أن ينحروا الـهَدْي .. وهو ما جاؤوا به معهم ليذبحوه في عمرتهم من غنم وإبل .. وأمرهم أن يحلقوا رؤوسهم ..