كل شيء تغير بسرعة وبطريقة عجيبة
بدأ القناص يومه مسرعا نحو وكره المحضر بعناية ...انه في اعلى نقطة في الحي وضمن مبنى استراتيجي يكشف الشوارع الرئيسية من خلال ثقوب احدثت في الخرسانة تتسع لفوهة البارودة فقط
وهي مثبتة على سلم صنع خصيصا لها ..كل ماعليه هو الانتظار لتصبح فرسيته ضمن دائرة المكبرة وفي منتصف تقاطع خطي الزائد لتصبح فريسته ضحية جديدة من ضحاياه ......

لم يكن الحنتير يتخيل يوما ان يصبح عمله ومهنته هو القنص ...وقتل اناس لا يعرفهم ولا يعرفونه
يا للسخرية ....
لطالما عاش سنوات طويلة يذهب لعمله المعتاد الذي صار روتينيا كشرب الشاي والقهوة .... دونما داع لاي انتباه أوتركيز....
اما عمله الجديد فيتطلب منه الصبر والانتظار وكثير من الانفعالات المتضاربة عند قدوم الضحية على دريئة منطقته
.....

كيف يقنص شخصا لايعرفه ؟؟؟
كان ذلك سؤالا ملحا في البداية ولطالما أحس بتأينب الضمير وكلام النفس أمر وأمضى ...
لكن في النهاية لم يعد يسمع او لنقل يصل أية تأنيبات الى عقله بعد ان علا صوت القناصة على أنين ضحاياه ..وعلا لون حقده على لون الدماء المتناثرة في مكان جرائمه المتتالية ...
ناهيك عن علو صوت المشجعين من حوله عند اصابته الهدف مجددا بدقة ...
تلك اذا وظيفة الحنتير ....القتل ....
انه يستيقظ وينام ويأكل ويشرب ...ليقتل فقط ...بغض النظر عن الاسباب التي وضعته في تلك الموقف
ومدى تبرير من حوله لمشروعية عمله ....
........

عند وقوع أول ضحية أحس بمشاعر غريبة ومتناقضة ....
بين الفخر والعار .....والفرح والحزن ... والضحك والبكاء .....
أحس بالجنون فعلا .......
لطالما رنت كلمات رئيسه في رأسه : ممنوع على الذبابة أن تقطع ذلك الشارع يا حنتير ...
هل هذا مفهوم وواضح ؟؟
أومأ بالايجاب
نعم نعم واضح ...قال في نفسه والا سأفقد عملي .......
..........

ربت مجددا على صديقته التي لاتخيب له رجاء وأمل ...ثمة شيء يتحرك ....
انه يحاول عبور الشارع ...أخذ الحنتير يحاول توضيح الصورة عبر المكبرة ....
انه طفل صغير ... يبدو في عمر ولده ..... كانت الساعة التاسعة صباحا ....
أخذ يصوب على رأسه وهو يفكر ..كيف وصل الطفل الى تلك النقطة وكل أهالي الحي يعرفون أنها أخطر نقطة وأبشعها ..... لابد من وجود سر ....
الاحتمال الاكبر أنه خرج في غفلة عن عين من يراقبه ويعيله ....
بدا الحنتير مترددا في قتل ضحيته هذه المرة .....
.......

تواردت الافكار متسارعة في رأسه تريد ان تسبق وصول الطفل الى الرصيف المقابل ونجاته ليستطيع أن يتخذ قراره قبل ذلك ....
ولكن لماذا لا نأخذ الاحتمال الاخر ....وهو أن الطفل حقيقة يريد أن ينقل الذخيرة ...ومن ارسله يظن ان القناصين لن يستهدفوا طفلا صغيرا .....
شعر الحنتير ولأل مرة بالارتباك ...سيما وأنه كان وحيدا هذه المرة وعليه اتخاذ القرار المناسب خلال سبع ثوان هي مدة عبور الطفل لمجال رؤيته ......
.......

ما نحن فيه هو الجنون بعينه ..... ولطالما الجميع يأخذ بالاحتمال الاسوأ فلما أكون أنا الاستثناء ؟؟!!
كل تلك الافكار مرت على خاطره في تلك الثوان المعدودة ..
بدت سبابته جاهزة لتلقي الامر بالضغط على الزناد ...
بقي فقط صدور الامر وثانيتين لتصل الرصاصة لرأس الفريسة ...
اضغط ...لا تضغط ....تلك هي المسألة ..

........

حانت من الطفل التفاتة الى المكان الذي يأتي منه الموت ...
ربما كانت الحاسة السادسة ....والشعور بالخطر الذي لطالما سمع من حوله يتكلمون عنه ...
انعكست نظرة الطفل البريئة على مكبرة الحنتير وبدا له فيها كل ويلات ومصائب واحاسيس الكون مجتمعة ....
اضغط سريعا ...قبل أن تلين وتضعف .....اضغط ....اضغط ..اضغط ....

..............

انتهى العالم وسقط الطفل مضرجا بدمائه ....
ألقى الحنتير قناصته وغاص في جنونه ......