كعــــك العيــــــد ......!!!




















لا يمكن أن أنسى ذلك اليوم الذي تجمعت فيه نساء حارتنا التي كانت في قلب مخيم من مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، الوقت بعد إفطار يوم من أيام العشر الأواخر من رمضان صادف حينها فصل الشتاء، والمكان بيت جدي وهو بيت لا يختلف عن بيوت اللاجئين المعروفة.

نساء كلهن ممن عايشن النكبة ومعهن "الكنات" تجمعوا لعمل الكعك، أم وصفي تريد رطلين وأم نبيل تريد أربعة أرطال فأولادها وأحفادها "كتار" وتريد أن تعطيهم ما يكفيهم ، وأم العبد الأرملة لا تريد سوى رطل واحد فهي تعيش وحدها، أما جدتي رحمها الله فاكتفت بأربعة أرطال، ولم تنس جدتي أن تحسب حساب جارتها أم محمد برطلين فقد أوصتها أن تحسب حسابها على أن تحضر بعد ساعات لذهابها لزيارة قريب لها في المستشفى.

سرعان ما بدأ العمل وقطرات المطر بدأت تداعب سقف الغرفة ، لا أحفظ تفاصيل ما عملوا غير أنه نقص عليهم كمية من السكر فأرسلوا أحد أبناء عمومتي وكنا حينها أطفالاً لشراء السكر ، فعاد يحمل الكيس ليناوله لجدتي التي لم تتردد في إضافة ما تحتاجه إلى العجنة التي استمروا في "بسها" ساعات طويلة ، ليكتشفوا جميعاً وبعد خبز أول صينية أن ما تم إضافته من ذلك الكيس الأبيض هو الملح ....!!

رغم الخسارة والتعب إلا أن الجميع ليلتها لم يكف عن الضحك وكان مصير " العجنة" أن تلقى في سلة المهملات ويتم الاتفاق على عمل عجنة أخرى في الليلة القادمة وهو ما كان.

تلك الليالي الجميلة ورائحة الكعك تعتبر ميزة وسمة بارزة تميز الليالي الأخيرة من شهر رمضان المبارك، فلا يمكنك وأنت تتوجه لصلاة التهجد إلا أن تشتم هذه الروائح الزكية تتدافع خارج نوافذ البيوت لينتشر أريجها باعثاً في النفس فرحة لا يعلم حقيقتها إلا من عاشها.


ما عدت أشتم تلك الرائحة إلا قليلاً ، هل ذهبت الرائحة بذهاب المجموعة التي كانت تلتف حول جدتي في كل رمضان إلى رضوان الله بإذن الله، أم أن للزمان والوقت أحكاماً ؟!

فلقد اختفى مشهد الاجتماع على الأقل وأصبحت بعض أمهاتنا تعمل الكعك منفردة في بيتها قبل سنوات إلا أن كثيراً منهن اليوم أصبحن يلجأن إلى المخابز التي تصنع الكعك جاهزاً أوإلى بعض المؤسسات النسائية التي تعكف المشاركات فيه لعمل الكعك وعرضه للجمهور القريب من المؤسسة .

"محمد" يقضي وقتاً طويلاً وهو يتوسل لأمه لتوافق على عمل الكعك في رمضان إلا أن حالة الرفض لا تتغير وموقفها الصلب لا يتأثر ،فالكعك حسب قولها متوفر في المخابز و"اصرف مالك ولا تتعب حالك" حسب قناعتها.

وصناعة كعك العيد في الأعياد والمناسبات عادة قديمة اخترعها القدماء المصريين، وسُموه بـ''القرص''، وقد ارتبطت هذه العادة باحتفالات وأفراح الفراعنة، وقد امتدت هذه الصناعة من عهد الأسر الفرعونية إلي عهد الدولة الحديثة وصولًا إلي القرن الـ21.



"الراحة وعدم معرفة النساء بالطبخ وصناعة الحلويات والكعك تجعل النساء تفضل شراء المأكولات جاهزة" هكذا برر أبو محمد ، وهو يعمل في أحد مخابز قطاع غزة، ووجهه تعلوه الابتسامة الساخرة، إقبال الناس على شراء الكعك جاهزاً وعزوفهم عن عمله في البيوت كما كان قديماً.

بعض المخابز تقوم بخبز الكعك بأفران آلية وبعضها يخبزه بفرن الغاز المعروف، وهي الطريقة الأفضل كونه يعطي الكعك لوناً أجمل ومذاقاً أروع حسب "مراد" الذي يعمل عاملاً في مخبز الجاروشة في مدينة غزة.

رائحة الكعك المصفوف بطريقة جميلة بعضه فوق بعض، جعلني متأكداً انني سأشتري منه حين عودتي من العمل ليكون أول ما أفطر عليه في يوم إعدادي لهذا الفيتشر ، وهذا ما كان .....
طعماً لذيذاً أتمناه يعمًر أفواهكم التي أتمنى أن تعلوها الابتسامة بحلول عيد الفطر المبارك.







بـ قلم هيثم غراب