صورة عتيقة...

الذكريات ايضا هي مثل الرسالة ,تبدأ بالتصدع ارنستو ساباتو





امراة سمراء من هذه البلاد التي تعانقها الشمس كل يوم بحرارة ....سمراء كارض بلادي ...كحبات الرمال المستلقية باغراء على شاطئ بحرها المتوسطي ...عيناها واسعتان بلون العسل الذي يخبئه الفلاحون في قريتنا بخوابيهم القديمة...وشعرها الاجعد بلون حبات شجرة الخرنوب القديمة في ضيعتنا ...يرتمي بعناد على كتفيها و تلتف خصلاته دوائرا لاتعد كتلك الدروب الريفية التي ترسم في الجبل القريب متاهات لانهاية لها .......
افكاري التي لاتعرف مستقر ..تسرح بي بعيدا ...اتملى الصورة ...امسك بها بكلتا يدي ..اقربها من وجهي ...انظر اليها بعيني غريبة تارة ..وبعيني انا تارة اخرى ...كيف اجد تلك الصبية السمراء ؟؟؟؟ اتامل العينين العسلاوين المزروعتين املا ودفئا ....ثم تلك الابتسامة العذبة على محياها الاسمر .... .لم تكن جميلة كصبايا بلادي المشهورات بجمالهن ..بطول قامتهن ..ببياض بشرتهن ...وزرقة وخضرة عيونهن ....اتملى الصورة المشعة حنانا ... فتبكيني ضحكة الصبية الحالمة بغد افضل ... ....تبكيني نظرتها المؤمنة بالحياة ...تبكيني ملامح الصبا على وجهها الغض .......انظر اليها بحنو وبشفقة ...اود لو تضمني بين ذراعيها عساها تواسيني مما الم بي....عساها تكسر صمتي ووحدتي وعزلتي .......وينساب دمعي حزينا فيتقافز على الصورة الضاحكة ...على الوجه ...والعينين.... والشفتين...
انظر امامي فارى صورتي في المرآة ....ياالهي كم تغيرت من يومها الى الان ...؟؟؟تصعقني السنوات العشر التي تفصلني عن الصورة ...!!!!لا لست انا ....لست انا ...البسمة ليست بسمتي ..والشفاه ليست شفاهي .....وتلك النظرة ليست نظرتي ..واين هو ذلك الشعر المنفلت من عقاله كحصان بري .....؟؟؟؟ اكاد انكر نفسي ....اكاد اشك بصورتي تلك التي اعادتني سنوات بل دهورا عشرا الى الوراء ....ياالهي ...كم من الصبر والامل لزمني زوادة درب منذ تلك الايام وحتى الان !!! ياالهي ...كم من الادعية والصلوات قيلت ورتلت مذ تلك الصورة وحتى الان ....!!!
اعود لاغلق البوم الصور ....واطوي سنينا من الماضي اختصرتها صورة عتيقة ....واترك الصبية السمراء تبتسم وحيدة في درج الذكريات غافلة عن خيبة القلب وجرح الزمن ....