لقبتها الشاعرة الإغريقية سافو بملكة الأزهار، وذكرها شكسبير في إحدى مسرحياته فقال: جميلة كجمال وردة دمشق.
رحلةٌ قطعتها الوردة الدمشقية من بلاد الشام إلى العالم القديم بواسطة اليونانيين والرومان وقدماء المصريين، ومن ثم إلى أوروبا خلال حروب الفرنجة. ‏
والرحلة لما تنتهي بعد فهي سفيرة دمشق إلى العالم كما وصفها أحد أبرز المهتمين بزراعتها السيد أمين البيطار(74 عاماً) من قرية المراح التي تبعد نحو ستين كيلو متراً شرق دمشق ويضيف: هنا موطنها الأصلي ومن هنا انطلقت إلى العالم، وقريتنا من أولى القرى التي تعمل اليوم في زراعتها والحفاظ عليها كونها كنزاً حقيقياً لم يدرك العرب منه إلا قيمته العطرية. ‏
ولكن ما نراه حيث مناجم الورد الشامي تلك، لا يدعونا للتفاؤل ولا حتى للقناعة بأن ما حولنا من ورود قيل عنها في يوم: «أبقى من النفط وأغلى من الذهب»، ولو افترضنا ذلك فأين هي إيرادات تلك المناجم إن كانت تستغل بالشكل الاقتصادي العلمي المطلوب؟. ‏
صالحة للأراضي البور ‏
تاريخ الوردة الشامية كلمات يصعب أن تجد أحداً من أهل قرية المراح لا يحفظها فهي تراثهم الأغلى كما تحدث البيطار وأضاف حول تاريخها: سماها اليونانيون في مؤلفاتهم القديمة Rosa Damascena وانتشرت إلى العالم من خلال الغزوات التي تعرضت لها بلاد الشام..أما في منطقتنا فهي توجد في جبال القلمون والحرمون، ووجدت بكميات كبيرة في قريتنا كونها نبتة برية بعلية تتحمل البرد والحرارة. ‏
هذا ما أكده المدرس في كلية الزراعة م.طارق السمعان (ماجستير في نباتات الزينة) والذي يعمل حالياً على رسالة دكتوراه بعنوان (تأثير الظروف البيئية ومواقع الزراعة المختلفة في نمو وإنتاج بعض سلالات الوردة الشامية الناتجة من مصدري إكثار مختلفين - إكثار خضري تقليدي «عقل وفسائل»وإكثار بزراعة الأنسجة النباتية في الأنابيب) والذي قال: تتميز الوردة الشامية بقدرتها على تحمل الجفاف والكلس لذلك يمكن زراعتها في الأراضي غير المستغلة زراعياً أي الأراضي البور، وأشار الباحث Pati (2002) إلى وجود مدى واسع من الترب المناسبة لزراعة الورد الشامي على الرغم من أن التربة المثالية لزراعته هي التربة العميقة الخصبة اللومية بدرجة حموضة 6-7.5 لكن العوامل المناخية هي العوامل المحددة للزراعة أكثر من عوامل التربة, حيث يمكن أن ينمو الورد الشامي جيداً في الهند في الترب المالحة والقلوية 8-9 PH . أما الباحث Yousefi وآخرون (2005) فقد أوضحوا أن السلالات البرية من الورد الشامي تنتشر في مناطق بيئية مختلفة. ‏
ويضيف م.السمعان: يمكن زراعة الوردة الشامية زراعة هامشية دون أن تؤثر على المحصول الأساسي في الأرض، لذلك من الممكن زراعتها كأسيجة على محيط الحقل. ‏
الظروف البيئية والزراعية ‏
وحول الظروف المناخية الملائمة لهذه الوردة قال م. السمعان: تعيش هذه الوردة في المناطق التي يتراوح ارتفاعها من 600 إلى 2000 م عن سطح البحر وكلما زاد الارتفاع زاد إنتاجها وازدهارها، وهناك الكثير من الدراسات التي بينت الظروف البيئية والزراعية المثلى للوردة الشامية فقد بين الباحث Kasbas1998أن المناطق ذات المناخ القاري المتمثل بصيف حار نسبياً وشتاء بارد هي أفضل المناطق المثالية لنمو وإزهار الورد الشامي على أن يكون متوسط درجة الحرارة خلال فصل الربيع 5-15 ْم مع درجة حرارة منخفضة ليلاً خلال فترة الإزهار لأن درجات الحرارة المرتفعة ليلاً 20 م تزيد معدلات هدم الزيت العطري.
وعن الهطول المطري والرطوبة النسبية أكد م.السمعان بأن الهطول المطري المنتظم من أهم العوامل اللازمة للإنتاج التجاري من الورد الشامي وخاصة خلال الربيع وأوائل الصيف. كما أن الرطوبة النسبية اليومية في فترة الإزهار (أيار وحزيران) يجب ألا تقل عن 70%. ويشير السمعان إلى أنه يجب تجنب تعريض النباتات للجفاف على الرغم من أنها تتحمل الجفاف بدرجات كبيرة إلا أن ذلك يسيء إلى الصفات الإنتاجية وتؤدي الفترات الجافة والحارة خلال موسم الإزهار إلى انخفاض حاد في نسبة الزيت العطري نتيجة تبخره. ‏
بمحض المصادفة ‏
في الوقت الذي كان فيه الغرب يستفيد من معظم مزايا الوردة الشامية كان أصحاب المنطقة الأصلية لها غير عارفين بقيمة ما يحيط بهم من ورود على امتداد السفوح التي سكنوها، فكانت المصادفة طريق أهل قرية المراح لاكتشاف قيمتها من خلال السيد أمين البيطار الذي أخبرنا القصة فقال: لم يكن أهل القرية على علم بمزايا الوردة الشامية حتى زارني في العام 1970م عدد من الصيادين اللبنانيين الذين تساءلوا عن عدم صناعتنا لماء الورد الشامي، وفعلاً تعلمت الطريقة وبدأت بتصنيعه حيث ذهبت إلى العاصمة دمشق بكميات قليلة بهدف تسويقها هناك, ولكن لم يشتر حينها أي من التجار بضاعتي أو وافق حتى على تسويقها إلى أن وافق أحدهم على شرائها بأسعار بسيطة جداً. ‏
غرام زيتها يعادل غرام الذهب ‏
كل غرام من زيت الوردة الشامية يعادل في ثمنه غراماً من الذهب هذا ما تحدثنا به الأرقام، بعيداً عن منتجاتها الأخرى من أزرار يابسة للزهورات وماء وشراب الورد. ‏
ولكن كل هذا الامتداد الواسع من الورود في قرية المراح ما يعني توفر زيتها الثمين جداً لم يساعد أهل القرية في تحسين أحوالهم ورفع مستواهم المعيشي الأمر الذي دفعنا لسؤال البيطار عن السبب فأجاب: لاستخلاص زيت الوردة الشامية نحتاج إلى معدات متطورة كتلك الموجودة في فرنسا وهي غالية الثمن جداً ولا طاقة لأهل القرية على تحمل شراء واحدٍ منها, لذلك نستخلص من خلال الأجهزة البسيطة التي نملكها كميات قليلة غير تجارية رغم أننا نملك كميات كبيرة من الورد الشامي، و لاستخلاص غرام واحد من زيت الوردة الشامية لابد من جمع أربعة كيلو غرامات منها. ‏
ولكن لبيان العائد الاقتصادي من هذه الصناعة نحتاج إلى معرفة كم هو سعر الكيلو الواحد من الزهر وسعر الكيلو الواحد من الزيت. هذا ما أجابنا عنه المهندس السمعان فقال: لاستخراج كيلو واحد من الزيت نحتاج إلى تقطير 4 أطنان من الأزهار، وسعر الكيلو الواحد من الزهر الطازج هو 200 ل.س، إذاً سيتم دفع 800 ألف ل.س ثمن 4 أطنان من الزهر لاستخراج كيلو واحد من الزيت الذي يعادل ثمنه حالياً 600 ألف ل.س. ‏
لدى دراسة الأرقام السابقة يتبين لنا بأنه هناك خسارة 200 ألف ل.س إن تجاهلنا سعر الأيدي العاملة والتسويق إذاً فالعملية الاقتصادية غير ناجعة؛ ولكن م.السمعان نبهنا إلى فكرة ما يسمى ببورصة الزيت التي هي في أسوأ أحواله هذه الفترة، علماً أن سعر الكليو الواحد من زيت الوردة الشامية وصل في احدى المراحل السابقة إلى 3 ملايين ليرة سورية. ‏
جهاز التقطير ‏
لا يوجد إلى الآن في سورية معامل متخصصة في صناعة استخراج زيت الورد الشامي حسب ما ذكر م.السمعان وإنما هناك ورشات صغيرة في بعض القرى كقرية المراح يستخدم أصحابها آلات تقطير مخصصة للنباتات العطرية مثل الخزامى والغار أو أزهار الحمضيات وتلك الآلات غير مناسبة لاستخراج زيت الوردة الشامية و إنما هي بحاجة إلى التعديل. ‏
ففي التصميم الذي اقترحه م.السمعان لجهاز تقطير الوردة الشامية بعد الدراسة التي كلفته زيارة عدد من البلدان العاملة في هذا المجال تبين بأن كلفة الجهاز الواحد لا تتعدى 400 ألف ل.س وهو قادر على تقطير 10 كيلو غرامات من الزهر خلال 3 ساعات، أي نحتاج إلى 400 ساعة للحصول على كيلو زيت واحد، ولكن هذه الفترة الطويلة ممكن اختصارها في حال تم تطوير التصميم ليكون قادراً على استيعاب كمية أكبر من الزهر. ‏
فوائد بيئية وطبية ‏
وعن فوائد الوردة الشامية البيئية والطبية قال م.السمعان: بما أن الوردة الشامية قادرة على تحمل التربة الكلسية والمناطق الجافة فيمكن استغلالها لانتشار المساحات الخضراء في تلك المناطق لاسيما المناطق التي لاتوجد فيها مياه كافية لزراعة محاصيل أخرى. ‏
أما عن فوائدها الطبية فقال البيطار حسب تجربته: يستخدم زيت الورد الشامي في بلادنا بمنزلة العطر متجاهلين كل فوائده الطبية، ففي زيارة لإحدى الفرنسيات إلى قريتنا وهي دكتورة تدرس فوائد زيت الورد قالت: (إن أي مستشفى لائق في أوروبا لابد من أن يحتوي على 100 غرام من زيت الورد الشامي لاستخداماته الطبية وفائدته في علاج بعض الأمراض). ‏
جمعية للورد الشامي ‏
وحول مصير هذه الوردة في ظل الصعوبات التي يعاني منها أهل القرية وأهمها عدم الاستفادة القصوى من قيمتها الحقيقية بسبب قدم التقنيات المستخدمة أجاب البيطار متنهداً: قمنا بإنشاء جمعية للورد الشامي هدفها الاستفادة من كميات الورد الموجودة لدينا من خلال محاولاتنا شراء آلات حديثة من فرنسا، ولكن المشروع مازال قيد الدراسة إلى الآن مع بعض الاهتمام مجدداً من قبل الدولة بهذه الوردة. ‏
بين أيديكم وزارة الزراعة ‏
حسب المعلومات التي قدمها بعض المهندسين المهتمين بالوردة الشامية فإنه يوجد حالياً منحة بقيمة 170 ألف دولار قدمت إلى وزارة الزراعة من إيفاد صندوق التعاون الزراعي عن طريق منظمة التعاون الجامعي الإيطالي «ICU» بهدف تطوير زراعة الوردة الشامية، وتتضمن المنحة تدريب الفلاحين والمرأة الريفية على طرق زراعة الوردة الشامية وقطافها وتقطيرها عبر ورشات عمل. ‏
ولقد تم تقديم المنحة إلى مكتب التعاون الدولي في وزارة الزراعة لتعميمها على المديريات بهدف إيجاد الشريك المحلي الذي سيقدم الأرض فقط, علماً أنه بعد عامين سيتم انتقال جميع التجهيزات من شبكات الري والمعلومات الإرشادية والعروض التقديمية إلى وزارة الزراعة. ‏
حلم بلون الورد ‏
2300 دونم من أراضي الورد الشامي في قرية المراح حسبما ذكر أهلها تزهر في شهر أيار لمدة 25 يوماً فقط، كل هذه الأراضي تفقد يوماً بعد يوم قيمتها بضياع حلم أصحابها في استثمار تلك الكميات من الورود ذلك الحلم الوردي الذي يدفعهم دوماً إلى الحفاظ على إرث دمشقي ورثوه عن أجدادهم، فمتى تزهر أحلام هؤلاء وتتحول تلك الأراضي من الورود إلى مناجم حقيقية تقدر قيمتها؟.‏