في أحياء دمشق القديمة ثروة من الدور مخبوءة في خبايا الحارات والأزقة .. ومعظم هذه الدور تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، وكان يسكن هذه الدور أسر، كانت الواحدة منها أشبه بالقبيلة، تضم الجدود والآباء والأحفاد يأكلون من طبخة واحدة، ويعيشون عيشة المحبة والألفة والإيثار.

من بين هذه الدور الجميلة قصر العظم فهو من أهم القصور التاريخية والأثرية في سورية، أمر ببنائه والي الشام أسعد باشا العظم سنة (1163هـ/1749م) ليكون داراً لسكنه، ويقع في وسط المدينة القديمة بجوار سوق البزورية، بين الجامع الأموي الكبير في الشمال والشارع المستقيم في الجنوب، على جانب من الرقعة التي كان يقوم عليها قصر الخضراء، والذي ابتناه معاوية بن أبي سفيان. ‏











تبلغ مساحة القصر (5500) م2 ويعتقد أن مساحته الأصلية تفوق هذا المقدار، بدىء بعمارته بالاعتماد على مواد محلية أمر الباشا بجمعها من مختلف أنحاء المدينة، حيثما وجدها في الدور والخرائب الأثرية، وجنّد لبنائها أشهر معلمي البناء والنجّارين والدهانين.

يسرد البديري الحلاق في كتابه الشهير«حوادث دمشق اليومية» قصة البناء على النحو التالي: ‏
«وجدّ أسعد باشا واجتهد في عمارتها ليلاً ونهاراً وقطع لها من جملة الخشب ألف خشبة، وذلك ما عدا الذي أرسله له أكابر البلد والأعيان من الأخشاب وغيرها، ورسم على حمامات البلد ألا يباع قصر مل لأحد، بل يرسل لعمارة السرايا، واشتغلت بها غالب معلمي البلد ونجاريها، وكذلك الدهانون، وجلب لها البلاط من غالب بيوت المدينة، أينما وجِِِِِدَ بلاط أو رخام وغير ذلك، مثل عواميد و«فسقيات» يرسل فيقلعهم بالقليل من ثمنهم .... » ‏

شيّد قصر العظم على غرار البيوت الدمشقية العريقة المشيدة في العهد العثماني، فقد قسم إلى ثلاثة أجنحة، درجت تسمياتها التركية، ولا تزال تتناقلها الألسن حتى الآن وهي(الحرملك) أي جناح العائلة، و(السلاملك) أي جناح الضيوف، و(الخدملك) أي الجناح الخاص بالخدمة، وتتوسط هذه الأجنحة بوابة كبيرة تفتح على دهليز مدخل القصر. ويتميّز قصر العظم بزخارفه الجميلة، فقد اعتمد في بناء الواجهات الداخلية المطلة على الفسحات السماوية (أرض الديار) واجهة البوابة الخارجية على الحجارة الملونة التي نظمت في مداميك متناوبة ومتدرجة الألوان (بيضاء، صفراء، حمراء) تفصل بينها مداميك من الحجارة السوداء، ويتصف بناء القصر ببساطة مظهره الخارجي، وبفخامة وترف الزخارف على جدران وسقوف قاعاته وواجهاته الداخلية المطلة على الفسحات السماوية، وتتوزع في أنحاء متفرقة منه وبخاصة في الأجزاء العلوية من الواجهات الداخلية، زخرفة فسيفسائية كثيرة الانتشار في البيوت الدمشقية على الطريقة التقليدية في مجال زخرفة الأشكال والخطوط الهندسية الدائرية والمستقيمة والمتعرجة والمنقطة بأشكال النجوم والعروق النباتية والأزاهير المحوّرة والزهريات ... منظومة ضمن أشرطة وحقول زخرفية شديدة التناسق، وقد اعتمد في مبنى القصر على فن المعشّق التقليدي أثناء تصميم وتزيين النوافذ العلوية، وذلك بتنفيذ تشكيلات من الجبصين بينها فراغات معشقة بالزجاج الملون، أما الأبواب فقد نفذت بطريقة زخرفة الخط العربي (الأرابيسك) المدلك بحشوات ذات أشكال هندسية متنوعة يتميز من خلالها شكل كل باب عن الآخر، وقد رصعت بعض الأبواب في أقسامها العلوية بقطع صغيرة من الصدف الرهّاج، وتنتشر في أنحاء متفرقة من القصر فسيفساء رخامية تدعى بـ (المعشق) تتخذ أشكالاً هندسية مرصوفة في ألواح رخامية متنوعة الألوان. ‏

لقد ظل قصر العظم حتى بداية العشرينيات من القرن الحالي مسكناً لآل العظم، ولكن أثناء الانتداب الفرنسي على سورية استملك قسم العائلة (الحرملك)، وحُول إلى مقر حامية عسكرية، ثم إلى مركز لدراسة الفنون، وأصبح مقراً لمعهد الدراسات الشرقية، وبعد استقلال سورية، تم استملاك كامل القصر عام (1953م)، وبعد القيام بأعمال الترميم الضرورية وتزويد القصر بالتجهيزات اللازمة، حّول إلى متحف للتقاليد الشعبية والصناعات اليدوية التقليدية. ‏

ويتألف المتحف: من قاعات تقدم لمحات عن التعليم في الكتاتيب، وقاعة للآلات الموسيقية الشرقية، وقاعة استقبال، وقاعة العروس، والحماة ، وقاعة الحج، والمقهى الشعبي، وقاعة السلاح والباشا، والحمام الشعبي وأقسامه، والقاعة الكبرى، وقاعة الأزياء الشعبية السورية، وقاعة الصناعات الشعبية الجلدية، وفرن الزجاج، وقاعة النسيج والنحاس. ‏