ما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما حول سورية يعتبر نكتة الموسم بلا منازع، ويجب أن تسجل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، ليس باعتبارها نكتة فقط، بل لأنها كذلك أكبر عملية افتراء وإفك عرفها التاريخ. ليس مبالغة ما نذهب إليه، إذ كيف يمكن لعاقل على وجه البسيطة تصديق أن دولة صغيرة كسورية، محتلة أرضها ومعرضة للعدوان في أي لحظة أن تشكل تهديداً «للأمن القومي الأمريكي»! ‏ هل يصدق أوباما كذبته تلك؟! إن كان يصدق ذلك فنحن نرثي لحاله، فقد قدم للعالم دليلاً قاطعاً عن مدى جهله بالسياسة الدولية وبموازين القوى، وبحجم الدول وقدراتها وقواتها المسلحة وما تملكه من أسلحة. ‏
وإذا كان يعرف أنه يكذب، فإننا نرثي لحاله مرتين: الأولى لأنه أثبت أنه كاذب فاشل بامتياز، والثانية لأنه قدم صورة غير محببة للسوريين والعرب والعالم، وأسقط بيده كل البراقع التجميلية التي وضعها على وجهه خلال حملته الانتخابية التي قادته إلى البيت الأبيض. ‏ لنفترض أن أوباما كان ضحية للتضليل وغُرر به عبر تقارير قدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (ءة) تصور له سورية وكأنها دولة عظمى قادرة على تهديد الأمن القومي الأميركي فعلاً، فهل يأخذ مثل هذه التقارير الاستخباراتية على عواهنها دون تدقيق ولا تمحيص، ومن دون أدنى محاكمة عقلية؟ ‏ ألم يتعظ السيد أوباما المبجل من تجربة وزير الخارجية الأميركية الأسبق كولن باول عندما قدم للعالم صوراً زعمت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنها أخذت من الأقمار الصناعية تدعي امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وظهر فيما بعد أن ما قدمه باول كان كذبة كبيرة وخطيرة اعتذر للوقوع فيها، ولكن بعد فوات الأوان، وبعد مقتل أكثر من مليون عراقي وتدمير العراق حجراً على حجر وإعادته إلى العصور الوسطى؟! ‏
كنا نتمنى أن تصدق كذبة أوباما، ليس لتهديد الأمن القومي الأميركي، بل كي تكون سورية »دولة عظمى« كي تستطيع تحقيق السلام العادل في المنطقة وأن تستعيد أرضها المحتلة. ‏ لكننا نؤكد للرئيس الأميركي وللإدارة الأميركية أن سورية فعلاً دولة عظمى بتاريخها وبالحضارات التي قامت على أرضها وبما قدمته للبشرية من خدمات وإنجازات هائلة في العلوم والطب والثقافة والفلسفة والعمران والبناء، على عكس بعض الدول التي أبادت الشعوب ودمرت الحضارات وسرقت خيرات الأمم لتقيم حضارة واحدة هي »حضارة القتل والموت والاحتلال
«. ‏ لا نعذر السيد أوباما على جهله إن كان جاهلاً ولا على كذبته إن كان كاذباً، فرئيس أقوى دولة في العالم تتحكم بمصائر الشعوب يجب أن يتحلى بثقافة واسعة تمكنه على الأقل من معرفة أن سورية دولة محبة للسلام وأنها ليست قادرة على تهديد أمن أي دولة في العالم، فكيف إذا كان المقصود دولة عظمى تحتل دولتين من دول العالم احتلالاً مباشراً، وتنتشر أساطيلها في محيطات وبحار العالم دون استثناء، وتصنع سياسة العالم وتتحكم باقتصاده وموارده ومصيره؟! ‏ ويجب على رئيس أقوى دولة في العالم ألا يصدق على كذبة فبركتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أو اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة أو إسرائيل، فمثل هذه الكذبة تشكل خطراً حقيقياً على أمن وسلام الشرق الأوسط والعالم، وخاصة أن الإدارات الأميركية بنت على الدوام سياستها على أساس من الكذب والافتراء الذي يوجد مصنعه الرئيس في المؤسسات الصهيونية الحاكمة في الولايات المتحدة، وهي ما يعرف باللوبي الصهيوني ويوجد مصنعه الآخر في إسرائيل التي قامت على كذبة كبرى وتستمر على الأكاذيب والعدوان والإرهاب، لذا كان على السيد أوباما قراءة واقع الشرق الأوسط، لا أن يغرق في الأساطير الصهيونية والأكاذيب الإسرائيلية. ‏

يخطر في البال هنا سؤال وجيه جداً: هل يعلم أوباما أن إسرائيل لا تزال تحتل أراضي عربية حتى اليوم في مقدمتها الجولان؟ أم إنه يظن أن سورية ـ مثلاً ـ تحتل أراضي إسرائيلية؟! ‏ إنه سؤال سخيف فعلاً، لكنه يتناسب مع ما ذهب إليه ساكن البيت الأبيض الذي وعد ذات يوم بالتغيير وجاء اليوم ليؤكد لنا كسوريين أولاً وللعالم أن التغيير كلمة جذابة حملته إلى الرئاسة، لكن لا ترجمة لها على الأرض، وخاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط والعلاقات المتينة بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي تجعل واشنطن تقف مع تل أبيب ظالمة كانت أو أكثر ظلماً. ‏

سورية دولة عظمى فعلاً بتاريخها وحضارتها وشعبها وبأصدقائها، وخاصة تركيا التي زارها السيد الرئيس بشار الأسد منذ يومين، وروسيا التي زار رئيسها دمشق وبشبكة علاقات حقيقية مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والرغبة في عالم تسوده المحبة والسلام. ‏ سورية دولة عظمى بكل ذلك، لكنها ليست دولة حرب وعدوان، وهي لم تسهم في إبادة الهنود الحمر، ولم تقصف هيروشيما وناغازاكي بالقنابل الذرية، ولم تقم بغزوات لجمهوريات الموز وتعتقل رؤساء دول وتقتلهم، ولم تنصب نفسها حاكماً أوحد للعالم تتدخل في شؤون دوله الداخلية وتنصر الديكتاتوريات على شعوبها وتسفك دماء ملايين البشر. ‏
سورية دولة عظمى، رسالتها الحضارية هي السلام والمحبة والتواصل مع شعوب الأرض، وعندما يصل الآخرون إلى ما قامت عليه سورية من مبادئ وقيم أخلاقية وإنسانية وحضارية، يمكن الحديث جدياً عن حوار أنداد بنّاء من شأنه إنقاذ الشرق الأوسط والعالم من بؤرة التوتر والحروب والإرهاب وصنع السلام العادل والشامل الذي تقبل به الشعوب وتدافع عنه الأجيال القادمة، وحتى ذلك الوقت البعيد جداً، ستظل سورية كما هي تدافع عن نفسها باقتدار، وتعمل على استعادة أرضها المحتلة وحقوقها المغتصبة بجدارة، وستظل ترفض التهديدات وتفند الاتهامات الباطلة، معتمدة في ذلك على شعبها الأبي، وأصدقائها المخلصين وسورية في النهاية ليست وحدها في مواجهة حملات الكذب والتشويه والتزوير ومكافحة الإرهاب الحقيقي الذي صار سياسة رسمية لدول عظمى. ‏ ‏ ‏ عقد اجتماعاً مع الرئيس الروسي وأقام مأدبة عشاء على شرفه..
الرئيس الأسد: مكانة روسيا الدولية تؤهلها لدور فاعل يوصل لسلام يحقق أمن واستقرار المنطقة.. الرئيس ميدفيديف : واثقون بقدرة روسيا وسورية على حل العديد من القضايا الإقليمية والدولية



.. عصام داري .. جريدة تشرين