الأبراج الفلكية بين الإيمان والإدمان وأهل السياسة


وائل المولى
يبدأ الكثير من الناس صباحهم بقراءة الأبراج في الصحف أو الاستماع إليها عبر أمواج الراديو على الرغم من أن معظم من يستمعون لهذه الأبراج لايؤمنون بالتنجيم وهم على ثقة بأنه « كذب المنجمون ولوصادفوا »
لكنهم يدأبون على استطلاع الأبراج وتثير فيهم الأخبار المفرحة التي تقدمها أحياناً شعوراً بالغبطة بالمقابل نجد أن أناساً آخرين يؤمنون إيماناً مطلقاً بهذه الأبراج بحيث يعلق إنجاز حياته اليومية وعلاقاته مع الآخرين بموجب هذه الأبراج ، والأخطر من ذلك أنه حتى في عالم السياسة والإعلام نجد أن بعض الكتاب يأخذون التنبؤ والأبراج بالأمور السياسية وعلى ماقيل من المنجم فلان أوفلانة حيال الشأن العام يسطر بعض الكتاب مقالات بناء على هذا التنبؤ وبالطبع بموجب الأبراج.‏
أما الجزء الأخطر من الإيمان بالأبراج هو أن يصبح البرج نبراس الحياة اليومية وكثيراً مانجد في مجتمعنا هكذا أشخاص إذ يقترن كل شيء بالبرج فمثلاً « عند التعارف بين شخصين قبل أن يتم السؤال عن أي شيء تجد السؤال عن البرج بالطبع لكي يستشف فيما إذا كان التوافق سيحصل أم لا وهذا ليس فقط بالنسبة للعلاقات العاطفية وحسب بل إنما أيضاً للعلاقات الاجتماعية.‏
التنبؤات تقتحم حياة أهل السياسة‏
والمؤمنون بقصة الأبراج ترى أن لديهم دستوراً «كتاب تنبؤ» من إنتاج فلان أوفلانة العارفين بماسيجري بالمنطقة بشكل محدد من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى أن لديهم علماً بماسيجري من أحداث بالجزء الخامس من مسلسل باب الحارة.‏
إنني أذكر تماماً أنه في نهاية العام 2005م كان هنالك من سطر مقالة تحمل نبوءة في إحدى الصحف العربية بأن المقاومة في لبنان ستندحر وسوف تسحق لكن العام 2006م حمل نصراً كبيراً للمقاومة اللبنانية بعد حين وجدت بأن الكاتب نفسه قد برر ذلك بأن الكوكب المعني بالموضع «زحط» ثلاث درجات عن الكوكب الآخر لذلك تحقق النصر أو أن أحداً آخر تبنأ طبعاً بموجب الأبراج بمقتل إحدى الشخصيات السياسية في إحدى الدول العربية خلال أحد الأعوام المنصرمة، واليوم نجد بأن المتنبئ هو القاتل بأم عينه وكثيرة هي المقالات التي تنتشر مع كل بداية عام جديد حيال التنبؤ بالمستقبل من تغيير أنظمة وموت شخصيات هامة وغيرها وبالطبع لاتحدث أو قديحدث البعض منها نتيجة معلومات من دوائر عالمية مشبوهة بكل الأحوال: إن الأبراج في عالم السياسة شقان إما حرب نفسية أو معلومات أمنية معادية وغالباً ماتكون ممزوجة بالاثنتين معاً، ولعله لذلك لانجد معلومات أو تنبؤات في عالم الأبراج بتدهور أو سقوط الدولة الغاصبة لأرض فلسطين الحبيبة أو تنبؤات عن مفاعيل الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على أسطول الحرية وللعلم بأن أحد المتنبئين في العام 1980م تنبأ بسقوط الثورة الإسلامية في إيران في بداية العام 1981م لكن ذلك لم يحصل وتبين بأنه نسج تنبؤه هذا من الحرب العراقية الإيرانية آنذاك وكالعادة برر ذلك بالكوكب الذي ذهب بعيداً عن الكوكب الآخر لمدة تسعة قرون ويعود ليسقط ثورة ودولة ودول أخرى في المنطقة طبعاً العربية.‏
فسحة أمل كما يراها البعض‏
يمكن أن يكون رد من لايقرؤون الأبراج يحمل تفسيراً لاهتمام البعض الآخر بها وتصديقهم لنبؤاتها. الأشخاص الذين لايقرؤون الأبراج أولايعيرونها اهتمامهم غالباً مايكون دافعهم لذلك هو يقينهم من أن التنجيم لايمكن أن يصدق وفي الحقيقة هؤلاء الأشخاص غالباً لا يقرؤون الأبراج لأن ليس لديهم وقتاً لقراءتها وحياتهم تكون مشغولة لدرجة يصعب معها تذكر وجود تنبؤات لما سيحدث وإن قرأ الأبراج يكون ذلك من باب التسلية أوالتفاؤل كون معظم الصحف تنشر الأبراج التفاؤلية فقط . نستثني من هذه الفئة بعض الحالات الخاصة مثل الشباب الصغار والعشاق الذين تأخذهم عواطفهم بسطوتها وتتحول حياتهم لبحث دائم عن طقس علاقاتهم العاطفية .‏
وللإنصاف ليس من يقرؤون الأبراج لاعمل لديهم هذه ليست الحقيقة لكن هناك شيء من هذا القبيل في طريقة حياتهم من يعمل بجد ويأخذ مسؤولياته على عاتقه بشكل كامل ، تتحول حياته إلى بحث دائم عن إنجاز الأعمال المترتبة عليه ،. لهذا فهو غالباً لايجد الوقت لقراءة الأبراج أوبالحد الأدنى لايؤمن بها لكن هذا لايعني أنه شخص مهم أو لديه مشاغل أكثر من غيره ، إنه مجرد شخص منظم لايترك للصدفة محلاً في حياته لأنه يفضل إمساك زمام الأمور.‏
بالمقابل الأشخاص المولعون بالأبراج يسيرون بشكل غير منظم قد تكون لديهم أعمالهم ومشاغلهم لكنهم ينخرطون غالباً في أحلام وأفكار ، تشدهم الأبراج لبعدها الساحر الذي يعطي انطباعاً بأن ماتقوله يمكن أن يحدث فعلاً في الحقيقة هم لايؤمنون بالأبراج لكنهم يستمتعون بقراءتها حتى ولوكانت أخبارها سيئة .‏
الأبراج بين الواقع والأحلام‏
من المؤكد أن تنبؤات الأبراج ليس لها محل في الواقع لكنها ليست بالضرورة سيئة ، الأشخاص الذين يحتاجون للأحلام والخيال في حياتهم نظراً لتكوينهم النفسي وطريقة حياتهم تؤدي لهم الأبراج خدمة جليلة ، فهي تساعدهم على الابحار في مخليتهم مع كل فسحة أمل تخبرهم بها هذه الأبراج ،بالنسبة للآخرين الأبراج غير موجودة ولايمكن أن تحمل أي فائدة فهي مثل غيرها أمور ثانوية نادراً ماتجد طريقها إلى حياتهم ويبقى أن نقول بالخاتمة: من المفيد أن يتفاءل الإنسان بأي برج أو نبوءة على ألا تتحول إلى إيمان مطلق يؤدي فيما يؤدي لاحقاً إلى عدم انسجامنا مع بعضنا كأصدقاء أو أحباء أو كمشروع الزواج بداعي أن الأبراج لم تنطبق على بعضها البعض .‏
وأقول للمؤمنين بالأبراج : إن هذا المرض ليس فيه أجر ولاعوض لأن لكل مجتهد بالحياة نصيب