صفحة 1 من 22 12311 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 4 من 88

الموضوع: تجارب الأمم


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    تجارب الأمم

    مقدمة المصنف

    الحمد لله ربّ العالمين حمد الشاكرين، وصلواته على محمّد النبي وآله أجمعين. قد أنعم الله علينا، معاشر خدم مولانا الملك السيّد الأجلّ، وليّ النعم - أطال الله بقاءه، وأكبّ أعداءه، وحرس ملكه، وأعزّ سلطانه - لمّا أخرجنا في زمانه، وأنشأنا في أيامه، وبوّأنا ظلّه، وأنزلنا كنفه، وجعلنا من خاص خدمه.
    فنحن نتقلّب من نعمه فيما لا شكر له غير الدعاء، ولا ثمن له غير الثناء، فنسأل الله بأخلص نيّة وأصدق طويّة، إدامة أيّامه، والإمتاع بما خوّلناه من إنعامه، إنّه جواد كريم.
    وإني لمّا تصفّحت أخبار الأمم، وسير الملوك، وقرأت أخبار البلدان، وكتب التواريخ، وجدت فيها ما تستفاد منه تجربة لا تزال يتكرّر مثلها وينتظر حدوث شبهها وشكلها: كذكر مبادئ الدول، ونشء الممالك، وذكر دخول الخلل فيها بعد ذلك، وتلافى من تلافاه وتداركه إلى أن عاد إلى أحسن حال، وإغفال من أغفله واطّرحه إلى أن تأدّى إلى الاضمحلال والزوال، وذكر ما يتّصل بذلك من السياسات في عمارة البلدان، وجمع كلم الرعيّة، وإصلاح نيّات الجند، والحروب ومكايد الرجال، وما تمّ منها على العدوّ، وما رجع على صاحبه، وذكر الأسباب التي تقدّم بها قوم عند السلطان، والأحوال التي تأخّر لها آخرون، وما كان منها محمود الأوائل مذموم العواقب، وما كان بضدّ ذلك، وما استمرّ أوّله وآخره على سنن واحد، وذكر سياسات الوزراء، وأصحاب الجيوش، ومن أسند إليه حرب وسياسة، أو تدبير أو إيالة، فوفى بذلك وتأتّى له، أو كان بخلاف ذلك.
    ورأيت هذا الضرب من الأحداث، إذا عرف له مثال مما تقدّم، وتجربة لمن سلف، فاتّخذ إماما يقتدى به، حذر مما ابتلى به قوم، وتمسّك بما سعد به قوم.
    فإنّ أمور الدنيا متشابهة، وأحوالها متناسبة، وصار جميع ما يحفظه الإنسان من هذا الضرب كأنّه تجارب له، وقد دفع إليها، واحتنك بها، وكأنّه قد عاش ذلك الزمان كله، وباشر تلك الأحوال بنفسه، واستقبل أموره استقبال الخبر وعرفها قبل وقوعها، فجعلها نصب عينه وقبالة لحظه، فأعدّ لها أقرانها وقابلها بأشكالها. وشتّان بين من كان بهذه الصورة وبين من كان غرّا غمرا لا يتبيّن الأمر إلّا بعد وقوعه، ولا يلاحظه إلّا بعين الغريب منه، يحيّره كلّ خطب يستقبله، ويدهشه كلّ أمر يتجدّد له.
    ووجدت هذا النمط من الأخبار مغمورا بالأخبار التي تجرى مجرى الأسمار والخرافات التي لا فائدة فيها غير استجلاب النوم بها، والاستمتاع بأنس المستطرف منها، حتى ضاع بينها، وتبدّد في أثنائها، فبطل الانتفاع به، ولم يتصل لسامعه وقارئه اتصالا يربط بعضه بعضا، بل تنسى النكتة منها قبل أن تجيء أختها، وتتفلّت من الذهن قبل أن تقيّدها نظيرتها، ويشتغل الفكر بسياقة خبرها دون تحصيل فائدتها.
    فلذلك، جمعت هذا الكتاب، وسمّيته تجارب الأمم. وأكثر الناس انتفاعا به وأكبرهم حظّا منه، أوفرهم قسطا من الدنيا، كالوزراء، وأصحاب الجيوش، وسوّاس المدن، ومدبّرى أمر العامّة والخاصّة. ثم سائر طبقات الناس. وأقلّ الناس حظّا، لا يخلو أن ينتفع به في سياسة المنزل، وعشرة الصديق، ومداخلة الغريب، ولا يعدم مع ذلك، أنس السمر الذي يوجد في القسم الآخر الذي اطّرحناه.
    وبعد، فلو كان الخادم لا يتقرّب إلّا بما يعزّ وجوده عند سلطانه، ولا يلطف في الخدمة إلّا بما لا يجد مثله، لانقطعت أسباب الهدايا والتحف، وارتفعت الملاطفات بالآداب والطرف، ولا سيما عند من كان في علوّ الهمّة، وتوقّد القريحة، وحفظ الآداب، وسياسة الملك والرعيّة في الخير، على ما عليه الملك السيّد، أدام الله سلطانه.
    وأنا مبتدئ بذكر الله ومنّته، بما نقل إلينا من الأخبار بعد الطوفان، لقلّة الثقة بما كان منها قبله، ولأنّ ما نقل [ إلينا ] أيضا لا يفيد شيئا مما عزمنا على ذكره وضمنّاه في صدر الكتاب. ولهذا السبب بعينه، لم نتعرّض لذكر معجزات الأنبياء - صلوات الله عليهم - وما تمّ لهم من السياسات بها، لأنّ أهل زماننا لا يستفيدون منها تجربة فيما يستقبلونه من أمورهم، اللهمّ إلّا ما كان منها تدبيرا بشريّا لا يقترن بالإعجاز.
    وقد ذكرنا أشياء مما يجرى على الاتّفاق والبخت وإن لم يكن فيها تجربة، ولا تقصد بإرادة. وإنّما فعلنا ذلك لتكون هي وأمثالها في حساب الإنسان وفي خلده ووهمه، لئلّا تسقط من ديوان الحوادث عنده وما ينتظر وقوع مثله، وإن لم يستطع تحرّزا من مكروهه إلّا بالاستعانة بالله، ولا توقّعا لمحبوبه إلّا بمسألته التوفيق، وهو - عزّ اسمه - خير موفّق ومعين.
    الفيشداذية ومن عاصرهم
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني

رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    أوشهنج

    فأوّل من يحفظ اسمه وسيرته من الملوك أوشهنج وأنا ذاكره والملوك بعده على توال ونسق. فإن كان لواحد منهم سيرة محمودة أو تدبير مرضيّ، ذكرته وذكرت سائر ما ضمنته في صدر الكتاب، ومن لم يحفظ له سيرة، ذكرت اسمه فقط، ليكون نظام التاريخ محفوظا، فأقول:
    إنّ أوشهنج هذا هو الذي خلف جدّه جيومرت وجمع الأقاليم السبعة، ورتّب الملك، ونظم الأعمال، ولقّب ب « فيشداذ »، وتفسيره بالعربية: أوّل سيرة العدل. ويقال: إنّه كان بعد الطوفان بمائتي سنة. وهو أوّل من عرف قطع الشجر، وبنى به، واستخرج المعادن وبنى مدينتي بابل والسوس. وكان فاضلا سائسا محمودا، ونزل الهند، ثم تنقّل في البلاد، وعقد التاج، وجلس على السرير. وكان من حسن سياسته أن نفى أهل الفساد والدّعارة من البلدان إلى البراري، وألجأهم إلى رؤوس الجبال وجزائر البحار، وطهّر منهم الممالك، واستخدم من كان يستصلحه منهم، وسمّاهم الشياطين والعفاريت، وقرّب أهل الصلاح وأحسن رعاية الأمور، إلى أن انتهى ملكه إلى طهومرت بعده.
    طهومرت

    وهو من ولد أوشهنج، وبينهما عدّة آباء، وسلك سيرة جدّه، وتنقّل في البلدان، وبنى الموضع الذي جدّده بعد ذلك سابور من فارس، ونزله، وطلب الدعّار ونفى الشياطين أعنى الأشرار. وهو أول من كتب بالفارسية. وسلك سبيل جدّه، فاستمرّ نظام الملك على حال واحدة من عموم الصلاح، واستقامة أحوال الجند والرعية، إلى أن ملك بعده جمّ شيذ.
    جم شيذ

    وهو أخو طهمورت، وتفسير « شيذ » الشعاع. لأنه كان وضيئا، جميلا. وملك الأقاليم، وسلك السيرة المتقدمة، وزاد عليها بأن صنّف الناس وطبّقهم ورتّب منازل الكتّاب، وأمر أن يلزم كل أحد طبقته. وعمل أربعة خواتيم: خاتما للحروب والشرط، وكتب عليه « الأناة »، وخاتما للخراج، وجباية الأموال، وكتب عليه « العمارة »، وخاتما للبريد، وكتب عليه « الوحا » وخاتما للمظالم، وكتب عليه « العدل ». فبقيت هذه الرسوم في ملوك الفرس إلى أن جاء الإسلام، وألزم من غلبه من أهل الفساد والشياطين الأعمال الصّعبة، وأذلّهم بقطع الحجارة والصخور من الجبال، وعمل الكلس والجصّ والبناء والطين، وعمل المعادن، وغير ذلك من الأمور الصعبة. فحسنت سيرته، وخافه أهل العيث والفساد، بما ألزمهم من الأعمال الشاقّة. وأحدث النوروز، وجعله عيدا وأمر الناس بالتنعم فيه. ثم إنّه بعد ذلك، بدّل سيرته. فكان من نتيجة فعله وسوء عاقبته، أن دخل الوهن في الممالك، وتجاسر أهل الفساد عليه.
    فمما حكى من تبديل سيرته، إظهار الكبر والجبرية على وزرائه وكتّابه وقوّاده، وإيثار التخلّى والإغرام باللذّات، وترك مراعاة كثير من السياسيات التي كان يتولّاها بنفسه. فأحسّ بذلك بيوراسب - وهو الذي تسمّيه العرب الضحّاك - وعلم استيحاش الناس منه، وتنكّر خواص أصحابه له، فدسّ إلى رجاله من استصلحه لنفسه، ودبّر عليه حتى قوى، ثم قصده، فهرب منه جمّ وتبعه حتى ظفر به، فنكل به، وأشره بمئشار. وقد كان جمّ تنقّل في البلدان قبل ذلك، إلى أن جرى عليه ما جرى.
    وكان الضحّاك هذا - على ما تزعم الفرس - من ولد جيومرت، وبينه وبين جيومرت من الآباء « تاج » وإليه تنتسب العرب، فيقال لهم: « تاجى » وهم يلقّبون بيوراسب ب « الازدهاق ». وقوّم منهم يزعمون أن جمّ شيذ زوّج أخته من بعض أشراف أهل بيته وملّكه اليمن، فولدت له الضحّاك. وأما العرب فينسبون الضحّاك غير هذه النسبة. ورغم قوم أنّه نمرود. وزعم آخرون أنّ نمرود كان عاملا من قبله على كثير من أعماله، ولا ينبغي أن نذكر من أمره فيما قصدنا له، أكثر من هذا النّبذ، لئلّا ننقطع عن غرضنا.
    بيوراسب وما جرى بينه وبين كابي الإصبهاني

    ولما ملك بيوراسب ظهر منه خبث شديد وفجور كثير، وملك الأرض كلّها، فسار فيها بالجور والعسف، وبسط يده بالقتل والصلب، ليهابه الناس، وليمحو عن صدور الناس سياسة من تقدّمه وذكرهم وسنّتهم. فسنّ العشور، واتخذ المغنّين والملهين. وكان على منكبه سلعتان يحركهما إذا شاء، كما يحرّك يديه.
    فادّعى أنهما حيّتان، تهويلا على ضعفاء الناس، وأغبيائهم، وكان يسترهما بثيابه.
    فلما طالت أيامه وعمّ الناس جوره، كان من سوء عاقبة ذلك أن ظهر بإصبهان رجل يقال له: « كابى » من أثناء العامة، وكان الضحّاك قتل له ابنين. فلما بلغ الجزع من كابى هذا على ولديه ما بلغ، أخذ عصا، فعلّق بطرفها جرابا. - ويقال: إنّه كان حدّادا وإنّ الذي علّقه نطع كان يتوقّى به من النار - فجعله علما ودعا الناس إلى مجاهدة بيوراسب، فأجابه خلق كثير، لما كانوا فيه من البلاء وفنون الجور. فاستفحل أمره وقوى، وتفأل الفرس بذلك العلم، وعظّموا أمره، وزادوه ورصّعوه بعد ذلك بالجوهر، حتى جعله ملوك العجم علمهم الأكبر الذي يتبرّكون به، وسمّوه « درفش كابيان ». فكانوا لا يسيّرونه إلّا في الأمور العظام.
    ولما استعلى كابى الإصبهاني، وأشرف على بيوراسب، هرب عن منازله.
    واجتمع أشراف الناس على كابى، وناظروه في الملك. فقال لهم كابى: إنّه لا يتعرّض للملك، لأنه ليس من أهله. وأمرهم أن يملّكوا بعض ولد جمّ. وكان أفريذون بن أثفيان مستخفيا من الضحّاك في بعض النواحي، فوافى هو ومن معه إلى كابى، فاستبشر الناس به، لأنّه كان مرشّحا للملك. فصار كابى أحد أعوان أفريذون حتى احتوى على منازل بيوراسب، وحتى تبعه وأسره بدنباوند، فقتله.
    ولم يسمع من أمور الضحّاك بشيء يستحسن، ولا نقل من أخباره ما يكتب غير شيء واحد. وهو أنّ بليّته لما اشتدّت، وطالت أيّامه وتراسل وجوه الناس في أمره، وأجمعوا على المصير إليه من البلدان، وافى بابه العظماء والوجوه من النواحي والأقطار، وتناظروا في الدخول عليه والتأتّى له واستعطافه، وأجمعوا على تقديم كابى الإصبهاني، وذلك لما رأوا من تحرّقه على ولديه، وجرأته على الكلام. فلما اجتمعوا ببابه أعلم بمكانهم، فأذن لهم، فدخلوا يقدمهم كابى.
    فمثل بين يديه، وأمسك عن السلام.
    ثم قال:
    « أسلّم عليك سلام من يملك الأقاليم كلّها، أم سلام من يملك هذا الإقليم؟ » فقال: « بل سلّم سلام من يملك الأقاليم كلّها، فإني ربّ الأرض. » فقال له كابى: « فإن كنت مالك الأقاليم كلّها، فما بالك خصصت بتحاملك ومؤنك وإساءتك ناحية كذا؟ وهلّا قسمت أمر كذا بين الأقاليم؟ » ثم عدّد أشياء، وجرّد له الصّدق، حتى انخزل له الضحّاك وأقرّ، ووعد الناس بما يحبّون، وأمرهم بالانصراف ليتّدعوا، ثم يعودوا إليه ليقضى حاجاتهم.
    وكانت له أم فاحشة بذيئة جبّارة، وكانت تسمع كلامهم لمّا دخلوا عليه، فاغتاظت منهم وأنكرت إقراره للقوم. فكلّمت بيوراسب منكرة عليه وقالت:
    « هلّا دمّرت عليهم وأمرت بهم؟ »
    فقال لها الضحّاك على عتوّه:
    « إنك لم تفكّرى في أمر، إلّا وقد سبقت إليه. إنّ القوم بدهونى بالحق. فلما هممت بالسطوة بهم، وقف الحقّ بيني وبينهم، واعترض كالجبل، فحال بيني وبين ما أردت. » فهذا ما استحسن من فعل الضحّاك وقوله، ولا يعرف له شيء مستحسن غيره.
    ثم ملك أفريذون

    وهو من ولد جمّ. ويقال: إنّه كان التاسع من ولده. فردّ مظالم الناس، وأمر بالإنصاف والإحسان، ونظر إلى ما غصب عليه الضحّاك من الأرضين وغيرها، فردّها كلّها على أهلها، إلّا ما لم يجد له أهلا، فإنّه وقفه على المساكين ومصالح العامة. وكان موثرا للعلم وأهله، وكان صاحب طبّ ونجوم وفلسفة. وكان له ثلاثة أولاد: سرم، وطوج، وإيرج. فخشي ألّا يتّفقوا بعده. وأن يبغى بعضهم على بعض. فظنّ أنّه إذا قسم الملك بينهم أثلاثا في حياته، بقي الأمر بعده على انتظام وصلاح. فجعل الروم وناحية المغرب لسرم، والترك والصين لطوج، والعراق والهند لإيرج وهو صاحب التاج والسرير، فلمّا مات أفريذون، وثب طوج وسرم بإيرج، فقتلاه، وملكا الأرض بينهما.
    وأفريذون أوّل من تسمّى ب « كي ». فكان يقال له: كي أفريذون، وهي كلمة تعنى التنزيه، أى: روحانى، أى: هو منزّه متصل بالروحانية. وكان جسيما وسيما حسن البهاء، محربا عظيم القوة.
    ويقال: إنّ بيوراسب قال له لمّا ظفر به:
    « لا تقتلني بجدّك جمّ. » فقال له أفريذون منكرا لقوله:
    « لقد سمت بك نفسك وهمّتك، وعظمت في نفسك، حين قدرتها لهذا. جدّى كان أعظم قدرا من أن يكون مثلك كفؤا له في القود، ولكنى أقتلك بثور كان في دار جدّى. » وأفريذون أوّل من عرف ذلّل الفيلة، وقاتل بها الأعداء. ثم قسم الأرض كما ذكرنا بين أولاده. ولأجل ما صار بين أولاده من العداوة، بقيت الذحول بين الترك، وملوك إيرانشهر، والروم، وطلب بعضهم بعضا بالدماء والترات.
    وكان إبراهيم النبي في أيام الضحّاك. ولذلك زعم قوم أنّه نمرود وأن نمرود عامل من عمّاله. ولم ينقل من أخباره شيء من النمط الذي هممنا بإيراده في هذا الكتاب، إلّا أشياء حكاها مانى، وهي بعيدة من الحقّ، فلذلك لم أوردها، ولم أتعرّض لذكرها.
    منوشهر

    فكان من سوء عاقبة وثوب طوج وسرم بإيرج وقتلهما إيّاه، أن نشأ ابن لإيرج بن أفريذون يقال له: منوشهر حقد على طوج، فدبّر عليه، إلى أن قاومه، وتغلّب على ملك أبيه إيرج، ثم نشأ ولد لطوج التركي، فنفى منوشهر عن بلاده. وكانت بينهما حروب لم ينقل منها شيء يستفاد منه تجربة. ثم أديل منه منوشهر، فنفاه عن بلاده، وعاد إلى ملكه.
    وكان منوشهر موصوفا بالعدل والإحسان. وهو أوّل من عرف خندق الخنادق وجمع آلة الحروب، وأوّل من وضع الدّهقنة، فجعل لكل قرية دهقانا، وجعل أهلها عبيدا وخولا، وألبسهم لباس المذلّة، وأمرهم بطاعته. ولما قوى سار نحو التّرك وطالب دم جدّه إيرج بن أفريذون، فقتل طوج بن أفريذون وأخاه سرما، وأدرك ثأره وانصرف.
    ثم نشأ فراسياب بن ترك الذي ينسب إليه الترك من ولد طوج بن أفريذون، فحارب منوشهر، وحاصره بطبرستان. ثم إن منوشهر وفراسياب اصطلحا، وضربا بينهما حدّا لا يجاوزه واحد منهما، وهو نهر بلخ - والفرس تحكى في ذلك حكايات لا فائدة في إيرادها - فانقطعت الحرب بين فراسياب ومنوشهر.
    خطبة منوشهر
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني



  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    فمما حكى ونقل من تدابير منوشهر أنّه لما مضى من ملكه نحو ثلاثين سنة، تناولت الأتراك أطراف أعماله، فجمع قومه، ووبّخهم، ثم خطب عليهم، وهذه أوّل خطبة عرفناها، ونقلت إلينا. قال:
    « أيها الناس: إنّكم لم تلدوا الناس كلّهم. وإنّما الناس ناس ما حفظوا أنفسهم، ودفعوا العدوّ عنهم. وقد نالت الترك منكم، ومن أطرافكم، وليس ذلك إلّا من ترككم جهاد عدوّكم، وقلّة المبالاة، وإن الله تعالى أعطانا هذا الملك ليبلونا: أنشكر فيزيدنا، أم نكفر فيعاقبنا؟ ونحن أهل بيت خير، ومعدن الملك. فإذا كان غدا، فاحضروا. » فاعتذر الناس، وواعدوه الحضور. فلمّا كان من غد، أرسل إلى أهل بيت المملكة وأشرافهم، وإلى الأساورة وكبارهم، فدعاهم، وأذن للرؤساء من الناس ودعا « موبذان موبذ »، وأقعده على كرسي مقابل سريره، ثم قام على سريره خطيبا. فقام أشراف الناس، وأهل بيت المملكة والأساورة، فقال: اجلسوا. فإني إنّما قمت لأسمعكم. فجلسوا، فقال:
    « أيها الناس، إنما الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولا بدّ مما هو كائن، وإنّه لا أضعف من مخلوق، طالبا كان أو مطلوبا، ولا أقوى من خالق، ولا أقدر ممن طلبته في يده، ولا أعجز ممن هو في يد طالبه.
    « ألا وإنّ التفكّر نور، والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة. وقد ورد الأوّل، ولا بدّ للآخر من اللحوق بالأوّل، وقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها، فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله، وإنّ الله - عز وجل - أعطانا هذا الملك، فله الحمد، ونسأله إلهام الرشد والصدق واليقين.
    « ألا وإنّ للملك على أهل مملكة حقّا، ولأهل مملكته عليه حقّا. فحقّ الملك على أهل مملكته، أن يطيعوه ويناصحوه ويقاتلوا عدوّه، وحقّهم على الملك أن يعطيهم أرزاقهم في أوقاتها، إذ لا معتمد لهم على غيرها، وإنّه تجارتهم وحقّ الرعية على الملك، أن ينظر لهم، ويرفق بهم، ولا يحمّلهم ما لا يطيقون. فإنّ أصابتهم مصيبة تنقص من ثمارهم، لآفة أو ضرر من السماء أو الأرض، أن يسقط عنهم خراج ما نقص وإن اجتاحتهم مصيبة، أن يعوّضهم ما يقوّيهم على عمارتهم، ثم يأخذ منهم بعد ذلك على قدر ما لا يجحف بهم في سنة أو سنتين. والجند للملك بمنزلة جناحي الطير، فهم أجنحة الملك، ومتى قصّ من الجناح ريشة، كان ذلك نقصانا منه، وكذلك الملك، إنّما هو بجناحه وريشه.
    « وإن الملك ينبغي له أن يكون فيه ثلاث خلال: أوّلها أن يكون صدوقا فلا يكذب، وأن يكون سخيّا فلا يبخل، وأن يملك نفسه عند الغضب، فإنّه مسلّط، ويده مبسوطة، والخراج يأتيه.
    فينبغي له أن لا يستأثر عن جنده ورعيته، بما هم أهل له، وأن يكثر العفو. فإنّه لا ملك أبقى من ملك فيه العفو، ولا أهلك من ملك فيه العقوبة. وإن المرء لأن يخطئ في العفو، خير له من أن يخطئ في العقوبة. فينبغي له أن يتثبّت في الأمر الذي فيه قتل النفس وبوارها. وإذا رفع إليه من عامل من عماله ما يستوجب به العقوبة، فلا ينبغي له أن يحابيه، وليجمع بينه وبين المتظلّم، فإن صحّ عليه للمظلوم حقّ خرج إليه منه، وانعجز عنه أدّى الملك عنه، وردّه إلى موضعه، وأخذه بإصلاح ما أفسد. فهذا لكم علينا. ألا ومن سفك دما بغير حقّ، أو قطع يدا بغير حقّ، فإني لا أعفو عن ذلك إلّا أن يعفو عنه صاحبه. فخذوا هذا عني.
    « ألا وإنّ الترك قد طمعت فيكم فاكفونا، فإنّما تكفون أنفسكم. وقد أمرت لكم بالسلاح والعدّة وأنا شريككم في الرأي.
    وإنّما لي من هذا الملك اسمه مع الطاعة منكم. ألا وإنّ الملك ملك إذا أطيع، فإذا خولف، فذلك مملوك وليس بملك. ومهما بلغنا من الخلاف، فإنّا لا نقبله من المبلغ، حتى نتيقّنه. فإذا صحّت معرفة ذلك، أنزلناه منزلة المخالف.
    « ألا وإنّ أكمل الأداة عند المصيبات، الأخذ بالصبر، والراحة إلى اليقين. فمن قتل في مجاهدة العدو، رجوت له الفوز برضوان الله.
    وأفضل الأمور التسليم لأمر الله، والراحة إلى اليقين، والرضا بقضائه. أين المهرب مما هو كائن، وإنّما نتقلّب في كفّ الطالب.
    وإنّما هذه الدنيا سفر، أهلها لا يحلّون عقد الرحال إلّا في غيرها.
    إنّما بلغتهم فيها بالعوارى. فما أحسن الشكر للمنعم، والتسليم لمرّ قضاء الحق، ومن أحقّ بالتسليم لمن فوقه ممن لا يجد مهربا إلّا إليه [ ولا معوّلا إلّا عليه ]. فثقوا بالغلبة إذا كانت نيّاتكم أنّ النصر من عند الله. وكونوا على ثقة من درك الطلبة إذا صحّت نيّاتكم. واعلموا أنّ هذا الأمر لا يقوم إلّا بالاستقامة، وحسن الطاعة، وقمع العدوّ، وسدّ الثغور، والعدل للرعيّة، وإنصاف المظلوم.
    فشفاؤكم عندكم، والدواء الذي لا داء فيه الاستقامة والأمر بالخير والنهي عن الشرّ، ولا قوّة إلّا بالله.
    « أنظروا للرعية، فإنّها مطعمكم ومشربكم، ومتى عدلتم فيهم، رغبوا في العمارة، فزاد ذلك في خراجكم، وتبيّن في زيادة أرزاقكم. وإذا حفتم على الرعيّة زهدوا في العمارة وعطّلوا أكثر الأرض، فنقص ذلك من خراجكم، وتبيّن في نقص أرزاقكم.
    فتعاهدوا الرعيّة بالإنصاف. وما كان من الأنهار، والبثوق، مما نفقته على السلطان، فأسرعوا فيه قبل أن يكبر. وما كان من ذلك على الرعيّة، فعجزوا عنه، فأقرضوهم من بيت مال الخراج، فإذا جاءت أوقات خراجهم، فخذوا من خراج غلّاتهم على قدر ما لا يجحف بهم. ذلك ربع في كل سنة، أو ثلث، أو نصف، لكيلا يتبيّن عليهم.
    هذا قولي وأمري. يا موبذ موبذان، الزم هذا القول، وجدّ في الذي سمعت في يومك. أسمعتم أيّها الناس؟ » قالوا: « نعم. » وأثنوا عليه، ودعوا له، ثم أمر بالطعام. فوضع، وأكلوا وشربوا، وخرجوا وهم له شاكرون. ثم كان من أمره ما كان مما ذكرناه.
    منوشهر والرايش بن قيس

    وفي أيّامه غزا الرايش بن قيس بن صيفي بن يشجب بن يعرب بن قحطان من ملوك اليمن. وكان اسم الرايش الحارث. غزا الهند، فغنم غنائم عظيمة، فأنفذ رجلا من أصحابه يعرف بشمر بن العطّاف، فدخل الترك من أرض آذربيجان، وهي يومئذ في أيديهم، فقتل وسبى وغنم.
    وغزا بعده ذو منار بن الرايش بعد أبيه، وانّما سمّى ذا منار لأنّه غزا بلاد المغرب، فوغل فيها برّا وبحرا، وخاف على جيشه الهلاك عند قفوله، فبنى المنار ليهتدوا بها. ثم وجّه ابنه إلى أقاصى المغرب، فغنم، وأصاب مالا، وقدم عليه بسبي لهم خلقة منكرة، فذعر الناس منهم، فسمّوه ذا الأذعار.
    وإنّما ذكرتهم في هذا الموضع، لاتصال ذلك بذكر منوشهر، وأنّ الفرس تدّعى أنّ ملوك اليمن كانت عمّالا لملوك الفرس بها، وأنّ الرايش كان من قبل منوشهر يغزو الترك وغيرهم. والعرب تنكر ذلك، وتزعم أن ملكهم لم يكن قطّ من قبل أحد، وإنّما كانوا برؤوسهم.
    ظهور موسى في أيام منوشهر

    وفي أيّام منوشهر ظهر موسى ويقال: إنّ عمره كان مائة وعشرين سنة، منها في أيام أفريذون عشرون سنة، وفي أيام منوشهر مائة سنة. وكان من حديث موسى مع فرعون وما أنزل من الآيات على يده، ما هو مشهور. وقد اعتذرنا من ذكر هذه الأخبار وتركها.
    ثم كان من حديث التّيه ما كان، إلى أن أخرج بني إسرائيل منه يوشع بن نون بعد موت موسى، وغزا الكنعانيين، ونفاهم إلى السواحل، وافتتح مدينة الجبّارين. فيقال إنّ إفريقس بن قيس بن صيفي بن كعب بن زيد بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان مرّ بهم متوجها إلى إفريقية، فاحتملهم من سواحل الشام، حتى أتى بهم إفريقية، فافتتحها، وقتل ملكها جرجيرا، وأسكنها البقية التي كانت بقيت من الكنعانيين الذين كان احتملهم من سواحل الشام، فهم البرابرة. وإنّما سمّوا بذلك لأنّ إفريقس قال لهم: « ما أكثر بربرتكم! » فسمّوا بذلك « بربرا ».
    وكان إفريقس هذا عاملا لمنوشهر على ما تزعم الفرس. وكان تدبير يوشع أمر بني إسرائيل، من لدن مات موسى إلى أن توفّى يوشع في زمان منوشهر، عشرين سنة، وفي زمان فراسياب سبع سنين. ولمّا هلك منوشهر، تغلّب فراسياب على مملكة فارس، وطلب بالذحول. وصار إلى أرض بابل وأقام بمهرجاقذق، وأكثر الفساد، وخرّب ما كان عامرا، ودفن الأنهار والقنيّ، فقحط الناس في سنة خمس من ملكه، إلى أن أخرج، وردّ إلى بلاد الترك. فغارت المياه في تلك السنين، وحالت الأشجار المثمرة.
    زو بن طهماسب

    ولم يزل الناس في أعظم بليّة إلى أن ظهر زوّ بن طهماسب، ويقول بعضهم:
    زاغ، وبعضهم: زاب، وبعضهم: زاسب، وهو من أولاد منوشهر، وبينه وبينه عدّة آباء.
    فلما ظهر زوّ طرد فراسياب عن مملكة فارس، حتى ردّه إلى الترك بعد حروب كثيرة جرت بينهما لم يذكر لنا منها ما نستفيد منه تجربة. وكانت غلبة فراسياب على إقليم بابل اثنتي عشرة سنة من لدن توفّى منوشهر إلى أن طرده زوّبن طهماسب، إلى تركستان.
    ثم ابتدأ زوّ في عمارة ما خرّبه فراسياب. فأمر ببناء ما هدم من الحصون وإعادة ما طمّر وعوّر من الأنهار والقنيّ وكرى ما كان اندفن من المياه حتى عاد جميع ذلك إلى أحسن ما كان، ووضع عن الناس الخراج سبع سنين.
    فعمرت البلاد في أيّامه، وكثرت المياه، ودرّت معايش الناس، واستخرج بالسواد نهرا، وسمّاه: الزاب، وبنى على حافتيه مدينة، وهي التي تسمى:
    المدينة العتيقة، وكوّرها كورة، وجعلها ثلاث طساسيج: الزاب الأعلى، والزاب الأوسط، والزاب الأسفل، ونقل إليها بذور الرياحين وأصول الأشجار من الجبال. وزوّ هذا أوّل من عرف اتّخذ ألوان الطبيخ، وأصناف الأطعمة، وأعطى جنوده مما غنم بالخيل، ومما أوجف عليه من أموال الترك، وكان وزيره « كرساسف » من أولاد طوج بن أفريذون. وقد حكى أنّ زوّا وكرساسف، اشتركا في الملك. والصحيح من أمره أنّه كان وزيرا لزوّ ومعينا له. فكان جميع ملك زوّ ثلاث سنين.
    الكيية ومن عاصرهم

    كيقباذ بن زو

    ثم ملك بعده كيقباذ بن زوّ، وسلك سبيل أبيه. فكوّر الكور، وبيّن حدودها وحريمها، وأمر الناس بالعمارات، وأخذ العشر من الغلّات لأرزاق الجند، وكان حريصا على العمارة، ومانعا لحوزته. والملوك الكييّة من نسله. وجرت بينه وبين الترك حروب كثيرة. وكان مقيما في الحدّ الذي بين مملكة الفرس والترك بناحية بلخ، يمنع الترك من تطرّف شيء من حدود فارس. فجميع هذه العداوات والحروب سببها سوء نظر من قسم الملك بين أولاده، ثم وثوب من وثب من الإخوة بأخيه، واستمرار الشحناء بعد ذلك والعداوات.
    وأما القيّم بأمر بني إسرائيل بعد يوشع، فكان كالب بن توفيل، ثم حزقيل الذي يقال له: ابن العجوز - وكانت لهما أخبار مشهورة تركنا ذكرها لأنها معجزات لا تستفاد منها تجربة - وحزقيل هو صاحب القوم « الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، فقال لهم الله: موتوا، ثم أحياهم » لأنهم ودّوا لو ماتوا فاستراحوا من بلاء كان أصابهم: إمّا طاعون، أو ما أشبهه، فخرجوا فرارا من ذلك.
    ثم إلياس، ثم اليسع، ثم إيلاف. وفي خلال هؤلاء، كان يتملّك عليهم قوم من الكنعانيين وغيرهم، فيسومونهم البلايا والعظائم، وليس في ذكرهم فائدة. إلى أن جاءهم شمويل النبي. وكان من خبره مع جالوت وطالوت ما ذكره الله تعالى.
    وملك داود لما كان منه من مبارزة جالوت. والخبر مشهور مقرون بمعجزة الأنبياء. ثم ملك سليمان، وأخباره ومعجزاته مذكورة.
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني



  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    كيقابوس وما جرى على ابنه سياوخش

    ثم ملك بعد كيقباذ، كيقابوس بن كيبنة بن كيقباذ الملك. فشدّد على أعدائه وقتل خلقا من عظماء البلاد، ممن كان ينكر أمرهم وسكن بلخ. وولد له ابن لم ير مثله في عصره جمالا وتمام خلقة، وسمّاه سياوخش، وضمّه إلى رستم الشديد بن دستان من ولد كرساسف الذي ذكرناه قبيل، وكان إصبهبذ سجستان وما يليه من قبله، وأمره بتربيته وأوصاه به. فأخذه رستم، ومضى به إلى سجستان وتخيّر له الحواضن والمرضعات، حتى أدرك، فجمع له المعلّمين، وأدّبه، ثم علّمه الفروسة، حتى فاق فيها، وقدم على والده رجلا كاملا، فامتحنه كيقابوس والده، فوجده كاملا نافذا بارعا.
    وكان لكيقابوس زوجة بارعة الجمال، يقال: إنّها بنت فراسياب ملك الترك، ويقال: إنّها بنت ملك اليمن. فهويت سياوخش، وهويها. والفرس تحكى أمورا طويلة، وتزعم أنّها كانت ساحرة، وأنّها سحرته، إلّا أن آخر أمرها آل إلى أن علم كيقابوس بما يجرى بينهما.
    فكان من عاقبة ميلهما إلى الهوى، وظنّهما أنّ ذلك ينكتم، أن تغيّر كيقابوس لابنه سياوخش، وأشفق سياوخش على نفسه. فسأل رستم أن يسأل أباه توجيهه لحرب فراسياب. وكان قد تجدّدت وحشة بين كيقابوس وفراسياب. وأراد سياوخش بذلك البعد من والده، والتنحّى عما تكيده به امرأة أبيه. ففعل ذلك رستم وخاطب أباه فيه، واستأذن له في جند يضمّهم إليه. فأذن له، وضمّ إليه جندا كثيفا وأشخص سياوخش إلى بلاد الترك. فلما التقى سياوخش وفراسياب، جرى بينهما صلح. وكتب بذلك سياوخش إلى أبيه يعلمه ما جرى بينه وبين فراسياب.
    فكتب إليه أبوه بإنكار ذلك، وأمره بمناهضته ومناجزته الحرب. فرأى سياوخش أنّ في فعله ما كتب به أبوه من محاربة فراسياب - بعد الذي جرى بينهما من الصلح والهدنة، من غير نقض فراسياب شيئا من أسباب ذلك - عارا ومنقصة. فامتنع من إنفاذ أمر أبيه في ذلك. ورأى أنّه يؤتى في كلّ ذلك من زوجة أبيه. فمال إلى الهرب من أبيه، فراسل فراسياب في أخذ الأمان لنفسه منه، واللحاق به وفراق والده، فأجابه فراسياب إلى ذلك. وكان السفير بينهما رجلا من عظماء الترك يقال له: فيران. فلمّا فعل ذلك سياوخش، انصرف عنه من كان معه من جند أبيه، إلى أبيه. وأكرم فراسياب سياوخش، وزوّجه ابنة له، وهي أمّ كيخسرو، ولم يزل على إكرامه، إلى أن ظهر له من أدب سياوخش وإربه وكماله، ونجدته ما أشفق منه، وضرّب بينهما أخ كان لفراسياب وابنان له حذرا على ملكهم. وله خبر طويل في ذلك، إلى أن قتل وامرأة سياوخش - وهي ابنة فراسياب - حامل منه، بابنه كيخسرو. فطلبوا له الحيلة، لاسقاطها ما في بطنها، فلم تسقط.
    ثم إن فيران الذي توسّط الصلح بين سياوخش وبين فراسياب، أنكر ما جرى من فعل فراسياب، وحذّره عاقبة الغدر والطلب بالثأر، وأشار عليه أن يدفع ابنته إليه، يعنى: زوجة سياوخش، لتكون عنده إلى أن تضع، ثم إن أراد قتله قتله.
    ففعل فراسياب ذلك. فلما وضعت، امتنع فيران من قتل الولد، وستر أمره حتى بلغ المولود، وهو كيخسرو.
    ويحكى: أن كيقابوس بعث بيب بن جوذرز إلى بلاد الترك، وأمره بالبحث عن أمر المولود الذي لسياوخش، والتأتّى لإخراجه مع أمّه. ففعل بيب ذلك، وبقي زمانا طويلا يبحث عن أمره، إلى أن وقف على خبره. فاحتال فيه وفي أمّه، حتى أخرجهما من أرض الترك. فاستقبلهما رستم الشديد في جند عظيم من أولى البأس والنجدة، وطلب الترك أثر كيخسرو، فجرت بينهم وبين رستم حروب ظفر فيها رستم.
    فللفرس هاهنا خرافات، وتزعم أنّ الشياطين كانت مسخّرة لكيقابوس. وقوم يزعمون أنّ سليمان بن داود - عليهما السلام - أمرهم بذلك، في خرافات كثيرة ظاهرة الإحالة، من الصعود إلى السماء، وبناء مدينة كنكرز بأسوار ذهب وفضّة وحديد ونحاس، وأنّها بين السماء والأرض، وأشباه ذلك مما لا فائدة في ذكره.
    إلّا أنّ جملة أمره، أنّه تجبّر لما تمّ له أكثر ما كان يقصده. وسار من خراسان حتى نزل بابل، وترك ما كان يسوسه بنفسه، ويباشره برأيه. وأوحش الناس بالحجّاب والتعظّم، وآثر الخلوة. فكان من عاقبة ذلك أن فسد عليه ملكه، وكثرت الملوك في النواحي، حتى كان يغزوهم بعد ذلك ويغزونه، فيظفر مرّة وينكب أخرى، إلى أن غزا بلاد اليمن والملك يومئذ بها ذو الأذعار بن أبرهة بن ذي المنار بن الرايش. فلمّا أظلّه كيقابوس، خرج إليه ذو الأذعار في جموع حمير وولد قحطان، فظفر بكيقابوس، وأسره واستباح عسكره، وحبسه في بئر وأطبق عليها طبقا.
    فخرج من سجستان رستم الشديد في من أطاعه من الناس. وأمّا الفرس فتحكى حكايات لا فائدة فيها عن شدّة رستم وبأسه، وأنّه وغل في البلاد بلاد اليمن، واستخرج كيقابوس من محبسه. وأما اليمن فتزعم أنّه لم يكن من ذلك شيء، وأنّ ذا الأذعار لمّا بلغه إقبال رستم، خرج إليه في جنود عظيمة، وخندق كل واحد منهما على نفسه وعسكره، وأنّهما أشفقا من البوار على جنديهما، وتخوّفا - إن تزاحما - أن لا يكون لهما بقيّة. فاصطلحا على دفع كيقابوس إلى رستم ووضع الحرب. فانصرف رستم بكيقابوس إلى بابل، فكتب له كيقابوس كتابا بالعتق، وأقطعه سجستان وزابلستان. وكانت الكتب يومئذ والرسائل يسيرة نزرة الكلام، لا يذكر فيها الأسباب والعلل. ونسخة الكتاب:
    « من كيقابوس بن كيقباذ، إلى رستم.
    إني قد أعتقتك من العبودة، وملّكتك على بلاد سجستان. فلا تقرّنّ لأحد بعبودة. واملك سجستان كما أمرتك، واجلس على سرير من فضّة مموّهة بالذهب. والبس قلنسوة منسوجة بالذهب متوّجة ».
    ومما يدلّ على صدق ما حكيناه من أمر كيقابوس، قول الحسن بن هاني:
    وقاظ قابوس في سلاسلنا ** سنين سبعا وفت لحاسبها
    ثم ملك كيخسرو بن سياوخش بن كيقابوس

    فعقد التاج على رأسه، وخطب رعيّته خطبة بليغة، أعلمهم فيها أنّه على الطلب بدم أبيه سياوخش قبل فراسياب. ثم كتب إلى جوذرز بإصبهان وكان إصفهبذه على خراسان، يأمره بالمصير إليه، وأمره أن يعرض جنده وأن [ ينتخب ] ثلاثين ألف رجل، وضمّهم إلى طوس، وكان في من أشخص معه برزافره عمّ كيخسرو، وابن لجوذرز، وجماعة من إخوته. وتقدّم كيخسرو إلى طوس أن يكون قصده لفراسياب وطراخنته، وحذّره من ناحية ببلاد الترك فيها أخ له يقال له: فروذ بن سياوخش، من بعض نساء الأتراك، كان سياوخش تزوّجها أيام صار إلى فراسياب، فولدت له فروذ، وأقام بموضعه إلى أن شبّ.
    فكان من غلط طوس أن خالف كيخسرو، وذاك أنّه لمّا صار بالقرب من المدينة التي فيها فروذ، هاجت الحرب، وقتل فروذ. واتصل خبره بكيخسرو.
    فكتب إلى برزافره عمّه كتابا غليظا يعلمه فيه ما ورد عليه من خبر طوس، ومحاربته فروذ، وقتله إيّاه. وأمره بتوجيه طوس إليه مقيّدا مغلولا. وتقدّم إليه في القيام بالعسكر، والتوجه إليه لوجهه. ففعل برزافره ذلك، وتولّى أمر العسكر، وعبر النهر المعروف ب « كاسرود »، وانتهى خبره إلى فراسياب. فوجّه إلى برزافره جماعة من إخوته وطراخنته لمحاربته. فالتقوا وفيهم فيران واخوته.
    فاقتتلوا قتالا شديدا، وظهر من برزافره في ذلك اليوم فشل لما اشتدّ الحرب، وكثر القتلى، فهرب وانحاز بالعلم إلى رؤوس الجبال، واضطرب على ولد جوذرز أمرهم، فقتل منهم في تلك الملحمة، في وقعة واحدة، سبعون رجلا، وقتل بشر كثير.
    وانصرف برزافره ومن أفلت معه إلى كيخسرو. فرئيت الكآبة في وجهه، وامتنع من الطعام والشراب، إلى أن مضت أيام. ثم راسل جوذرز. ولمّا دخل عليه شكا إليه برزافره، وأعلمه أنّه كان سبب الهزيمة بالعلم وخذلانه ولده.
    فقال كيخسرو:
    « إنّ حقّك لازم لنا لخدمتك أبانا، وهذه جنودنا وخزائننا مبذولة لك.
    فاطلب ترتك، واستعدّ وتهيّأ للتوجّه إلى فراسياب.
    فنهض جوذرز، فقبّل يده وقال:
    « أيها الملك، نحن رعيّتك وعبيدك. فإن كانت آفة، أو نازلة، فلتكن بالعبيد، دون الملوك. وأولادى المقتولون فداؤك، ونحن من وراء الانتقام من فراسياب والاشتفاء من الترك. » وكتب كيخسرو إلى رؤساء أجناده ووجوه عسكره يأمرهم بموافاته في صحراء تعرف بشاه اسطون من كورة بلخ، في وقت وقّته لهم. فوافت رؤساء الأجناد في ذلك اليوم، وشخص إليه كيخسرو بإصبهبذيه وأصحابهم وفيهم برزافره عمه، وجوذرز وبقية ولده. فتولى كيخسرو بنفسه عرض الجند، حتى عرف مبلغهم، وفهم أحوالهم. ثم دعا بجوذرز وثلاثة نفر معه، فأعلمهم أنه يريد إدخال العساكر على الترك من أربعة وجوه، حتى يحيطوا بهم برّا وبحرا، وقوّد على تلك العساكر، وجعل أعظمها إلى جوذرز وجماعة من الإصهبذين كثيرة. ودفع إليه يومئذ العلم الأكبر الذي يسمونه: درفش كابيان، ولم يكن يدفع قبل ذلك إلى أحد من القواد، وإنّما كانوا يسيّرونه مع أولاد الملوك، وأمر أحد القواد بالدخول مما يلي الصين، وضمّ إليه جماعة كبيرة، وأمر آخر بالدخول من ناحية الخزر، وضمّ إلى آخر ثلاثين ألف رجل وأمرهم بالدخول من طريق بين جوذرز، وبين الذي دخل من طريق الصين.
    ودخل جوذرز من ناحية خراسان، وبدأ بفيران. فالتحمت بينهما حرب مذكورة، تحكى فيها الفرس عجائب، بارز فيها بيزن بن بيب خمان وهو أخو فيران، فقتله مبارزة وقتل جوذرز فيران مبارزة أيضا. وقصد جوذرز فراسياب، وألحّت عليه العساكر من كل وجه، واتّبع القوم كيخسرو بنفسه، وجعل قصده للوجه الذي كان فيه جوذرز، وصيّر مدخله منه. فوافى عسكر جوذرز، وقد أثخن في القتل. وقتل فيران إصهبذ فراسياب والمرشّح للملك بعده، وجماعة كبيرة من إخوته وأولاده، وأسر بروين قاتل سياوخش، ووجد جوذرز قد أحصى القتلى والأسرى وما غنم من الكراع والأموال، فوجد مبلغ ما في يده من الأسرى ثلاثين ألفا ومن القتلى خمسمائة ألف ونيفا وستين ألفا على ما تزعم الفرس، وحاز من الكراع والأموال ما لا يحصى كثرة، وأمر كل واحد من الوجوه الذين كانوا معه، أن يجعل أسيره أو قتيله عند علمه، لينظر إليه كيخسرو عند موافاته.
    فلمّا وافى كيخسرو العسكر موضع الملحمة، اصطفّت الرجال له وتلقاه جوذرز. فلمّا دخل العسكر، جعل يمرّ بعلم علم. فكان أول قتيل رآه جثّة فيران.
    فنظر إليه، وخاطبه بما يجرى مجرى الاشتفاء، ولم يزل يفعل ذلك حتى وقف على علم بيب بن جوذرز، ووجد تحته بروين حيّا أسيرا، فسأل عنه، فأخبر أنه قاتل سياوخش الذي مثل به بعد قتله. فقرب منه كيخسرو، ثم طأطأ رأسه بالسجود، ثم قال: « الحمد لله الذي أمكننى منك. » ووبّخه طويلا. ثم أمر بقطع أعضائه حيّا. فلمّا لم يبق له طابق ذبحه. ثم استقرّ في مضربه، وأجلس عمّه عن يمينه، ودعا بجوذرز، فأحسن صلته ومخاطبته، وحمد ما كان منه، وفوّض إليه الوزارة التي يقال لها: بزرج فرمذار، وهو مرتبة الوزارة، وجعل إليه مع ذلك إصبهان وجرجان، وفعل مثل ذلك من الحباء والكرامة بكلّ من أبلى من قوّاده ورجاله.
    ثم أتته الأخبار من الوجوه الثلاثة الأخر: أنّهم قد أحاطوا بفراسياب. وبرز فراسياب، وما كان بقي من ولده إلّا شيذه، فتوجه نحو كيخسرو بعدّة وعتاد.
    فيقال: إنّ كيخسرو أشفق يومئذ، وهابه، وظنّ أن لا طاقة له به، وإنّ القتال بقي متّصلا بينهما أربعة أيام، إلى أن انهزم شيذه واتّبعه كيخسرو، فلحقه وضربه بالعمود على رأسه فخرّ ميّتا، وغنم كيخسرو ماله.
    وبلغ الخبر فراسياب، فأقبل في جمع عظيم. فلمّا التقى مع كيخسرو، نشبت بينهما حرب يقال: إنّه لم ير مثلها قطّ على وجه الأرض، حتى اختلط رجال إيرانشهر برجال الترك. ثم انهزم فراسياب وكثر القتل. فتزعم الفرس أنّه بلغ عدد القتلى أمرا عظيما، لم أستحسن ذكره لكثرته. وجدّ كيخسرو في طلبه، حتى لحقه بآذربيجان، فظفر به واستوثق منه بالحديد. ثم وبّخه، وسأله عن سبب قتله سياوخش. فلم تكن له حجّة، فذبحه كما ذبح سياوخش. ثم انصرف غانما مسرورا.
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني


  • صفحة 1 من 22 12311 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. اختفاء 4 بحارة بنغلادشيين في طرطوس منذ أيام
      بواسطة Syria News في المنتدى أخــبار ســــــوريا Syria news 24/24
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 05-05-2010, 07:50 PM
    2. تجارب على شريان دم صناعي
      بواسطة سارة في المنتدى ملتقى أخبار الانترنت والكمبيوتر والعلوم الحيوية Internet and Computer Forum
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 04-28-2010, 10:04 PM
    3. تجارب على مواد نانو مترية
      بواسطة سارة في المنتدى ملتقى أخبار الانترنت والكمبيوتر والعلوم الحيوية Internet and Computer Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 04-17-2010, 08:07 PM
    4. أطعمة خاصة بالمتزوجين تحارب العجز
      بواسطة Dr.Ibrahim في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 2
      آخر مشاركة: 04-07-2010, 10:46 PM
    5. أشعة الشمس تحارب مرض السرطان!
      بواسطة Dr.Ibrahim في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 03-09-2010, 05:49 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1