صفحة 11 من 21 الأولىالأولى ... 910111213 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 44 من 81

الموضوع: الأضواء الكاشفة

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    هذه أدلة أبي رية على دعواه، وعلق على خبر البختري قوله (ارجع إلى ص101) وكان قد ذكر هناك بعض هذه الأخبار تحت عنوان: (كيف استجازوا وضع الأحاديث؟) وبهذا يعرف حاصل دعواه هنا ومناسبتها لأدلتها، فإن تكذيب الصديقين لا يتم إلا بتصديق الكذابين.
    قال: (روى ذلك وغيره).
    أقول: أما (ذلك) أي: الأخبار المتقدمة فقد تبين أن أبا هريرة لم يرو شيئًا منها، وأما غيره فما هو؟
    قال: (على حين أن الثابت عن النبي أنه قال: «من نقل عني ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار»).
    أقول: كذا ذكر الحديث هنا و ص 40، والثابت: «من يقل عليَّ ما لم أقل… إلخ» رواه أحمد من حديث أبي هريرة، وكذا من حديث سلمة بن الأكوع، وكذا جاء في أثناء حديث لأبي قتادة، وكما أن هذا هو الثابت عن النبي فكذلك هو الثابت عن أبي هريرة عنه كما ترى، وفي صحيح البخاري وغيره من حديث مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة قال: «إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله
    114
    ما حدثت حديثًا ثم يتلو: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى } إلى قوله { الرحيم } » الحديث. وذكر مسلم سنده ولم يسق متنه. وفي الإصابة: (أخرج أحمد من طريق عاصم بن كليب عن أبيه سمعت أبا هريرة يبتدئ حديثه بأن يقول: قال رسول الله الصادق المصدوق أبو القاسم : «من كذب عليَّ متعمدًا فليتبؤا مقعده من النار») وذكره ابن كثير في البداية (8: 107) وقال: (وروي مثله من وجه آخر).
    قال أبو رية: (وقد اضطر عمر أن يذكره بهذا الحديث لما أوغل في الرواية).
    أقول: يريد ما روي عن أبي هريرة قال: («بلغ عمر حديثي فأرسل إليَّ فقال: كنت معنا يوم كنا مع رسول الله في بيت فلان؟ قال: قلت: نعم. وقد علمت لم تسألني عن ذلك. قال: ولم سألتك؟ قلت: إن رسول الله قال يومئذ: من كذب عليَّ متعمدًا فليتبؤا مقعده من النار. قال أما إذًا فاذهب فحدث». البداية (8: 107). وهذا يدل على بطلان ما حكي من منعه أو على أنه أذن له بعد منع ما، وهذا الخبر من جملة الأخبار التي قدمتُ (ص111) أني أعرضت عنها؛ لأن في أسانيدها مقالًا، وذكرته هنا لإشارة أبي رية إليه… وحديث: «من كذب عليَّ… إلخ» ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة.
    حقيقة التدليس وانتفاؤها عن الصحابة

    قال أبو رية آخر ص 164: (تدليسه).
    أقول: قال الخطيب في الكفاية (ص357): (تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه بروايته إياه على وجه يوهم أنه سمعه منه) ومثال هذا أن قتادة كان قد سمع من أنس، ثم سمع من غيره عن أنس ما لم يسمعه من أنس، فربما بعض ذلك بقوله: (قال أنس…. ) ونحو ذلك، ثم ذكر الخطيب (ص358) ما يؤخذ على المدلس، وهاك تلخيصه بتصرف:
    أولًا: إيهامه السماع ممن لم يسمع منه.
    ثانيًا: إنما لم يبين لعلمه أن الواسطة غير مرضي..
    ثالثًا: الأنفة من الرواية عمن حدثه.
    رابعًا: إيهام علو الإسناد.
    خامسًا: عدوله عن الكشف إلى الاحتمال.
    أقول: هذه الأمور منتفية فيما كان يقع من الصحابة رضي الله عنهم من قول أحدهم فيما سمعه من
    115
    صحابي آخر عن النبي ص: (قال النبي ص). أما الأول فلأن الإيهام إنما نشأ منذ عني الناس بالإسناد، وذلك عقب حدوث الفتنة، وفي مقدمة صحيح مسلم: (عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم…) فمن حينئذ التزم أهل العلم الإسناد فأصبح هو الغالب حتى استقر في النفوس وصار المتبادر من قول من قد ثبت لقاؤه لحذيفة: (قال حذيفة سمعت النبي ص يقول…) أو نحو ذلك أنه أسند، ومعنى الإسناد أنه ذكر من سمع منه فيفهم من ذاك القول أنه سمع من حذيفة، فلو قال قائل مثل ذلك مع أنه لم يسمع ذاك الخبر من حذيفة وإنما سمعه ممن أخبر به عن حذيفة كان موهمًا خلاف الواقع.
    وهذا العرف لم يكن مستقرًا في حق الصحابة لا قبل الفتنة ولا بعدها، بل عرفهم المعروف عنهم أنهم كانوا يأخذون من النبي ص بلا واسطة، ويأخذ بعضهم بواسطة بعض، فإذا قال أحدهم: (قال النبي ص…. ) كان محتملًا أن يكون سمع النبي ص وأن يكون سمعه من صحابي آخر عن النبي ص. فلم يكن في ذلك إيهام.
    وأما الثاني: فلم يكن ثم احتمال؛ لأن يكون الواسطة غير مرضي؛ لأنهم لم يكن أحد منهم يرسل إلا ما سمعه من صحابي آخر -يثق به وثوقه بنفسه- عن النبي ص، ولم يكن أحد منهم يرسل ما سمعه من صبي أو من مغفل أو قريب العهد بالإسلام أو من مغموص بالنفاق أو من تابعي.
    وأما الثالث: فلم يكن من شأنهم رضي الله عنهم.
    وأما الرابع: فتبع الأول.
    وأما الخامس: فلا ضرر في الاحتمال مع الوثوق بأنه إذا كان هناك واسطة فهو صحابي آخر.
    قال أبو رية: (ذكر علماء الحديث أن أبا هريرة كان يدلس).
    أقول: إنما جاء في ذلك كلمة شاذة يغلب على ظني أنها مصحفة سيأتي الكلام عليها.
    وذكر (ص165) ما حكي عن شعبة في ذم التدليس وقال: (ومن الحفاظ من جرح من عرف بهذا التدليس من الرواة فرد روايته مطلقًا وإن أتى بلفظ الاتصال).
    أقول: بعد أن استحكم العرف الذي مر بيانه نشأ أفراد لا يلتزمونه، وهم ضربان:
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    الضرب الأول: من بين عدم التزامه فصار معروفًا عند الصحابة والآخذين عنه أنه إذا قال: (قال فلان…) ونحو ذلك، وسمى بعض شيوخه احتمل أن يكون سمع الخبر من ذاك الشيخ وأن يكون سمعه من غيره عنه. فهؤلاء هم المدلسون الثقات. وكان الغالب أنه إذا دلس أحدهم خبرًا مرة أسنده على وجهه أخرى. وإذا دلس فسئل بين الواقع. والضرب الثاني: من لم يبين بل يتظاهر بالالتزام ومع ذلك يدلس عمدًا.
    وتدليس هذا الضرب الثاني حاصله إفهام السامع خلاف الواقع، فإن كان المدلس مع ذلك يتظاهر بالثقة كان ذلك حملًا للسامع ومن يأخذ عنه على التدين بذاك الخبر عملًا وإفتاء وقضاء، فأما تدليس الضرب الأول فغايته أن يكون الخبر عند السامع محتملًا للاتصال وعدمه، وما يقال: إن فيه إيهام الاتصال إنما هو بالنظر إلى العرف الغالب بين المحدثين، فأما النظر إلى عرف المدلس نفسه فما ثم إلا الاحتمال، فالضرب الثاني هو اللائق بكلمات شعبة ونحوها، وبالجرح وإن صرح بالسماع، فأما الضرب الأول فقد عد منهم: إبراهيم النخعي وإسماعيل بن أبي خالد وحبيب بن أبي ثابت والحسن البصري والحكم بن عتيبة وحميد الطويل وخالد بن معدان وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وسليمان التيمي والأعمش وابن جريج وعبد الملك بن عمير وأبو إسحاق السبيعي وقتادة وابن شهاب والمغيرة بن مقسم وهشيم بن بشير ويحيى بن أبي كثير ويونس بن عبيد، وهؤلاء كلهم ثقات أثبات أمناء مأمونون عند شعبة وغيره متفق على توثيقهم والاحتجاج بما صرحوا فيه بالسماع. قال ابن القطان: (إذا صرح المدلس الثقة بالسماع قبل بلا خلاف، وإن عنعن ففيه الخلاف [36] فأما الصحابة رضي الله عنهم فلا مدخل لهم في التدليس كما تقدم.
    قال: (ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرة واحدة، نص على ذلك الشافعي رحمه الله).
    أقول: عبارته تعطي أن الشافعي يرى جرح المدلس مطلقًا ولو صرح بالسماع، وهذا كذب، وعبارة الشافعي في الرسالة (ص379): «ومن عرفناه دلس فقد أبان لنا عورته في روايته، وليست تلك العورة بالكذب فنرد بها حديثه، ولا النصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق، فقلنا: لا نقبل من مدلس حديثًا حتى يقول فيه: حدثني أو سمعت».
    117
    قال: (وروى مسلم بن الحجاج عن بسر بن سعيد قال: «اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله ، ويحدثنا عن كعب الأحبار، ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله، وفي رواية: يجعل ما قاله كعب عن رسول الله، وما قاله رسول الله عن كعب، فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث».
    أقول: إنما يقع مثل هذا ممن يحضر المجلس من ضعفاء الضبط ومن لا عناية له بالعلم، ومثل هؤلاء لا يوثقهم الأئمة ولا يحتجون بأخبارهم ولابد أن ينتبهوا لغلطهم، وعلى كل حال فلا ذنب لأبي هريرة في هذا، ولم يزل أهل العلم يذكر أحدهم في مجلسه شيئًا من الحديث، ويذكر معه مفصولًا عنه ما هو من كلام بعض أهل العلم أو غيرهم وما هو من كلام نفسه، والحكاية نفسها تدل على أن أبا هريرة كان يبين، وإنما يقع الغلط لبعض الحاضرين.
    قال: (وقال يزيد بن هارون سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلس، أي: يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله ولا يميز هذا عن هذا، ذكره ابن عساكر).
    أقول: هذه عبارة ابن كثير في البداية، ساق كلمة بسر المتقدمة ووصلها بهذه الحكاية، وهي حكاية شاذة لا أدري كيف سندها إلى يزيد، ويقع في ظني إن كان السند صحيحًا أنه وقع فيها تحريف، فقد يكون الأصل (أبو حرة) فتحرفت على بعضهم فقرأها أبو هريرة؛ وأبو حرة معروف بالتدليس كما تراه في طبقات المدلسين لابن حجر (ص17)، وقوله: (أي يروي…. ) أراه من قول ابن عساكر بناه على قصة بسر السابقة. فقوله: (لا يميز هذا من هذا) يعني لا يفصل بين قوله: (قال النبي …. ) وقوله: (زعم كعب…. ) مثلًا بفصل طويل حتى يؤمن أو يقل الالتباس على ضعفاء الضبط، وتسمية هذا تدليسًا غريب، فلذلك قال ابن كثير وحكاه أبو رية (وكأن شعبة يشير بهذا إلى حديث: «من أصبح جنبًا لا صيام له». فإنه لما حوقق عليه قال: أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله ).
    أقول: يعني أنه قال أولًا: (قال رسول الله …) مع أنه إنما سمعه من بعض الصحابة عن النبي . وهذا هو إرسال الصحابي الذي تقدم أنه ليس بتدليس، ولكنه على صورته. والله أعلم
    ثم قال أبو رية (ص166): (قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص50): وكان أبو هريرة يقول قال رسول الله كذا، وإنما سمعه من الثقة عنه فحكاه).
    أقول: تتمة كلام ابن قتيبة (وكذلك كان ابن عباس يفعل وغيره من الصحابة، وليس في
    118
    هذا كذب بحمد الله، ولا على قائله إن لم يفهمه السامع جناح إن شاء الله). والمراد بالثقة الثقةُ من الصحابة على ما قدمت، وقدمت أن مثل ذلك من الصحابة كان عند السامعين محتملًا على السواء لأن يكون بلا واسطة وأن يكون بواسطة صحابي آخر، والمخبر الذي أخبر أبا هريرة صحابي كما يأتي.
    ثم قال أبو رية: (أول راوية اتهم في الإسلام. قال ابن قتيبة إنه لما أتى أبو هريرة من الرواية عنه ما لم يأتِ بمثله من صحبه من جلة أصحابه والسابقين الأولين اتهموه وأنكروا عليه وقالوا: كيف سمعت هذا وحدك؟ ومن سمعه معك؟ وكانت عائشة رضي الله عنها أشدهم إنكارًا عليه لتطاول الأيام بها وبه)
    أقول: تتمة كلام ابن قتيبة: (فلما أخبرهم أبو هريرة بأنه كان ألزمهم لرسول الله لخدمته وشبع بطنه… فعرف ما لم يعرفوا وحفظ ما لم يحفظوا، أمسكوا عنه). وكلمة (اتهموه) كلمة نابية يتبرأ منها الواقع، فإنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه اعترض على شيء من حديث أبي هريرة إلا عائشة وابن عمر، فأما عائشة فيأتي قريبا قولها: «إنك لتحدث حديثًا ما سمعته» فأجابها ذاك الجواب الصريح فأقرت، وقد تتبع أبو رية الأحاديث التي انتقدتها عائشة على أبي هريرة ويأتي الجواب الواضح عنها وأن أكثرها قد ثبت من رواية غير أبي هريرة من الصحابة، على أن انتقاد عائشة لها ليس على وجه الاتهام بكذب ونحوه -معاذ الله- وإنما فيه الاتهام بالخطأ وقد اتهمت عائشة بالخطأ عمر وابن عمر كما مر (ص51) ويأتي. وقد عد الحاكم في المستدرك عائشة في الصحابة الذين رووا عن أبي هريرة كما يأتي، وأما ابن عمر فإنما استغرب حديثًا واحدًا من حديث أبي هريرة فاستشهد أبو هريرة عائشة


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    فشهدت فعاد ابن عمر بطيب الثناء على أبي هريرة وقال له: «يا أبا هريرة! كنت ألزمنا لرسول الله وأعلمنا بحديثه» وممن روى هذا الحاكم في المستدرك (3: 510) وصححه وأقره الذهبي. وفي تهذيب التهذيب والإصابة: (وقال ابن عمر: «أبو هريرة خير مني وأعلم» زاد في الإصابة: "بما يحدث". وفي الإصابة: أخرج مسدد من طريق عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: «كان ابن عمر إذا سمع أبا هريرة يتكلم قال: إنا نعرف ما يقول، لكنا نجبن ويجترئ» وعاصم وأبوه ثقتان. وفي المستدرك (3: 510) من طريق
    119
    (… جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رجل لابن عمر: «إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله فقال ابن عمر: أعيذك بالله أن تكون في شك مما يجيء به، ولكنه اجترأ وجبنا» هكذا ذكره الذهبي في تلخيص المستدرك: (جرير عن الأعمش…) وقد سمع أبو وائل من ابن عمر فأخشى أن يكون ذكر حذيفة مزيدًا على سبيل الوهم. والله أعلم. وفي الإصابة (روينا في فوائد المزكي تخريج الدارقطني من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه: «إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه» فقال له مروان: «أما يكفي أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع؟ قال: لا. فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة. فقيل لابن عمر: هل تنكر شيئًا مما يقول؟ قال: لا. ولكنه اجترأ وجببنا. فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: ما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا»، وقد روى ابن عمر عن أبي هريرة كما في التهذيب وغيره. قال أبو رية: (وممن اتهم أبا هريرة بالكذب عمر وعثمان وعلي).
    أقول: هذا أخذه من كتاب ابن قتيبة، وإنما حكاه ابن قتيبة عن النظام بعد أن قال ابن قتيبة: (وجدنا النظام شاطرًا من الشطار، يغدو على سكر ويروح على سكر ويبيت على جرائرها، ويدخل في الأدناس، ويرتكب الفواحش والشائنات… ثم ذكر أشياء من آراء النظام المخالفة للعقل والإجماع، وطعنه على أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وحذيفة. فمن كان بهذه المثابة كيف يقبل نقله بلا سند؟ ومن الممتنع أن يكون وقع من عمر وعثمان وعلي وعائشة أو واحد منهم رمي لأبي هريرة بتعمد الكذب أو اتهام به ثم لا يشتهر ذلك ولا ينقل إلا بدعاوى من ليس بثقة ممن يعادي السنة والصحابة كالنظام وبعض الرافضة. وقد تقدم ويأتي ثناء بعض أكابر الصحابة على أبي هريرة وسماع كثير منهم منه وروايتهم عنه. وأطبق أئمة التابعين من أبناء أولئك الأربعة وأقاربهم وتلاميذهم على تعظيم أبي هريرة والرواية عنه والاحتجاج بأخباره. وعند أهل البدع من المعتزلة والجهمية والرافضة والناصبة حكايات معضلة مثل هذه الحكاية تتضمن الطعن القبيح في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة وغيرهم، وفي كثير منها ما هو طعن في النبي . والحكم في ذلك واحد، وهو تكذيب تلك الحكايات البتة.
    120
    قال أبو رية: (ولما قالت له عائشة: «إنك لتحدث حديثًا ما سمعته من النبي -أجابها بجواب لا أدب فيه ولا وقار إذ قال لها... - شغلك عنه المرآة والمكحلة. وفي رواية: ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب، ولكن أرى ذلك شغلك»).
    أقول: تتمة الرواية الأخيرة كما في البداية: («فقالت: لعله»). والذي أنكره أبو رية من جواب أبي هريرة عظيم الفائدة للباحث المحقق، وذلك أن أبا هريرة كان شديد التواضع، وقد تقدم أمثلة من ذلك، وعائشة معروفة بالصرامة وقوة العارضة، فجوابه يدل على قوة إدلاله بصدقه ووثوقه بحفظه، ولو كان عنده أدنى تردد في صدقه وحفظه لاجتهد في الملاطفة، فإن المريب جبان، وسكوت عائشة بل قولها («لعله»): أي لعل الأمر كما ذكرت يا أبا هريرة. يدل دلالة واضحة أنه لم يكن عندها ما يقتضي اتهام أبي هريرة، هذا وحجة أبي هريرة واضحة فإن عائشة لم تكن ملازمة للنبي بل انفردت عن الرجال بصحبته في الخلوة، وقد انفردت بأحاديث كثيرة تتعلق بالخلوة وغيرها فلم ينكرها عليها أحد، ولم يقل أحد -ولا ينبغي أن يقول-: إن سائر أمهات المؤمنين قد كان لهن من الخلوة بالنبي مثل ما لها فما بال الرواية عنهن قليلة جدًا بالنسبة إلى رواية عائشة.
    قال: على أنه لم يلبث أن عاد فشهد بأنها أعلم منه… ذلك أنه لما روى حديث: «من أصبح جنبًا فلا صوم عليه». أنكرت عليه عائشة هذا الحديث فقالت: «إن رسول الله كان يدركه الفجر وهو جنب من غير احتلام فيغتسل ويصوم، وبعثت إليه بأن لا يحدث بهذا الحديث عن رسول الله ، فلم يسعه إزاء ذاك إلا الإذعان والاستخذاء وقال: إنها أعلم مني، وأنا لم أسمعه من النبي، وإنما سمعته من الفضل بن العباس».
    أقول: لم أجد حديث أبي هريرة هذا بلفظ: «فلا صوم عليه» وإنما وجدته بلفظ: «فلا يصم» ونحوه، ولا ريب أنه كان في رمضان يلزمه قضاء ذاك اليوم. هذا وقوله: «هي أعلم» لا يناقض جوابه المتقدم، وإنما المعنى هي أعلم بذاك الشأن الذي تتعلق به المسألة ووجه ذلك واضح. وقد عرفت صرامة عائشة وشدة إنكارها ما ترى أنه خطأ. وسيأتي طرف من ذلك، وشدتها على أبي هريرة خاصة، فاقتصارها إذ بلغها حديثه هذا على أن بعثت إليه أن لا يحدث بهذا الحديث
    121
    وذكرها فعل النبي ص يدل دلالة قوية أنها عرفت الحديث ولكنها رأت أنه منسوخ بفعل النبي ص. ويؤيد هذا أن ابن اختها وأخص الناس بها وأعلمهم بحديثها عروة بن الزبير استمر قوله على مقتضى الحديث الذي ذكره أبو هريرة، وهذا ثابت عن عروة، وانظر فتح الباري (4: 124)، وذكر مثله أو نحوه عن طاوس وعطاء وسالم بن عبد الله بن عمر والحسن البصري وإبراهيم النخعي، وهؤلاء من كبار فقهاء التابعين بمكة والمدينة والبصرة والكوفة. والنظر يقتضي هذا، وشرح ذلك يطول. وكأن عروة حمل فعل النبي ص الذي ذكرته عائشة على الخصوصية أو غيرها مما لا يقتضي النسخ، واستدل الجمهور على النسخ بقول الله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } قالوا: فهذه الآية نسخت بالإجماع ما كان قبل ذلك من تحريم الجماع في ليالي رمضان بعد النوم وهي تتضمن إحلاله في آخر جزء من الليل بحيث ينتهي بانتهاء الليل، ومن ضرورة ذلك أن يصبح جنبًا، فهذان شاهدا عدل بصحة حديث أبي هريرة وصدقه: الأول اقتصار عائشة على ما اقتصرت عليه؛ الثاني مذهب تلميذها وابن اختها عروة؛ وثمّ شاهد ثالث، وهو أن المتفق عليه بين أهل العلم وعليه دل القرآن أنه كان الحكم أولًا تحريم الجماع في ليالي رمضان بعد النوم، وأن من فعل ذلك لم يصح صومه ذلك اليوم، والحكمة من ذلك -والله أعلم- أن يطول الفصل بين الجماع وبين طلوع الفجر، ولما كان من المحتمل أن يلجأ بعض الناس إلى السهر طول الليل ويجامع قبيل الفجر بحجة أنه إنما جامع قبل النوم ناسب ذلك أنه يحرم كونه جنبًا عند طلوع الفجر ليضطر من يريد الجماع ممن يسهر إلى أن يقدمه قبل الفجر بمدة تتسع له وللغسل بعده فيحصل بذلك المقصود من طول الفصل، وهذا هو مقتضى حديث أبي هريرة. وشاهد رابع: وهو أنّا مع علمنا بصدق أبي هريرة وأمانته لو فرضنا جدلًا خلاف ذلك فأي غرض شخصي لأبي هريرة في أن يرتكب الكذب على النبي ص ليحمل الناس على ما تضمنه حديثه؟ لا غرض له البتة، وإذًا فلا بد أن يكون كان عنده دليل فهم منه ذلك، وقد عرفنا أنه قلما يلجأ إلى الاستنباط الدقيق وإنما يتمسك بالنصوص، وقد نص هو على أن دليله هو ذاك الحديث فبان أن الحديث كان عنده، فهذه أربعة شهود على صدق أبي هريرة في هذا الحديث.
    122
    وفوق ذلك ما ثبت من دينه وأمانته ودل عليه الكتاب والسنة كما يأتي في فصل عدالة الصحابة، وشهد به جمع من الصحابة وأجمع عليه أهل العلم، فهذا هو الحق، وما بعد الحق إلا الضلال.
    قال أبو رية: (فاستشهد ميتًا، وأوهم الناس أنه سمع الحديث من رسول الله ص كما قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث).


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    أقول: قد تقدم أن الصحابة كان يأخذ بعضهم عن بعض، ويقول لأحدهم فيما سمعه من أخبار عن النبي : (قال النبي …) وكان ذلك يفهم على الاحتمال بدون إيهام لاشتهار عرفهم به قبل عرف المحدثين. وقد أخذ أبو هريرة عن غيره من الصحابة في حياة النبي وعقب وفاته ثم طال عمره حتى كانت قضية هذا الحديث في إمارة مروان على المدينة وذلك في خلافة معاوية، وكان معظم الصحابة قد ماتوا، فما الذي يستغرب من أن يكون مخبر أبي هريرة قد مات؟ وقد تقدم بيان الأدلة الواضحة على صدق أبي هريرة وحديثه هذا، لكن انظر إلى عبارة أبي رية في قوله: (فاستشهد… كما قال ابن قتيبة…) ألا ترى أن هذا الخبر يعطي بأن ابن قتيبة قال ذلك من عنده وأنه رأيه، لكن الواقع أن ابن قتيبة إنما حكى ذلك عن النظام بعد أن وصفه بما تقدم ثم رد عليه، فماذا تقول في أبي رية؟
    ثم قال (ص168): (وكان علي رضي الله عنه سيئ الرأي فيه، وقال عنه: ألا إنه أكذب الناس، أو قال: أكذب الأحياء على رسول الله لأبو هريرة).
    أقول: لم يذكر أبو رية مصدره فنفضحه، وكأنه أخذ هذا من كتاب عبد الحسين الرافضي { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ }. انظر (ص119).
    ثم رأيت مصدره وهو شرح النهج لابن أبي الحديد (1: 360) حكاية عن الإسكافي، ومع تهور ابن أبي الحديد والإسكافي فالعبارة هناك: (وقد روي عن علي عليه السلام أنه قال…. ) ولكن أبا رية يجزم. راجع (ص109).
    قال: ولما سمع أنه يقول: (حدثني خليلي). قال له: متى كان النبي خليلك؟
    أقول: هذا من دعاوي النظام على علي؛ وقد كان أبو ذر يقول هذه الكلمة، والنبي خليل كل مؤمن وإن لم يكن أحد من الخلق خليلًا له لقوله: «لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبي بكر». والخليل كالحبيب فكما أنه لا يلزم من كون إنسان حبيبك أن تكون حبيبه فكذلك الخليل، والخلة أعظم من المحبة فلا يلزم من نفي الخلة نفي المحبة.
    قال أبو رية: (ولما روى حديث: «متى استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يضعها في الإناء
    123
    فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» لم تأخذ به عائشة وقالت: كيف نصنع بالمهراس) وعلق عليه: (المهراس: صخر ضخم منقور لا يحمله الرجال ولا يحركونه يملؤنه ماء ويتطهرون).
    أقول: قد أسلفت (ص108) أن عائشة لم تتكلم في هذا الحديث بحرف، وإنما يروى عن رجل يقال له قين الأشجعي، [37] أنه قال لأبي هريرة لما ذكر الحديث: «فكيف تصنع إذا جئنا مهراسكم هذا؟» قال أبو هريرة: «أعوذ بالله من شرك». كره أبو هريرة أن يقول مثلًا: إن المهراس ليس بإناء، والعادة أن يكون ماء الإناء قليلًا، وماء المهراس كثيرًا، أو يقول: أرأيت لو كانت يدك ملطخة بالقذر؟ أو يقول: إن وجدت ماء غيره أو وجدت ما تغرف به فذاك وإلا رجوت أن تعذر، أو نحو ذلك؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه كان يتورع عن تشقيق المسائل، ويدع ذلك لمن هو أجرأ وأشد غوصًا على المعاني منه. وقد كان النبي ص يلتزم في الوضوء أن يغسل يديه ثلاثًا قبل إدخالهما الإناء، ثبت ذلك من حديث عثمان وعبد الله بن زيد، ولا يخفى ما في ذلك من رعاية النظافة والصحة.
    قال أبو رية: (ولما سمع الزبير أحاديثه قال: صدق، كذب).
    أقول: عزاه إلى البداية (8: 109) وهو هناك عن ابن إسحاق عن عمر -أو عثمان – ابن عروة بن الزبير عن عروة قال: قال لي أبي الزبير: «أدنني من هذا اليماني -يعني أبا هريرة- فإنه يكثر الحديث عن رسول الله ص فأدنيته منه، فجعل أبو هريرة يحدث، وجعل الزبير يقول: صدق، كذب. صدق، كذب. قال قلت: يا أبتِ! ما قولك: صدق، كذب؟ قال: يا بني! إما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله ص فلا أشك فيه، ولكن منها ما يضعه على مواضعه ومنها ما وضعه على غير مواضعه»).
    أقول: في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «إنكم تقرءون هذه الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } الآية، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله ص يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه» انظر تفسير ابن كثير (3: 257): فالوضع على غير الموضع ليس بتغيير اللفظ، فإن الناس لم يغيروا من لفظ الآية شيئًا، وإنما هو الحمل على المحمل الحقيقي، ومثال ذلك في الحديث أن
    124
    يذكر أبو هريرة حديث النهي عن الادخار من لحوم الأضاحي فوق ثلاث، وحديث النهي عن الانتباذ في الدباء والنقير والمزفت، فيرى الزبير أن النهي عن الادخار إنما كان لأجل الدافة، وأن النهي عن الانتباذ في تلك الآنية إنما كان إذ كانوا حديثي عهد بشرب الخمر، لأن النبيذ في تلك الآنية يسرع إليه التخمر، فقد يتخمر فلا يصبر عنه حديث العهد بالشرب ونحو ذلك. وأن أبا هريرة إذ أخبر بذلك على إطلاقه يفهمه الناس على إطلاقه، وذلك وضع له على غير موضعه، ففي القصة شهادة الزبير لأبي هريرة بالصدق في النقل، فأما ما أخذه عليه فلا يضر، فإن في الأحاديث الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، وقد يعلم الصحابي هذا دون ذاك، فعليه أن يبلغ ما سمعه، والعلماء بعد ذلك يجمعون الأحاديث والأدلة ويفهون كلًا منها بحسب ما يقتضيه مجموعها. وراجع (ص32).
    قال أبو رية (ص169) وعن أبي حسان الأعرج أن رجلين دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة يحدث عن رسول الله: «إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار، فطارت شققا ثم قالت: كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول الله ص، إنما قال رسول الله ص: كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار، ثم قرأت: { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا }».

  • صفحة 11 من 21 الأولىالأولى ... 910111213 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. الجزيرة يقيل مدربه العراقي عماد توما رغم بقاء الفريق بدوري الأضواء
      بواسطة Mgtrben Sport في المنتدى الملتقى الرياضي وكرة القدم Football & Sports Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 05-13-2010, 02:30 AM
    2. «أصيلة» الإماراتي يخطف الأضواء في مهرجان سينما الأطفال
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 03-11-2010, 03:46 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1