لا يقال جرم أطول وأقصر من زمان. فبين ألا يقال الطول والقصر لما يقال له الطول والقصر إلا المكان في جنس واحد، أي في جزم فقط، أو سطح فقط، أو مكان فقط، أو زمان فقط. فأما عدد أو قول فلا يقال عليه طول ولا قصر بذاته، بل يقال ذلك عليه من جهة الزمان الذي هو فيه. فإنه يقال عدد طويل أي زمان طويل وكذلك يقال: قول طويل، أي في زمان طويل. إلا أن القول والعدد يحتمل كل واحد منهما اسم الطول واسم المقصر بذاته. وكذلك الكثير والقليل لا يقالان فيما يقالان عليه إلا في جنس واحد أعني فيما يقال عليه العدد. والقول فإنه لا يقال قولاً صادقاً: قول أكثر أو أقل من عدد، ولا عدد أكثر أو أقل من قول، بل عدد أكثر أو أقل من عدد، وقول أكثر أو أقل من قول. فإذا تبين ما قدمنا، فليس إذن الواحد بالحقيقة قابلاً للإضافة إلى مجانسه، وإن كان له جنس يضاف إلى مجانسه، فأقول: لا جنس للواحد الحق. وقد قدمنا أن ما له جنس فليس بأزلي وأن الأزلي لا جنس له، فإذن الواحد الحق أزلي، ولا يتكثر بتة بنوع من الأنواع أبداً، ولا يقال واحد بالإضافة إلى غيره. فإذ هو الذي لا هيولى له ينقسم بها، ولا صورة مؤتلفة من جنس وأنواع، فإن الذي هو كذلك يتكثر بما ألف منه. ولا هو كمية بتة، ولا له كمية لأن الذي هو كذلك أيضاً منقسم، لأن كل كمية أو ذي كمية يقبل الزيادة والنقص. وما قبل النقص منقسم، والمنقسم متكثر بنوع ما. وقد قيل إن الكثرة تكون في كل واحد من المقولات، وفيما يلحقها من الجنس والنوع والشخص والفصل والخاصة والعرض العام والكل والجزء والجميع. وكذلك الواحد يقال على كل واحد من بعده. فإن الواحد الحق ليس هو واحداً من هذه. والحركة فيما هو من هذه، أعني الجسم الذي هو هيولى مصورة، إذ الحركة إنما هي نقلة من مكان إلى مكان، أو ربو أو نقص، أو كون أو فساد، أو استحالة. والحركة متكثرة لأن المكان كمية، فهو منقسم. فالموجود في أقسام: منقسم بأقسام المكان فهو متكثر، فالحركة المكانية متكثرة. وكذلك الربوية والنقصية متكثرة فإن حركة نهايات الرابي والناقص منقسمة لوجودها في أقسام المكان ما بين نهاية الجرم قبل النقص إلى نهايته في نهاية النقص. وكذلك الكون والفساد؛ فإن من بدء الكون والفساد إلى نهاية الكون والفساد، منقسماً بقسم الزمان الذي فيه الكون والفساد بحركة الربو والنقص والفساد منقسمة جميعاً. وكذلك الاستحالة شديد، والاستحالة إلى التمام، منقسمة بأقسام زمان الاستحالة. فجميع الحركات منقسمة؛ وهي أيضاً متوحدة. لأن كل حركة فكلها واحدة؛ إذ الوحدة تقال على الكل المطلق. وجزؤها واحد، إذ الواحد يقال على الجزء المطلق. فإذن - الكثرة موجودة في الحركة - فالواحد الحق لا حركة. وإذ كل مدرك بالحس والعقل، إما أن يكون موجوداً في عينه أو في فكرنا وجوداً طبيعياً، وإما في لفظنا أو خطوطنا وجوداً عرضياً، فإن الحركة موجودة في النفس: أعني أن الفكر ينتقل من بعض صور الأشياء إلى بعض، ومن أخلاق لازمة للنفس إلى سرور وغلى آلام كالغضب، والفرق، والفرح والحزن، وما كان كذلك. فالفكر متكثرة ومتوحدة إذ لكل كثرة وكل جزء، إذ هي معدودة، وهذه أعراض النفس، فهي متكثرة أيضاً ومتوحدة بهذا النوع، فالواحد الحق لا نفس. ولأن نهاية الفكر إذا سلكت على سبل مستقيمة إلى العقل - وهو أنواع الأشياء، إذ النوع معقول وما فوقه، والأشخاص محسوسة، أعني بالأشخاص جزئيات الأشياء التي لا تعطي شيئاً أساميها ولا حدودها - فإذا اتحدت بالنفس فهي معقولة، والنفس عاقلة بالفعل عند اتحاد الأنواع بها. وقبل اتحادها بها كانت عاقلة بالقوة وكل شيء هو كشيء بالقوة، فإنما يخرجه الفعل شيء آخر، وهو ذلك المخرج من القوة إلى الفعل بالفعل. والذي أخرج النفس التي هي عاقلة بالقوة إلى أن صارت عاقلة بالفعل، أعني متحدة بها، أنواع الأشياء وأجناسها، أعني كلياتها. وهي كليات أعيانها، فإنها باتحادها بالنفس صارت النفس عاقلة، أي لها عقل ما أتى لها كليات الأشياء. فكليات الأشياء إذ هي في النفس خارجة من القوة إلى الفعل، هي عقل النفس المستفاد الذي كان لها بالقوة. فهي العقل الذي بالفعل الذي أخرج النفس من القوة إلى الفعل. والكليات متكثرة، كما قدمنا، فالعقل متكثر. وقد نظن أنه أول متكثر. وهو متوحد بنوع ما إذ هو كل كما قدمنا، وأن الوحدة تقال على الكل. والوحدة بحق لا عقل. وإذ في ألفاظنا الأسماء المترادفة كالشفرة والمدية المرادفة حديدة الذبح، فقد يقال واحد للمترادفة، وأنه يقال المدية والشفرة واحد، وهذا الواجد متكثر أيضاً، لأن عنصره، وما يقال على عنصره متكثر. فإن حديدة الذبح التي هي عنصر المترادفة، التي هي المدية والشفرة والسكين متجزئة متكثرة. وأيضاً الأسماء المقولة عليها متكثرة. فالواحد الحق لا أسماء مترادفة. وأيضاً إذ في ألفاظنا المشتبهة بالاسم كالسبع المسمى كلباً، والكوكب المسمى كلباً، فإنه يقال إنهما واحد بالاسم أي كلب. وعنصر هذا الكلب متكثر أعني السبع والكوكب. وهذه المشتبهة بالاسم ليس منها شيء علة لشيء، لأن الكوكب ليس علة السبع، ولا السبع علة الكوكب. وقد توجد متشابهة بالاسم بعضها علة بعض كالمخطوط، والملفوظ، والمفكر فيه، والعين قائمة. فإن الخط الذي هو جوهر منبىء عن اللفظ الذي هو جوهر، واللفظ الذي هو جوهر منبىء عن المفكر فيه الذي هو جوهر. والمفكر فيه الذي هو جوهر منبىء عن العين الذي هو جوهر. وقد يقال لهذه جميعاً واحداً أعني العينفي ذاتها، وفي الفكرة، وفي اللفظ، وفي الخط. والعين في ذاتها علة العين في الفكر، والعين في