الإنسان والكاتب واحد، وما كان كذلك. وأما بالذات فباقي ما يقال عليه الواحد مما ذكرنا أنه يقال واحد. وهن جميعاً ما جوهرها واحد، وينقسم قسمة أولى إما بالاتصال وهو من حيز العنصر، وإما بالصورة وهو من حيز النوع، وإما بالاسم وهو من حيزهما جميعاً، وإما بالجنس وهو من حيز الأول. فالواحد بالاتصال هو الواحد بالعنصر أو بالرباط، وهو الذي يقال له واحد بالعدد أو بالشكل. والواحد بالصورة هي التي حدها واحد. والواحد بالجنس هي التي حد محمولها واحد. والتي بالاسم أعني بها ما هي بالمساواة واحد، والواحد بالمساواة هي التي نسبتها واحد كالأشياء الطبية المنسوبة جميعاً إلى الطب. وجميع هذه الأنواع التي ذكرنا أعني الواحد بالعدد، ثم الواحد بالصورة، ثم الواحد بالجنس، ثم الواحد بالمساواة يتبع أواخرها أوائلها، ولا يتبع أوائلها أواخرها أعني أن ما كان واحداً بالعدد فهو واحد بالصورة، وما كان واحداً بالصورة فهو واحداً بالجنس، وما كان واحداً بالجنس فهو واحد بالنسبة. وليس ما كان واحداً بالنسبة فهو واحد بالجنس، ولا ما كان واحداً بالجنس فهو واحد بالصورة، ولا ما كان واحداً بالصورة فهو واحد بالعدد. فبين أن مقابل الوحدة الكثرة. فالكثرة إذن تقال بكل نوع من هذه. فيقال كثير إما لأنه لا متصل فهي منفصلة، ولأن عنصرها ينقسم للصور، أو صورها للجنس، أو إلى ما ينسب إليه. وبين أن الهوية تقال على كل ما عليه الواحد. فالهوية تقال لما بعده أنواع الواحد. فقد تبين أن الواحد الحق ليس هو شيء من المعقولات ولا عنصر، ولا جنس، ولا نوع، ولا شخص، ولا فصل، ولا خاصة، ولا عرض عام، ولا حركة، ولا نفس، ولا عقل، ولا كل، ولا جزء، ولا جميع، ولا بعض، ولا واحد بالإضافة إلى غير مثل واحد مرسل، ولا يقبل التكثير؛ ولا المركب كثير ولا واحد مما ذكرنا أنه موجود فيه أنواع جميع أنواع الواحد التي ذكرنا. ولا يلحقه ما يحلق مسامتها. وإذ هذه التي ذكرنا أبسط مما هي له، أعني ما يقال عليه، فما يقال عليه أشد تكثراً، فالواحد الحق إذن لا ذو هيولى ولا ذو صورة، ولا ذو كمية، ولا ذو كيفية، ولا ذو إضافة، ولا موصوف بشيء من باقي المعقولات؛ ولا ذو جنس، ولا ذو فصل، ولا ذو شخص، ولا ذو خاصة، ولا ذو عرض عام، ولا متحرك ولا موصوف بشيء مما بقي أن يكون واحداً بالحقيقة. فهو إذن وحدة فقط محض. أعني لا شيء غير وحدة. وكل واحد غيره فمتكثر. فإذن الوحدة، إذ هي عرض في جميع الأشياء، فهي غير الواحد الحق، كما قدمنا. والواحد الحق هو الواحد بالذات الذي لا يتكثر بتة بجهة من الجهات، ولا ينقسم بنوع من الأنواع، ولا من جهة ذاته، ولا من جهة غيره، ولا زمان ولا مكان، ولا حامل ولا محمول، ولا كل ولا جزء، ولا للجوهر ولا للعرض، ولا ينوع من أنواع القسمة أو التكثر بتة. فأما الواحد بجميع الأنواع غيره، فإذا كان فيما هو فيه بالعرض، فكل ما كان في شيء يعرض فمعرضه فيه غيره، إما ما ذلك الشيء فيه يعرض، وإما بالذات، وليس يمكن أن تكون الأشياء بلا نهاية بالفعل. فأول علة للوحدة في الموحدات هو الواحد الحق الذي لم يفد الوحدة من غيره، لأنه لا يمكن أن تكون المفيدات بعضها لبعض بلا نهاية في البدء. وعلة الوحدة في الموحدات هو الواحد الحق الول. وكل قابل للوحدة فهو معلول، فكل واحد غير الواحد بالحقيقة فهو الواحد بالمجاز لا بالحقيقة، فكل واحد من المعلولات للوحدة إنما يذهب عن وحدته إلى غير هوية، أعني أنه يتكثر من حيث يوجد وهو كثير لا واحد مرسل، أعني مرسل واحد لا يتكثر بتة، وليس وحدته شيئاً فير هويته. فإذا كان كل واحد من المحسوسات، وما يلحق المحسوسات، فيها الوحدة والكثرة معاً وكانت الوحدة فيها جميعاً أثراً من مؤثر عارضاً فيه لا بالطبع، ولا كانت الكثرة جماعة وحدانيات اضطراراً، فباضطرار إن لم تكن وحدة لم تكن كثرة بتة. فإذن كل متهو إنما هو انفعال يوجد ما لم يكن. فإذن فيض الوحدة عن الواحد الحق الأول، هو انفعال يوجد ما لم يكن. فإذن فيض الوحدة عن الواحد الحق الأول، هو تهوي كل محسوس، وما يلحق المحسوس، فيوجد كل واحد منها إذن يهوي بهوية إياها. فإذن علة التهوي من الواحد الحق، الذي لم يفد الوحدة من مفيد، بل هو بذاته واحد. والذي يهوي مبدع. وإذ كانت علة التهوي الواحد الحق الأول، فعلة الإبداع هو الحق الأول. والعلة التي منها مبدأ الحركة، أعني المحرك مبدأ الحركة. أعني المحرك هي الفاعل، فالواحد الحق الأول - إذ هو علة مبدأ التهوي أي الانفعال - فهو المبدع جميع المتهويات. فإذن لا هوية إلا بما فيها من الوحدة، وتوحدها هو تهويها. فبالوحدة قوام الكل، لو فارقت الوحدة عادت ودبرت مع الفراق معاً بلا زمان. فالواحد الحق إذن هو الأول المبدع الممسك كل ما أبدع، فلا يخلو شيء من إمساكه وقوته، إلا عاد ودبر. فإذن قد تبين ما أرادنا إيضاحه من تمييز الواحدات ليظهر الواحد الحق، المفيد المبدع، القوي الممسك، وما الواحدات بالمجاز، أعني بإفادة الواحد الحق جل وتعالى عن صفات الملحدين، فلنكمل هذا الفن، ولنتله بما يتلو ذلك تلواً طبيعياً، بتأييد ذي القدرة التامة، والقوة الكاملة، والجواد الفائض. والحمد لله رب العالمين، وصلواته على محمد النبي وآله أجمعين.