واللوز يحب الأرض الرخوة وينمو فيها، والجزائر خير أرض له. ويغرس في الجبال لأنه يحب البرودة، وكذلك يغرس في الرمل ويمكن غرسه حبا وذلك بأن ينقع ثلاثة أيام في زبل مبلول ثم يخرج وتوضع كل واحدة في حفرة فيها تراب من وجه الأرض منكسة في الأرض على التراب المذكور، ويلقى الزبل المخلوط بالتراب عليها في عمق شبر بدعامة قائمة يصعد عليها. ولا يطمر اللوز على عمق أكثر من أربعة أصابع وإلا فإنه ينبت. وإذا نقع حبه ثلاثة أيام قبل غرسه في ماء وعسل حلا طعمه ولا بأس من وضع ثلاث حبات معا في كل حفرة، وينقل بعد عام إلى الأحواض، ثم ينقل بعد عامين إلى محل غرسه كما هو وزراعة اللوز تكون على أنواع فمنه ما يغرس أوتادا على السواقي، ومنه ما يزرع أغصانا تؤخذ من وسط الشجرة وقد تنزع قضبانه باليد جذبا، وتغرس الخلوف النابتة مه بأصولها في الخرفي لا الربيع أما حبه فيزرع في الفصلين. واللوز يورق ويزهر قبل الأشجار كلها، وإذا ربط رأس حمار ميت على شجرة اللوز لم تتناثر، والماء الكثير يضر باللوز وكذلك الأبنية ويركب في الخرفي في القراصيا والمشمش والخوخ، وفي ذوات الصموغ كلها، وإذا ركب الكمثري جاء كثيرا.
والصنوبر ثلاثة أنواع منه أنثى، والذكر لا يثمر وهو الأرز. وقضم قريش يشبه السرو، وكله في العمل سواء، يزرع حبه بعد أن ينقع في الماء ثلاثة أيام، ثم يغرس في نصف آذار، وينقل بعد سنتين أو ثلاث، ويغرس كالبندق ولا زهر له، بل سنابل، ولا يزرع ملوخا ولا أوتادا بل حبا ويغرس في أوان من الفخار الجديد في تراب مأخوذ من وجه الأرض مخلوط بزبل ويغطى بطبقة سمكها إصبعان من الخليط المذكور ثم يسقى بالماء وتوضع كل ثلاث حبات في حفرة، وبعضهم ينقعه في أبوال الصبيان عشرة أيام وقيل خمسة وينقل بعد عام إلى الأحواض بترابه، ثم ينقل من الأحواض بعد عامين أو ثلاث فيقلع برفق حتى لا تتكسر جذوره أو يقطع منها شيء ويغرس في حفرة عمقها أربعة أشبار ويسقى يوميا مدة ثمانية أيام ثم يسقى يوما بعد يوم مدة ثمانية أيام ثم بعد شهر يسقى كل ثامن يوم ولا تزبل الأحواض وإلا فسدت الأغراس وتقلم أغصانه كل عام من أيام الربيع فينمو ويشتد. وقيل إن نثر مع حبه شعير عند غرسه أسرع في النمو والإنتاج وطال لما لا يطول غيره في ثلاث سنين. وقضم قريش يثمر ثمرا صغيرا يشبه الصنوبر.
والجوز يحب الأرض الندية كما يحب الماء وينبت في الجبال إذا كانت هناك مياه ويغرس حبه في شباط وفي الخرفي ثم ينقل، كما يغرس من أغصان تنزع من الشجر، ومن قضبان أصول كما مر وبعض الحكماء كان يزرع اللب الصحيح لسالم، بعد أن يلف عليه صوفة منقوشة ليسلم من الهوام. وكذا فيعل في كل ذي لب له قشران من الثمار. والزبل يضر بالجوز ولكنه يحتاج أن ينبش أصله ويترك منبوشا يومين، ثم يعاد ترابه، والجوز يبطئ في الأرض اللينة ينتج. وقيل إذا نفع في أبوال الصبيان والتراب الخصب مدة خمسة أيام رق قشره. وكذا اللوز بعد أن يختار الجيد من ذلك، وإن نقع في ماء وعسل طاب وحلا وموعد زرعه وقت جمع ثمره. وإذا نقل الجوز ثلاث مرات بعد أن يقيم في كل مرة عاما في مكان حسن، جاد نباته وكثر حمله. وقال بعضهم: السقي بالماء يهلكه وفيسده، ويكفي سقيه في العام أربع مرات أو خمسا. ولا يقلم الجوز ولا يمس بحديد وهو يختلف عن جميع الأشجار ولا يشبه في طبيعته إلا التين، وهو لا يركب منه ولا فيه، ويعمر مائتي سنة، وتقشير عروقه يصلحه، وإذا غفل عنه فسد ثمره واسود وسوّس، لا سيما في الأرض الحارة التربة التي ليس فيها حجر ولا زبل، وطريقة تقشيره أن تقطع العروق التي في ساق الشجرة ولا يبقى منها شيء، لأن الباقي منها فيسد الشجرة وإذا عرض لها علة يرش عليها الماء الحار وتسقى من أصلها الدم - أي دم كان - ويوافقها دم الجمال مخلوطا بماء حار. والجوز مع التين والسداب ترياق لجميع السموم.
والشاهبلوط وهو القسطل أعذب من البلوط وأفضل، وأقل يبسا، وهو لا ينبت في المروج ولا على الماء أنه من الأشجار الجبلية البرية التي تنبت وحدها وهو يحب الهواء البارد وخصوصا ريح الشمال. وقد يغرس حبه كما يغرس من فروعه أو قضبانه فتزرع على عمق اثني عشر إصبعا وتنقل بعد سنتين وتطعم بعد عامين. ولا يجود في البلاد الحارة. ينبت على الحجارة، وينقل من الجبال بعروقه وترابه، ويغرس في حفرة عمقها أربعة أشبار، ويجعل في أسفلها رمل أو حصى مخلوط بتراب جبلي مأخوذ من وجه الأرض، ويغرس ثمره بعد تناهي نضجه في فخار جديد، في رمل مخلوط كما ذكر، وذلك عند زيادة القمر، وينقل بعد عام إلى حوض، ثم بعد عامين إلى مكانه الذي سيستقر فبه. وبين كل غرستين عشرون ذراعا فأكثر، وهو كاللوز والجوز يسقى بالماء الكثير إلى وقت اجتناء ثمره. وإن اتفق أن جرى الماء على أصوله ليلا ونهارا فإنه يعظم حبه ويكثر لحمه، وتركه بلا سقي لا يضره، والبلوط ينفع من السموم ومن الاستطلاق، ويصنع منه خبز وذلك بعد أن يدق ويوضع في الشمس يوما ويجعل معه شيء من دهن ثم يطحن، ثم يخبز بخمير حنطة، وإذا جف خلط مع الشاهبلوط بمقدار نصفه أو ثلثه ثم يطحنان ويعجنا بخمير، فخبز البلوط وحده مضر جدا فليتجنب.
والزعرور يسمى التفاح البري، ويؤخذ من بزره ونباته وملوخه الحمر نحو ستة أشبار ويزبل ويرمّد وهو بطيء الإثمار ولا يكون ذلك إلا بعد نحو عشرين سنة، ولا يركب في شيء ولا يركب فيه شيء إلا الكمثري فإنه يركب في الزعرور، يحتاج إلى الكسح كل سنة بحديد قاطع، والزبل لا يوافقه.